الباب
الثاني
في حج
التمتع
وفيه فصول:
الفصل
الأول
في إحرام
الحج
الإحرام ركن يبطل
الحج بتعمد تركه، ولا يبطل بتركه
جهلاً أو نسياناً، كما تقدم في
آخر فصل المواقيت، وأول وقته
لغير المتمتع دخول أشهر الحج،
وللمتمتع بعد الفراغ من عمرته.
ويمتد وقته
الاختياري إلى أن يتضيق وقت
الوقوف الاختياري بعرفة، ويمتد
وقته الاضطراري إلى أن يدرك
الموقف الاضطراري على التفصيل
الآتي.
(مسألة 329): يحرم
المتمتع بالحج من مكة، ويحرم
غيره بالحج من الميقات.
وقد تقدم في فصل
أنواع الحج حكم المتمتع إذا تعذر
عليه الإحرام بالحج من مكة أو
أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً
أو عمداً.
(مسألة 330): إذا نسي
المتمتع الإحرام بالحج من مكة
حتى خرج إلى منى أو عرفة فالأحوط
وجوباً الرجوع إليها للإحرام،
وإذا ضاق الوقت عن الرجوع ثم
الوقوف عند الزوال في عرفة أو
تعذر الرجوع أحرم من موضعه
وأجزأه ذلك. وكذا الحكم إذا ترك
الإحرام من مكة جهلاً بوجوبه.
(مسألة 331): إذا نسي
الإحرام حتى قضى المناسك كلها صح
حجه. وكذا إذا تركه جهلاً بوجوبه.
ولو ذكر أو علم بعد أداء بعض
المناسك ـ كالوقوفين أو أحدهما ـ
أجزأه الإحرام للباقي وصح حجه
وأجزأه.
(مسألة 332): إذا ترك
المتمتع الإحرام بالحج من مكة
متعمداً حتى صار بحيث يتعذر عليه
الرجوع والإحرام من مكة وإدراك
مسمى الوقوف الاختياري بعرفة
بطل حجه، ووجب عليه تداركه في
العام القابل.
(مسألة 333): إذا أحرم
المتمتع بالحج حرم عليه أن يطوف
بالبيت طوافاً مستحباً. لكن لو
فعل لم يكن عليه شيء، ولا ينقض
إحرامه. وإن كان الأحوط
استحباباً تجديد التلبية، وأما
الطواف الواجب فيأتي الكلام فيه
عند الكلام في طواف الحج.
(مسألة 334): يستحب
الإحرام لحج التمتع يوم
التروية، بل هو الأحوط
استحباباً. والأفضل لعامة الناس
أن يكون عند الزوال. وقد تقدمت
سنن الإحرام في إحرام عمرة
التمتع. كما تقدم بيان التلبيات
التي ينعقد بها الإحرام
والتلبيات المستحبة الاُخرى.
ولزوم النية في الإحرام وحقيقته
وغير ذلك. وتقدم أيضاً محرمات
الإحرام ومكروهاته.
(مسألة 335): يستحب أن
يحرم المجاور بمكة من أول ذي
الحجة أو الثاني منه، وإلا فبعد
مضي خمسة أيام، وإلا فيوم
التروية.
(مسألة 336): يستحب أن
يوقع المتمتع إحرام الحج في
المسجد الحرام وأفضله حجر
إسماعيل (عليه السلام) أو عند
المقام.
(مسألة 337): يستحب أن
يخرج بعد الإحرام إلى منى ويلبي
في الطريق ـ كما مر في التلبية
عند الإحرام لعمرة التمتع ـ
رافعاً صوته حتى إذا أشرف على
الأبطح رفع صوته بالتلبية، وإذا
توجه إلى منى فليقل: (اللهم
إياك أرجو وإياك أدعو فبلّغني
أملي وأصلح لي عملي).
وإذا وصل إلى منى
فليقل: (الحمد لله
الذي أقدمنيها صالحاً في عافية
وبلّغني هذا المكان).
