بين الوراثة الروحية والوراثة الدموية: - نظریة السیاسیة للامام زین العابدین ع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظریة السیاسیة للامام زین العابدین ع - نسخه متنی

محمود البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

النظرية السياسية لدى الإمام زين العابدين (ع)/ 213-237

بين الوراثة الروحية والوراثة الدموية:

ظن عدد من الكتاب والمفكرين من غير الشيعة ان مستند النظرية السياسية للشيعة في تعيين اثني عشر اماماً انما يرجع لكون الائمة تربطهم بالرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وشائج القربى وشجن النسب، ولولا ذلك لم يكن لهم مدعى في الامامة، ولا سبب الى الخلافة. ولذا يقول احد هؤلاء وهو الدكتور محمد علي ريان في كتابه تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام: نجد الشيعة من ناحية أخرى يتمسكون بامامة آل البيت ابتداء من علي بمقتضى الوراثة الدموية للرسول(207).

بينما نجد إذا قرأنا قراءة فاحصة للنظرية السياسية الشيعية ان المستند في تعيين الائمة انما هو النصوص الشرعية الواردة في حقهم فحسب. سواء منها المذكورة في طرقهم أو المذكورة في طرق الاخرين كما قد رأينا في النصوص السابقة وكذا في النصوص اللاحقة، التي لا تمثّل إلاّ النزر اليسير من النصوص التي يعلنونها، ويدعمون بها نظريتهم.

ان النصوص في النظرية المذكورة تعني في الدرجة الاولى الخط المتقدم من اساسيات الاحقية بالقيادة الاسلامية العامة. وهذا يعني ان القربى ليست الملاك في الاحقية بالامامة أو الخلافة. إن القرابة من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلة من فضائل الائمة(عليهم السلام) وكرامة لهم. ولو افترضنا ان لا صلة نسبية قريبة مؤكدة بين الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وبين أئمة أهل البيت(عليهم السلام) فانهم مع هذا اصحاب الخلافة باعتبارهم اصحاب النص. واما جميع الفضائل الاخرى فهي لدعم النصوص، وتعميق الاهلية القيادية العامة.

المعتدلون والغلاة:

بيد ان النصوص التي يذكرها الشيعة حول الامامة والائمة(عليهم السلام) ليست كلها من نصوص المعتدلين والموضوعيين فيهم، بل قد اضيفت اليها، والصقت بها، نصوص موضوعة سطرها الغلاة وذهبوا بها كل مذهب.

لقد نسجت حركة الغلاة روايات كثيرة حول الامامة والائمة، يمكن تمييزها من وجود بعضهم في اسانيد الروايات ويمكن تمييزها من فهم المتون الروائية، وكذلك من خلال المذاق العام لهم، وتصوراتهم المتطرفة حول الامامة والامام. هذا ولم يقف خطرهم عند سياج تحريف احاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)والائمة(عليهم السلام)، وانما تجاوزها الى حيث الزعم الفاضح، والادعاء الشائن بالقول بتحريف القرآن الكريم، وان في آياته المباركة آيات قد حرّفت الفاظها وفيها النص على الامام علي والائمة(عليهم السلام). ومن منهجنا ان نردَّ كل حديث أو خبر مخالف لكتاب الله عزّوجلّ، وان نضرب به عرض الجدار.

ومن منهجنا ان نردّ كل حديث أو خبر صريح في تحريف القرآن الكريم.

ان القرآن الكريم الذي تداولته الاجيال الى عصرنا الحالي هو نفسه ذلك الذي انزله الله تعالى على نبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بلا زيادة ولا نقصان، ومسألة تقديم بعض السور، وتأخير بعض آخر، مسألة اخرى ليس لها أي مساس في التحريف.

وما كلّ حديث أو خبر أو تقرير ينسب إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت(عليهم السلام) قد صدر عنهم فعلاً، ولذا قام علماء الرجال وائمة الحديث بتمييز المعتبر من غير المعتبر، والغث من السمين، والله الموفق الى سواء السبيل.

فعـلى كـل موحّد في الدين، مؤمن بالله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ان لا يغتر بهم، وبكلماتهم المعسولة، وأن لا يقع في شباكهم، ولقد تبرأ ائمه أهل البيت(عليهم السلام) منهم، ولعنوهم، وقعدوا لهم كل مرصد. ولقد جاءت الرواية عن الامام الهادي(عليه السلام): فاهجروهم لعنهم الله وألجئوهم الى ضيق الطريق، فان وجدت من احد منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر(208).

