و في أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج،و يختلط العقل، و يمرض البدن، و إذا لمتتقدم رياضة النفس و تهذيبها بحقائقالعلوم، نشبت بالقلب خيالات فاسدة، تطمئنالنفس إليها مدة طويلة، إلى أن يزول وينقضي العمر قبل النجاح فيها فكم من صوفىسلك هذا الطريق، ثم بقي في خيال واحد عشرينسنة، و لو كان قد أتقن العلم من قبل، لانفتح له وجه التباس ذلك الخيال في الحال.فالاشتغال بطريق التعلم أوثق و أقرب إلىالغرض و زعموا أن ذلك يضاهي ما لو تركالإنسان تعلم الفقه، و زعم أن النبي صلّىالله عليه وسلّم لم يتعلم ذلك، و صار فقيهابالوحي و الإلهام، من غير تكرير و تعليق،فأنا أيضا ربما انتهت بي الرياضة والمواظبة إليه. و من ظن ذلك فقد ظلم نفسه، وضيع عمره، بل هو كمن يترك طريق الكسب والحراثة، رجاء العثور على كنز من الكنوز،فإن ذلك ممكن، و لكنه بعيد جدا. فكذلك هذا.و قالوا لا بد أولا من تحصيل ما حصلهالعلماء، و فهم ما قالوه، ثم لا بأس بعدذلك بالانتظار لما لم ينكشف لسائرالعلماء، فعساه ينكشف بعد ذلك بالمجاهدة
بيان الفرق بين المقامين بمثال محسوس
اعلم أن عجائب القلب خارجة عن مدركاتالحواس، لأن القلب أيضا خارج عن إدراكالحس. و ما ليس مدركا بالحواس تضعف الأفهامعن دركه إلا بمثال محسوس. و نحن نقرب
ذلك إلى الأفهام الضعيفة بمثالين:
أحدهما: أنه لو فرضنا حوضا محفورا فيالأرض.
أحتمل أن يساق إليه الماء من فوقه بأنهارتفتح فيه، و يحتمل أن يحفر أسفل الحوض، ويرفع منه التراب، إلى أن يقرب من مستقرالماء الصافي، فينفجر الماء من أسفلالحوض، و يكون ذلك الماء أصفى و أدوم، و قديكون أغزر و أكثر. فذلك القلب مثل الحوض، والعلم مثل الماء، و تكون الحواس الخمس