تنبيهان: - نظریة السیاسیة للامام زین العابدین ع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظریة السیاسیة للامام زین العابدین ع - نسخه متنی

محمود البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



النظرية السياسية لدى الإمام زين العابدين (ع)/ 51-95

تنبيهان:

التنبيه الاول:


عرفنا فيما سبق الوجهة العمومية في ادعية الامام زين العابدينسلام الله عليه والان ننبه انه لا يريد من الدائرة المقدسة المذكورة قبل قليل ان تكون له خاصة دون سواه، بل هي ساحة واسعة لكل تائق اليها اذا اجتمعت فيه الشرائط الموضوعية.


التنبيه الثاني:


لقد راى الامام زين العابدين(عليه السلام) في الدعاء ارضاً خصبة لغرس الفكر الجهادي ضد الطواغيت، سواء في الجبهة الخارجية التي تمثل الحرب ضد المشركين وامثالهم، ام في الجبهة الداخلية التي تمثل الحرب ضد الفاسقين وامثالهم.


اضافة لما تقدم من المنجزات السياسية للدعاء تستطيع ان تضيف اليها عدة منجزات سياسية اخرى تزخر بها ادعية الامام الموجودة في الصحيفة السجادية الاولى وغيرها من مختلف ادعيته الكثيرة جداً.


ومن تلك المنجزات السياسية ايضاً.


4 ـ دعم واسناد المؤمنين

5 ـ معالجة الفراغ.


وتأتي ادعية الامام زين العابدين(عليه السلام) في طليعة الادعية الباهرة الجمال والابتهالات العالية المضامين.


وهب الله لها من هيبة الحكمة،


ومنحها من اشراق المعرفة،


وسكب عليها كؤوساً من البهاء والنور والنضرة والرواء.


ولو لم تكن لزين العابدين(عليه السلام) على سبيل الفرض خصوصاً ادعية الصحيفة السجادية الكاملة.. فلابد ان تكون لشخص آخر من ائمة التربية والعرفان والسياسة والفلسفة.


(وجعلنا منهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)(28).


* * *


سياسة تحرير العبيد

النظام الاسلامي والرق:


ان الاسلام بحق لم يشرع نظام الرق، فان هذا النظام موجود منذ العصور الغابرة والعهود السحيقة. وانما شرع نظام العتق والتحرير، واوجد مبررات عدة لها، وفتق كثيراً من الوسائل المؤدية لها، ليس هنا محل تفصيلها فلتطلب من الكتب الفقهية المبسوطة.


هناك سلوك استعلائي في المجتمع على مر التاريخ الانساني تقريباً ينظر الى طبقة المستضعفين ومن بينهم المماليك نظرة ازدراء، ويعاملهم من فوق الابراج العاجية.


والذي تستطيع ملاحظته بيسر من سياسة الامام زين العابدين(عليه السلام) ذلك الرفض الحازم، والاستنكار العنيد لهذا السلوك نظرياً وعملياً. ومن الادلة على ذلك انه كان لا يمنعه شيء من مجالسة الطبقة المسحوقة حتى دهش منه نافع بن جبير فقال له: انك تجالس اقواماً دونا، فقال علي بن الحسين: اني اجالس من انتفع بمجالسته(29).


ومن رحمته بهم وعطفه عليهم انه كان يشتري العبيد ـ وهم من اضعف المستضعفين ـ فيبرحون عنده قليلاً ثم يطلقهم احراراً. وبلا ريب انه يترتب على التحرير منهج سياسي ايجابي ونظرة انسانية عالية وحث عملي للاخرين على التأسي، اذ الاسلام قد اكد تاكيداً عظيماً على التحرير، ورسم ما لفاعله من الجزاء الوافر والاجر الجميل ومن ذلك قوله تعالى: (وما ادراك ما العقبة * فك رقبة).


وعن ابي عبد الله الصادق(عليه السلام): ان فاطمة بنت أسد قالت لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): اني اريد ان اعتق جاريتي هذه فقال لها: ان فعلت اعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار(30).


وفي هذا المعنى وردت عدّة احاديث(31).


ولقد اعتق علي(عليه السلام) الف مملوك من كدِّ يده(32).


ان موقف الامام زين العابدين(عليه السلام) من المماليك هو خلاصة الموقف الاسلامي بما فيه من نظام دقيق، وقيم خلاّقة، واساليب تربوية وسياسية رفيعة. فمما لا ريب فيه ان الفترة التي يلبث فيها المماليك عند الامام زين العابدين(عليه السلام)يلقّنهم فيها من التربية والاداب والتوجيه والسداد ما يجعلهم احرار النفوس قبل ان يكونوا احراراً في واقع الحياة.


كان في مستطاعه ان يطلق سراحهم من أوّل عقد الشراء، او حصوله عليهم من دون ان يلبثوا عنده. فما انتفاعه من الاشهر التي يقيمون فيها لديه ثم يطلقهم، ولا سيما ان العملية تتكرر؟


ان مجموعة منهم لو بقوا لديه بغير تحرير فانهم يغنونهُ عما يليهم من المماليك بيد أن هنالك هدفاً اسمى من الخدمة والمعونة المتوخاة منهم... انه هدف التربية والارشاد، هدف التعليم والتوجيه وغير ذلك.


كانت لكل واحد من العبيد صحيفة اعمال يسجل فيها الامام سيئاته واخطاءه فإن حان وقت التحرير قرأ عليهم صحائف اعمالهم وهنا يعترفون بما ارتكبوا من الاخطاء فيعفو عنهم ثم يطلب منهم ان يعفوا عنه ويصفحوا فيقولون: قد عفونا عنكَ وما أسأتَ.


ولا يخفى عليه ان المماليك يرغبون بعد تحريرهم ان يكتسبوا ويشقوا دربهم العملي في الحياة فيعطيهم رؤوساً من الاموال على هيئة منح وهبات، ولا يسترد منهم ذلك ما سمر سمير.


هذه طريقته في تحرير العبيد ذكرناها بشكل موجز ولكن عثرنا على وثيقة تاريخية على جانب كبير من الاهمية.


وثيقة تاريخية: وهي تتعلق باطلاق سراح الارقّاء ننقلها بتفصيلها لانها تعبر عن روح الاسلام ونظرته للارقاء، ولانها مادة تربوية واخلاقية واجتماعية عالية المضامين، كما انها جواب عميق عن الاسئلة والاشكالات التي تطرحها فئة من المستشرقين حول الاسلام. نريد ان نقول لهم: هذا هو الاسلام في نظرته واخلاقيته وجوهره متمثلاً في سياسة احد كبار قادته الميامين تجاه العبيد.


عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام): كان علي بن الحسين(عليه السلام) اذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا أمة. وكان اذا اذنب العبد والامة يكتب عنده: اذنب فلان، اذنبت فلانة.. يوم كذا وكذا ولم يعاقبهم.. فيجتمع عليهم الادب.


حتى اذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم اظهر الكتاب ثم قال: يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤدبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يابن رسول الله، حتى يأتي على آخرهم ويقررهم جميعاً، ثم يقوم وسطهم ويقول لهم:


ارفعوا اصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين ان ربك قد احصى عليك كل ما عملت، كما احصيت علينا كل ما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت الا احصاها، وتجد كل ما عملت لديه حاضراً كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضراً، فاعفُ واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحب ان يعفو المليك عنك فاعفُ عنا.. تجدْهُ عفوّاً، وبك رحيماً، ولك غفوراً، ولا يظلم ربك أحداً. كما لديك كتاب ينطق بالحق علينا. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما اتينا الاّ احصاها، فاذكر يا علي بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربك الحكم العدل، الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل.


ويأتي بها يوم القيامة وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعفُ واصفح يَعفُ عنك المليك ويصفح، وهم ينادون معه وهو واقف بينهم يبكي وينوح ويقول:


ربّ انك أمرتنا أن نعفو عمن ظَلَمنا، وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا، فانك أولى بذلك منا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردَّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا ولا تخيِّبنا فانك أولى بذلك منا ومن المأمورين.


إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سُؤّالك وجدتَ بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم.


ثم يقبل عليهم فيقول:


قد عفوت عنكم فهل عفوتم عنيّ ومما كان مني إليكم من سوء ملكة؟ فاني مليك سوء، لئيم، ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل.


فيقولون:


قد عفونا عنك يا سيّدنا، وما أسأت.


فيقول لهم قولوا: اللّهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ.


فيقولون ذلك.


فيقول: اللّهم آمين ربَّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، واعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فيعتقهم، فاذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة إلاّ وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأساً إلى أقل أو اكثر، وكان يقول:


ان للهِ تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلّ قد استوجب النار، فاذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، واني لاحب أن يراني الله وقد اعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار.


وما استخدم خادماً فوق حوله، كان اذا ملك عبداً في أول السنة أو في وسط السنة اذا كان ليلة الفطر اعتق، واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، ولقد كان يشتري السودان وما به اليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسدّ بهم تلك الفرج والخلال فاذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال(33).


