إ ن ّ الشّفاعة لم تعط(137) من اللّه إ لاّ للنبي ّ (ص) واءوصيائه ، وله ذا نقول :وبمحمّد واَّله (ص) نتوجه إ ليك ونستشفع لديك ونقول في التشهد وتقبّل شفاعته والالتجاء بغيرهم باعتبار كونهم من المقرّبين والموجّهين عند اللّه ترجيح للمرجوح عَلى الراجح والمفضول على الفاضل ولا يصدر ذ لِك عن العاقل ، فمع إ مكان الاستشفاع بالنبي ّ واَّله :، والالتجاء بهم ، ومعلوميّة اءفضليّتهم من جميع الا نبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين ، لا حاجة لا حد إ لى الالتجاء والاستشفاع بغيرهم ، وَمَنْعُنا عن الالتجاء بهم إ نّما هو لكون ذ لِك تفضيلا للمفضول عَلى الفاضل ، ولا يصدر إ لاّ عن سفيه اءو جاهل .زَعِم َ الجاهِل السَّراب كماءٍيُتَروّى به غليل ظماءِ قُل ْ له بالغ ِ النظارة َ فِيه ِكي تُرى نَظْرَة َ الحُمَقَاءِ كَيْف َ ه ذا القياس ُ عِنْدَ بَصيرٍعايَن َ الميزان غيرَ سواءِ.ثم قال القائل :((فإ ن قال :اءنا لا اُشرك باللّه شيئا حاشا وكلاّ ، لكن الالتجاء بالصّالحين ليس بشرك فقل له :إ ذا كنت تقرّ باءن ّ اللّه تعالى حرّم الشرك اءعظم من تحريم الزّنا وغيره ، واءن ّ اللّه لا يغفره ، فما ه ذا الا مر الّذي عظّمه اللّه وذكر اءنّه لا يغفره ؟ فإ نه لا يدري فقل :كيف تبرئ نفسك عن الشرك واءنت لا تعرفه ؟ كيف يحرم اللّه عليك ه ذا ويذكر اءنّه لا يغفره ولا تساءل عنه ولا تعرفه ؟ اءتظن ّ اءن ّ اللّه يحرّمه ولا ينبّه لنا؟ فإ ن قال :الشرك عبادة الا صنام فقل له :ما معنى عبادة الا صنام اءتظن ّ اءنّهم يعتقدون اءن ّ تلك الا حجار والا خشاب تخلق وترزق وتدبّر اءمرهم إ ن دعوها؟ فه ذا يكذبه القراَّن ، اءو هو قصد خشبة اءو حجرا(138) اءو بناء عَلى قبر اءو غيره ، ويدعون ذ لِك ، ويذبحون له ، ويقولون :إ نّه يقرّبنا إ لى اللّه زلفى ، ويدفع عنّا اللّه ببركته ، ويعطينا ببركته ، فقد صدقت ، وه ذا هو فعلكم عند الا حجار والبنايا(139) الّتي عَلى القبور ، فه ذا اءقرّ باءن ّ فعلهم ه ذا هو عبادة الا صنام فهو المطلوب )) انتهى . وملخّصه تكرار للمقال وإ عادة لما قال من اءن ّ اءفعال المستشفعين بقبور الا نبياء والا ولياء هي ما كان يعمل به [ يعمله خ ل ] عبدة الا وثان ، والمراد من الشرك المحرّم الّذي هو اءعظم من الزنا هو ه ذا ، لكن لا يعلم اءنّه شرك ، فإ ذا علمتّه واعترف بأ ن ّ عبدة الا صنام كانوا يعملون مثل عملهم ويفعلون مثل فعلهم وقولهم ثبت المطلوب . اءقول :ه ذا الكلام من ه ذا القائل مشتمل عَلى خرص وجهل وكذب وتهمة . اءما الخرص فهو قوله :((فإ نّه لايدري الخ )) إ ذ معنى الشرك معلوم لغة وعرفا لكل ّ من استاءنس بلسان العرب ، وليس له