وعند دخولها يقول:
(اللهم إن
هذه منى وهي مما مننت به علينا من
المناسك فأسألك أن تمن علي بما
مننت به على أنبيائك فإنما أنا
عبدك وفي قبضتك).
(مسألة 338): يستحب
للحاج بعد الإحرام أن يبيت ليلة
عرفة بمنى مشتغلاً بالعبادة
وأفضلها بمسجد الخيف ولا سيما
الصلاة فيه، وأن يقيم بها إلى
طلوع الفجر، ولا يبعد كراهة
الخروج قبله، بل الأحوط وجوباً
لمن أراد أن يدرك فضيلة المبيت
تركه لا لعذر، ولا بأس للعذر مثل
أن يكون ماشياً ليسع وقته الوصول
عرفة.
والأولى الإصباح
بمنى مشتغلاً بالعبادة والتعقيب
حتى تطلع الشمس فيفيض حينئذٍ إلى
عرفات وعند خروجه إليها يقول: (إليك
صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت
فأسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن
تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن
تباهي به اليوم من هو أفضل مني).
ويلبي عند كل صعود
وهبوط وغير ذلك مما تقدم حتى يصل
إلى عرفات والأولى أن يضرب خيمته
بنمرة وهي قريبة من عرفة وليست
منها.
الفصل
الثاني
في الوقوف
بعرفة
والمراد به الكون
فيها من دون فرق بين أنحائه من
وقوف أو جلوس أو مشي أو ركوب أو
نوم.
(مسألة 339): محل الوقوف
عرفة، وهو مكان معروف قد حدد
شرعاً بأنه من بطن عرنة وثوية
ونمرة إلى ذي المجاز، ومن
المأزمين إلى أقصى الموقف.
والمرجع في معرفة هذه الحدود أهل
المعرفة. إلا أنه ينبغي التنبه
إلى خروج نمرة وسائر الحدود
المتقدمة منه فلا يجزي الوقوف
بها.
(مسألة 340): الجبل من
عرفة، فيجزي الوقوف فيه وإن كان
الأفضل السفح، بل الأحوط
استحباباً ترك الجبل إلا عند
الزحام فلا إشكال في جواز الوقوف
عليه.
(مسألة 341): للوقوف
المذكور وقتان..
الأول: اختياري،
وهو من بعد زوال الشمس بساعة
تقريباً إلى مغيب الشمس.
الثاني: اضطراري،
وهو الوقوف من مغيب الشمس إلى
طلوع الفجر.
(مسألة 342): يجب في
الوقوف الاختياري الاستيعاب في
تمام المدة المذكورة، لكن ترك
الاستيعاب ولو عمداً لا يفسد
الحج، وإنما يفسد الحج بترك
الوقوف الركني من غير عذر، وهو
الوقوف في بعض المدة المذكورة له.
أما الوقوف
الاضطراري، فلا يجب فيه
الاستيعاب، بل يكفي فيه الوقوف
في بعض المدة المذكورة له.
(مسألة 343): إنما يبطل
الحج بترك الوقوف الاختياري
الركني من دون عذر، أما مع العذر
فلا يبطل.
ويكفي في العذر
العجز والجهل والنسيان للحكم
والموضوع، سواء كان عن قصور أم
تقصير، بل يكفي فيه التسويف
والتشاغل لتخيل الإدراك.
(مسألة 344): حيث سبق
وجوب البقاء في عرفات إلى غروب
الشمس فمن خرج منها قبل غروب
الشمس عالماً بالحكم عامداً فعل
محرّماً ووجب عليه العود، فإن
عاد كفاه الاستغفار، وإن لم يعد
حتى غربت الشمس وجب عليه أن يكفر
ببدنه ينحرها يوم النحر والأحوط
وجوباً أن يكون ذلك في منى.
فإن لم يفعل حتى
مضى يوم النحر نحرها في منى بقية
أيام التشريق، فإن مضت أيام
التشريق ولم يفعل بقيت عليه
وينحرها في أي مكان شاء.
