المقذوف و إقامة الحد لدفع العار عن المقذوف و ان قال زنيت و أنت كافرة و قد أسلمت أو قال زنيت و أنت أمة و قد أعتقت فعليه الحد لدفع العار عن المقذوف لانه نسبها إلى فعل موجب للحد عليها فان فعل الذمية و الامة زنا و يحدان على ذلك و لو قال قذفتك بالزنا و أنت كتابية أو أمة فلا حد عليه لانه ما نسبها إلى الزنا بهذا الكلام بل أقر على نفسه أنه قذفا في حال لو علمنا منه القذف في تلك الحالة لم يلزمه الحد فكان منكرا للحد لا مقرا به و يضرب في حد القذف ضربا ليس بشديد مبرح و هكذا في سائر الحدود لان المستحق فعل مؤلم لا متلف فالشديد المبرح متلف فعلى الجلاد أن يتحرز عن ذلك ( قال ) رجل قذف ميتا بالزنا فعليه الحد لان وجوب الحد باعتبار إحصان المقذوف و الموت يقرر إحصانه و لا ينفيه ثم الخصومة في هذا القذف إلى من ينسب إلى الميت بالولاد أو ينسب اليه الميت بالولاد و لانه يلحقهم الشين بذلك و حق الخصومة لدفع العار فمن يلحقه الشين به كان له أن يخاصم بإقامة الحد عليه ( قال ) و ليس لاخيه أن يخاصم في ذلك عندنا و عند ابن أبى ليلي له ذلك لان للاخ علقة في حقوقه بعد موته كالولد ألا ترى أنه في القصاص يخلفه فكذا في حد القذف و لكنا نقول الخصومة هنا ليست بطريق الخلافة فان حد القذف لا يورث ليخلف الوارث المورث فيه و انما الخصومة لدفع الشين عن نفسه و الاخ لا يلحقه الشين بزنا أخيه لانه لا ينسب أحد الاخوين إلى صاحبه و انما نسبة زنا الغير باعتبار نسبته اليه بخلاف الآباء و الاولاد ( قال ) و لولد الولد أن يأخذ بذلك كما للولد ذلك قال و فى كتاب الحدود الاختلاف فيمن يرث و يورث و لا معتبر بهذه الزيادة لان المطالبة بالحد ليس بطريق الوراثة الا أن محمدا رحمه الله تعالى روى عنه أنه ليس لولد الابنة حق الخصومة في هذا الحد لانه منسوب إلى أبيه لا إلى أمه فلا يلحقه الشين بزنا أبى أمه و في ظاهر الرواية النسب يثبت من الطرفين و يصير الولد به كريم الطرفين و لو قذف أمه كان له أن يخاصم باعتبار نسبته إليها ليدفع به عن نفسه فكذلك إذا قذف أبا أمه و قال زفر رحمه الله تعالى مع بقاء الولد ليس لولد الولد ان يخاصم لان الشين الذي يلحق الولد فوق ما يلحق ولد الولد فصار ولد الولد مع بقاء الولد كالولد مع بقاء المقذوف و اعتبر هذا بطلب الكفاءة فانه لا خصومة فيه للابعد مع بقاء الاقرب و لكنا نقول حق الخصومة باعتبار ما لحقه من الشين بنسبته اليه و ذلك موجود في حق ولد الولد كموجوده في حق الولد فايهما خاصم يقام ؟
(113)
الحد بخصومته بخلاف المقذوف فان حق الخصومة له باعتبار تناول القاذف من عرضه و ذلك لايوجد في حق ولده ( قال ) و لولد الكافر و المملوك ان يأخذ بالحد كما يأخذ به الولد الحر المسلم و عند زفر ليس له ذلك لان الكافر و المملوك لو قذف في نفسه لم يجب الحد على قاذفه فإذا قذف في أبيه و أمه أولى و لكنا نقول الحد وجب لحق الله تعالى و خصومة الولد باعتبار الشين الذي لحقه و ذلك موجود في حق الولد الكافر و المملوك لان النسبة لا تنقطع بالرق و الكفر و انما تنعدم الخلافة ارثا بالكفر و الرق فيما هو من حق الميت وحد القذف ليس من ذلك في شيء و هذا بخلاف ما إذا قذف في نفسه لان الموجب للحد قذف المحصن و العبد و الكافر ليس بمحصن اما هنا تم سبب وجوب الحد و هو قذف المحصن إذا لميت محصن فكل من يلحقه الشين بهذا القذف فهم خصم في المطالبة بالحد بعد تقرر سببه ( قال ) و ان كان المقذوف حيا غائبا ليس لاحد من هؤلاء أن يأخذ بحده عندنا و قال ابن أبى ليلي رحمه الله تعالى الغائب كالميت لان خصومة تتعذر لغيبته كما هو