مصادر تشريع التقية
مصادر تشريع التقيةلا شكّ أنّ جميع ما يعتقد المسلمون بصحّته من عقائد وأحكام، وعلى اختلاف مذاهبهم وفرقهم لا بدّ له من دليل شرعي، ذلك لأن ما في الدين الإسلامي أشبه ما يكون بسلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها اُخرى عملية، متصلة الحلقات ويشدّها الدليل والبرهان.وبغض النظر عن اختلاف المسلمين في بعض العقائد والأحكام تبعاً لاختلافهم في تحديد دلالة الألفاظ وظواهرها، وما لها من تأثير ملحوظ في تفسير نصوص الكتاب والسُّنّة، أو لإقامة بعضهم أدلّة اُخرى للاستنباط، لم تزل إلى الآن محل نزاع بينهم، إلا أنّ ما يجمعهم - والحمد للّه - من العقائد والأحكام هو أكثر بكثير ممّا يفرّقهم، هذا فضلاً عن اتفاقهم في الآداب والأخلاق الإسلامية التي يندر وجودها في غير المجتمع الإسلامي.ومن بين تلك الاُمور التي تجمعهم هي التقية، حيث تقدّم أنّها من المفاهيم الإسلامية المتفق عليها بين سائر المذاهب والفرق الإسلامية، وعليه فلا بدّ وأن تكون مصادرها التشريعية قد أطبقت على صحّتها كلمة المسلمين.وفيما يأتي بيان تلك المصادر المشرِّعة للتقية، والتي احتجّ بها في المقام أهل السُنّة، وهي :أولاً - النصوص القرآنية
أولاً - النصوص القرآنيةاستدل علماء أهل السُنّة وغيرهم من علماء المذاهب والفرق الإسلامية بجملة من الآيات الكريمة - وقد شاركهم بهذا علماء الشيعة الإمامية أيضاً - على مشروعية التقية، نذكر منها :الآية الاُولى :قال تعالى : <(لا يتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرِين أوليَاءَ مِن دُونِ المُؤمنينَ ومَن يفعَل ذلِكَ فليسَ مِن اللّهِ في شيءٍ إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تُقاةً ويُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نفسَه وإِلى اللّهِ المصِيرُ)(1).فقد احتج الإمام مالك بن أنس (ت / 179ه) بهذه الآية على أنّ طلاق المكره تقية لا يقع، وقد نسب القول بهذا إلى ابن وهب ورجال من العلم - على حد تعبيره - ثمّ ذكر أسماء الصحابة الذين قالوا بذلك، ونقل عن ابن مسعود قوله : «ما من كلام كان يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلّماً به»(2).وقال الطبري (ت / 310ه) : <(إلا أن تتَّقُوا مِنهُم تُقَاةً<) : «إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة». وقد روى هذا المعنى عن :ابن عباس (ت / 68ه) من طريقين.(1) آل عمران 3 : 28.(2) المدونة الكبرى / مالك بن أنس 3 : 29.