قال سعد: حدثني العبيدي قال: كتب اليَّ العسكري ابتداءاً منه: ابرأ الى الله من الفهري، والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأ منهما، فاني محذرك وجميع موالي، وإني العنهما عليهما لعنة الله، مستأكلين يأكلان بنا الناس، فتانين مؤذين آذاهما الله واركسهما في الفتنة ركسا. يزعم ابن بابا اني بعثته نبيا وانه باب عليه لعنة الله. سخر منه الشيطان فاغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك.

يا محمد ان قدرت ان تشدخ راسه بالحجر فافعل، فانه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والاخرة(209).

وروى الحسين بن خالد الصيرفي عن الامام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)قال: لعن الله الغلاة، ألا كانوا يهوداً، الا كانوا مجوساً، الا كانوا نصارى، الا كانوا قدرية، الا كانوا مرجئة، الا كانوا حرورية. ثم قال: لا تقاعدوهم، ولا تصادقوهم، وابرأوا منهم برئ الله منهم(210).

وفي كتاب سيرة الائمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني فصل طريف بعنوان الامام الصادق والغلاة ج2 ص258 ـ 269 فراجعه في سبيل الانتفاع.

خطوة على طريق التعزيز:

لقد تقدم الامام زين العابدين صلوات الله عليه خطوة نوعية على طريق تعزيز الموقف، وتعميق المضمون الفكري والسياسي عند اتباعه ومريديه. فمن منطلق المسؤولية الرسالية، والمهمة القيادية قد اتخذ اسلوباً آخر حول الامامة، فانه اضافة إلى اسلوب ايراد النصوص التي رواها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والامام علي بن ابي طالب والصديقة الزهراء والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام، قد اعرب عن موقفه هو من الامامة وتحديد هوية الائمة.

ولنقتصر على النزر القليل، مما ورد عنه في هذا السبيل:

اولاً: روى الحافظ الجويني باسناده عن سليمان بن مهران الاعمش، عن الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام)، عن ابيه محمد بن علي(عليه السلام)، عن علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) قال: نحن ائمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن امان أهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء. (إلى ان قال): ولم تخلُ الارض من حجة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو الارض إلى ان تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله.

قال سليمان: فقلت للصادق(عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟

قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب(211).

ثانياً: عن ابي خالد الكابلي رضوان الله عليه وكان من المختصين بالامام زين العابدين(عليه السلام) قال: دخلت على علي بن الحسين(عليه السلام) وهو جالس في محرابه فجلست حتى انثنى واقبل علي بوجهه، يمسحُ على لحيته.

فقلت: يا مولاي اخبرني كم يكون الائمة بعدك؟

قال(عليه السلام): ثمانية.

قلت: وكيف ذاك؟

قال(عليه السلام): لان الائمة بعد رسول الله اثنا عشر إماماً، عدد الاسباط، ثلاثة من الماضين، وانا الرابع، وثمانية من ولدي أئمة ابرار(212).

ثالثاً: عن زيد الشهيد بن الامام علي بن الحسين زين العابدين(عليهما السلام) قال: بينا أبي مع بعض اصحابه إذ قام إليه رجل فقال: يابن رسول الله هل عهد اليكم نبيكم كم يكون بعده أئمة؟

قال: نعم اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل(213).

رابعاً: عن الحسين رضوان الله عليه بن علي زين العابدين(عليه السلام) قال سأل رجل ابي(عليه السلام) عن الائمة فقال: اثنا عشر سبعة من صلب هذا، ووضع يده على كتف اخي محمد(214).

خامساً: يروى ان الامام زين العابدين(عليه السلام) قال تفسيراً لقوله تعالى(ان الذين يكتمون ما انزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)(215)، أو تعليقاً على الاية المباركة: هذه احوال من كتم فضائلنا، وجحد حقوقنا، وتسمّى باسمائنا، وتلقّب بالقابنا، وأعان ظالمنا على غصب حقوقنا، ومالا علينا اعداءَن(216).

حديث المنزلة:

روى الشيخ محمد الصدوق باسناده عن ابي خالد الكابلي قال: قيل لسيد العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام): ان الناس يقولون ان خير الناس بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي(عليه السلام) قال: فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيب عن سعد بن ابي وقاص عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال لعلي(عليه السلام): انت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ انه لا نبي بعدي. فمن كان في زمن موسى مثل موسى.