المبررات السياسية والتاريخية


لقد كان لمخطط الامام زين العابدين(عليه السلام) في تحرير المماليك مبررات ودوافع روحية واخلاقية لا ريب فيها، ولكن بالاضافة الى ذلك فان له مبررات ودوافع سياسية وتاريخية ينبغي الالتفات اليها من خلال الامعان في هذه الوثيقة التاريخية الاتية.


وبالمقارنة بين الوثيقتين من وثائق التاريخ السياسي، الوثيقة التي تستعرض صنيع زين العابدين ومنهجه القويم في التعامل مع الارقّاء وتحريرهم، والوثيقة التي تستعرض استعباد القيادة السياسية للاحرار، يظهر اكثر من فارق جوهري بين مبدئية علي زين العابدين(عليه السلام) وسياسته واخلاقيته المثلى وبين مبدئية القيادة وسياستها واخلاقيتها.


كانت بنو أمية تبيع الرجل في الدَّين يلزمه وترى انه يصير بذلك رقيقاً، كان معن ابو عمير بن معن الكاتب حراً مولىً لبني العنبر فبيع في دين عليه، فاشتراه ابو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي، وباع الحجاج علي بن بشير بن الماحوز لكونه قتل رسول المهلَّب على رجل من الازد.


وكانت بنو امية تختم في أعناق المسلمين علامة لاستعبادهم.


وبايع مسلم بن عقبة أهل المدينة كافة وفيها بقايا الصحابة واولادها وصلحاء التابعين على ان كلاًّ منهم عبد قِنٌّ لامير المؤمنين يزيد بن معاوية، إلاّ علي بن الحسين(عليه السلام) فانه بايعه على أنه اخوه وابن عمه ونقشوا اكف المسلمين علامة لاسترقاقهم(34).


لقد جاء مخطط الامام زين العابدين في تحرير المماليك في عصر كانت القيادة السياسية فيه تستعبد الاحرار ايَّما استعباد فكأن زين العابدين(عليه السلام) أراد من مخططه السياسي والانساني والرسالي أن يعكس لابناء عصره وللتاريخ معاً ان للانسان بما هو انسان قيمة عليا لا يصح أن يفرَّط فيها سواء كان رقاً أم حُرّا، واراد أن يثبت ـ بشكل قاطع ـ ان قيمة الرقيق في المنهج الاسلامي اسمى وأرفع بمراحل من القيمة التي يتوخاها طواغيت الحكام للاحرار من المسلمين.


(ان في هذا لبلاغاً لقوم عابدين)(35).


الاستراتيجية التربوية


شدد الاسلام، على المربين... في تهذيب طبائعهم، وتطهير توجهاتهم الروحية، والسياسية، والانسانية... وفي تربية انفسهم، تربية مستقاة من روح السماء، وتعاليمها، في سبيل ان يكونوا امثلة عليا... يقتدي بها الجيل، ويعتمدها في العمل والبناء، والجهاد في معركة الحياة.ان رسل الله خير من يقتدى بهم، ويقتص اثرهم (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده...)(36) (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا)(37).وكذلك ائمة أهل البيت(عليهم السلام); فانهم قمة شماء في التوجيه والتربية الاسلامية... فالالتزام بتربيتهم، والاخذ باوامرهم وتعاليمهم، هو الذي ينجي من التردي والسقوط، ويرتفع بالانسانية الى حيث الافق المضيء المشرق.يقول الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) كما في الحديث المشهور: مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى.شمولية الخلاص:وهنا يفرض السؤال نفسه: هل ان اهل البيت(عليهم السلام) انقاذ للبشرية، وسفينة للنجاة، في الشؤون الروحية والعرفانية والاخلاقية وهكذا كل ما يصون الناس من الكفر والشرك.... فحسب، أم انهم نجاة لما هو اشمل من ذلك؟ولسنا نعتقد بصحة التسرع بالجواب، إلاّ من بعد ان ندرك ونستلهم، مفهوم الغرق والهوي.ان الانسان إذا ما تجافى والتربية الروحية; فانه يغرق ويهوي وإذا ما ابتعد عن المفاهيم الاخلاقية; فانه يغرق ويهوي.وإذ ما كفر واشرك; فانه يغرق ويهوي.ولكن هل هذه هي المفردات والمصاديق الوحيدة للغرق والهوي.كلا، والف كلا.فإن مفردات ومصاديق كثيرة، تنصب في السياق نفسه، ولا نرغب ان نقوم بعمليات احصائية لها، لانها خارج موضوعنا، ولكن نريد ان نركز هنا، على ما يتساوق وبحثنا الحالي.اليست السياسة، بما هي سياسة، عالماً من الخير والشر، والهدى والضلال، والعدالة والظلم، والحق والباطل. أو بعبارة اخرى، نريد ان نقول:ان السياسة بحر عميق ما ينجو في عبوره اناس، إلاّ والذين يغرقون اكثر واكثر.إذن، ومن منطلقات رسالية وانسانية، لابدّ من التسارع الى عمليات الانقاذ.وفي هذه الحالة، يأتي دور السفينة أي دور اهل البيت(عليهم السلام).فهم، اهل الخير، والحاثون عليه.وارباب الهدى، والداعون إليه.ورمز العدالة، والمرغبون فيها.ومستقر الحق، والناصحون به.يا اخي الكريم:إذا رأيت بحراً عميقا... متلاطم الامواج; فاعلم انه بحر السياسة، وإذا رأيت سفينه تمخر التيار، بعد التيار فاعلم ان ربانها من أهل البيت.