متعذر بعد موته و لكنا نقول ينوب أو يبعث وكيلا ليخاصم و الخصومة باعتبار تناول العرض أصل فما لم يقع اليأس عنه لا يعتبر بالخصومة باعتبار الشين و فى الميت الخصومة باعتبار تناول العرض مأيوس عنه فيقام الحد بخصومة من يلحقه الشين بخلاف الغائب فان مات هذا الغائب قبل أن يرجع لم يأخذ وليه أيضا عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لان المغلب عنده حق العبد فيصير موروثا عن المقذوف بعد موته لورثته و عندنا المغلب حق الله تعالى فلا يورث عملا بقوله صلى الله عليه و سلم لا يجرى الارث فيما هو من حق الله تعالى و لان الارث خلافة الوارث المورث بعد موته في حقه و الله تعالى يتعالى عن ذلك ( فان قيل ) فحق لله تعالى لا يسقط أيضا بموت المقذوف ( قلنا ) لا نقول سقط بموته و لكنه يتعذر استيفاؤه لانعدام شرطه فالشرط خصومة المقذوف و لا يتحقق منه الخصومة بعد موته ( فان قيل ) كان ينبغى أن يقوم الوارث مقامه في خصومته أو وصيه ان أوصى بذلك إلى إنسان ( قلنا ) شرط الحد معتبر بسببه فكما أن ما يقوم مقام الغير لا يثبت به سبب الحد فكذلك لا يثبت به شرط الحد بخلاف ما إذا قذف بعد الموت لانا لا نقول خصومة ولده تقوم مقام خصومته و كيف يقال ؟ ذلك و لا يورث ذلك و لا يثبت له حق الخصومة بعد موته و لكن الولد خصم عن نفسه باعتبار ما لحقه من الشين فأما في حال الحياة لم يثبت للولد حق الخصومة فلو ثبت بعد الموت
(114)
كان بطريق القيام مقامه و ذلك لا يكون في الحدود ( قال ) و لو و كل الغائب من يطلب بحده صح التوكيل في قول أبى حنيفة و محمد و هو قول أبى يوسف الاول رحمهم الله تعالى ثم رجع و قال لا أقبل الوكالة في حد و لا قصاص لان خصومة الوكيل تقوم مقام الموكل و شرط الحد لا يثبت بمثله و لان بالاجماع لا يصح التوكيل باستيفاء الحد و القصاص لانها عقوبة تندرئ بالشبهات فكذلك في الاثبات كما في الحدود التي هي حق لله تعالى و هما يقولان الاثبات من جملة ما إذا وقع الغلط فيه أمكن التدارك فيه و تلافيه و التوكيل في مثله صحيح كالاموال بخلاف الاستيفاء فانه إذا وقع فيه الغلط لا يمكن تداركه و لو استوفاه الوكيل في حال غيبة الموكل كان استيفاؤه مع تمكن الشبهة لجواز أن من له القصاص قد عفي و ان المقذوف قد صدق القاذف أو أكذب شهوده و هذا لا يستوفى بحضرة الوكيل حال غيبة الموكل ( قال ) فان مات المقذوف بعد ما ضرب القاذف بعض الحد فانه لا يقام عليه ما بقي اعتبارا للبعض بالكل و كذلك ان غاب بعد ما ضرب بعض الحد لم يتم الا و هو حاضر ألا ترى أنه لو عمي الشهود أو فسقوا بعد ما ضرب بعض الحد درئ عنه ما بقي ( قال ) و القذف بأى لسان كان بالفارسية أو العربية أو النبطية يوجب الحد بعد أن يكون بصريح الزنا لان المقصود دفع الشين و ذلك لا يختلف باختلاف الالسن رجل فان لرجل يا زانية لاحد عليه في قول أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله تعالى استحسانا و فى القياس عليه الحد و هو قول محمد رحمه الله تعالى و رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى و لو قال لامرأة يا زاني فعليه الحد بالاتفاق لوجهين أحدهما أن الايجاز و الترخيم معروف في لسان العرب قال القائل أصاح تري برقا أريك وميضه معناه يا صاحب و قرئ و نادوا يا مال أى مالك و هذا أيضا حذف آخر الكلام للترخيم فلا يخرج به من أن يكون قذفا لها ألا ترى إلى قول امرئ القيس أ فاطم مهلا أى يا فاطمة و لان الاصل في الكلام التذكير و إلحاق هاء التأنيث للفصل و الفصل هناحاصل بالاشارة حاصل بالاشارة فلا يخرج باسقاط حرف التأنيث من أن يكون قذفا لها و استدل في الاصل بقوله تعالى إذا جاءك المؤمنات و قال نسوة في المدينة فأما إذا قال يا زانية فمحمد رحمه الله تعالى يقول صرح بنسبته إلى الزنا و زاد حرف الهاء فتلغو الزيادة و يبقى قاذفا له ملتزما للحد و لان في لسان العرب إلحاق هاء التأنيث بآخر الكلام للمبالغة في الوصف فانهم يقولون نسابة و علامة و رواية للشعر و أبو حنيفة و أبو يوسف رحمهما الله