(مسألة 345): من لم يقدر
على البدنة وجب عليه أن يصوم
ثمانية عشر يوماً في أي وقت
ومكان شاء. ولا يجب فيها التتابع
وإن كان أحوط استحباباً.
(مسألة 346): من أفاض من
عرفات قبل مغيب الشمس من دون
تعمد فلا شيء عليه. نعم، لو التفت
قبل مغيب الشمس وجب عليه الرجوع
مع القدرة. لكن لو لم يفعل فلا
شيء عليه أيضاً.
ولا فرق في جميع
ذلك بين المضطر والناسي والجاهل
بالحكم أو الموضوع قاصراً كان أو
مقصراً.
(مسألة 347): إذا ترك
الوقوف الاختياري في عرفة عن عذر
فإن وسعه الوقوف الاضطراري في
عرفة مع المحافظة على الوقوف في
المشعر قبل طلوع الشمس ولو بقليل
وجب، فإن تركه فسد حجه.
وإن لم يسعه
إدراكه إلا بفوات الوقوف
المذكور في المشعر لم يجب وأجزأه
الوقوف في المشعر.
ويكفي في جواز
تركه الخوف من عدم إدراك المشعر.
(مسألة 348): لابد في
الوقوف في عرفة من النية
المعتبرة في سائر العبادات، ولا
ينافيها النوم في تمام الوقت
فضلاً عن النوم في بعضه. نعم،
لابد من سبق النية على النوم ولو
كان قبل الوقت، بحيث يدخل عرفات
ليقف بها في الوقت، نظير نية
الصوم.
(مسألة 349): المغمى
عليه يوقف به نظير ما تقدم في
إحرامه وطوافه وغيرهما. وأما
السكران الذي لا قصد له فلا
يجزيه الوقوف إن كان سكره
اختيارياً، أما إذا لم يكن
باختياره ففيه إشكال كالإشكال
في المجنون.
(مسألة 350): مندوبات
الوقوف كثيرة..
منها: الوقوف في
ميسرة الجبل في السفح منه.
ومنها: الغسل
ووقته بعد الزوال قريباً منه.
ومنها: ضرب خبائه
بنمرة وجمع متاعه بعضه إلى بعض
وسد الفُرج بينه وبين أصحابه
بنفسه أو رحله.
ومنها: جمع الظهر
والعصر بأذان وإقامتين إماماً
كان أم مأموماً أم منفرداً متماً
أم مقصراً.
ومنها: المبادرة
إلى الدعاء فقد روى معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، قال: «إنما
تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ
نفسك للدعاء والمسألة، ثم تأتي
الموقف وعليك السكينة والوقار،
فاحمد الله،
وهلله، ومجّده، واثن عليه،
وكبّره مائة مرة، وأحمده مائة
مرة، وسبحه مائة مرة، واقرأ قل
هو الله
مائة مرة، وتخير لنفسك من الدعاء
ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء
ومسألة، وتعوذ بالله من
الشيطان الرجيم، فإن الشيطان لن
يذهلك في موطن قط أحب إليه من أن
يذهلك في ذلك الموطن، وإياك أن
تشتغل بالنظر إلى الناس وأقبل
قبل نفسك، وليكن فيما تقول <له;:
(اللهم
إني عبدك فلا تجعلني من أخيب
وفدك، وارحم مسيري إليك من الفج
العميق).
وليكن فيما تقول: (اللهم رب
المشاعر كلها فك رقبتي من النار،
وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ
عني شر فسقة الجن والإنس).
وتقول: (اللهم لا
تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني).
وتقول: (اللهم
إني أسألك بحولك وجودك وكرمك
وفضلك ومنِّك يا أسمع السامعين،
ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع
الحاسبين، ويا أرحم الراحمين
أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تفعل بي كذا وكذا...).
وليكن فيما تقول
وأنت رافع يديك إلى السماء: (اللهم
حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم
يضرني ما منعتني، والتي إن
منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني،
أسألك خلاص رقبتي من النار).