اقول: حديث المنزلة من الاحاديث المشهورة جداً عند المسلمين، سواء في الكتب الروائية ام الكتب التاريخية ام الكتب الادبية وكذلك العقائدية، فليس من شائبة على أصل الحديث، ولا من غبار على صدوره عن المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وانما الكلام في دلالته السياسية. فقد اعتبرته النظرية الشيعية دالاً على خلافة الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام):

ولكن يبدو ـ بوضوح ـ من بين ثنايا مختلف المؤشرات السياسيَّة والوقائع التاريخية ان الاختلاف في الدلالة السياسية للحديث الشريف، ليست بالشيء الجديد على الساحة. ولقد سئل الصحابي الكبير جابر الانصاري ـ كما تروي المصادر الشيعية ـ عن معنى الحديث. ولا شك ان السؤال لم يكن عن الجانب اللغوي أو الادبي فيه، ولا عن سبب صدور الحديث ـ فان كل ذلك مما لا يختلف فيه اثنان ـ وانما السؤال عن وجود الدلالة السياسية فيه. ولقد اجاب الصحابي باثبات الخلافة لعلي(عليه السلام)، معتبراً ان من يتجافى عن هذه الدلالة فهو من الظالمين. وهذا يعني ان الاختلاف في الدلالة كان قائما. وسوف يأتي كلام الصديقة فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في عرض حديث المنزلة، الى جانب حديث يوم غدير خم في مقام الاحتجاج على عدم تسلم الامام علي للخلافة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). ولاهمية هذين الخبرين ـ من الوجهة العلمية ـ خبر جابر الانصاري وخبر الصديقة(عليها السلام) آثرنا نقلهما:

1 ـ روى ابو هارون العبدي: سألت جابر بن عبدالله الانصاري عن معنى قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: انت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ انه لا نبيَّ بعدي. قال: استخلفه بذلك والله على امته في حياته وبعد وفاته، وفرض عليهم طاعته، فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين(217).

2 ـ روى شمس الدين الجزري الدمشقي وهو من اعلام الشافعية باسناده عن فاطمة(218) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) انها قالت: انسيتم قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): انت مني بمنزلة هارون من موسى(عليهما السلام)؟(219)

من مصادر الحديث:

ومصادر حديث المنزلة كثيرة جداً ومن هذه المصادر على سبيل المثال لا اكثر:

أ ـ الطبراني في المعجم الكبير مخطوط رواه عن حبشي بن جنادة وجابر وسعد بن ابي وقاص والبراء بن عازب وزيد بن ارقم.

كما رواه أيضاً في المعجم الصغير ج2 ص53.

ب ـ ابن عساكر في تاريخ دمشق مخطوط رواه عن علي(عليه السلام) وام سلمة وحبشي بن جنادة وفاطمة بنت حمزة وعمر بن الخطاب وابي هريرة وابي سعيد الخدري وسعد بن ابي وقاص.

ج ـ عبد الرزاق الصنعاني رواه في المصنف ج5 ص405.

د ـ يوسف بن عبد البر القرطبي المالكي رواه في جامع بيان العلم ص149 دار الكتب الحديثه بالقاهرة.

هـ ـ الذهبي في تذكرة الحفاظ ج1 ص217 وج2 ص522.

و ـ العلامة ابو داود الطيالسي في مسنده ص29 ط. حيدرآباد.

ز ـ الشيخ علي المتقي الهندي في كنز العمال ج12 ص200 وص206 ـ وص207.

ح ـ ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ص72.

ط ـ ابن المغازلي الشافعي في مناقب علي بن ابي طالب ص34 وص36 وص94.

كما رواه من الشيعة حشد هائل من العلماء قديماً وحديثاً تركنا ذكرهم روماً للاختصار.

الامام زين العابدين وتعيين الامام بعده:

لقد اولى الامام زين العابدين(عليه السلام) قضية الامامة اهمية قصوى قلما يوليها لقضية اخرى من القضايا العقائدية والسياسية والمصيرية. فلم يشأ ان يلتحق بالرفيق الاعلى دون ان يشخص الامام بعده، وينص عليه. فما احوج الامة الاسلامية، والانسانية الضائعة، الى القدوة المثلى والامام العادل. يكشف لها ظلمات الجهل والغواية، وينير آفاق الليل البهيم، ويأخذ بأيديها الى شاطئ الخير والرحمة والسلام.

ولقد شاء الامام زين العابدين ـ عن وعي وادراك ـ ان يكون الامام بعده محمد الباقر(عليه السلام)، فعينه بالفعل اماماً للناس وقدوة للمقتدين. وتذهب الامامية كلها وفي قول واحد الى ان تعيين الامام السابق للامام اللاحق انما هو انعكاس لاحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في تعيين الائمة. وليس تعيين احدهما للاخر إلاّ بنحو الكشف والحكاية عن النصوص النبوية في هذا المضمار.

