المبحث الثالث القدوة الحسنة
إنَّ اقتحام العقول والنفوس بغية التأثير في الناس ، أصعب بكثير من اقتحام المواقع والثغور ، وذلك لاَن الناس يختلفون اختلافاً بيّناً في طريقة التفكير ، وفي مركّب المزاج وفي مستوى الثقافة ، ونتيجة لكلِّ ذلك ، تصبح عملية التعامل معهم ، والتأثير فيهم عملية صعبة وشاقة ، وتحتاج إلى قدرات ومتطلبات من نمط خاص ، لا تتوفر إلاّ عند الخواص من أهل الصَّبر ، والعلم بمواقع الاَمر . وأهل البيت في مقدمة هذا الطراز الرّفيع من القادة ، الذين تمكنوا من اجتذاب الناس وامتلكوا أزمّة قلوبهم ، ومفاتيح عقولهم من خلال القدوة الحسنة والسلوك السويّ ، خصوصاً وأنّ الناس ـ عادة ـ لا تتأثر بلسان المقال ، بقدر ما تتأثر بلسان الحال . ومن الشواهد الدالة على إلتزام الاَئمة عليهم السلام العملي بحقوق الوالدين ، وتأثر الناس بهذا السلوك ، ان الاِمام علي بن الحسين عليه السلام كان يأبى ان يؤاكل أمّه ، واسْتَلْفَتَ هذا الموقف أنظار أصحاب الاِمام والمحيطين به ، وسألوه باستغراب : إنك أبرّ الناس وأوصلهم للرّحم ، فكيف لا تؤاكل أمك ؟! فقال عليه السلام : «إني أكره أن تسبق يدي إلى ماسبقت إليه عينها ، فاكون قد عققتها» (1)!(1) في رحاب أئمة أهل البيت للسيد محسن الامين ـ 2 : 195 .