وليكن في ما تقول: (اللهم
إني عبدك وملك يدك، ناصيتي بيدك،
وأجلي بعلمك، أسألك أن توفقني
لما يرضيك عنى، وأن تسلم مني
مناسكي التي أريتها خليلك
إبراهيم (عليه السلام) ودللت
عليها نبيك محمداً (صلى الله
عليه وآله).
وليكن فيما تقول: (اللهم
اجعلني ممن رضيت عمله، وأطلت
عمره وأحييته بعد الموت حياة
طيبة)».
وروى أيضاً عنه (عليه
السلام) الدعاء الذي علمه
رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لعلي (عليه
السلام) وقال: «انه
كان دعاء من كان قبلي من
الأنبياء وهو: (لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد يحي ويميت ويميت ويحي وهو
حي لا يموت بيده الخير وهو على كل
شيء قدير، اللهم لك
الحمد كما تقول وخير ما نقول
وفوق ما يقول القائلون، اللهم لك
صلاتي ونسكي وديني ومحياي
ومماتي ولك تراثي وبك حولي ومنك
قوتي، اللهم
إني أعوذ بك من الفقر ووساوس
الصدر، ومن شتات الأمر ومن عذاب
القبر، اللهم
إني أسألك من خير ما تأتي به
الرياح وأعوذ بك من شر ما تأتي به
الرياح وأسألك خير الليل وخير
النهار)».
وفي خبر أبي بصير
عنه (عليه السلام) قال: «إذا
أتيت الموقف فاستقبل البيت وسبح الله
مائة مرة وكبّر الله
مائة مرة وتقول: (ما شاء الله لا
قوة إلا بالله)
مائة مرة وتقول: (أشهد أن لا
إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد يحي ويميت ويميت ويحي وهو
حي لا يموت بيده الخير وهو على كل
شيء قدير) مائة مرة.
ثم تقرأ عشر آيات
من سورة البقرة، ثم تقرأ قل هو الله أحد
ثلاث مرات، وتقرأ آية الكرسي حتى
تفرغ منها، ثم تقرأ آية السخرة
من سورة الأعراف: (إن
ربكم الله
الذي خلق السموات والأرض في ستة
أيام ثم استوى على العرش يغشي
الليل والنهار يطلبه حثيثاً
والشمس والقمر والنجوم مسخرات
بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك
الله رب
العالمين)، ثم تحمد الله عز
وجل على كل نعمة أنعم بها عليك،
وتذكر أنعمه واحدة واحدة ما
أحصيت منها، وتحمد الله على
ما أنعم عليك من أهل ومال وتحمد الله على
ما أبلاك، وتقول: (اللهم لك
الحمد على نعمائك التي لا تحصى
بعدد ولا تكافأ بعمل).
وتحمده بكل آية
ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن،
وتسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في
القرآن، وتكبره بكل تكبير كبر به
نفسه في القرآن، وتهلله بكل
تهليل هلل به نفسه في القرآن،
وتصلي على محمد وآل محمد وتكثر
منه وتجتهد فيه، وتدعو الله بكل
اسم سمى به نفسه في القرآن، وبكل
اسم تحسنه، وتدعوه بأسمائه في
آخر سورة الحشر وتقول: (أسألك
يا الله يا
رحمن بكل اسم هو لك، وأسألك
بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما
أحاط به علمك وبأركانك كلها وبحق
رسولك صلواتك عليه وآله، وباسمك
الأكبر الأكبر الأكبر وباسمك
العظيم الذي من دعاك به كان حقاً
عليك أن <تجيبه; لا تخيبه
وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم
الذي من دعاك به كان حقاً عليك أن
لا ترده وأن تعطيه ما سأل، أن
تغفر لي ذنوبي في جميع علمك بي)».
وتسأل الله حاجتك كلها
من أمر الآخرة والدنيا، وترغب
إليه في الوفادة في المستقبل في
كل عام، وتسأل الله الجنة سبعين
مرة وتتوب إليه سبعين مرة.