المثل الاعلى للقائد الرسالي:ولم ينضب بحر من البحور، إلاّ وطفح الاخر، ولم يمت ربان، في قيادة السفينة، إلاّ واحتل موقعه ربان آخر. حتى جاء الدور للامام زين العابدين(عليه السلام); فقاد السفينة خير قيادة، وانقذ من الهلاك جيلاً بعد جيل.لقد كان هذا الامام الهمام، القبس الهادي، والضوء المنير، والنبراس المشرق... لكل من اراد التربية الصادقة، والطريقة المثلى، والمنهج القويم.ولقد كان المجتمع، يلحظ فيه هذه الايات الباهرات; لذا ان الكثير من ابنائه، يسارعون الى الاخذ بتربيته، معرفة بهديه، وصدق توجهاته، وانهم ما وجدوا له زلة، ولا شاهدوا منه عثرة، ولا رأوا فاصلاً بين اقواله وافعاله.انه المثل الاعلى للقائد الرسالي الذي لا يأمر بشيء إلاّ وقد امتثله، ولا يحث على جميل إلاّ وقد عمله. (لمثل هذا فليعمل العاملون).فروع النظريات التربوية:ان لكل نظرية تربوية هدفاً نهائياًUitimate ain تصبو إليه، وترمي لتحقيقه. سواء كان الهدف النهائي على طريق الصواب أم كان على طريق الخطأ.ان النظريات التربوية الحديثة، على الرغم من وجود ثغرات تتخللها، وتكتنف جوانبها.. إلاّ انها تعتبر متطورة جداً، وذات تفوق ملحوظ ـ بالقياس الى النظريات التربوية القديمة، إنْ من حيث المعاني والمضامين، وإنْ من حيث المناهج.نعم تستثنى من هذا التعميم، نظرية القرآن الكريم، والرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وائمة الهدى.ولسنا الان بصدد، دراسة النظريات التربوية القديمة، ماعدا خطوطاً عريضة للنظرية التربوية ـ القديمة الجديدة ـ للامام زين العابدين(عليه السلام).كما لا نريد ان نتناول من النظريات إلاّ اشارات عابرة من الاهداف التربوية فيها. مقارنة بالاهداف التربوية لدى نظرية الامام زين العابدين.هناك ثلاثة فروع للنظريات التربوية، لكل منها انصاره، في الوقت الحاضر، كما يقول الفيلسوف المعاصر Bertrand Russell (برتراند راسل).الاولى تبحث في الهدف الوحيد للتربية، وهو تجهيز الفرص للنمو، وازالة نفوذ التخلف.والثانية: تتمسك في ان هدف التربية: هو منح ثقافة للفرد، وتطوير امكانياته لاقصى حد.والثالثة: تأخذ في ان التربية يجب ان تعتبر نوعا ما علاقاتها بالمجتمع، اكثر من علاقاتها بالفرد(38).بين نظريّة الامام والنظريّات التربوية:ولم يكن الهدف، من النظرية التربوية، لدى الامام زين العابدين(عليه السلام) يلتقي وواحداً من هذه الفروع فحسب. بل يمكن القول: انه يلتقيها جميعاً. علماً بان النظرية الثالثة لا تتنافى والنظرية الثانية وانما تعني: ان نولي، العلاقات الاجتماعية، العناية والرعاية بصورة اكثر من ثقافة الافراد، والعناية بهم.وتلتقي نظرية الامام زين العابدين بالنظرية الثانية من حيث شدة الاهتمام بالفرد، وعدم اهماله بذريعة العناية والاهتمام بالمجتمع، أو اعطائه مجرد قسط من الرعاية فحسب.بيد ان الاختلاف ما بين الافراد اختلاف كثير... فمنهم من له الاستعداد الفكري أو النفسي أو الارادي على السموّ والتحليق، ومنهم من ليس كذلك ومنهم من يرجى منه النفع العام والفائدة الكبيرة للمجتمع، والقدرة الكبرى على التوجيه والتربية، ومنهم دون ذلك بمرحلة أو مراحل.وعلى هذا الاساس; فان بعض الافراد يحظون برعاية اكثر من غيرهم، عند الامام زين العابدين(عليه السلام)، كما سنشير الى عدد منهم، وإن كان قد فتح قلبه للجميع، وادلى برعايته لمختلف الافراد.الكيفية الاليَّة:اما الكيفية الالية للالتقاء مع النظريات الثلاث فنحن سوف نوضحها بايجاز.أ ـ اما الالتقاء مع النظرية الاولى، التي تركز على تجهيز الفرص للنمو، وازالة نفوذ التخلف. فهي واضحة من خلال التعاليم والمفاهيم التالية:1 ـ قال(عليه السلام): مجالس الصالحين داعية للصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل(39).2 ـ الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته(40).3 ـ فأما حقوق رعيتك بالسلطان، فان تعلم انك انما استرعيتهم، بفضل قوتك عليهم; فانه انما احلّهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما اولى من كفاكه ضعفه وذلّه، حتى صيره لك رعية، وصيّر حكمك عليه نافذا، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلاّ بالله.. بالرحمة، والحياطة، والاناة(41).ب ـ واما الالتقاء مع النظرية الثانية: التي تنصب على ثقافة الفرد وتطوير امكانياته لا قصى حد، فنود ان نشير قبل ذلك الى امر مهم جداً وهو أن هذه النظرية صحيحة في نفسها ولكن شريطة ان لا تخلَّ بحقوق المجتمع، وتضر بالصالح العام.وباستطاعة ـ القارئ الكريم ـ تلمُّسُ الالتقاءِ ما بين النظريتين نظرية الامام زين العابدين والنظرية الثانية، عن طريق الامرين التاليين:اولاً: الجهود الكثيفة التي كان يبذلها الامام زين العابدين في سبيل تربية الكثير من الافراد، والعناية الخاصة التي كان يوليها لبعضهم. ومن بين هؤلاء الكثيرين، نضرب بعض الامثلة:الامام محمد الباقر(عليه السلام):الشهيد السعيد زيد بن علي زين العابدين(عليهما السلام).العالم الكبير مفسِّر القرآن الكريم الشهيد سعيد بن جبير(رحمه الله).خادم الامام زين العابدين العالم الجليل أبو خالد الكابلي(رحمه الله).الفقيه الكبير، الامر بالمعروف والناهي عن المنكر. سعيد بن المسيبرضوان الله عليه.محمد الزهري، على الرغم من ان هذا الرجل، كان من المنتسبين الكبار لجناح السلطة التي كان الامام زين العابدين مقارعاً لسياستها ومقاصدها. إلاّ انه قد حظي بتعاليم الامام وارشاداته، وتربيته الخاصة. وقد آتت هذه التربية ثمارها، فكم لمحمد الزهري من موقف ايجابي داخل اروقة النظام، وإن كان وجوده ـللاسف ـ يستفاد منه لتمرير مخططات الحكام.ثانياً: يتلخص في مفاهيم تربوية، عند الامام زين العابدين وافرة جداً، ولا يسعنا الان إلاّ ان نذكر منها شيئاً يسيراً جداً. فمن ذلك قوله صلوات الله عليه:واما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته; فانه سبب التوبة والمداراة له وترك مماحكته(42); فان ذلك ادنى لرشده(43).وقيل له(عليه السلام): من اعظم الناس خطراً؟ فقال: من لم ير الدنيا خطراً لنفسه(44).واما حق السمع فتنزيهه عن ان تجعله طريقاً الى قلبك، الا لفوهة كريمة، تحدث في قلبك خيرا، وتكسبُ خلقاً كريماً فانه باب الكلام الى القلب يؤدي اليه ضروب المعاني على ما فيها من خير وشر(45).من كتم علماً احدا، أو اخذ عليه صفدا، فلا نفعه ابدا(46).متفقه في الدين اشد على الشيطان من عبادة الف عابد.ثالثاً: واما اللقاء بين النظرية الثالثة التي تؤكد على الابعاد الاجتماعية في التربية، وبين نظرية الامام زين العابدين(عليه السلام) فانه لقاء واسع رحب، كثير التشابك والتلاحم. بيد انه من المستطاع ان يجمل ببعض المؤشرات التربوية كمايلي:واما حق اهل ملتك عامة فاضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم، وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم الى نفسه واليك; فان احسانه الى نفسه، احسانه اليك، إذا كفّ عنك اذاه، وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه. فعمَّهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك، وانزلهم(47) جميعا منك منازلهم.كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد واوسطهم بمنزلة الاخ.فمن اتاك تعمدته بلطف ورحمة، وصل اخاك بما يجب للاخ على اخيه(48).والنص المتقدم قبل قليل فأما حقوق رعيتك بالسلطان مما يجري ضمن سياقات الابعاد الاجتماعية في التربية.بل يمكن القول: ان اكثر رسالة الحقوق ـ وهي رسالة طويلة جداً ـ هو مما يجري في هذه المسارات التربوية المحددة وذلك لانها تؤكد على الابعاد الاجتماعية في التربية(49).وعن الامام محمد الباقر(عليه السلام) قال: كان زين العابدين(عليه السلام) إذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلم ادناهم إليه وقال: مرحبا بكم انتم ودائع العلم، ويوشك إذ انتم صغار قوم ان تكونوا كبار آخرين.سادة الناس في الدنيا الاسخياء وسادة الناس في الاخرة الاتقياء.لو يعلم الناس ما في طلب العلم; لطلبوه ولو بسفك المهج، وخوض اللجج.


ان الله تبارك وتعالى اوحى الى دانيال: ان امقت عبيدي اليَّ الجاهل المستخفُّ باهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وان احب عبيدي الي التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحكماء.كلكم سيصير حديثا فمن استطاع ان يكون حديثاً حسناً فليفعل(50).