فاما من حيث النصوص فقد بينها الامام زين العابدين بما فيها من النص على الامام الباقر(عليه السلام)، واما من حيث النصب والتعيين فقد اشار إليه بل نص عليه كما في جملة من الاخبار الروائية والتاريخية واليك جملة منها:

اولاً: في رواية معمر عن الزهري بما مختصره قال: دخلت على علي بن الحسين(عليه السلام) في المرض الذي توفي فيه (إلى ان قال): ثم دخل عليه محمد ابنه فحدثه طويلاً... قلت: يابن رسول الله ان كان من امر الله ما لابدّ لنا منه ـ ووقع في نفسي انه قد نعى نفسه ـ فإلى من يختلف بعدك؟ قال يا ابا عبد الله الى ابني هذا ـ واشار الى محمد ابنه ـ انه وصيي ووارثي وعيبة علمي، معدن العلم، وباقر العلم. قلت يابن رسول الله هلا اوصيت الى اكبر اولادك.

قال: يا ابا عبد الله ليست الامامة بالصغر والكبر. هكذا عهد الينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(220).

ثانياً: عن عثمان بن عثمان بن خالد عن ابيه قال: مرض علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب(عليه السلام) في مرضه الذي توفي فيه، فجمع اولاده محمداً والحسن وعبدالله وعمر وزيدا والحسين، واوصى الى ابنه محمد بن علي، وكنّاه الباقر، وجعل امرهم إليه ...(221).

ثالثاً: عن مالك بن أَعين الجهني قال: اوصى علي بن الحسين(عليه السلام) ابنه محمد بن علي(عليه السلام) فقال:

بنيّ اني جعلتك خليفتي من بعدي، لا يدّعي فيما بيني وبينك احد إلاّ قلّده الله يوم القيامة طوقاً من النار، فاحمد الله على ذلك واشكره...(222).

رابعاً: التفت علي بن الحسين إلى ولده وهو في الموت، وهم مجتمعون عنده، ثم التفت الى محمد بن علي ابنه فقال: يا محمد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ثم قال: اما انه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه كان مملوءاً علم(223).

خامساً: ونحو الرواية الرابعة ما رواه جعفر بن محمد(عليه السلام) قال: لما حضر علي ابن الحسين(عليه السلام) الموت، قبل ذلك اخرج السفط أو الصندوق عنده فقال: يا محمد احمل هذا الصندوق. قال: فحمل بين اربعة رجال. فلما توفي جاء اخوته يدّعون في الصندوق فقالوا: اعطنا نصيبنا من الصندوق. فقال: والله مالكم فيه شيء، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه اليَّ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه(224).

سادساً: عن ابي خالد (الكابلي): قلت لعلي بن الحسين: من الامام بعدك؟

قال: محمد ابني يبقر العلم بقر(225).

الحقوق بين الامام والمأموم:

فارق كبير بين حاكم يسيّر دفة الامور ضمن قانون محدد، وصلاحيات معتبرة ومنطقية سواء كانت اسلامية تستلهم القرآن والسنة المطهرة روحاً ونصاً، أو على الحد الادنى تستمد وجودها مما يسمى في المصطلح العصري بالسيادة الشعبية Popular Soverignty، وبين حاكم آخر قد اتخذ رأيه الشخصي، ومزاجه الخاص، وحالاته النفسية قانوناً يعتمده ومنهلاً يرده، فليست لقانونه أو صلاحياته من حدود إلاّ الاهواء والنزوات والمشتهيات.

ولقد اراد الامام زين العابدين ان تكون ثم ضوابط وحدود بين الامام ـ بالمعنى الاعم ـ وبين المأموم، فلا يجحف هذا بحق هذا، ولا يهدر احدهما حقوق الاخر، في موازنة عادلة، وطريقة سليمة مثلى فيقول(عليه السلام):

أ ـ فأما حق سائسك بالسلطان فان تعلم انك جعلت له فتنة، وانه مبتلى فيك بما جعل الله له عليك من السلطان، وان تخلص له في النصيحة، وان لا تماحكه، وقد بسطت يده عليك، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه، وتذلل وتلطف لاعطائه من الرضا ما يكفه عنك ولا يضر بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعازّه ولا تعانده، فانك ان فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة...(226).

ب ـ اما حقوق رعيتك بالسلطان فان تعلم انك انما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فانه انما احلهم محلّ الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما اولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيرّه لك رعية، وصيرّ حكمك عليه نافذا، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلاّ بالرحمة والحياطة والاناة...(227).