وليكن من دعائك: (اللهم
فكني من النار وأوسع علي من رزقك
الحلال الطيب وأدرأ عني شر فسقة
الجن والإنس وشر فسقة العرب
والعجم).
فإن نفذ هذا
الدعاء ولم تغرب الشمس فأعده من
أوله إلى آخره ولا تمل من الدعاء
والتضرع والمسألة.
وروى عبد الله بن سنان عنه (عليه
السلام) أنه تقول: «اللهم
اجعل لي في قلبي نوراً وفي سمعي
وبصري نوراً وفي لحمي وعظامي
ودمي وعروقي ومقعدي ومقامي
ومدخلي ومخرجي نوراً وأعظم لي
نوراً يا ربي يوم ألقاك إنك على
كل شيء قدير».
وينبغي قراءة دعاء
الإمام زين العابدين في يوم عرفة
وهو الدعاء السابع والأربعون من
أدعية الصحيفة السجادية. وليكن
آخر الأدعية دعاء الإمام الحسين
(عليه السلام)، الوارد في
هذا اليوم. وينبغي أن يدعو
لوالديه ولإخوانه المؤمنين.
(مسألة 351): يستحب
الاجتماع للدعاء في الأمصار
فإنه يوم عظيم كثير البركة، وهو
يوم دعاء ومسألة.
(مسألة 352): إذا غابت
الشمس وزالت الحمرة المشرقية
أفاض إلى المشعر بسكينة ووقار
مشتغلاً بالدعاء والاستغفار
مقتصداً في المشي فإذا انتهى إلى
الكثيب الأحمر عن يمين الطريق
يقول: (اللهم
ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي
ديني وتقبّل مني مناسكي).
(مسألة 353): الأولى أن
يؤخر فرض العشاءين مع بقاء الوقت
إلى المزدلفة، ويجمع بينهما
بأذان وإقامتين ثم يقضي نافلة
المغرب بعد العشاء الآخرة.
الفصل
الثالث
في الوقوف
بالمشعر الحرام
والمراد به الكون
فيه ولو راكباً أو نائماً، نظير
ما تقدم في الوقوف بعرفة.
(مسألة 354): محل الوقوف
هنا المشعر الحرام واسمه أيضاً (جَمع) والمزدلفة.
وهو مكان معروف، وقد حدد شرعاً
بأنه من المأزمين إلى الحياض إلى
وادي محسّر وإلى الجبل. والمرجع
في معرفة هذه الحدود أهل المعرفة.
وينبغي التنبه هنا إلى خروج هذه
الحدود منه، فلا يجزي الوقوف
فيها.
نعم، يجوز مع كثرة
الاجتماع وضيق المكان الوقوف في
المأزمين، وهو ما بين الجبلين
الفاصلين بين عرفات والمشعر. ولا
يجوز الوقوف على الجبل حتى مع
الضيق.
(مسألة 355): للوقوف
المذكور وقتان..
الأول: اختياري،
وهو الوقوف من ليلة يوم النحر
إلى ما بعد طلوع الفجر. والأحوط
وجوباً أن يكون من نصف الليل إلى
ما بعد الإسفار، بحيث يرى السائر
طريقه. والأفضل أن تكون إفاضته
منها قرب طلوع الشمس، بحيث لا
يخرج عن وادي محسّر ـ الذي هو بعد
المشعر ـ إلى منى إلا بعد طلوعها.
والأحوط استحباباً الإفاضة بعد
طلوع الشمس. وهو مستحب للإمام.
الثاني: اضطراري،
وهو الوقوف من طلوع الشمس يوم
النحر إلى زوالها.
(مسألة 356): يجب
استيعاب الوقت في الوقوف
الاختياري على النحو المتقدم.
لكن الركن هو الوقوف في جزء منه.
بل يكفي في إدراك
الوقوف الاختياري الوقوف قبل
طلوع الشمس ولو بعد الفجر.
أما في الوقوف
الاضطراري فلا يجب الاستيعاب بل
يجزي الوقوف في بعض الوقت.