من ركائز التربية الفاضلة:أ ـ مما لا ريب فيه ان الانسان إذا كان صاحب ايمان بالقيم التربوية، والمسارات الاخلاقية التي يدعو لها الاخرين فعليه التطبيق الشخصي، وان يعمل بكل ما يدعو له; وذلك لان الانسان فطريّا ـ وكما هو المعتاد ـ يأبى الانصياع، أو الاستقاء من المناهل العذاب التي يستقي منها اربابها. كما ان الانسان ان كان مؤمنا بما يدعو له الاخرين; فلماذا لا يعمل بما يدعو له، وإن لم يكن مؤمنا بذلك فعلام الدعوة له.يقول الله تعالى ناقداً بعض المؤمنين، وعائباً عليهم الفصل ما بين الاقوال والاعمال: (يا ايها الذين امنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون * كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون)(51).ومن هذا المنطلق نرى الامام علياً زين العابدين سلام الله عليه قد قام بالتطبيق الشخصي لكل ما ينصح به سواه، ويدعو له الاخرين، من قيم اخلاقية، ومثل تربوية، وواجبات، ومستحبات، وآداب، وتقوى. لقد كان سلام الله عليه مجتهداً في دين الله غاية الاجتهاد، ذائباً فيما يؤمن به، متعباً نفسه، مرهقاً بدنه، مسهراً مقلتيه، وفي شخصه الكريم، تتجسد النظرية التربوية التي ارادها خطاً في مسار الحياة، حتى كأنه نسخة من الاسلام، أو انه إسلام يمشي على الارض.وليس شيئاً ادل على ذلك، من حياته الشخصية، والعامة، وما كثر نقله عنه من فضائل ومكارم.ب ـ الابتهال الى الله تعالى ان يربي نفسه ظاهراً وباطناً، في مستسرالسر، وظاهر العلانية، ويمده بالتوفيق في ذلك. وابتهالاته المقدسة في هذا المجال لا تكاد تحد بحد. فمن ذلك قوله سلام الله عليه: وهب لي التطهير من دنس العصيان، واذهب عني درن الخطايا، وسربلني بسربال عافيتك، وردِّني رداءَ معافاتك، وجللني سوابغ نعمائك، وظاهر لديَّ فضلك وطوْلَك، وايدني بتوفيقك وتسديدك، واعني على صالح النية، ومرضيِّ القول، ومستحسن العمل.ومن ذلك قوله: اللهم اقضِ لي في الاربعاء اربعا:اجعل قوتي في طاعتك، ونشاطي في عبادتك، ورغبتي في ثوابك، وزهدي فيما يوجب لي اليم عقابك.ج ـ تأنيب النفس ومعاقبتها، ومحاسبتها على الصغيرة والكبيرة، محاسبة شديدة، والوقوف منها وقوفاً حازماً، لا تسامح فيه، ولا غض نظر، والالحاح عليها في الابتعاد عن الخطايا والدنايا، وتنبيهها من الغفلات، وايقاظها من السبات. يقول سلام الله عليه: وحتى متى اصف محن الدنيا، ومقام الصديقين، وانتحل عزماً من ارادة مقيم بمدرجة الخطايا، اشتكي ذل ملكة الدنيا، وسوء احكامها علي، فقد رأيت وسمعت، لو كنتُ اسمع في اداة فهم، أو انظر بنور يقظة:وكلا الاقي نكبة وفجيعةوكأس مرارات ذعافاً اذوقهاوحتى متى اتعلل بالاماني، واسكن الى الغرور، واعبد نفسي للدنيا على غضاضة سوء الاعتداد من ملكاتها، وانا اعرض لنكبات الدهر عليَّ اتربّص اشتمال البقاء، وقوارع الموت تختلف حكمي في نفسي، ويعتدل حكم الدنيا:وهن المنايا ايواد سلكته عليها طريقي أو عليَّ طريقها(52)ويقول أيضاً في هذا الصدد:يا نفس حتام الى الدنيا سكونك، والى عمارتها ركونك؟ اما اعتبرت بما مضى من اسلافك، ومن وارته الارض من أُلاّفك، ومن فجعت به من اخوانك ونقل الى الثرى من اقرانك؟... فحتّام الى الدنيا اقبالك، وبشهواتها اشتغالك، وقد وخطك القتير، واتاك النذير، وانت عما يراد بك ساه، وبلذات يومك وغدك لاه؟ وقد رأيت انقلاب اهل الشهوات، وعاينت ما حلّ بهم من المصيبات(53).اياك اعني واسمعي يا جارة:ليس من شك ان النفس الطهور الزاكية للامام زين العابدين صلوات الله عليه لم تكن راكنة الى الدنيا، ولا مائلة لزخارفها، ولا جانحة لقدر من بروق مطامعها.. ولكنه إذ يعاتب النفس; انما لسجية من سجايا الروح العذبة التي ينطوي عليها اهل البيت عليهم الصلاة والسلام.ولا احسب إلاّ انه(عليه السلام) اراد ان يركز في قلوبنا عذل النفس الامارة بالسوء وتوبيخها ومحاسبتها، باعتبار ذلك اساساً من اسس التربية المثلى. وليس منا من لم يحاسب نفسه....واننا إذ يلازمنا العُجب والغرور بانفسنا، وإذ نزكي انفسنا، يربينا الامام زين العابدين(عليه السلام) على كبح جماح الغرور، والاقلاع عن التزكية المقيتة. ومثله بالتربية جدير، وبالتلطف في التوجيه حري مبين.نعم ان عذل النفس، والتشديد عليها ـ بنفسه ـ شيء جميل، وإن كان صاحب تلك النفس طاهراً، امينا، زكيا، خالصاً، رضيا. أو بعبارة اخرى، وان كان صاحب النفس مثل وليِّ الاولياء، وصفيِّ الاصفياء، ونور المتقين، ورمز السداد والاستقامه، اعني علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.ان الكثير الكثير من الكم الهائل، والحشد العظيم، والكلمات الحسان، التي اطلقها النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، واهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) ينبغي ان تفهم وتستلهم، وتدرك اسرارها، وفق المنطلقات البعيده لـ اياك اعني واسمعي يا جارة. بوصف ذلك اسلوباً بارعاً من الاساليب التربوية الرائدة، طبعاً لا اعني انها الاسلوب الوحيد، وانما اعني انه من الاساليب الرائعة والمتميزة للاستراتيجية التربوية عند الرسول محمد واهل بيته الميامين سلام الله عليهم جميعا.د ـ لفت الناس الى التربية الذاتية، من خلال المربي الذي يدخل في تركيبها، ويوجهها من الداخل. ففي الخبر الشريف: من لم يجعل الله له واعظاً من نفسه فان مواعظ الناس لا تغني عنه.ان التربية الذاتية تعتبر بحق حجر الزاوية في بناء الصرح التكاملي للانسان.يقول الامام زين العابدين(عليه السلام): الخير كله صيانة الانسان نفسه(54).ويقول(عليه السلام) أيضاً: يا ابن آدم انك لا تزال بخير، ما دام لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا، والحزن دثارا(55).وهذه مقتطفات يانعة، يسيرة العدد، كثيرة المنفعة، مما قاله الامام زين العابدين(عليه السلام) في التربية الذاتية:عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته، كيف لا يحتمي من الذنب لمضرته.انما التوبة العمل، والرجوع عن الامر، وليست التوبة بالكلام.ثلاث منجيات للمرء: كف لسانه عن الناس واعتيابهم، واشغاله نفسه بما ينفعه لاخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته.ان افضل الاجتهاد عفة البطن والفرج.اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل; فان الرجل إذا كذب في الصغير، اجترأ على الكبير. اما علمتم ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللهُ عزّوجلّ صادقا، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كاذبا.ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة افضل من حسن الخلق.ما من خطوة احب الى الله من خطوتين: خطوة يشد بها صفاً في سبيل الله، وخطوة الى ذي رحم قاطعة.وما من جرعة احب الى الله من جرعتين: جرعة غيظ ردها مؤمن بحلمه، أو جرعة مصيبة ردها مؤمن بصبره.وما من قطرة احب الى الله من قطرتين: قطرة في سبيل الله، أو قطرة دمعة في سواد الليل، لا يريد عبد إلاّ الله عزّوجلّ.ثلاث من كنّ فيه، كان في كنف الله، واظله الله يوم القيامة في ظل عرشه، وآمنه فزع اليوم الاكبر: من اعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يقدّم يداً ولا رجلاً، حتى يعلم انه في طاعة الله قدّمها، أو في معصية الله، ورجل لم يعب اخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه.لا حسب لقرشي ولا عربي إلاّ بالتواضع، ولا كرم إلاّ بالتقوى، ولا عمل إلاّ بالنيّة، ولا عبادة إلاّ بالتفقه. ألا وإن ابغض الناس الى الله عزّوجلّ من يقتدي بسنة امام ولا يقتدي باعماله.هـ ـ ابعاد الناس عن اصدقاء الشر، وخلطاء السوء; لمضرتهم البالغة، وخشية من تأثيراتهم السيئة; لئلا يقتبسوا منهم الخصائل الدنيئة، والشمائل المقيتة; فان الانسان بنفسه ـ عادةً ـ له قابلية التأثر والتلقي، وإن كان هذا يختلف بدرجته صعوداً وهبوطاً من شخص الى آخر.وفي الجانب المقابل ركّزت النظرية التربوية للاسلام على اتخاذ اصدقاء الخير والصلاح، واصفياء الفضيلة والشمم في بيانات كثيرة، ليس هنا موضع تفصيلها. ان الخير والشر يغرسان كما تغرس النبتة، واقدر الناس على هذا الغرس هم الاصدقاء.يقول الامام زين العابدين صلوات الله عليه وهو ينصح ولده الامام محمداً الباقر(عليه السلام) بل المجتمع الانساني أجمع بالابتعاد عن اصناف من الاصدقاء:يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم، ولا تحادثهم، ولا ترافقهم في طريق:فقال: يا ابه من هم؟قال: اياك ومصاحبة الكذاب، فانه بمنزلة السراب; يقرب لك البعيد، ويبعد لك القريب.واياك ومصاحبة الفاسق; فانه يبيعك باكلة أو اقل منها.فقال: يا أبه وما اقل منها؟قال: يطمع فيها ولا ينالها.واياك ومصاحبة البخيل فانه يخذلك في ماله، احوج ما تكون إليه.واياك ومصاحبة الاحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك.واياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله(56).وقال(عليه السلام) وهو يربي المجتمع الانساني ويوجهه من خلال مخاطبة ولده الامام محمد الباقر عليه الصلاة والسلام:اياك يا بني أن تصاحب الاحمق، أو تخالطه، واهجره ولا تحادثه; فان الاحمق هجنة عبن غائباً كان أو حاضرا ان تكلّم فضحه حمقه وان سكت قصر به عيّه، وان عمل افسد، وإن استرعي اضاع، لا علمه من نفسه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه، ولا يطيع ناصحه، ولا يستريح مقارنه، تود امه انها ثكلته، وامرأته انها فقدته، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته إن كان اصغر من في المجلس أعنى من فوقه، وان كان اكبرهم افسد من دونه.لقد ذكر الامام زين العابدين صلوات الله عليه خمسة من الاصدقاء الذين قد اوصى بتجنبهم، والابتعاد عن ساحتهم. والحقيقة ان الذين يجدر بالانسان السوي مجانبتهم ومهاجرتهم، اكثر من ذلك بكثير، من قبيل: الظالم، وصاحب الازدواجية في الشخصية، والوضيع النفس. ولا ينبغي الارتياب في انهم اكثر من خمسة.بيد ان الامام(عليه السلام)، لم يرد ان يقول: ان هؤلاء هم فحسب الذين يجتنبون، ولا مانع من مجانبة الاصناف الاخرى كافة، وانما قد اكّد على هؤلاء الخمسة فحسب; لغرض من الاغراض، ولحكمة ما.وعلى هذا الاساس; فان حصر مجانبة الاصدقاء بهؤلاء الخمسة، انما هو حصر اضافي، وليس حصراً حقيقياً، بمعنى انه لا مانع ان يكون الاصدقاء غير المرضيين اكثر من هذا العدد، ومثل هذا الحصر الاضافي كثير الوجود في الاحاديث وفي اقوال الحكماء.وفي عقيدتي ان الاصدقاء الذين يجدر الابتعاد عنهم كثير، ولكن الاحمق من هؤلاء هو الاولى بالابتعاد عنه، ومفارقته.ان الفاسق قد يتوب من فسقه، والكاذب قد ينزع عن كذبه، والقاطع لرحمه قد يصلهم بعد القطع، والبخيل قد يخف بخله بنسبة ملحوظة، ولكن الاحمق لا يرجى لتوبة أو نزوع.ان الاحمق، لا توقظه النوائب، ولا تحنكه التجارب.وكفى الاحمق خزيا ان يصفه الامام زين العابدين بعدم القدرة على نفع الاخرين حتى وإن اراد ذلك. يقول(عليه السلام): فإنه يريد ان ينفعك فيضرك. كما يقول: ان كان اصغر من في المجلس اغناهم من فوقه، وإن كان اكبر افسدهم من دونه.وليس يرجى من الاحمق ان ينفع سواه، أو ان يحفظ لصديق أو عشير أو جماعة شيئاً ما، بل لا يرجى منه ان ينفع نفسه أو ان يحفظها، ولقد اجاد كثيراً الاحنف بن قيس إذ يقول: الاحمق يحفظ من كل شيء إلاّ من نفسه، أي بالامكان حراسته من كل الاضرار والمفاسد الخارجيه وحمايته منها، ولكن من اين يحمى من نفسه وسفاهة رأيه.ومما قد قلناه حول الاحمق هذه الكلمات القصيرة:حكيم يرتجل الامر خير من احمق يطيل الفكر.الاحمق لا يترك عادة سيئة إلاّ التحف اخرى.إذا قصر تفكير الاحمق فخافوه على نفسه، وان طال فخافوه على انفسكم.يضطرب قلب الحكيم فيفتح له المسالك، ويطمئن قلب الاحمق فيورده المهالك.بمعنى انه على رغم الظروف القاسية والحرجة، التي تنتاب الحكيم في بعض الاحيان، فانه يستطيع ايجاد حلول مناسبة بصورة وبأخرى، ولكن الاحمق حتى في ظروف طمأنينته، واستقراره النفسي يتخبط خبط عشواء.ان الاحمق في حالة طمأنينته، كالنعامة البليدة في حالة خوفها.