تعليق: ان هذه الحقوق التي ذكرها(عليه السلام) للامام ـ بالمعنى الاعم ـ وما أعلنه من الطاعة له والانقياد لتعاليمه ومقرراته، وعدم التعرض لمكروهه انما تكون في حالات يجدر السكوت فيها، واوضاع يمكن الصبر عليها. اما إذا كان الامر على خلاف هذه الصورة بحيث ان العقيدة السليمة تكون معرضة للخطر، والمبادئ العليا للانتهاك، والقيم للاندكاك والتهافت، فان الامام زين العابدين على خط ابيه الامام الشهيد(عليه السلام) روحاً وانطلاقاً وجرأة وشدة على الظلم والظالمين. ولقد زوّدنا التاريخ بوثائق رائعة عن مواقفه البطولية المتعددة من عبيد الله بن زياد، ويزيد بن معاوية، وعبدالملك بن مروان. كما اوضحنا ذلك في بحثنا مع الحسين في الثورة الخالدة، والبحث عن مواقفه من الحكم القائم.

مع الحسين(عليه السلام)

في الثورة الخالدة

( 1 )

يزيد والمقومات الاساسية للقائد الاسلامي:

لعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والقائم بالقسط والدائن بدين الحق.

هذه المقومات الاساسية للقائد الاسلامي، يعلنها الامام الشهيد الحسين بن علي(عليه السلام)(228) وهو في طريق الثورة الخالدة، ثورة كربلاء.

ولقد كان يزيد بن معاوية على النقيض من هذه المقومات والاسس. كما هو معلوم بديهياً في التأريخ. ولقد كان كما قال علي زين العابدين في كلام طويل: وليَ يزيد رقاب المسلمين وهو يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب.

فكيف يرضى مثل الامام الحسين وهو هو ذوباناً في محراب العقيدة والايمان؟ أن يكون مثل يزيد اميناً على القرآن، وقائداً لامة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

ومما زاد الطين بلّة، وتألق وضوح رؤية الحسين لشخصية يزيد ما رُوي من ان الامام الحسين(عليه السلام) اجتمع مع عبدالله بن جعفر عند معاوية فخرج بخروجه، فقال له ابن جعفر: يا بن رسول الله ان لي الى يزيد حاجة فلو وقفت معي اليه فقال: نعم، فأتياه فأصاباه يشرب وعنده مسلم بن عمرو الباهلي يغنيه. وكان يضرب الطنبور، وقيل: انه اول من تغنى بالنصب بالبصرة(229) فحمل يزيد المسكر على ان ائذن لهما وهو على حالته.

فلما رآه الامام الحسين(عليه السلام) تعاظمه امره. فقال يزيد للساقي: اسقهما. فنظر الامام الحسين(عليه السلام) الى يزيد نظراً منكراً، وامسك الساقي هيبة له، فقال يزيد لمسلم:

الا يا صاح للعجب دعوناه فلم يجبِ

الى القينات واللذا تِ والشهوات والطربِ

وفيهن التي تبلت فؤادك ثم لم تتبِ

فقال الحسين أعهد الى الله عهداً لئن خلص الامر اليك وأنا في الحياة لما اعطيتك إلا السيف بعد ان شهدتُ عليك بهذا المشهد. وقام فخرج معه عبدالله بن جعفر(230).

فيستنكر الحسين المنهج الوضعي في الحكم والسياسة، ويتصدى لقراعه أيـَّما قراع، ويدعو للمبادئ الاسلامية.

وكانت الثورة.

كانت ثورة الامام الحسين بن علي(عليهما السلام) ضرورة رسالية، وحتمية حضارية ليس عنها من محيص.

(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلُها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)(231).

توقيت الثورة:

لقد كانت خطة الحسين في توقيت الثورة في عهد يزيد خطة سديدة موفقة. فلو قدر له القيام بالثورة في عهد معاوية بدلاً من عهد يزيد لما حصلت الثورة على النتائج الايجابية التي اقتطفت ثمارها في المدى القريب والبعيد، والتي اينع بها الاسلام، واثمرت الوعي الديني، والهبت الكفاح المسلح ضد سلاطين الجور، بعد ثورته مباشرة، وبعدها بشكل غير مباشر، كثورة اهل المدينة، وثورة التوابين، وثورة المختار، وثورة زيد بن علي زين العابدين(عليهما السلام)، وغيرها.

فلو ثار في عهد معاوية لاستطاع الاخير بمكره وميكافيلية اساليبه ان يصادر قسطاً كبيراً من جوانب الثورة. يساعده على ذلك التظاهر بالورع والصلاح امام الجماهير، وحكمه في ارض الشام وهي منطقة واسعة من ارجاء العالم الاسلامي زمناً طويلاً، حتى انه كان الوالي على دمشق منذ سنة 18 للهجرة.

كما اَن معاوية يستطيع ان يصادر قسطاً من جوانب الثورة لان الحسين قد بايعه بالخلافة حين اضطر اليها إبّان الصلح بين الامام الحسن(عليه السلام)ومعاوية ـ في ظروف قاهرة ـ فيعلن معاوية للجماهير أن الحسين ناكث للعهد، مخالف للميثاق; فهو اذن صاحب هوىً وخيانة، لا صاحب قضية عادلة.

ولا نعتقد أن الامام الحسين بن علي(عليهم السلام) يحذر من نقض الاتفاق، لان معاوية قد نقض كل الاتفاقية. وهذا غير خفي على كل مَن راجع بنود الاتفاق مقارناً لها مع السيرة السياسية لمعاوية ومنهجه في الحكم. ويتلخص ذلك في ما قاله التابعي العظيم الحضين بن المنذر الرقاشي: والله ما وفى معاوية للحسن بشيء مما اعطاه; قتل حجراً واصحاب حجر، وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن.

ان الطرف المقابل اذا لم يلتزم ببنود الاتفاقية فلا يتعين على الطرف الاخر الالتزام بها، بل يبين كتاب الله الموقف السياسي والعسكري من الطائفة التي تظهر عليها بوادر النكث ونقض الميثاق فيقول: (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء).

ولكن الظاهر ان الامام الحسين(عليه السلام) كان يحذر من استغلال معاوية للميثاق بما انتهج من خداع وتزوير، ولامتلاكه مختلف الوسائل الاعلامية. كما ان ميقات الثورة لم يحن بعد.

اما يزيد بن معاوية فلم يكن بينه وبين الامام الحسين(عليه السلام) ميثاق وليس في عنق الامام الحسين(عليه السلام) بيعة له.

كما لم يكن ليزيد دهاء ابيه وكانت فيه خفة، وجهل بمتطلبات السياسة، ومستلزمات كسب الجماهير، وتطلعات الامة.

لا يداري الناس.

ومداراة الناس نصف العقل(232).

لا يوسع صدره للامة.

وآلة الرئاسة سعة الصدر(233).

وسواء اكانت الثورة في خلافة معاوية أو في خلافة يزيد فانها وفي تلك الصورة مقدر لها الاخفاق عسكرياً بيد ان الثورة في عهد الغلام النزق لا يمكن ان تصادر ولا بعض ثمراتها.

ولا يمكن اعتبار رفض الامام الحسين(عليه السلام) لبيعة يزيد منحصراً بالانفة، واباء الضيم، أو أن الحسين(عليه السلام) من قبيل هاشم، ويزيد من قبيل أميّة، وبين القبيلين عداء تقليدي مستحكم كما عليه بعض الكتاب.

لقد رفع الحسين شعاراً ارجوانياً معبراً عن اهدافه السياسية، وابعاده الثورية في اكثر من مناسبة وموقف فمن ذلك قوله: الا ترون الى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فاني لا أرى الموت الاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً.

وأما الاختلاف ما بين الحسين ويزيد فهو وانْ كان عميقاً وبعيد الاثر، ولكنه ليس اختلافاً بسبب مآرب شخصية، أو تسابقاً في الاروقة السياسية.

ولكن النظرة التقييمية التي كان يحملها الحسين(عليه السلام) ليزيد مبتناة على ما ينطوي عليه سلوك يزيد ابتعاداً حقيقياً عن قواعد الاسلام، وموازينه الصحيحة في الفرد المسلم، وسقوط همة، وتلاعباً بمقدرات الامة. وأن الشرائط الموضوعية التي يقررها الاسلام اسساً لا محيص عنها للقيادة الاسلامية، مثل العدالة وهي الاستقامة على الطريق اللاحب، ومثل العلم وغير ذلك، غير متوفرة في شخصية يزيد بن معاوية. ولا أدل على ذلك من ان اضبارة سلوكه وشخصيته، ومنحنيات نفسيته، اضبارة سوداء فاحمة بعيدة الجذور، معروفة في حياة ابيه.

ولقد كان معاوية عارفاً بتهافت شخصية يزيد وان قام بمحاولة تمويهها واضفاء طوابع ايجابية عليها بما لا يخفى على ذي عينين، ولكنه قد اوضح من حيث يعلم أو لا يعلم أن في الامة من هم اولى بالخلافة من يزيد، واجدر بالقيادة الاسلامية. لذلك ضرب مثلاً بتولية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عمرو بن العاص اميراً مقدماً له على ابي بكر وعمر ومن دونهما من الصحابة وقد رد عليه الامام الحسين(عليه السلام) بأن لعمرو بن العاص فضيلة بصحبة رسول الله وبيعته له وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتى أنف القوم إمرته، وكرهوا تقديمه، وعدوا عليه افعاله، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري.. فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل رسول الله في اوكد الاحكام.