(115)
تعالى يقولان هو كذلك و لكن المقصود هو المبالغة في الوصف بعلم ذلك الشيء فكأنه قال أنت أكثر الناس علما بالزنا أو أعلم الناس بالزنا و هكذا لا يكون قذفا موجبا للحد ثم نسبه إلى فعل لا يتحقق ذلك منه لان الزانية هى الموطوءة الممكنة من فعل الزنا و الرجل ليس بمحل لذلك فقذفه بهذا اللفظ نظير قذف المجبوب و ذلك موجب للحد بخلاف ما إذا قال لامرأته يا زاني لانه نسبها إلى مباشرة فعل الزنا و ذلك يتحقق منها بان تستدخل فرج الرجل في فرجها ( قال ) و إذا ادعي القاذف أن له بينة على تحقيق قوله أجل ما بينه و بين قيام القاضي من مجلسه من أن يطلق عنه و عن أبى يوسف رحمه الله تعالى يستأنى به و يمهل إلى المجلس الثاني ليحضر شهوده لان القذف موجب للحد بشرط عجزه عن اقامة أربعة من الشهداء و العجز لا يتحقق لا بالامهال ألا ترى أن المدعى عليه إذا ادعى دفعا أو طعنا في الشهود يهمل إلى المجلس الثاني ليأنى به فهذا مثله وجه ظاهر الرواية ان سبب وجوب الحد ظهر عند القاضي فلا يكون له أن يؤخر الاقامة لما فيه من الضرر على المقذوف بتأخير دفع العار عنه و لكن إلى آخر المجلس لا يكون تأخير فلا يتضرر بذلك القدر ألا ترى أنه يؤخر إلى أن يحضر الجلاد فلهذا جوزنا له أن يمهله إلى آخر المجلس من ان يطلق عنه و لكن يقول له ابعث إلى شهودك و ذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى إذا لم يكن له من يحضر شهوده أطلق عنه و بعث معه بواحد من شرطه ليرده عليه و هذا لان كل واحد لا يجد نائبا و القاضي مأمور بالنظر من كل جانب و لكن لم يعتبر هذا في ظاهر الرواية لانه إذا لم يحضر الشهود بقي ستر العفة على المقذوف و ذلك أولى الوجهين ( قال ) و لا يقبل منه أقل من أربعة شهود لقوله تعالى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء و قال تعالى فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون فان جاء بهم فشهدوا على المقذوف بزنا متقادم درأت الحد عن القاذف استحسانا و القياس ان الشهادة على الزنا بعد التقادم لا تكون مقبولة فوجودها كعدمها الا أنه استحسن فقال انما لا تقبل الشهادة على الزنا بعد التقادم لتوهم الضغينة و ذلك معتبر في منع وجوب الحد على المشهود عليه لافي إسقاط الحد عن القاذف كما لو أقام أربعة من الفساق على صدق مقالته و ان جاء بثلاثة فشهدوا عليه بالزنا و قال القاذف انا رابعهم لم يلتفت إلى كلامه و يقام عليه و علي الثلاثة الحد لانه خصم ملتزم للحد فلا يكون شاهدا و بالثلاثة لا تتم الحجة فكانوا قذفة يحدون جميعا ( قال ) و ان شهد رجلان أو رجل و امرأتان على اقرار المقذوف بالزنا يدرأ
(116)