و ـ التركيز على تعيين مشرف تربوي، ومستشار مقتدر، على كل فرد، أو شريحة اجتماعية. ولا نقصد بالتعيين ان يُعيّن من قبل جهة عليا رسمية أو غير رسمية، بل لابد ان يوجد مثل هذا المشرف التربوي أو المستشار بأية صورة من الصور سواء عن طريق التعيين الفوقي، أو ان الانسان أو الشريحة بنفسها تتخذ هذا المستشار أو المشرف التربوي، وتسعى للاستفاده والانتفاع من تربيته وتوجيهه. ويقوم هو بدور الارشاد، ورسم خط الاستقامة والسداد.يقول الامام زين العابدين: ذلَّ من ليس له حكيم يرشده. وهذا من مشهور كلامه(عليه السلام).ز ـ توجيه البشرية نحو كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ودعوتهم لتدبر آياته، والتأمل في احكامه، ودقائقه، ومراميه الفكرية والاخلاقية والاجتماعية، وحثهم على استخراج كنوزه.يقول الامام زين العابدين(عليه السلام): آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزينة فينبغي لك ان تنظر ما فيها.ويقول(عليه السلام)مؤكداً على مصاحبة القرآن، والاستئناس به، وملازمته كملازمة الظل: لو مات مَن بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد ان يكون القرآن معي.ويقول(عليه السلام) تشويقاً لقراءة القرآن، ومشجعاً على تلاوته وملازمته:عليك بالقرآن; فان الله خلق الجنة بيده لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وجعل ملاطها المسك، وترابها الزعفران، وحصباءها اللؤلؤ وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن; فمن قرأ منها قال له: اقرأ وارق. ومن دخل منهم الجنة، لم يكن في الجنة أعلى درجة منه، ما خلا النبيين والصديقين(57).ومما لا ريب فيه ان التوجيه نحو كتاب الله الحكيم توجيه في نفس الوقت للسنة الزكية. قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب)(58).وروى العلامة الكليني في الكافي عن الامام زين العابدين(عليه السلام) مؤكداً على السنة ان افضل الاعمال ما عمل بالسنة وإن قل.ح ـ التوعية السياسية، ولا نقصد بالتوعية السياسية ان يكون الفرد أو المجتمع على اطلاع على ما يجري في الساحة الخاصة أو الساحة الدولية. أي ان يكون ملمّاً بالاخبار فحسب، فان هذه توعية مبتورة جداً، وهي لا تمثل إلاّ جانباً واحدا فقط من التوعية المذكورة.وانما نعني بالتوعية السياسية ان يمتلك الفرد أو المجتمع الرؤية الواضحة والموقف المحدد ازاء الاحداث والاخبار أو بعبارة اوضح واوسع اطاراً ان التوعية السياسية مركب يتألف من الاجزاء التالية:اولاً: الحصيلة الحدثيّة والخبرية.ثانياً: تحليل الحوادث والاخبار.ثالثاً: الموقف المحدد ازاء الاحداث والاخبار.ويشترط في هذا اللون الرفيع من التوعية السياسية ان تكون صحيحة على المستويات الثلاث صحة الاخبار، وصحة التحليل، وصحة الرؤية والموقف.وهذا لا يعني بالضرورة لكي يكون الانسان أو المجتمع واعيا سياسيا ان يكون محيطاً بجميع الاخبار والتحليلات، وانما يعني ان يكون الحد الادنى من الوعي السياسي أي اليقظة في الخط العام للاخبار والتحليلات والرؤى. وهي شيء كيفي في الدرجة الاولى لاكمي أو بتعير ادق وابعد غوراً، وهو ما يقوله الامام زين العابدين سلام الله عليه: يكتفي اللبيب بوحي الحديث، وينبو البيان عن قلب الجاهل.ان الاضرار التي تنجم عن الوعي السياسي بالمعنى المشهور، أو المبتور اضرار جسيمة، شديدة الخطر. ومن بين ذلك ان الفرد أو المجتمع قد يصدّق بالاخبار الزائفة والباطلة أو يعتبر التحليل الخاطئ لها تحليلا صائبا ومعتمدا، فهو ينساق معه انسياق التابع للمتبوع. ومن ثم ينحرف أو ينجرف مع التيار الزائغ من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر. والله تبارك وتعالى يقول: (قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا * الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا)(59).ومن المفردات الحيوية الناشطة التي قد رامها الامام زين العابدين(عليه السلام)هذه المقولات والفِكَر.اولاً: ان في الناس من خسر الدنيا والاخرة; بترك الدنيا للدنيا، ويرى ان لذة الرياسة الباطلة افضل من لذة الاموال، والنعم المباحة المحللة; فيترك ذلك اجمع، طلباً للرياسة، حتى إذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم(60).ثانياً: وقال(عليه السلام) في تصحيح مسار غير سديد لبعض الشيعة: وددت اني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض ساعديّ وهما: النزق، وقلة الكتمان(61).ثالثاً: قال القاسم بن عوف: كنت آتي علي بن الحسين(عليه السلام) مرة، ومحمد بن الحنفية مرة، فلقيني علي بن الحسين(عليهما السلام) فقال لي: اياك ان تأتي اهل العراقفتخبرهم ما استودعناك علما، فانا والله ما فعلنا ذلك، واياك ان تترأس بنا فيضعك الله واياك ان تستأكل بنا فيزيدك الله فقرا.واعلم انك تكون ذنباً في الخير، خير لك من ان تكون رأساً في الشر.واعلم ان من يحدث عنا بحديث سألناه يوماً; فان حدَّث صدقا، كتبه الله صديقاً، وإِن حدّث كذبا، كتبه الله كذاباً.واياك ان تشد راحلة ترحلها فانما ها هنا تطلب العلم، حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج، ثم يبعث الله لكم غلاما من ولد فاطمة(عليها السلام) تنبت الحكمة في صدره، كما يُنبت الطلُّ الزرع(62).رابعاً: العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثة.خامساً: حدثوا الناس بما يعرفونه، ولا تحملوهم ما لا يطيقون فتغروهم بنا(63).سادساً: من رسالة له عليه الصلاة والسلام الى احد كبار العلماء وقد كان منضما في سلك النظام الحاكم: جعلوك قطباً اداروا بك مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك الى بلاياهم، وسلّماً الى ضلالتهم، داعياً الى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال اليهم، فلم يبلغ اخص وزرائهم، ولا اقوى اعوانهم، إلاّ دون ما بلغت من اصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة اليهم(64).ط: في ظل هذه الشجرة الجميلة التي يوشك ان تقطع والتي تسمى عمر الانسان، علينا ان نعمل ونكافح ونتحرك لما فيه النفع الخاص والعام.انها ايام قلائل، وساعات معدودة. فعلى الانسان ان يقدم الثمار الطيبة من كل ما يسمو ويجدر (يا ايها الانسانُ انك كادحٌ الى ربك كدحاً فملاقيه)(65).وسواء اعمل الانسان خيراً أم لم يعمل فعما قليل سوف لا نرى داراً ولا ديّاراً وسوف ينقضي العمر، ويبقى العمل.يقول الامام زين العابدين(عليه السلام): اعلم ان الساعات تذهب عمرك، وانك لا تنال نعمة إلاّ بفراق اخرى، فاياك والامل الطويل; فكم من مؤمل مالا يبلغه، وجامع ما لا ياكله ومانع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه.ويقول أيضاً:تعز فكل للمنية ذائقوكل ابن انثى للحياة مفارقفعمر الفتى للحادثات دريئةتناهبه ساعاته والدقائقكذا نتفانى واحداً بعد واحدوتطرقنا بالحادثات الطوارقالى ان يقول: فالشباب للهرم، والصحة للسقم، والوجود للعدم، وكل حي لا شك مخترم.ولكن العمر على الرغم من قصر مدته، من المستطاع ان يتخذ سلماً الى خير كثير، ومرقىً الى دار لا تفنى ولا تبيد. وما انفع التجارة واروعها في هذه الايام القليلة. أو كما قال الامام زين العابدين(عليه السلام):الدنيا سوق الاخرة، والنفس تاجرة، والليل والنهارُ رأس المال(66).وإذا كانت النفس تاجرة فعليها ان تعد البضائع النفيسة، وتهيئ المستلزمات الكافية، من اجل الربح الوافر، كما ان عليها الالتزام بشؤون التجارة، ومراعاة نظام الاسواق، وعليها ان تعرف جيدا ان النظام دقيق، والرقباء اشدّاء.وفي هذا المنحى من مراعاة النظام، الى تحمل المسؤولية يقول الامام زين العابدين:ليس لك ان تقعد مع من شئت لان الله تعالى يقول: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)(67).وليس لك ان تتكلم بما شئت لان الله تعالى يقول: (ولا تقف ما ليس لك به علم)(68). وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو صمت فسلم.وليس لك ان تسمع ما شئت لان الله تعالى يقول: (ان السمع والبصر والفؤاد كل اُولئك كان عنه مسؤولاً)(69).ضياع الوقت قديماً وحديثاً:لقد كان النظام الحاكم ابان عهد الامام زين العابدين(عليه السلام)، مشجعاً للفراغ وضياع الوقت، داعياً للهو والعبث; من اجل ان يتحرك ذراع السياسة باي اتجاه اراد، ولا يجد من يمنع حركته ووجهته.ولا نعتقد ان قصة مجنون ليلى بالقصة الحقيقية، وما نراها إلاّ اسطورة اختلقتها ووضعتها اخيلة سياسة النظام الحاكم، وانتزعت لها الاشعار المختلفة من هنا وهناك; في سبيل اشغال الناس عن الشؤون الرئيسية للدولة، وتمرير مخططات النظام سالمة آمنة.ولو كان الامر يقتصر على الضياع البريء للوقت، لكان اخف وطأة، واقل شراً. بيد انه قد فتحت ابواب واسعة للموبقات والمنكرات. وكان الاخطل التغلبي شاعر البلاط يدخل على عبدالملك بن مروان، وإن قطرات الخمر على لحيته.ولقد استمرت هذه السياسة، بل وما هو شر منها واخطر الى هذا اليوم، فما اكثر مساحات الفراغ وما اوسعها، وما اتفه الوحدة الزمنية قصرت أو طالت في هذا العصر الضائع.ولقد احسن المفكر المعاصر هتشنس Hutchins الرأي حيث يقول:ان لم يهلك انسان هذا العصر نفسه بالقنبلة الذرية والهيدروجينية، فسوف يدمر نفسه بوقت الفراغ الطويل، الذي سيخلفه هذا العصر الذري، وإذا لم توجّه اوقات الفراغ وجهة سوية مخططة انتشرت الجرائم، وسيطر الترويج التجاري المنحرف على امزجة الناس.ي ـ التأكيد على ذلك الفاتك الشرس، القاهر المفترس، هادم اللذات وفاجع الانسان بأخيه الانسان، اعني الموت.إذ ان التفكير بالموت والاتعاظ به، والتأمل بمآل اخواننا وآبائنا، الذين اطفأ الموت قبس حياتهم، فذهبوا غير عائدين، كذهاب الامس الذاهب; فلا عودة لهم، ولا زيارة ترجى منهم حتى يوم التناد.ان التفكر بالموت واحواله، واتساع حركته، والاتعاظ به عامل من عوامل تهذيب المجتمع، وتشذيب الغرائز، وتصحيح توجهات الانسان، وكبح نفسه الجموح.كما انه عنصر من عناصر مضاعفة النشاط الخير، والسعي الهادف، والاستكثار من صالح العمل، والتزود من وافر المتاع; إذ ان لكل انسان فرصة للانجازات النظرية والتطبيقية. فإذا دق الموت ساعة الصفر، واقبل يزحف فلا يقف في وجهه شيء; فان الفرصة تأذن بالوداع، وتنقطع المهلة أي انقطاع.وعلى هذا لا يصح ولا يمكن ابعاد ذكر الموت، والاعتبار به، عن مجمل المنهج التربوي في الاسلام. كما ان من الخطأ اعتبار التأكيد على الموت، داعياً ومحفزاً للكسل، بل ان العكس هو الصحيح.أُكمل الخير في الصباح لئلايهبط الموت في هبوط المساءِترقد الروح والضمير إذا مانسيا الموت مقلق الاحياءِرفرف الموت فاهتززت اباءًأنْ يوافي ولم يتم بنائيفاذا الموت ذكره وخطاهفيه خصب الحياة روح النماءِنعم ان الموت داعية الى الخمول التام، والكسل الكامل عن ممارسة أي لون من الوان الانشطة التي تحرف الانسان عن الدرب اللاحب، والخط القويم، أو على حد تعبير الامام زين العابدين(عليه السلام):وفي ذكر هول الموت والقبر والبلىعن اللهو واللذات للمرء قاصرُوفي المنهج التربوي لاهل البيت(عليهم السلام) حشد من الخطب والكلمات، وغرر الحكم، الكاشفة عن فلسفة الموت، واجوائه، المركزة على التفكير فيه، المؤكدة على الانزجار خشية نزوله، والتوبة قبل وروده. ولهم في ذلك وصف دقيق، والتفاتات حيّة وتعابير ملهمة، تخشع لها القلوب، وتضطرب من هولها الارواح.فمن ذلك قول الامام زين العابدين(عليه السلام): انظر الى الامم الماضية، والملوك الفانية، كيف افنتهم الايام; ووافاهم الحمام، فانمحت من الدنيا آثارهم وبقيت فيها اخبارهم.واضحوا رميماً في التراب وعُطلتمجالس منهم اقفرت ومعاصروحلوا بدار لا تزاور بينهموانى لسكان القبور تزاورفما إن ترى إلاّ جثىً قد ثووا بهامسطحة تسفي عليها الاعاصركم من ذي منعة وسلطان، وجنود واعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمنّاه وبنى فيها القصور والدساكر، وجمع الاعلاق والذخائر.فما صرفت كف المنية إذ اتتمبادرة تهوي إليه الذخائرُولا دفعت عنه الحصون التي بنىوحف بها انهارها والدساكرُولا قارعت عنه المنية حيلةولا طمعت في الذبّ عنه العساكرُاتاه من الله مالا يرد، ونزل من قضائه مالا يصد(70).


