العقوبة في النفس و ما دونه حقا لله تعالى فيكون الحكم فيه ان يدخل ما دون النفس في النفس كما إذا اجتمع حد السرقة و الشرب و الرجم و هذا لان المقصود الزجر و ذلك يتم باستيفاء النفس فلا فائدة بالاشتغال بما دونه و لابي حنيفة رحمه الله تعالى حرفان أحدهما ان مبنى هذا الحد على التغليظ لغلظ جريمتهم و القطع ثم القتل أقرب إلى التغليظ فكان للامام أن يختار ذلك لكونه أقرب إلى ما لاجله شرع هذا الحد و الثاني ان السبب الموجب للقطع هو أخذ المال و قد وجد منهم و السبب الموجب للقتل و هو قتل النفس قد وجد منهم و انما يثبت الحكم بثبوت السبب و الكل حد واحد و لا تداخل في الحد الواحد كالجلدات في الزنا انما التداخل في الحدود ( فان قيل ) هذا فاسد لان للامام ان يقتلهم و يدع القطع ( قلنا ) لا بطريق التداخل بل لانه ليس عليه مراعاة الترتيب في أجزاء حد واحد فكان له أن يبدأ بالقتل لذلك ثم إذا قتله فلا فائدة في اشتغاله بالقطع بعده فلا يشتغل كالزاني إذا ضرب خمسين جلدة فمات فانه يترك ما بقي لانه لا فائدة في أقامته ثم في ظاهر الرواية هو مخير في الصلب ان شاء فعله و ان شاء لم يفعله و اكتفي بالقتل و عن أبى يوسف رحمه الله قال ليس للامام أن يدع الصلب لان المقصود به الاشهار ليعتبر غيره فينزجر فلا يتركه وجه ظاهر الرواية أن معنى الزجر يتم بالقتل و لم ينقل في شيء من الآثار أن النبي صلى الله عليه و سلم صلب أحدا ألا ترى أنه لم يفعله بالعرنيين مع المبالغة و الاستقصاء في عقوبتهم حتى سمل أعينهم ( قال ) و إذا أراد أن يصلب ففي ظاهر الرواية يصلبهم أحياء ثم يطعن تحت ثناؤتهم ؟ الايسر ليموتوا فان المقصود الزجر و ذلك انما يحصل إذا صلبهم أحياء لابعد موتهم و ذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنه لا يصلبهم أحياء لانه مثلة و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المثلة و لو بالكلب العقور و لكنه يقتلهم فيه يتم معنى الزجر و العقوبة في قتلهم ثم يصلبهم بعد ذلك للاشتهار حتى يعتبر بهم غيرهم و فى الصحيح من المذهب يتركهم على الخشب ثلاثة أيام ثم يخلى بينهم و بين أهاليهم لانه لو تركهم كذلك تغيروا و تأذى بهم المارة فيخلى بينهم و بين أهاليهم بعد ثلاثة أيام لينزلوهم فيدفنوهم ( قال ) و إذا وجد منهم القتل و أخذ المال فلا معتبر بالجراحات في تعلق الارش و القصاص بها لانهم استوجبوا أتم ما يكون من الحد فيسقط اعتبار ما دون ذلك من الجراحات و عفو الاولياء في ذلك باطل لان هذا حد يقام لحق الله تعالى و إسقاط الاولياء انما يعمل فيما هو حقهم
(197)
و يكون استيفاؤه إليهم أو يستوفي بطلبهم فاما ما يستوفيه الامام لله تعالى فلا عفو فيه للاولياء و لا للامام أيضا لانه ليس بصاحب الحق بل هو نائب في الاستيفاء فهو في العفو كغيره و الاصل فيه ما روينا لا ينبغي لوالي حد ثبت عنده حق الله تعالى الا أقامه ثم المذهب عندنا أن الواجب عليهم الحد و عند الشافعي رحمه الله تعالى القتل الواجب عليهم القصاص متحم لا يعمل فيه عفو الولى لان هذا قتل لا يستحق الا بالقتل و القتل المستحق بالقتل يكون قصاصا الا أنه تأكد بانضمام حق الشرع اليه فلا يعمل فيه الاسقاط كالعدة و لكنا نقول القطع و القتل المستحق بالقتل في قطع الطريق كله حد واحد ثم القطع حق الله تعالى فكذلك القتل ألا ترى أن الله تعالى سماه جزاء و الجزاء المطلق ما يجب حقا لله تعالى بمقابلة الفعل فاما القصاص واجب بطريق المساواة و فيه معنى المقابلة بالمحل و الدليل عليه أن الله تعالى جعل سبب هذا القتل ما قال في قوله تعالى يحاربون الله و رسوله و ما يجب بمثل هذا السبب يكون