غير المعنى اللغوي اءو العرفي إ لاّ ما اصطلح عليه الوهابية ، والقراَّن منزّل عَلى لسان العرب لا عَلى ما اصطلح عليه جماعة تقليدا لعبد الوهاب الا صفهاني العجمي ّ . فنقول نحن نعلم الشرك الّذي نتبراء منه ، ونقول :هو حاصل لمن لم يوحّد اللّه ذاتا وفعلا ووصفا وعبادة ، فمن عبد غير اللّه بما هو عبوديّة للّه تعالى فهو مشرك ، وكذا التشريك في الاُمور الثلاثة غير العبادة اءيا ما كان ، وقد سبق . واءما الجهل فلا نه ـ عَلى ما يفهم من كلماته ـ لم يعلم اءن ّ الشرك كالتّوحيد اءمر قلبي ّ وفعل من اءفعاله يختلف عمل الجوارح باختلافه ، مثلا الانحناء لشخص عظيم يجلّله تعظيم ، ولغيره مسخرة واستهزاء ، وليس حاله كالسجود المختص باللّه تعالى حتّى لا ينقلب عنوانه بالقصد ، فتقبيل الحجر الا سود(140) واستلامه ، وكذا الا حجار والا خشاب المعمولة للبناء عَلى قبور الا نبياء والا ولياء والالتجاء بهم لا يقاس باءفعال عبدة الا وثان ، فإ نهم يدعون اءصنامهم ، ويذبحون لها ، والمستشفعون بالا نبياء لا يدعونهم ، ولا يذبحون لهم ، ولا يقولون :«مانعبدهم إ لاّ ليقربونا إ لى اللّه زلفى »(141) وقد سبق تبيان ذ لِك . فقوله :((وه ذا هو فعلكم عند الا حجار والبنايا الّتي عَلى القبور وغيرها الخ )) باطل ناش ٍ عن جهل بمعنى العبادة ، وكذب وتهمة في نسبة فعلنا إ لى فعل عبدة الا صنام ، و ه ذا الكلام لا يصدر عن العوام إ لاّ ضل ّ من الا نعام ؛ لا ن ّ المشركين كانوا يقولون :«اءتنهانا اءن نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ اَّباؤ نا»(142) اءو يقولون :« ما نَعْبُدُهم ْ إ لاّ ليقرّبونا إ لى اللّه زلفى » فيصرحون باءنّهم يعبدون الا صنام الّتي قال اللّه تعالى فيها :« لا يملكون شيئا»(143) حتّى الشّفاعة ، «ولايعقلون »(144) شيئا فيكون سببا لقربهم ووجاهتهم عند اللّه . واءما المستشفعون بالا نبياء فيصرحون بقول لا إ له إ لاّ اللّه ، ولانعبد إ لاّ ايّاه ، ويستشفعون بمن اءذن اللّه في الاستشفاع به ، وهو وجيه عند اللّه ، وواسطة لا يصال الفيوضات من اللّه إ لى عباده ، ومع قربه ووجاهته لا يعبدونه ، بل يقولون لا نعبد إ لاّ إ يّاه ، فكيف لا يستحيي ولا يخجل ه ذا القائل من قوله :((ه ذا فعلكم عند الا حجار الخ ))؟ مع اءن ّ الكلام كان في الاستشفاع والالتجاء ، وليس اءحد من المستشفعين بالا ولياء يفعلون ذ لِك بالنّسبة إ لى اءحجار بنيان القبور و اءخشابه ، وما اءشبه ه ذا الكلام السّفسطي بمقالة من يقول من اءهل السّنّة من اءن ّ الشّيعة الرافضة (145) مشركون لسجودهم عَلى التّربة ؛ وهي كالصّنم لِعَبَدَتِه ، وكلّما يقول الساجد على التربة من اءن ّ ه ذا تعفير ، وهو مندوب ، وخضوع مخصوص للّه جل ّ جلاله ؛ لا يقبلون منه الاعتذار ، ويجعلونه مسلك الفرار ، كما اءن ّ الشيعة تقول لهم :إ ن ّ التّكتّف حال القراءة قبل الركوع تعظيم للجبابرة عند الوقوف بحضورهم ، ولا يصح ّ اءن يعمل في الوقوف عند اللّه ما يعمل للوقوف بمحضر الجبابرة ، وهو بدعة ، مستحدثة لم ياءت بها النبي ّ المختار (ص) ولم تحكم (146) به شريعة سيد الا برار يقولون :ه ذا اءدب نعمله للعظماء واءي ّ عظيم اءعظم من اللّه ، ولا يقبلون الا دلة الدالة عَلى المنع منه باستحسان عندهم ، لكن ّ الحق ّ اءحق ّ اءن ّ يتبع .اءيا مَن ْ اءنْت َ مختال ٌ فخورُوتزعم ُ اءنْك حيّال ٌ غرورُ اءتخدع بالتمويه جمعا(147)وبين يديك منتقم غيورُ تَرى يَوماًيخاصمك الجماعة عليك َ جزاءُ ما تعمل ْ يدورُ
في دعوى اءن الشرك لا يختص بعبادة الا صنام
ثم قال :((ويقال له اءيضا قولك الشرك عبادة الا صنام هل مرادك اءن ّ الشرك مخصوص به ذا ، واءن ّ الاعتماد على الصّالحين ودعائهم لا يدخل في ذ لِك ؟ فهذا يردّه ما ذكره تعالى في كتابه العزيز من تعلّق بالملائكة وعيسى عليه السلام والصالحين ، فلابدّ اءن ّ يقرّ لك اءن ّ من اءشرك في عبادة اللّه اءحدا من الصّالحين فهو الشرك المذكور في القراَّن ، وه ذا هو المطلوب )) انتهى . وملخّص مقصوده :اءن ّ الشّرك غير مختص بعبادة الا صنام ؛ فإ ن ّ اللّه تعالى كفّر من تعلّق بالملائكة وعيسى والصّالحين وتكفيرهم إ نمّا هو لكونهم داعين مع اللّه اءحدا ، فيكون فعلكم كعملهم ، في كونه شركا. ه ذا مرامه ، لكنك خبير باءن ّ هذه سفسطة واضحة ؛ لا ن ّ التعلّق بالملائكة وعيسى والصالحين يصدق عليه العبادة ، والدّعوة مع اللّه اءحدا بالبيان المتكرر المتقدم ، وه ذا غير الاستشفاع بالنبي ّ (ص) والولي عليه السلام وبينهما بون بعيد ، وتفاوت شديد ، فلا يشابهه ولا يدانيه ، ويدرك ذ لِك من لاعيب فيه ودلالة الوجدان عليه تغنيه ، وقد تكرر منّا بيانه جوابا لتكرار برهانه ، فإ نّه حيث لم يكن عنده دليل عَلى مدّعاه سوى ما ادّعاه اءوّلا وحققنا جوابه كاملا ، يكرّر ذ لِك بعبارات مختلفة غير فصيحة ، ويلزمنا التكرار ردّا عليه وكلّما عاد للا ضلال عدنا عليه للاذلال .إ ن ّ عادت العقرب عدنا لهاوكانت النّعل لها حاضره ثم قال القائل :((وسرّ المساءلة اءنّه إ ذا قال :اءنا لا اُشرك باللّه شيئا فقل له :و ما الشّرك باللّه ؟ فسّره لي فإ ن قال :هو عبادة الا صنام فقل :ما معنى عبادة الا صنام ؟ فسّرها لي ، فإ ن قال :اءن لا نعبد إ لاّ اللّه فقل ما معنى عبادة اللّه ؟ فسّرها لي ، فإ ن قال بما فسّره القراَّن فهو المطلوب ، وإ ن لم يعرفه فكيف يدّعي شيئا لا يعرفه ، وإ ن فسّره بغير معناه بيّن له الا يات الواضحات في معنى الشرك ، وما قاله عبدة الا وثان اءنّه الّذي يفعلونه ه ذا الزمان بعينه ، واءن ّ عبادة اللّه وحده لا شريك له هي الّذي ينكرون علينا ، ويصيحون كما يصيح إ خوانهم حيث قالوا :«اءجعل الا لهة إ ل هاً واحدا ه ذا لشي ءٌ عجاب »(148) انتهى . ومراده من ه ذا الكلام الطويل ما كرره سابقا من اءن ّ عبدة الا صنام مقرون باللّه الخالق الرازق المدبّر ، ويستشفعون بالا صنام والصّالحين للتقرب إ لى اللّه ، وه ذا عين ما عليه أ هل زماننا لكونهم ؛ مقرين باللّه خالقاً ورازقا ويستشفعون بالصالحين للتقرب إ لى اللّه ، ولكنك قد عرفت الجواب بما ذكرنا في المقدمات وغيرها. ونجيب كلامه هنا اءيضا بتعبير اءوضح فنقول في جواب السؤ ال عن تفسير الشرك اءعني قوله :((ما الشرك فسّره لي )):اءن ّ الشّرك العبادة لغير اللّه بما يعبد به اللّه تعالى وحده ، ومعناه اءنّه إ ذا تواضع وخشع لغير اللّه بالخضوع والخشوع الّذي يفعله للّه من السجود والركوع والقنوت والدعوات الخاصّة به تعالى فهو مشرك باللّه وإ ن سمِّي من فُعِل َ له ذ لِك شفيعاعند اللّه فضلا عن اءن يسمّيه إ لها ، ولا خفاء في معنى الشرك لغة وعرفا حتّى يحتاج إ لى التفسير بعبادة الا صنام . وكذا نقول في جواب السؤ ال عن معنى عبادة اللّه :إ ن ّ العبادة التشريعية والتكوينية قد بيّناهما في المقدمات ؛ وهي توقيفية يتوقف بيانها عَلى تعيين النبي ّ (ص) ، ولا يجوز التعدي عمّا بيّنه (ص) ، ويحرم فعل ما عيّنه اللّه عبادة لغيره تعالى ، وعلى ه ذا فتفسير الا يات بما بيّنه وفسّره ه ذا القائل تفسير بغير ما هو حق ّ التفسير لها ، فيشمله قول النبي ّ (ص) :((من فسّر القراَّن براءيه فَلْيَتَبَوّاءْ مَقْعَدَه ُ مِن ْ النّارِ))(149) وقد فصلّنا الفرق بين عمل عبدة الا صنام وعمل المستشفعين بالا نبياء والا ولياء عليه السلام فراجع ولكن :لا تَزْعُمَن ْ يا مَن ْ له التدبيرُ في التفسيريُقبل لدى اءحدٍ ماقلته بنقير ماذا دعاك إ لى الا صرار في حمق تهجي به مرة اُخرى بِتكفيرْ(150) ثم قال القائل :((فإ ن قال :إ نهم لم يكفروا بدعاء الملائكة والا نبياء ، وإ نّما كفروا لمّا قالوا :الملائكة بنات اللّه ، ونحن لم نقل عبد القادر ولا غيره ابن اللّه . فالجواب اءن ّ نسبة الولد إ لى اللّه كفر مستقل ّ ، قال اللّه تعالى :«قل هو اللّه اءحد اللّه الصمد»(151) فالا حد الّذي لانظير له ، والصمد المقصود في الحوائج ، فمن حجد ه ذا فقد كفر ولو لم يحجد اءوّل السورة ، ثم قال :«لم يلد ولم يولد»(152) فمن جحد ه ذا فقد كفر وإ ن لم يجحد اءوّل السورة ، قال اللّه تعالى :«ما اتخذ اللّه من ولدٍ وما كان معه من إ ل ه »(153) ففرّق بين النوعين ، وجعل كلاّ منهما كفرا مستقلاّ ً. وقال اللّه تعالى :«وجعلوا للّه شركاء الجن ّ وَخَلَقَهُم ْ وَخَرَقوا له بنين َ وبنات ٍ بغير علم ٍ سُبحانَه ُ وَتعالى عمّا يصفون »(154) ففرق بين الكفرين . والدليل عَلى ه ذا اءيضا اءن ّ الذين كفروا بدعاء اللات مع كونه رجلاً صالحا لم يجعلوه ابن اللّه والذين كفروا بعبادة الجن ّ لم يجعلوهم كذ لِك ، وكذ لِك العلماء في المذاهب الا ربعة يذكرون في باب حكم المرتد أ ن ّ المسلم إ ذا زعم اءن ّ للّه ولدا فهو مرتد ، وإ ذا دعا للّه ندّاً فهو مرتد فيفرقون بين النوعين ، وه ذا غاية الوضوح )) انتهى . وخلاصة السؤ ال والجواب :اءن ّ اعتذار المستشفعين بالا نبياء والا ولياء عن كفر المشركين المستشفعين بالملائكة من باب قولهم بكونها بنات اللّه ، وه ذا العذر غير مقبول ؛ لكون القول بذ لِك كفرا اَّخر غير الشرك باللّه . ه ذا ولكن احتمال اعتذار ه ؤ لاء بذ لِك من الجهالة ، بل ناش ٍ من الحماقة ؛ لا ن ّ الفرق بين الكفرين واضح لا يخفى عَلى الجهال فضلاً عن العقلاء والعلماء ذوي الا لباب ، ومااءجاب به ه ذا القائل عن السؤ ال إ نّما يتجه لفرض وجود سائل غير قابل بل اءحمق جاهل ، وما يستحق الجواب اءن يفرض السائل في مقام الفرق بين عملهم وعمل المستشفعين بالملائكة من غير جهة قولهم بكون الملائكة بنات اللّه ؛ لوضوح قولهم بكونها إ لها معبودا وكان عملهم عَلى ذ لِك وقولهم :«ه ؤ لاء شفعاؤ نا عند اللّه » اءو «ليقربونا إ ليه زلفى » اقرار منهم بما ينافي حقيقة الاستشفاع فإ ن ّ الاستشفاع بهذه الكيفية لا يصدق عليه الاستشفاع ، وإ ن ّ المستشفعين بالا نبياء والا ولياء لا يعملون عملا ينافي الاستشفاع ، مع اءن ّ الاستشفاع اءمر يحتاج إ لى إ ذن من اللّه للشفيع فيكون بالاستلزام إ ذنا للمستشفعين في الاستشفاع ، واءنّه لم يدل ّ دليل على إ ذن الملائكة في الشّفاعة فضلا عن اءصنامهم واءمثالها ، والفرار عن جواب ه ذا الاعتراض بفرض السؤ ال المذكور ، والجواب عنه بما لا يخفى عَلى ذي مسكة مغلطة واضحة وسفسطة لائحة . ه ذا كلّه مضافا إ لى اءن الكفر علّة واحدة ولو باختلاف الموجبات ، واءي ّ ربط بينه وبين اثبات الكفر بالاستشفاع بالكيفية المعمولة بين المستشفعين بالنبي ّ (ص) وأ وصيائه عليه السلام الّذين لا يجعلونهم معبودا ، ولا يسمّونهم إ ل ها ، ولا يعبدونهم نحو عبادة المشركين الّذين سمّاهم اللّه تعالى مشركين ، والقياس ـ مع بطلانه من اءصله ؛ فان اءوّل من قاس إ بليس ـ لا يصّح مع الفارق ، والدّعوة والاستغاثة اللّتين ترجعان إ لى دعوة اللّه والاستغاثة به تعالى ليس دعوة مع اللّه اءحدا . وبما ذكرنا ظهر لك اءن ّ عبدة اللات و الجن ّ كانوا عابدين لهما كما ذكرنا مرارا لا مستشفعين نحو الاستشفاع بالا نبياء والا ولياء:من المسلمين ، والاستشهاد بمقالة العلماء في المذاهب الا ربعة ليس منكرا ولا مربوطا بالمقام .