ويقول(عليه السلام) في هذا المجال أيضاً من كلام له: ويحك يابن آدم الغافل وليس مغفولا عنه، ان اجلك اسرع شيء اليك. قد اقبل نحوك حثيثاً(71)، يطلبك ويوشك أن يدركك، فكأن قد اوفيت اجلك، وقد قبض الملك روحك، وصيرَّك الى قبرك وحيدا; فردَّ عليك روحك، واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلئك وشديد امتحانك. الا وإن اول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي ارسل اليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن امامك الذي كنت تتولاه، وعن عمرك فيما افنيت، وعن مالك من اين اكتسبته وفيما انفقته، فخذ حذرك، وانظر لنفسك، واعدَّ الجواب.ك ـ التنبيه المتواصل، وياله من تنبيه كأنه صعقة كهربائية; فلا يمكن تجاهلها في حال من الاحوال. ينسكب هذا التنبيه في مجاري قلوب الامة وعقولها. ان يا ايتها الامة احذري من احابيل الدنيا وتصاريفها. يعاضد ذلك ابراز خصائصها وطبائعها الذاتية والعرضية، والتعريف بقدرها وختلها، ووعودها السرابية، والدعوة الى الزهد فيها، والابتعاد عن نزواتها.يقول سلام الله عليه: وما عسيت ان اصف من محن الدنيا، وابلغ من كشف الغطاء، عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب، ولست اذكر منها إلاّ قليلا افنته، أو مغيب ضريح تجافت عنه، فاعتبر ايها السامع بهلكات الامم، وزوال النعم، وفظاعة ما تسمع، وترى من سوء آثارها، في الديار الخالية، والرسوم الفانية، والربوع الصموت.وكم عالم افنت فلم تبك شجوهولابدَّ ان تفنى سريعاً لحوقُهافانظر بعين قلبك الى مصارع اهل البذخ، وتأمل معاقل الملوك ومصانع الجبارين، وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء، وجاهرتهم بالمنكرات، وسحبت عليهم اذيال البوار، وطحنتهم طحن الرحى للحب، واستودعتهم هوج الرياح تسحب عليهم اذيالها فوق مصارعهم في فلوات الارض.مما هو جدير بالذكر أَن للدنيا ساحتين: ساحة للخير والفضيلة، وساحة للشر والرذيلة. ففي الساحة الاولى ينبغي لاولي الالباب التزود منها، والسعي الجاد فيها، والتسابق الى المزيد من الاعمال الصالحة. وفي الساحة الثانية ينبغي لاولي الالباب التنزه عنها وعدم التلوث فيها والترفع عن صعيدها الشائن.اللهمَّ إلاّ من زاوية دفع الشر بالشر، أو كما قال الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام): ردوا الحجر من حيث جاء فان الشرَّ لا يُدفع إلاّ بالشرِّ.بيد ان هذا اللون من الشر خير ورحمة وفضيلة.ومما لا ريب فيه ان فلسفة الزهد في الاسلام، التي تنتظم خيوطها في الكتاب والسنة الزكية، انما تدعو الى الزهد في الدنيا، بمعنى الزهد في الشر والرذيلة وما يمت اليهما بصلة وارتباط، وليس الزهد في الساحة الاولى، اي تدعو وتؤكد على الزهد في الساحة الثانية فحسب.ولكن ثلة من ذوي التفكير العقيم، والجمود الكامل على النص المقدس قد انكبوا على مفهوم الزهد على انه زهد بالدنيا بكل آفاقها وميادينها ومستوياتها.وإذا ما اخذنا بهذا الفهم الخاطئ للزهد لا يبقى مجال أو لا يبقى معنىً لتنفيذ الايات القرآنية المباركة، والاحاديث الوافرة، التي تحث وتدعو الى الاعمال الصالحة بشتى ضروبها وافانينها.إن الفكرة الخاطئة حول الزهد كانت سبباً من الاسباب الرئيسية لتخلف المسلمين في عدة أحقاب تاريخية.ل ـ كشف الاقنعة السياسية. قال الامام زين العابدين صلوات الله عليه من جملة رسالة طويلة: ايها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت واتباعهم، من اهل الرغبة في الدنيا، المائلون اليها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد، وهشيمها البائد غداً.واحذروا ما حذركم الله منها، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها.ولا تركنوا الى ما في هذه الدنيا ركون من اعدَّها داراً وقراراً، وبالله إن لكم مما فيها عليها دليلاً من زينتها، وتصريف ايامها، وتغير انقلابها ومثلاتها، وتلعابها باهلها... انها لترفع الخميل، وتضع الشريف، وتورد النار اقواماً غدا; ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه.وإن الامور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن نيتها وتذهلها عن موجود الهدى، ومعرفة اهل الحق، إلاّ قليلاً ممن عصم الله جلَّوعزَّ; فليس يعرف تصرف ايامها، وتقلّب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها إلاّ من عصم الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد; فكرر الفكر، واتعظ بالعبر وازدجر; فزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافى عن لذاتها.إن من المعالم الرئيسة لمعرفة الدنيا الزهدُ فيها.وإن من المعالم الرئيسية للزهد فيها عدم الركون لطواغيتها.وإن من المعالم الرئيسية لعدم الركون لطواغيتها تعرية خططهم، وكشف اقنعتهم، وجهادهم جهاداً كبيرا.فمعرفة الدنيا معرفة صادقة وعميقة تستدعي في نهاية المطاف خوض غمار سياسة إسلامية هادفة وتستلزم الجهاد الكبير.ومن هنا نرى أنَّ التدخل في السياسة الاِسلامية، والاشتراك بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى لا يكون باباً مفتوحاً على مصراعيه، لكل من رغب أو اشتهى الولوج فيه.بل ينبغي أن نستدعي لهما السياسة والجهاد من تربّى تربية رسالية صادقة.ومن وسائل هذه التربية:تبصير الاعضاء المرشّحين للسياسة والجهاد بالدنيا، وحثّهم على الزهد فيها. وإذا كان التبصير بالدنيا والحث على الزهد، وسيلة ممهّدة للسياسة والجهاد فلابد من ديمومة التربية التبصيرية المذكورة. أعني حتى أثناء خوضهما.إننا نرى في تأريخ الاسلام الكثيرين ممن اشترك في السياسة والجهاد الاسلامي، فبرع فيه، واحتلّ المراكز الحساسة من غير أن يكون له نصيب وافر من تربية التبصير المذكورة آنفاً. فحوّل المجرى الطبيعي للسياسة والجهاد الى مجرى شخصي أو فئوي أو اسري، وحرّف المقاييس الاسلامية وقرعها في الصميم.فيا أيّها الرساليون تيقظوا.م ـ التثقيف الوحدوي: إن الاسلام دين الاستيعاب والاحتضان، لا دين الجفاء والعدوان. وإذا ما اراد الانسان الاعتناق الحقيقي للاسلام فعليه ان يتمثل تطلعاته، وابعاده، واهدافه، ومن الطبيعي سوف يكون حينئذ، رحيب الصدر، وسيع الافق، قوي الكسب، شديد الجاذبية. ينظر الى الاخرين بروح شفافة كريمة معطاء، تمور بالحنان والعطف والتآخي ولكن قد رأينا ـ ويا للاسف العميق ـ من المسلمين من يتعصبون لمذهبهم، اكثر مما يتعصبون لقرآنهم الكريم، وسنة نبيهم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذ ما رأوا فارقاً بين القرآن والسنة وبين مذهبهم فانهم يؤولون القرآن والسنة وكل شيء لصالح المذهب.ولو اقتصر الامر على الجهّال لكان الشر اقل، ولكن عدداً غير قليل من الكتاب واصحاب الخلفية العلمية المرموقة سائرون على هذا المنوال، من حيث يشعرون أو لا يشعرون.فياربِّ هل إلا بك النصر يرتجىويا ربِّ هل الاعليك المعوَّل(72).ولابدَّ لنا ان ننقد انفسنا نحن المسلمين نقداً موضوعياً بناءً فنقول بوضوح ان الثقافة الوحدوية ما بين المسلمين ثقافة ضعيفة ومحدودة، ومن الجدير جداً بالرساليين من ذوي الهمم العالية النهوض بهذا العبء الثقيل (ولا ينهض بالعبء الثقيل إلاّ اهله).ليست الثقافة الوحدوية كتاباً يقرأ مرة واحدة ثم يلقى جانباً بل من الضروري ان تشكل حيّزاً كبيراً من المساحة الثقافية للفرد المسلم.ومن واجباتنا الاساسية ان نبث الاشعاع الوحدوي في احاديثنا ولقاءاتنا ومحاضراتنا وكتبنا ومختلف الوسائل الاعلامية، وان ذلك ليس بالشيء الكثير.والان فلنصغ الى امام من أئمة المسلمين لنستلهم منه شيئاً من الافكار والتطلعات الوحدوية.يقول الامام زين العابدين(عليه السلام): ان عرض لك ابليس لعنه الله بأن لك فضلاً على احد من اهل القبلة; فانظر ان كان اكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان، والعمل الصالح فهو خير مني، وان كان اصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني، وان كان تِربك(73) فقل: انا على يقين من ذنبي، وفي شك من امره; فما ادع يقيني لشكّي.وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك، فقل: هذا اخذوا به، وان رأيت منهم جفاءً وانقباضاً، فقل: هذا الذنب احدثته; فانك إذا فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر اصدقاؤك; فقلَّ اعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.وقال(عليه السلام): واما حق اهل ملتك عامة فاضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم، وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم الى نفسه واليك... فعمهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك، وانزلهم جميعاً منك منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، واوسطهم بمنزلة الاخ، فمن اتاك تعاهدته بلطف ورحمة. وصل اخاك بما يجب للاخ على اخيه.ن ـ ضرورة التفاعل مع قضية الامام الحسين بن عليّ(عليهما السلام) في القضية الكبرى.إن قضية الامام الحسين انما هي قضية الخط الاسلامي الصاعد قوة وشمولية واصالة وازدهاراً.إن ثورة الامام الشهيد الحسين بن علي(عليهما السلام) انما هي ثورة الكلمات المقاتلة، والافعال الجريئة، والقضية العادلة.لقد روّى الامام الحسين شجرة الاسلام بدمه الزاكي ودماء اهل بيته واصحابه الكرام حتى عادت باسقة، وارفة، معطاء.إن علماء الاسلام ومفكريه الاجلاء ينظرون الى الامام الحسين انه القدوة المثلى في الاستقامة والفضيلة، والمثل الاعلى في التضحية والفداء.لقد علَّم الامام الحسين بن علي(عليهما السلام)