ان مجرد تمثل يزيد بإمرة عمرو بن العاص ليدل على ان معاوية كان عارفاً بتقدم غيره عليه. ولقد قام معاوية بأكثر من طريقة لتعيين يزيد خليفة من بعده، ومن بينها الطريقة التي اومأنا اليها.

فكان ردّ الامام الحسين(عليه السلام) عليه ردّاً حاسماً، يضع النقاط على الحروف، ويبين المسؤولية الشرعية، والموقف الصحيح من القيادة يقول(عليه السلام): وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد. تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً، او تنعت غائباً، او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما اخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبّق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقى الله من وزر هذا الخلق باكثر مما انت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جَور، وحنقاً في ظلم حتى ملات السقية وما بينك وبين الموت الاغمضة، فتقدم على عمل محفوظ، في يوم مشهود، ولات حين مناص.

ولما كان معاوية ينظر الى منصة الحكم على انها ملك عضوض، وأنها افراز يتمخض عن المكر والغلبة والسياسة الميكافيلية، لذا يصر على موقف من ولاية العهد.

ويدلهم ليل معاوية ويُنقل الى مثواه الاخير، فاذا يزيد ضمن السياسة المفروضة هو الخليفة. فما اسرع أن كتب (كما في حوادث سنة 60 من تاريخ الطبري) في صحيفة الى الوليد بن عتبة: اما بعد فخذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة اخذاً شديداً ليست فيه رخصة.

ويدعو امير المدينة الوليد بن عتبة الامام الحسين(عليه السلام) الى بيعة يزيد، وفي محاولة ذكية وجريئة يتخلص منه الامام الحسين(عليه السلام). ويزمع على الرحيل من المدينة ذات الضغوط السياسية الشديدة عليه الى حيث مكة المكرمة.

ينطلق الموكب المقدس، موكب الامام الحسين(عليه السلام) واهل بيته الا قليلاً منهم. ينطلق الموكب وفيه علي زين العابدين ـ ولم يكن آنذاك مريضاً ـ وفيه ايضاً العباس بن علي(عليهما السلام). ويشرع في الطريق العام المكشوف. ويشير مسلم بن عقيل رضوان الله عليهما على الامام الحسين(عليه السلام)بترك الطريق والتوجه في طريق فرعي كما صنع ابن الزبير فيأبى الامام الحسين(عليه السلام).

الى أن استقر بعض الاستقرار في مكة المكرمة حيث اللقاء الايجابي فيها مع مختلف القادمين اليها من شتى اَرجاء العالم الاسلامي، ولكن دوائر النظام كانت تتربص به الدوائر وكانت عملية اغتياله عملية متوقعة، فقد أصدرت الاوامر الرسمية بقتل الامام الحسين(عليه السلام) ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.

ويحذر الامام الحسين(عليه السلام) كل الحذر من القتل في مكة لا إشفاقاً من الشهادة التي كانت حبيبة إليه وكان حبيباً اليها، ولكن إشفاقاً من اَن تُستحل بقتله حرمة الكعبة وقداسة مكة المكرمة.

وفي هذا الظرف الحسّاس، والجو السياسي الخانق، تتواتر الرسائل من العراق قادة وأفراداً تمنّيه النصر، وتُعلن له الطاعة، والانقياد، بما في ذلك رسائل الذين يعرفهم عن كثب بالولاء والاخلاص، من امثال حبيب بن مظاهر الاسدي، وسليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري، ورفاعه بن شداد البجلي. ولقد كان هؤلاءِ من اعلام اصحاب ابيه الامام علي(عليه السلام).

مندوب الامام الحسين:

فيرسل ثقته ومعتمده وابن عمّه مسلم بن عقيل خطوة تمهيدية يستطلع فيها الاوضاع الاجتماعية والسياسية والعسكرية، ويمهّد للقدوم.

في سنة (60هـ) من تأريخ الطبري: ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب، وأقبلت الشيعة تختلف اليه. فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين(عليه السلام). فأخذوا يبكون، فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد فاني لا اُخبرك عن الناس ولا اَعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم، والله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه، والله لاجيبنّكم اذا دعوتم، ولاُقاتلنّ معكم عدوكم، ولاضربنّ بسيفي دونكم حتى ألقى الله، لا اُريد بذلك اِلاّ ما عند الله. فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال: رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك، ثم قال: وأنا والله الذي لا اله الاّ هو على مثل ما هذا عليه.

ويكتب مسلم بن عقيل الى الامام الحسين(عليه السلام) أن ثمانية عشر ألف رجل قد بايعوه في الوقت الذي قد علمنا فيه حال الامام الحسين(عليه السلام)في مكة من التربص به والارصاد لقتله.