(مسألة 357): يجوز
للخائف والضعيف الذي لا يقوى على
الانتظار أو الزحام وللنساء
والصبيان ومن يتولى شؤونهم
الإفاضة ليلاً، لكن لابد من نية
الوقوف بالمشعر ليلاً ولا يكفي
العبور به من دون نية الوقوف فيه.
(مسألة 358): من أفاض من
المشعر ليلاً وجب عليه الرجوع
قبل الفجر، وإلا فبعده، فإن لم
يرجع فإن كان متعمداً في إفاضته
جبره بشاة، وهو الأحوط وجوباً
لمن كان جاهلاً أو ناسياً، هذا
إذا نوى الوقوف بالمشعر أما إذا
مر عليه من عرفات إلى منى ولم ينو
الوقوف فيه فإنه يجب عليه
الرجوع، حتى بعد الفجر، بل بعد
طلوع الشمس. لكن لو لم يفعل لم
يفسد حجه.
نعم، إن كان
متعمداً في عبوره على المشعر
وعدم وقوفه فيه حينئذٍ كان عليه
بدنة.
(مسألة 359): من لم يدرك
الوقوف الاختياري في المشعر
أجزأه الوقوف الاضطراري، فيصح
حجه به إن كان قد أدرك الوقوف
الاختياري أو الاضطراري بعرفة.
أما إذا لم
يدركهما فلا يشرع له الوقوف
الاضطراري بالمشعر، ولا يصح حجه
به.
(مسألة 360): قد تحصل مما
تقدم أن لإدراك موقفي عرفة
والمشعر صوراً يحسن استقصاؤها
تفصيلاً..
الاُولى: أن يدرك
كلا الموقفين الاختياريين، ولا
إشكال في صحة حجه حينئذٍ ويلحق
بهذه الصورة من مر على المشعر
ليلاً من عرفات إلى منى، على
تفصيل تقدم.
الثانية: أن يدرك
اختياري عرفة واضطراري المشعر.
ويصح حجه حينئذٍ إن لم يتعمد ترك
اختياري المشعر، وإلا لم يصح حجه.
الثالثة: أن يدرك
اختياري عرفة وحده، ولا يدرك
الوقوف بالمشعر لا الاختياري،
ولا الاضطراري. ولا يصح حجه
حينئذٍ.
الرابعة: أن يدرك
اضطراري عرفة واختياري المشعر.
ويصح حجه حينئذٍ إن لم يتعمد ترك
اختياري عرفة، وإلا لم يصح حجه
على ما تقدم توضيحه في الفصل
الثاني.
الخامسة: أن يدرك
اضطراري عرفة واضطراري المشعر.
ويصح حجه حينئذٍ إن لم يتعمد ترك
الاختياريين أو أحدهما.
السادسة: أن يدرك
اضطراري عرفة وحده، ولا يدرك
الوقوف بالمشعر لا الاختياري
ولا الاضطراري. ولا يصح حجه
حينئذٍ.
السابعة: أن يدرك
اختياري المشعر وحده. ويصح حجه
إن لم يتعمد ترك موقف عرفة
الاختياري أو الاضطراري.
الثامنة: أن يدرك
اضطراري المشعر وحده، ولا يصح
حجه حينئذٍ.
التاسعة: أن لا
يدرك شيئاً من الموقفين. ولا يصح
حجه حينئذٍ بلا إشكال.
(مسألة 361): يجب في
الوقوف بالمشعر النية، على نحو
ما تقدم في الوقوف بعرفة.
(مسألة 362): من فاته
الحج لعدم إدراك الوقوف وكان
محرماً بحج الإفراد أو القران أو
عمرة التمتع تنقلب وظيفته
للعمرة المفردة، فيأتي بأعمالها
ويتحلل من إحرامه بما يتحلل به
من إحرامها، ولا تجزيه عن الحج،
فيجب عليه الإتيان بالحج إن
استقر في ذمته.
وهو الأحوط وجوباً
فيمن أحرم بحج التمتع، خصوصاً
إذا كان مقصراً في عدم إدراك
الموقفين، فلا يبني على بطلان
إحرامه بمجرد عدم إدراك الموقف.