المفكرين على التضحية من اجل فكرهم،والعلماء على ان يقرنوا العلم بالعمل،والزهاد على الزهد بحياة الذل والهوان،والاحرار على ان يستعبدوا الموت الاحمر،والابطال على عدم التنازل حين الانفراد بالمعركة،والانسانية على ان تحترم نفسها امام وحشية الطغاة والمستبدين.إن وحشية السباع بافتراسها، ووحشية الانسان بصلفه وطغيانه وجبروته.* * *ومما لا ريب فيه ان اكبر وافضل تفاعل مع قضية الامام الحسين انما يكمن في الاقتداء بسيرته وهديه بالصورة الشاملة. واما الاقتداء ببعض شؤونه ومنطلقاته فهو من شأن احرار وابطال كثيرين، بل ان عدداً منهم لم يكن يلتقي الامام الحسين(عليه السلام) في الخط والتوجه.فمن اولئك مصعب بن الزبير بن العوام والي العراق من قبل اخيه عبد الله بن الزبير; فانه لما خذله العراقيون، وبقي في قلة من الانصار، لم يرضخ لمساومة جيش عبد الملك بن مروان، ولم يشأ ان ينقاد للهوان والتنازل، واشار الى قبر الامام الحسين قائلاً: ما ترك لنا صاحب هذا القبر من عذر، وتمثل بقول سليمان بن قتة.وإن الالى بالطفِّ من آل هاشمتأسوا فسنّوا للكرام التأسياوإذا كان مصعب بن الزبير قد اقتفى اثر الحسين(عليه السلام) من جهة عدم التساوم والخضوع، فان الزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي قد اقتفى اثر الحسين واقتدى به من جهة استيعاب المظلومية في سبيل الوصول الى الاهداف السامية. قال غاندي:تعلّمت من الحسين ان اكون مظلوماً لكي انتصر.* * *ونشر مبادئ ثورة كربلاء والدعوة اليها، والدفاع عنها، ودرء الشبهات عنها كل ذلك من التفاعل مع الامام الحسين في قضيته.وبيان مساوئ اعداء الامام الحسين وآثامهم وجرائرهم، كل ذلك من التفاعل مع الامام الحسين في قضيته.وزيارة مرقده(عليه السلام)، والدعوة الى الزيارة، وبذل الاموال الطائلة في سبيل ذلك، من التفاعل مع الامام الحسين في قضيته أيضاً.ولقد ذكرنا في بحث مع الامام الحسين في الثورة الخالدة تفصيلات حول مواقف الامام زين العابدين من قضية الامام الحسين وآثاره فيها، وتفاعله العظيم معها.والان نشير الى شيء يسير مما لم نكن ذكرناه في ذلك البحث:قال له مولاه: يا مولاي أما آن لحزنك ان ينقضي؟ فقال(عليه السلام): ويحك ان يعقوب نبي ابن نبي، كان له اثنا عشر ولدا; فغيب الله عنه واحداً منهم; فبكى حتى ذهب بصره، واحدودب ظهره، وشاب رأسه من الغم، وكان ابنه حيا يرجو لقاءه، فإني رأيت ابي واخي واعمامي وبني اعمامي ثمانية عشر مقتلين، صرعى، تسفي عليهم الريح، فكيف ينقضي حزني وترقأ عيني.لا يوم كيوم الحسين ازدلف اليه ثلاثون الف رجل، يزعمون انهم من هذه الامة، كلّ يتقرب الى الله عزّوجلّ بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.ثم قال: رحم الله عمي العباس فلقد آثر وابلى، وفدى اخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فابدله الله عزّوجلّ جناحين يطير بهما مع الملائكة، كما جعل لجعفر بن ابي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة، يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(74).عن ابي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: بكى علي بن الحسين على ابيه حسين بن علي صلوات الله عليهما عشرين سنة أو اربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين، حتى قال له مولىً له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، اني اخاف عليك ان تكون من الهالكين. قال: (انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) اني لم اذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة لذلك(75).قال(عليه السلام) لاحد اصحابه: بلغني يا زائدة(76) انك تزور قبر ابي عبد الله الحسين(عليه السلام) احيانا.فقلت: ان ذلك لكما بلغك.فقال لي: فلماذا تفعل ذلك، ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل احداً على محبتنا وتفضيلنا، وذكر فضائلنا، والواجب على هذه الامة من حقنا؟.فقلت: والله ما اريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا احفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.فقال: والله ان ذلك لكذلك؟فقلت: والله ان ذلك لكذلك، يقولها ثلاثا واقولها ثلاثا.فقال: ابشر، ثم ابشر، ثم ابشر الحديث(77).ومما تقدم وغيره يعلم ان الامام زين العابدين(عليه السلام)، اراد ان يدخل ـ بحق ـ قضية الامام الحسين(عليه السلام)، ضمن اساسيات التربية الاسلامية، وفي اطارها الاستراتيجي الذي لا يحول ولا يزول.والحق كل الحق لابدَّ ان يقال:إن ثورة الامام الحسين حد صقيل لكلِّ سيف يُمتشق من اجل العدالة والفضيلة والحريّة والكرامة.إن ثورة الامام الحسين تلقن الشمس المضيئة كيف تزداد تألقاً وضياء.وتعلّم القمر الجميل كيف يزداد نوراً وجمالا.وتربّي السماء الرفيعة كيف تزداد سموّاً وارتفاعاً.