لله تعالى و سماه خزيا بقوله تعالى ذلك لهم خزي في الدنيا فعرفنا أنه حد واحد لله تعالى ( قال ) فان كان فيهم عبد أو إمرأة فالحكم فيه كالحكم في الرجال الاحرار أما العبد فلانه مخاطب محارب و هو في السرقة الصغرى يستوى بالحر فكذلك في الكبرى و المرأة كذلك في ظاهر الرواية و هو اختيار الطحاوي رحمه الله فانه قال في كتابه الرجال و النساء في حق قطاع الطريق سواء كما يستويان في سائر الحدود و هذا لان الواجب قتل و قطع و في القطع الواجب جزاء الرجل و المرأة سواء كالسرقة و في القتل الواجب جزاء الرجل المرأة سواء كالرجم و ذكر الكرخي رحمه الله تعالى أن حد قطع الطريق لا يجب على النساء لان السبب هو المحاربة و انقطاع الطريق بهم و المرأة بأصل الخلقة ليست بمحاربة كالصبى ألا ترى أن في استحقاق ما يستحق بالمحاربة و هو السهم من الغنيمة لا يسوى بين الرجل و المرأة فكذلك في العقوبة المستحقة بالمحاربة و لكن يدخل على هذا العبد فانه لا يساوى الحر في استحقاق السهم ثم يساويه في حق هذا الحد و في الصبيان و المجانين لانعدام الاهلية للعقوبة بعدم التكليف لا يثبت الحكم و ذلك لايوجد في حق النساء و ذكر هشام في نوادره عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه إذا قطع قوم من الرجال الطريق و فيهم إمرأة فباشرت المرأة القتل و أخذت المال دون الرجال فانه يقام الحد عليهم و لا يقام عليها و قال محمد رحمه الله تعالى يقام عليها و لا يقام عليهم و ذكر ابن سماعة عن محمد عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى أنه يدرأ
(198)
عنهم جميعا لكون المرأة فيهم و جعل المرأة فيهم كالصبي و لو كان معهم صبي أو مجنون لا يقام على واحد منهم فكذلك المرأة و محمد رحمه الله تعالى يقول الردء تبع للمباشر في المحاربة و الرجال لا يصلحون تبعا للنساء في التناصر و المحاربة و انما يقام عليها جزاء المباشرة و لا يقام على الرجال و أبو يوسف رحمه الله يقول انما يتأتى هذا الفعل منها بقوتهم فان بنيتها لا تصلح للمحاربة بدون الرجال فكانهم فعلوا ذلك فيقام الحد عليهم لا عليها لان المانع من الاقامة عليها معنى فيها لافي فعلها و هو ان بنيتها لا تصلح للمحاربة بخلاف الصبي فان المانع معنى في فعله و هو ان فعله لا يصح موجبا للعقوبة و قد تحقق الاشتراك في الفعل بينهم و بينه فلا يقام الحد على واحد منهم ( قال ) و المباشر و غير المباشر في حد قطاع الطريق سواء عندنا و عند الشافعي رحمه الله تعالي لا يقام الحد الا على من بأشر القتل واحد المال لانه جزاء الفعل فلا يجب الاعلى من بأشر الفعل كحد الزنا ألا ترى أنهم لو لم يقتلوا و لم يأخذوا ما لا لم يقم الحد على واحد منهم ففي حق الذين لم يأخذوا يجعل كانهم جميعا لم يأخذوا ( و حجتنا ) فيه ان هذا حكم متعلق بالمحاربة فيستوى فيه الردء و المباشر كاستحقاق السهم في الغنيمة و تأثيره أنهم جميعا مباشرون السبب و هو المحاربة و قطع الطريق هكذا يكون في العادة لانهم لو اشتغلوا جميعا بالقتال خفي عليهم طريق الاصابة لكثرة الزحمة و لا يستقرون ان زلت قدمهم فانهزموا فإذا كان البعض ردءا لهم التجأوا إليهم و تنكسر شوكة الخصوم برؤيتهم و كذلك في العادة انما يتولى أخذ المال الا صاغر منهم و الاكابر يترفعون عن ذلك و انقطاع الطريق يكون بهم جميعا فعرفنا أنهم مباشرون للسبب فأما أخذ المال و القتل شرط فيه و إذا صار الشرط موجودا بقوتهم و باشروا السبب بأجمعهم قلنا يقام الحد عليهم ( قال ) و ان أصابوا المال و لم يقتلوا قطعت أيديهم و أرجلهم من خلاف و لم يقتلوا لانهم باشروا أخذ المال فيقام عليهم جزاؤه و قد بينا ان القتل شرط لوجوب القطع عليهم و الحكم بعد وجود السبب لا يثبت قبل وجود الشرط ( قال ) فان لم يوجدوا ؟ طلبوا إلى ان يوجدوا أو ينقطع إذا هم و يأمن المسافرون منهم في طرقهم و ذلك نفيهم من الارض في تأويل بعضهم فان قتلوا و لم يصيبوا ما لا قتلوا و لم تقطع أيديهم و أرجلهم لان جزاء أخذ المال لا يتم الا بأخذ المال ( قال ) فان قتلوا و أخذوا المال ثم تابوا فردوا المال إلى أهله ثم أتى بهم الامام لم يقطعهم و لم يقتلهم لقوله تعالى الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم و قد بينا ان تمام توبته في رد المال لينقطع به خصومة صاحب المال
(199)
فان الامام لا يقيم الحد الا بخصومة صاحب المال في ماله و قد انقطعت خصومته بوصول المال اليه قبل ظهور الجريمة عند الامام فيسقط الحد و لكنه يدفعهم إلى أوليآء القتلي فيقتلونهم أو يصالحونهم و هذا لان في التوبة انما يسقط ما كان حقا لله تعالى فأما ما كان حقا للعبد فلاوليائه و اليه أشار الله تعالى في قوله ان الله غفور رحيم و قد كان السبب الموجب للقتل متقررا ممن بأشر القتل منهم و هو تعمده قتل نفس بغير حق الا أن استحقاق القتل عليهم حدا كان مانعا من ظهور القود فإذا سقط ذلك زال المانع فظهر حكم القود و القود انما يجب على من بأشر القتل دون الردء ( قال ) و للولي الخيار ان شاء عفي و ان شاء صالح على مال و ان شاء استوفى القتل لقوله صلى الله عليه و سلم من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا و ان أحبوا أخذوا الدية و قال صلى الله عليه و سلم لولى القتل أ تعفو فقال لا فقال أ تأخذ الدية فقال لا فقال أ تقتل فقال نعم فعرفنا أنه يتخير بين هذه الاشياء و من بأشر منهم الجراحات ففيما يمكن اعتبار المساواة فيها يجب القصاص و فيما لا يمكن يجب الارش كما لو كانت الجراحات منهم من قطع الطريق و هذا لان سقوط اعتبار حكم الجراحات بوجود اقامة الحد فإذا زال ذلك ظهر حكم الجراحات كما إذا استهلك السارق المال سقط حكم التضمين لوجود اقامة القطع فإذا سقط القطع ظهر حكم التضمين ( قال ) و إذا قطعوا الطريق و أخافوا السبيل و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا ما لا حبسوا حتى يتوبوا بعد ما يعزرون و فى الكتاب يقول عوقبوا فكانه كره إطلاق لفظ التعزير على ما يقام عليهم قبل التوبة لما في التعزير من معنى التطهير و هو المراد من قوله تعالى أو ينفوا من الارض يعنى يحبسون و قد بينا ذلك و هذا أولى مما قاله الشافعي رحمه الله تعالى أن المراد الطلب ليهربوا من كل موضع لان العقوبة بالحبس مشروع فالأَخذ بما يوجد له نظير في الشرع أولى من الاخذ بما لا نظير له و فى هذا الموضع يطالبون بموجب الجراحات التي كانت منهم من قصاص أو أرش لانه لا يقام عليهم الحد و سقوط اعتبار حكم الجراحات لوجود اقامة الحد فإذا انعدم ذلك وجب اعتبار الجراحات في حق العبد فان تابوا و فيهم عبد قد قطع يدحر دفعه مولاه أو فداه كما لو فعله في قطع الطريق و هذا لانه لا قصاص بين العبيد و الاحرار فيما دون النفس فيبقي ؟ حكم الدفع أو الفداء فان كانت فيهم إمرأة فعلت ذلك فعليها دية اليد في مالها لانه لا قصاص بين الرجال
(200)