(مسألة 363): يستحب لمن
وقف بالمشعر أن يكثر من ذكر الله تعالى فيه
وأن يحيي ليلته بالعبادة، ففي
الصحيح عن الإمام الصادق (عليه
السلام) قال: «وان
استطعت أن تحيي تلك الليلة
فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب
السماء لا تغلق تلك الليلة
لأصوات المؤمنين، لهم دوي كدوي
النحل يقول الله جل
ثناؤه: أنا ربكم وأنتم عبادي
أديتم حقي، وحق علي أن أستجيب
لكم، فيحط تلك الليلة عمن أراد
أن يحط عنه ذنوبه ويغفر لمن أراد
أن يغفر له».
وليكن من جملة
الدعاء فيها: (اللهم
هذه جَمع اللهم
إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع
الخير.
اللهم لا
تؤيسني من الخير الذي سألتك أن
تجمعه لي في قلبي و<ثم; أطلب
إليك أن تعرّفني ما عرّفت
أولياءك في منزلي هذا، وأن تقيني
جوامع الشر).
فإذا انفجر الفجر
وصلى صلاته، فليقف قريباً من
الجبل أو حيث شاء ثم ليحمد الله وليثن عليه
ويذكر من آلائه وبلائه ما قدر
عليه وليصل على النبي (صلى الله
عليه وآله) ويحسن ذكر الأئمة
(عليهم السلام) واحداً بعد
واحد، وليدع لهم ويبرأ من عدوهم،
وليكن من قوله:
(اللهم رب
المشعر الحرام فك رقبتي من النار
وأوسع علي من رزقك الحلال وادرأ
عني شر فسقة الجن والإنس.
اللهم
أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو
وخير مسئول ولكل وافد جائزة
فاجعل جائزتي في موطني هذا أن
تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وأن
تجاوز عن خطيئتي ثم اجعل التقوى
من الدنيا زادي).
ويكبر الله مائة مرة
ويحمده مائة مرة ويسبحه مائة مرة
ويهلله مائة مرة.
ويقول: (اللهم
اهدني من الضلالة وأنقذني من
الجهالة واجمع لي خير الدنيا
والآخرة، وخذ بناصيتي إلى هداك،
وانقلني إلى رضاك، فقد ترى مقامي
بهذا المشعر الذي انخفض لك
فرفعته، وذل لك فأكرمته وجعلته
علماً للناس، فبلغني فيه مناي
ونيل رجاي.
اللهم
إني أسألك بحق المشعر الحرام أن
تحرّم شعري وبشري على النار، وأن
ترزقني حياة في طاعتك، وبصيرة في
دينك، وعملاً بفرائضك، وإتباعاً
لأوامرك، وخير الدارين، وأن
تحفظني في نفسي ووالدي وولدي
وأهلي وإخواني وجيراني برحمتك) وليجتهد في
الدعاء والمسألة والتضرع إلى الله تعالى لنفسه
ولوالديه وولده وأهله وماله
والمؤمنين والمؤمنات.
(مسألة 364): يستحب
للصرورة ـ وهو الذي لم يحج من قبل
ـ أن يطأ المشعر الحرام برجله
والأولى أن يكون حافياً، وأن
يكون وطؤه للجبل الذي في المشعر
المسمى بقزح. وأن يذكر الله تعالى عليه.
(مسألة 365): تستحب
الهرولة وسرعة المشي في وادي
محسّر للراكب والماشي ـ وهو وادٍ
عظيم بين المزدلفة ومنى ـ قدر
مائة ذراع تقارب الخمسين متراً.
والأفضل مائة خطوة، وأفضل منه
استيعاب الوادي كله.
وليقل حينه: (اللهم
سلم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي
واخلفني فيما تركت بعدي).
بل إذا ترك
الهرولة فيه وسرعة المشي حتى
جازه استحب له الرجوع وتدارك
ذلك، حتى لو ورد مكة.