الحد عن القاذف و عن الثلاثة لان الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة و ليس المقصود من إثبات الاقرار هنا اقامة الحد على المقر لان الاقرار لا يثبت بحجة البينة موجبا للحد و ان كثر الشهود فانه في الحال منكر و لو سمعنا إقراره ثم رجع عنه لم يقم عليه الحد فكيف يثبت إقراره بالبينة و لكن المقصود إسقاط الحد و ذلك يثبت مع الشبهات بخلاف ما إذا شهد الشاهدان على زنا المقذوف لان موجب تلك الشهادة الحد على الزاني إذا تم عدد الشهود فلهذا لا يكون للمثنى شهادة في ذلك ( قال ) و من قذف الزاني بالزنا فلا حد عليه عندنا سواء قذفه بذلك الزنا بعينه أو بزنا آخر أو مبهما و حكى عن إبراهيم و ابن أبي ليلي رحمهما الله تعالى أنه ان قذفه بغير ذلك الزنا أو بالزنا مبهما فعليه الحد لان الرمي موجب للحد الا ان يكون الرامي صادقا و انما يكون صادقا إذا نسبه إلى ذلك الزنا بعينه ففي ما سوى ذلك فهو كاذب ملحق الشين به و لكنا نقول رمى المحصن موجب للحد بالنص قال تعالى و الذين يرمون المحصنات و المحصن لا يكون زانيا فقاذف الزاني بالزنا قاذف المحصن و هو صادق في نسبته إلى أصل فعل الزنا فلا يكون ملتزما للحد ( قال ) و إذا وطي الرجل إمرأة وطءا حراما فهو على وجهين اما ان يكون وطؤه هذا في الملك أوفى الملك اما في الملك فان كانت الحرمة بعارض على شرف الزوال لم يسقط به إحصانه كوطء إمرأته الحائض و المجوسية أو التي ظاهر منها أو المحرمة أو أمته التي زوجها أوهي في عدة من غيره لان ملك الحل قائم ببقاء سببه و المحرم هو الاستمتاع و هو نظيره وطء إمرأته المريضة إذا كانت تستضر بالوطء و هذا لان مع قيام الملك بالمحل لا يكون الفعل زنا و لا في معناه فأما إذا كانت محرمة عليه على التأبيد كأمته التي هى اخته من الرضاع فانه يسقط بوطئها إحصانه في ظاهر المذهب و ذكر الكرخي رحمه الله تعالى انه لا يسقط به الاحصان لان حرمة الفعل مع قيام الملك الذي هومبيح و هو نظير ما سبق وجه ظاهر الرواية ان بين الحل و الحرمة في المحل منافاة و من ضرورة ثبوت الحرمة المؤبدة انتفاء الحل فالسبب لا يوجب الحكم إلا في محل قابل له و إذا لم يكن المحل قابلا للحل في حقه لا يثبت ملك الحل فكان فعله في معنى الزنا و لو وطي مكاتبته لم يسقط به إحصانه عندنا و عند زفر رحمه الله و هو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى يسقط لان المكاتبة غير مملوكة له وطءا بدليل أنه يلزمه العقر بوطئها و الوطء في الملك يسقط الاحصان و لان المكاتبة مملوكة
(117)
له رقا لا يدا فهي بمنزلة الامة المشتركة و وطأ المشتركة مسقط للاحصان و لكنا نقول ملكه في المكاتبة قائم و الحرمة بعارض على شرف الزوال فهو نظير الامة المزوجة و بأن يلزمه العقر لا يدل على أنه يسقط به الاحصان كالزوجة ( قال ) فان وطي أمته التي هى محرمة عليه بوطء أبيه إياها أو بوطئه أمها يسقط إحصانه لان في المصاهرة حرمة مؤبدة فهو نظير حرمة الرضاع فأما إذا نظر إلى فرج إمرأة أو أمة بشهوة ثم اشترى أمها أو ابنتها أو تزوجها فوطئها فقذفه رجل حد قاذفه في قول أبى حنيفة رحمه الله و لم يحد في قولهما لانها محرمة عليه على التأبيد فان اللمس و التقبيل يثبت حرمة المصاهرة فلا معني لاعتبار اختلاف العلماء فيه كالزنا فان أباه لو زنى بأمة ثم اشتراها هو فوطئها يسقط إحصانه و ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا مختلف فيه بين العلماء و أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كثير من الفقهاء لا يرون اللمس و التقبيل موجبا للحرمة و ليس في إثبات الحرمة نص ظاهر بل نوع احتياط أخذنا به من حيث اقامة السبب الداعي إلى الوطء مقام الوطء و بمثل هذا الاحتياط لا يسقط الاحصان الثابت بيقين بخلاف المزني بها فان في ثبوت حرمة المصاهرة بالوطء نص و هو قوله تعالى و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فقد قامت الدلالة لنا أن النكاح حقيقة للوطء و مع وجود النص لا يعتبر اختلاف العلماء و أما الوطء في الملك مسقط للاحصان على كل حال و كذلك في الاب يطأ جارية ابنه ( قال ) و إذا