و النساء في الاطراف فعليها الدية و الفعل منها عمدا لا تعقله العاقلة فكان في مالها ( قال ) و إذا أخذهم الامام قبل أن يتوبوا و قد أصابوا المال فان كان يصيب كل واحد منهم من المال المصاب عشرة دراهم فصاعدا فعليهم الحد عندنا و قال الحسن بن زياد رحمه الله تعالى الشرط أن يكون نصيب كل واحد منهم عشرين درهما فصاعدا لان التقدير بالعشرة في موضع يكون المستحق بأخذ المال قطع عضو واحد و ههنا المستحق قطع عضوين و لا يقطع عضوان في السرقة الا باعتبار عشرين درهما و لكنا نقول هذا حد هو جزاء على أخذ المال فيستدعي ما لا خطيرا و قد بينا أن العشرة مال خطير فيستحق به اقامة الحد كما يستحق به القطع بالسرقة ثم تغلظ الحد ههنا باعتبار تغلظ فعلهم باعتبار المحاربة و قطع الطريق لا باعتبار كثرة المال المأخوذ ففي النصاب هذا الحد وحد السرقة سواء و ان كان لا يصيب كل واحد منهم عشرة دراهم درئ الحد عنهم الا على قول مالك رحمه الله و هكذا مذهبه في الصغرى فانه يعتبر أن يكون المأخوذ في نفسه نصابا كاملا سواء أخذه الواحد أو الجماعة و لكنا نقول اقامة الحد على كل واحد منهم باعتبار ما يصيبه من المال فلا بد من ان يكون خطيرا في نفسه و ما دون النصاب حقير تافه و إذا كان نصيب كل واحد منهم تافها لا يقام عليهم الحد كما لو كان المأخوذ في نفسه نافها ثم يضمنون المال إذا درئ الحد عنهم و الامر في القصاص في النفس و غيرها إلى الاولياء ان شاؤوا استوفوا و ان شاؤوا عفوا و قد طعن عيسى رحمه الله تعالى في هذه المسألة فقال يقتلهم الامام حدا لانهم لو قتلوا و لم يأخذوا شيئا من المال قتلهم الامام حدا لا قصاصا و الردء و المباشر فيه سواء فكذلك إذا أخذوا مع القتل ما لا يبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا اما لان ما دون النصاب لما لم يتعلق به حكم فوجوده كعدمه أو لانه تتغلظ جنايتهم بأخذ شيء من المال و ما يغلظ الجناية لا يكون مسقطا للحد و لكن ما ذكر في الكتاب أصح لان وجوب الحد عليهم باعتبار ما هو المقصود و الظاهر أنهم يقصدون بقطع الطريق أخذ المال و انما يقدمون على القتل ليتمكنوا من أخذ المال فإذا لم يأخذوا المال عرفنا أن مقصودهم لم يكن المال و انما كان القتل فأوجبنا عليهم الحد قتلا بالقتل الموجود منهم و ان أخذ و المال عرفنا أن مقصودهم كان أخذ المال و ان اقدامهم على القتل كان للتمكن من أخذ المال فباعتبار ما هو المقصود لا يمكن إيجاب الحد عليهم إذا كان ما يصيب كل واحد منهم ما دون النصاب فلهذا قال محمد رحمه الله تعالى يدرأالحد عنهم و يبقى حكم القصاص
(201)
( قال ) و اذا قطعوا الطريق في المصر أو ما بين الكوفة و الحيرة أو ما بين قريتين على قوم مسافرين لم يلزمهم حد قطاع الطريق و أخذوا برد المال وأديروا و حبسوا و الامر في قتل من قتل منهم أو جرح إلى الاولياء و عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يقام عليهم حد قطاع الطريق و هو قول الشافعي رحمه الله لان السبب قد تقرر و هو أخذ المال و القتل على وجه المحاربة و المجاهرة و جريمتهم بمباشرة ذلك في المصر أغلظ من جريمتهم بمباشرة ذلك في المفازة لان تغلظ الجريمة باعتبار المجاهرة و الاعتماد على مالهم من المنعة و هذا في المصر أظهر و اعتبر هذا الحد بحد السرقة فانه لافرق هناك بين مباشرة السبب في المصر و فى المفازة فهذا مثله ( و حجتنا ) فيه أن سبب وجوب الحد ما يضاف اليه و هو قطع الطريق و انما ينقطع بفعلهم ذلك في المفازة لافي جوف المصر و لا فيما بين القري فالناس لا يمتنعون من التطرق في ذلك الموضع بعد فعلهم و بدون السبب لا يثبت الحكم و لان السبب محاربة الله و رسوله و ذلك انما يتحقق في المفازة لان المسافر في المفازة لا يلحقه الغوث عادة و انما يسير في حفظ الله تعالى متعمدا على ذلك فمن يتعرض له يكون محاربا لله تعالى فاما في المصر و فيما بين القرى يلحقه الغوث من السلطان و الناس عادة و هو يعتمد ذلك بالتطرق في هذه المواضع فيتمكن باعتباره معنى النقصان في فعل من يتعرض له من حيث محاربة الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم فلا يقام عليه الحد و هو نظير المختلس من السارق في أنه لا يقام عليه حد السرقة لانه بقدر ما جاهر يتمكن النقصان في فعل السرقة و قد قال بعض المتأخرين ان أبا حنيفة رحمه الله تعالى أجاب بذلك بناء على عادة أهل زمانه فان الناس في المصر و فيما بين القرى كانوا يحملون السلاح مع أنفسهم فثبت مع ذلك تمكن دفع القاصد من قطع الطريق و أخذ المال و الحكم لا ينبني على نادر و كذلك فيما بين الحيرة و الكوفة كان يندر ذلك لكثرة العمران و اتصال عمران أحد الموضعين بالموضع الآخر فاما اليوم فقد ترك الناس هذه العادة و هي حمل السلاح في الامصار فيتحقق قطع الطريق في الامصار و فيما بين القرى موجبا للحد و عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال ان قصده في جوف المصر أو بين القرى بالسلاح يقام عليه حد قطاع الطريق و ان قصده بالحجر و الخشب فان كان ذلك بالنهار لا يقام عليه حد قطاع الطريق و ان كان بالليل يقام عليه ذلك لان السلاح لا يلبث و الظاهر أنه يأتى عليه قبل ان يلحقه الغوث فاما الخشب و الحجر لا يكون مثل السلاح في
(202)
ذلك و الظاهر أن الغوث يلحقه بالنهار في المصر قبل ان يأتي عليه ذلك فأما في الليل الغوث يبطئ فالى أن ينتبه الناس و يخرجوا قد أتى عليه فلهذا ثبت في حقه حكم قطع الطريق ( قال ) و ان بيتوا على مسافرين في منازلهم في مصر و لا في مدينة فكابروهم و أخذوا المال فالحكم فيهم كالحكم في الذين قطعوا الطريق لان السبب قد تحقق منهم و هو المحاربة و قطع الطريق اذ لافرق في ذلك بين ان يفعلوا في مشيهم أو في حال نزولهم لانهم في حفظ الله تعالى في الحالين فانما يتمكن هؤلاء منهم لمنعتهم و شوكتهم في الحالين فان نزل المسافرون منزلا في قرية ففعلوا ذلك بهم لم يلزمهم حد قطاع الطريق لان الذين نزلوا القرية بمنزله أهل القرية في ان بعضهم يغيث البعض فلا يتحقق قطع الطريق بما فعل بهم و كذلك ان أغار بعض النازلين في القرية على البعض فقتلوا و أخذوا المال فالحكم فيهم كالحكم في الذي فعل ذلك في جوف المصر قال نزل رجل في بيت أوفى فسطاط فاغلق عليه بابه و ضم اليه متاعه فجاء رجل و سرق من فسطاطه أو بيته شيئا فالحكم فيه ما هو الحكم في السارق في المصر ( قال ) و ما قتل به قطاع الطريق من حديد أو حجر أو عصى أو سوط فهذا كله سواء لان هذا حكم ينبنى على المحاربة فيكون بمنزلة استحقاق السهم بالغنيمة و ثبوت صفة الشهادة فلا يفترق الحال في ذلك بين القتل بالسلاح و غيره فهذا مثله بخلاف القصاص فانه يعتمد العمدية و المماثلة و ذلك يختلف بالسلاح و غيره ( قال ) و إذا أخذ قاطع الطريق و يده اليسرى شلاء أو مقطوعة لم يقطع منه شيء و قتل أو صلب لما بينا في السرقة الصغرى أنه لا يستوفى القطع على وجه يؤدى إلى تفويت منفعة الجنس و قد طعن عيسى في هذا الفصل و قال اعتبار ذلك المعني في السرقة للتحرز عن الاستهلاك الحكمي أو شبهة الاستهلاك و لا معني لذلك ههنا فان إتلافه حقيقة قد صار مستحقا لانه يقتل و يصلب بعد القطع فكيف يمنع استيفاء القطع لشلل في يده اليسرى و لكنا نقول مع هذا القطع جزاء أخذ المال فلا يستوفى على وجه يكون متلفا له حكما ألا تري أنه لم يشرع قطع عضوين منه من شق واحد للتحرز عن الاتلاف الحكمي و انما يشرع قطع اليد و الرجل من خلاف لكيلا يؤدى إلى الاتلاف حكما و هذا لانه لا يستحق إتلافه مرتين فإذا كانت تفويت منفعة الجنس إتلافا ثم قتله كان إتلافا مرتين و ان كانت اليمنى منه مقطوعة قطعت الرجل اليسرى و قتل أو صلب و ان كان أشل اليمنى قطعها مع الرجل اليسرى و قد بينا نظيره في السرقة فكذلك