من أصابع الرحمن، و أنه كيف يهوى مرة إلىأسفل السافلين، و ينخفض إلى أفق الشياطينو كيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين، و يرتقىإلى عالم الملائكة المقربين و من لم يعرفقلبه ليراقبه و يراعيه، و يترصد لما يلوحمن خزائن الملكوت عليه و فيه فهو ممن قالالله تعالى فيه نَسُوا الله فَأَنْساهُمْأَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُالْفاسِقُونَ فمعرفة القلب و حقيقةأوصافه أصل الدين، و أساس طريق السالكين وإذ فرغنا من الشطر الأول من هذا الكتاب منالنظر فيما يجرى على الجوارح من العباداتو العادات، و هو العلم الظاهر، و وعدنا أننشرح في الشطر الثاني ما يجرى على القلب منالصفات المهلكات و المنجيات، و هو العلمالباطن، فلا بد أن نقدم عليه كتابين كتابافي شرح عجائب صفات القلب و أخلاقه، و كتابافي كيفية رياضة القلب و تهذيب أخلاقه. ثمنندفع بعد ذلك في تفصيل المهلكات والمنجيات. فلنذكر الآن من شرح عجائب القلببطريق ضرب الأمثال ما يقرب من الأفهام،فإن التصريح بعجائبه و أسراره الداخلة فيجملة عالم الملكوت ما يكل عن دركه أكثرالأفهام.
بيان معنى النفس و الروح و القلب و العقل وما هو المراد بهذه الأسامي
اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل فيهذه الأبواب، و يقل في فحول العلماء منيحيط بهذه الأسامي، و اختلاف معانيها وحدودها و مسمياتها. و أكثر الأغاليطمنشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامي، واشتراكها بين مسميات مختلفة. و نحن نشرح فيمعنى هذه الأسامي ما يتعلق بغرضنا
اللفظ الأول: لفظ القلب.
و هو يطلق لمعنيين. أحدهما اللحم الصنوبريالشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر،و هو لحم مخصوص، و في باطنه تجويف، و في ذلكالتجويف دم أسود، هو منبع الروح و معدنه. ولسنا نقصد الآن شرح شكله و كيفيته، إذيتعلق به غرض الأطباء، و لا يتعلق بهالأغراض الدينية. و هذا القلب موجودللبهائم