تزوج إمرأة بغير شهودا أو في عدة من زوج أو تزوجها و هي مجوسية و وطأها سقط به إحصانه لان العقد الفاسد موجب للملك و الوطء في الملك في معنى الزنا و كذلك إذا تزوج أمة على حرة أو تزوج أختين أو إمرأة و عمتها في عقد واحد فبالوطء بحكم هذه العقود الفاسدة يسقط الاحصان و كذلك إذا تزوج إمرأة فوطئها ثم علم أنها كانت محرمة عليه بالمصاهرة و هذا قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و أما عند أبى يوسف رحمه الله إذا كان عالما عند الوطء بأنها مملوكة سقط إحصانه و ان لم يكن معلوما له لا يسقط إحصانه و هو رواية عن محمد لان في الظاهر هذا الوطء حلال بدليل أنه لا يأثم به وجه قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى أنه معذور لجهله من حيث الظاهر فأما الوطء فغير مملوك له في الحقيقة بل هو في معني الزنا فيكون مسقطا لا حصانه ( قال ) و ان ملك أختين فوطئهما حد قاذفه لان هذا وطء في الملك و الحرمة بعارض على شرف الزوال ألا ترى أنه لو أخرج احداهما عن ملكه حل له وطء الاخرى و بمثل هذا الوطء لا يسقط
(118)
الاحصان فان وطي المعتدة من طلاق بائن أو ثلاث لم يحد قاذفه لان هذا وطء في الملك و ان وطي إمرأة مستكرهة لم يحد قاذفه و لا قاذفها لان هذا وطء مملوك و عند الاكراه و ان كان يسقط الاثم عنها فلا يخرج من ان يكون الفعل زنا فلهذا سقط إحصانها و ان وطي جارية ابنته أو أحد أبويه أو أخته ثم ادعي ان مولاها باعها منه و لم يكن له بينة فلا حد على قاذفه و كذلك ان أقام شاهدا واحدا على الشراء لان سبب ملك الحل لا يثبت بالشاهد الواحد فيكون وطؤه في غير الملك و هو مسقط للاحصان فان زنى في حالل كفره في دار الحرب أو في دار الاسلام ثم أسلم فقذفه إنسان لم يحد قاذفه لان فعل الزنا يتحقق من الكافر و ان كان لا يقام به الحد عليه فيكون قاذفه صادقا في مقالته و ان بأشر إمرأة حراما و بلغ كل شيء منها سوى الجماع فقذفه قاذف فعليه الحد لان سقوط الاحصان بالوطء فان المسقط للاحصان الزنا أو ما في معناه و اللمس و التقبيل ليس في معني الزنا ( قال ) مجنون زنى بإمرأة مطاوعة أو مستكرهة ثم قذف المجنون أو المرأة قاذف فلا حد على قاذفه اما المرأة فلوجود الوطء منها في غير الملك و اما المجنون فان قذفه بعد الافاقة لم يحد لان الوطء الذي هو مملوك قد تحقق من المجنون و هو مسقط للاحصان و ان قذفه في حال جنونه فقاذف الصبي و المجنون لا يحد لان إحصان المقذوف شرط و الاحصان عبارة عن خصال حميدة فأول ذلك كمال العقل و ذلك ينعدم بالصغر و الجنون و لان الحد لدفع الشين عن المقذوف و الشين بقذف الصبي و المجنون يلحق القاذف دون المقذوف و كذلك المملوك لا يكون محصنا لقوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فهو بيان ان المملوك لا يكون محصنا و ان كان المملوك هو القاذف فعليه نصف حد الحر للآية ( قال ) و لاحد على قاذف الكافر لان الاسلام من شرائط الاحصان قال صلى الله عليه و سلم من أشرك بالله فليس بمحصن و على الذمي في قذف المسلم حد كامل لان المسلم محصن يلحقه الشين بقذفه و القاذف مع كفره حر فعليه حد الاحرار ثمانون جلدة و الذى يجن و يفيق في حال افاقته محصن و لا يحد قاذف الاخرس لانه لو كان ينطق ربما يقر بما يكون فيه من تصديق القاذف و لا يقام الحد مع الشبهة و لاحد على قاذف المجبوب و الرتقاء لانه لا يحلقه الشين فان الزنا منهما لا يتحقق و يلحق الشين القاذف في هذا القذف ( قال ) و القاذف من أهل البغى متي قذف رجلا من أهل العدل في عسكرهم أوفى عسكر أهل الحرب أو قذف رجل من أهل الحرب رجلا