(28) سورة السجدة / الاية 24.


(29) المؤرخ الكبير يعقوب بن سفيان (ت 277 هـ) ـ التاريخ والمعرفة 1 / 545 تحقيق د. ضياء الدين العمري.


(30) محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 هـ) وسائل الشيعة 16 / 3 دار احياء التراث العربي.


(31) انظر وسائل الشيعة 16 / 2 ـ 6.


(32) انظر الوسائل 16 / 3.


(33) علي بن طاووس (ت 664)، الاقبال / 477.


(34) المؤرخ والاديب والمتكلم ابن ابي الحديد (ت 656)، شرح نهج البلاغة 15 / 242 ـ ط. دار إحياء الكتب العربية.


(35) سورة الانبياء / الاية / 106.


(36) الانعام الاية / 90.


(37) الاحزاب الاية/ 21.


(38) برتراند راسل / التربية والنظام الاجتماعي ص29.


(39) ابن شعبه الحراني / تحف العقول، ص204.


(40) ابن عساكر / تاريخ دمشق في ترجمته(عليه السلام). نسخه مصورة على النسخة المخطوطة بدمشق.


(41) تحف العقول، ص188.


(42) المماحكة: المنازعة واللجاج. قال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رضوان الله عليه:ايالقريش أصلحوا ذات بينناوبينكم قد طال حبل التماحكِ


(43) تحف العقول ص194.


(44) تحف العقول، ص200.


(45) المصدر السابق، ص185.


(46) كشف الغمة، ج2 ص103، وحلية الاولياء، ج3 ص140 ط. مصر. الصفد: العطاء.


(47) في نسخة: وانزلتهم.


(48) من الرسالة المعروفة برسالة الحقوق.


(49) راجع بحث سياسة التعامل الاجتماعي (2) من هذا الكتاب.


(50) تاريخ اليعقوبي، ج3 ص37.


(51) سورة الصف / الاية / 2 ـ 3.


(52) من ندبة طويلة. انظر الصحيفة الخامسة السجادية للسيد محسن الامين، دعاء 109، والبحار للمجلسي، 78/ 154، وينابيع المودة للحافظ القندوزي الحنفي، ص273، وكشف الغمة للاربلي، 2 / 309.


(53) البلد الامين للكفعمي ص320، والصحيفة 4 / 29.


(54) الديلمي، اعلام الدين، فصل من كلام علي بن الحسين.


(55) هذا من مشهور كلامه(عليه السلام) ومصادره كثيرة منها: امالي الشيخ المفيد ص207، وارشاد القلوب للديلمي ص25، ومشكاة الانوار لابي الفضل الطبرسي، ص222 ط. النجف.


(56) الشبراوي، الاتحاف بحب الاشراف، ص50، وابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة، ص77، وابو نعيم، حلية الاولياء 3 / 184.


(57) السيد هاشم البحراني / البرهان في تفسير القرآن ج3 ص956.


(58) الحشر/ الاية 7.


(59) سورة الكهف / الاية 103 ـ 104.


(60) انظر تفصيل كلام الامام(عليه السلام) في بحث الاغراض الادبية ـ الخطب.


(61) الصدوق، الخصال ص24.


(62) رجال الكشي ص111 ط. النجف.


(63) المجلسي، بحار الانوار 1: 89 ط. ايران.


(64) انظر التفصيلات في بحث حركة الرسائل السياسية.


(65) الانشقاق / الاية: 6.


(66) الديلمي، ارشاد القلوب ج1 ص71.


(67) سورة الانعام / الاية 68.


(68) سورة الاسراء/ الاية 36.


(69) سورة الاسراء / الاية 36.


(70) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 249.


(71) حثيثاً: سريعاً.


(72) البيت للكميت بن زيد الاسدي.


(73) تِربُك: من وُلد معك.


(74) الشيخ الصدوق، الامالي / ص277.


(75) الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات ص107 المطبعة المرتضوية / النجف.


(76) يُذكر انه زائدة بن قدامة الثقفي من اصحاب الامامين زين العابدين والباقر(عليهما السلام).


(77) كامل الزيارات ـ الملحق ـ الحقه بعض تلاميذ المؤلف رحمه الله تعالى ص260.


/ 15