إ ن كنت ذا بصر فالفرق منظوراءن القياس بطل والذم مشهور(155) لكن بعين حسودكل ّ واضحة (156)تستر بحقدخفي ّوهو مستور(157).ثم قال القائل :((وإ ن قال :«أ لا إ ن ّ اءولياء اللّه لا خوف عليهم ولاهم يحزنون »(158) فقل ه ذا حق ّ ولكن لا يعبدون ، ونحن لا ننكر عبادتهم مع اللّه واشراكهم معه ، وإ لاّ الواجب عليك حبهم واتباعهم والاقرار بكراماتهم ولا يجحد كرامات الا ولياء إ لاّ اءهل البدع والضّلال ؛ ودين اللّه وسط بين طرفين ، وهدى ً بين ضلالتين ، وحق بين باطلين )) انتهى . أ قول :من الشيطنة والتقلبات المندرجة في ه ذا المقال تركه تقريب الاستدلال لعدم مناسبة جوابه لهذه الا ية بالتقريب الّذي لا يمكن الذب ّ عنه ، ونحن نستدل ّ بهذه الا ية بتقريب يعلم كل اءحد عدم مناسبة الجواب معه ، والعجب اءنّه ذكر هذه الا ية وجعلها من المتشابهات ، وكاءنّه لم يعرف تقريب الاستدلال وهو باءن يقال :لمّا قال اللّه في مواضع من كتابه الكريم :«اءلا إ ن ّ اءولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » عرفنا صدق ه ذا الكلام ،ولمّا راءينا قوله تعالى :«إ نّكم وماتعبدون من دون اللّه حصب جهنم اءنتم لها واردون »(159) عرفنا اءن ّ اءولياء اللّه غير معبودين ، وإ لاّ لكانوا من اءهل جهنّم وكانوا خائفين محزونين ، فنستدل بعدم الخوف عليهم وعدم حزنهم اءن ّ الاستشفاع بهم ليس عبادة ودعوة لهم ، فمن جعل ذ لِك عبادة لهم مع اللّه فهو معاند لجوج ومجادل مجوج ، مبطل في كلامه مضل في مرامه ، وعليه وزر اَّثامه . وإ ذا عرفت تقريب الاستدلال عرفت اءن ّ قوله :((ه ذا حق ّ ،لكن ((لا يعبدون )) تناقض في كلامه ؛ لا نهم إ ن كانوا معبودين لا يمكنهم عدم الخوف والحزن بعد قول اللّه تعالى لمن يعبد سواه :«إ نّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم »الخ فلابدّ اءن يحمل ما يعمل بالنّسبة إ ليهم من الاستشفاع عَلى ما ليس بعبادة غير اللّه ، ولا الدّعوة مع اللّه اءحدا مع اءن ّ إ لاقرار بكراماتهم في حياتهم إ ن كان بحصول ما يساءلهم النّاس من شفاء مرض ، اءو قضاء حاجة لهم ؛ فليس ذ لِك إ لاّ بسبب قبول شفاعتهم عند اللّه ؛ فإ نهم لا يملكون لا نفسهم نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا. وكذا ما يظهر منهم بعد الممات بعد التوسّل بهم عند قبورهم اءو في غيرها؛ لا يحصل إ لاّ بقبول شفاعتهم عند اللّه في محاويج عبيده وإ مائه ؛ فإ نهم :حقيقة ليسوا باءموات ، بل اءحياء عند ربّهم يرزقون كما قال تعالى في كتابه العظيم :«ولا تحسبن ّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه اءمواتا بل اءحياء عند ربّهم يرزقون »(160) الخ . وبالجملة كلّما يحصل للناس بعد التوسل والاستشفاع بهم عند اللّه من قضاء الحوائج مثبت لكرامتهم و قربهم ووجاتهم عند اللّه ، ودليل عَلى قبول شفاعتهم عنده تعالى .كرامة الا ولياءْشاهد صدق ٍ عَلى شفاعة المذنبين لدى إ ل ه ِ لسماءْ يا اءيّها المذنبون قوموا إ لى المغفره من رحمة ٍ واسعه ْشفاعة الشّافعين ْ.
الفرق بين شرك الا ولين و شرك اءهل هذا الزمان
ثم قال القائل :((فإ ذا عرفت اءن ّ ه ذا الّذي يسميه المشركون في وقتنا الاعتقاد هو الشرك الّذي نزل فيه القراَّن ، وقاتل رسول اللّه (ص) النّاس عليه فاعلم اءن ّ شرك الا وّلين من شرك اءهل زماننا اءخف باءمرين :اءحدهما :اءن ّ الا وّلين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والا ولياء والا وثان مع اللّه إ لاّ في الرّخاء ، واءمّا في الشّدّة فيخلصون الدين للّه كما قال تعالى :«وإ ذا مسّكم الضُّرُّ في البحرِ ضَل َّ مَن ْ تَدْعُوْن َ إ لاّ إ يّاه فلما نجّاكم إ لى البرِ اءعرضتم وكان الا نسان ُ كفوراً»(161) ، وقال تعالى :«قل اءراءيتُم ْ إ ن اءتاكم عذاب ُ اللّه ِ اءو اءتتكُم ُ السّاعَة ُ اءغيرَ اللّه ِ تدعون َ إ ن كنتُم صادقين َ بل إ يّاه تدعون َ»(162) اءلخ وقال تعالى :«وإ ذا مس ّ الا نسان َ ضرُّ دعا ربّه ُ مُنيبا إ ليه ثم إ ذا خوّلَه ُ نعمة ً منه ُ نَسِي َ ما كان يدعو إ ليه مِن ْ قَبْل ُ»(163) الا ية وقال تعالى :«وإ ذا غَشِيَهُم موج ٌ كالظّلل ِ دَعَوُا اللّه َ مخلصين َ له الدّين »(164) الا ية . فمن فهم هذه المساءلة الّتي وضحها اللّه في كتابه ، وهي اءن ّ المشركين الذين قاتلهم رسول اللّه (ص) يدعون اللّه ، ويدعون غيره في الرّخاء ، واءمّا في الضّراء والشدّة ، فلا يدعون إ لاّ اللّه وحده وينسون ساداتهم ؛ تبين ّ له الفرق بين شرك اءهل زماننا وشرك الا وّلين ، لكن اءين من يفهم قلبه هذه المساءلة فهما راسخا ، واللّه المستعان )) انتهى . اءقول :للقائل في مقاله ه ذا دعويان :الاُولى :تسمية عمل المشركين في زمانه اعتقادا . الثانية :اءخفّية شرك الا وّلين عن شرك اءهل زمانه ؛ لكون الاوّلين داعين لغير اللّه في الرخاء دون الشدة ، بخلاف المشركين في زمانه ؛ فإ نّهم يدعون غير اللّه في الرّخاء والشدّة جميعا ، وكلتا الدعويين ناشئة عن الجهالة والضّلالة ، اءو إ غفال لمن له رشد ونبالة . توضيح ذ لِك :اءن ّ الاعتقاد عند من يسميه القائل :