الاعداد للرحيل:

فيعزم الامام الحسين(عليه السلام) على الانتقال الى العراق فيقوم خطيباً في جماعته قائلاً: خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة.. وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف.. وخيّر لي مصرع أنا لاقيه.. كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملان مني أكراشاً جوفى، وأجربة سغبى. لا محيص عن يوم خط بالقلم.. رضا الله رضانا أهل البيت، لن تشذ عن رسول الله لُحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز له وعده.. من كان فينا باذلاً مهجته، موطِّنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فاني راحل مصبحاً.

صلاة الدم:

إن هذا النص وثيقة تأريخية تشهد أنَّ الامام الحسين(عليه السلام) كان عارفاً بشهادته وأن ليس من أهداف ثورته أن تطال يده الحكم لاسباب موضوعية وان كان أهلاً للحكم وفوق الاهل.

أقدم الامام الحسين(عليه السلام) على الشهادة لان الاُمة والاوضاع السياسية، ودين جده محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت بحاجة إلى ذلك الدم الطهور.

لقد جاء الامام الحسين(عليه السلام) الى العراق ليصلي صلاة الدم في محراب العشق الالهي المقدس.

ومما يؤكد النص المتقدم ما كتبه الامام الحسين(عليه السلام) الى محمد بن الحنفية(عليه السلام)خاصة، والى بني هاشم عامة:

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي الى محمد بن علي، ومن قِبله من بني هاشم، أمّا بعد:

فانَّ من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم، يذهب بعض الفلاسفة، السياسيين، الى أن ما جاء من أحاديث الرسول محمد والامام علي صلوات الله عليهما حول قتل الامام الحسين(عليه السلام)مما يصلح الاستدلال على أنَّ الامام الحسين(عليه السلام) كان عالماً بشهادته مجردة عن القيادة السياسية للبلاد.

قلتُ: ولكننا لا نستطيع الاعتقاد بالرؤية المذكورة، لقد كان الامام الحسين(عليه السلام)عالماً بشهادته، ولكنه هل يعني هذا شهادته بعد أن يحكم فترة ما وتنقاد له البلاد أَم شهادته دون أن يجري في الساحة السياسية شيء من هذا القبيل. الاحاديث لا تتطرق الى ذلك. وان كان الامام الحسين(عليه السلام) عالماً بشهادته دون الوصول الى حكم الدولة عن طريق أدلة اخرى.

ولتوضيح الفكرة نقول على سبيل المثال: قد أخبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بمقتل عليِّ(عليه السلام). كما انَّ علياً كان يُخبر عن قتله. ولقد وقع هذا الامر فعلاً ولكنه(عليه السلام) قد استشهد بعد أن اَصبح حاكماً وانقادت له أزِّمة الامور.

وثمة أدلة اخرى على ما تقدم، منها ان الحسين لما خرج من مكة متوجهاً الى العراق وبلغ ذات عِرق، لقيه رجل من بني اَسد يُقال له بشر بن غالب.

فقال له الحسين: ممن الرجل؟

قال: من بني اَسد.

قال: فمن أين اقبلت؟

قال: من العراق.

قال: فكيف خلّفت اَهل العراق؟

فقال: يابن رسول الله خلفت القلوب معك، والسيوف مع بني اُمية.

فقال له الحسين: صدقت يا اَخا بني اَسد. ان الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

وأثناء مسيرة الحسين لقيه الفرزدق الشاعر المعروف في منزل الصفاح، فقال الفرزدق يخبر عن اوضاع اهل العراق: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُمية. بيد أن صدر الحسين كان مليئاً بالعزم الثابت والتصميم الاكيد متوجهاً بالشوق الى الله، مصرّاً على تفجير عبوات الثورة.

ثم سار حتى نزل بطن العقبة فلقيه رجل من العرب فقال له: انشدك لما انصرفت، فوالله ما تقدم اِلاّ على الاسنّة وحدّ السيوف. ان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفَوك مؤونة القتال، ووطأوا لك الاشياء فقدمت عليهم لكان ذلك رأياً، فأما على هذه الحال التي تُذكر فلا اَرى أن تفعل.

فقال: انه لا يخفى عليّ ما ذكرت ولكن الله عزوجل لا يُغلب على أمره. ثم ارتحل منها.

وهذا الخبر وغيره يعني اهمية النظر الى فلسفة الثورة الحسينية لا من الوجهة السياسية فحسب بل ان هناك امراً في غاية الاهمية وراء واقع التحليلات السياسية، وهو أن الحسين قد كان اطلع ـعن طريق ماـ على المشيئة الالهية في ضرورة الثورة، ثورة الاسلام المتجدد على الجاهلية المتجددة.

(207) تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام، ص127. طبعه دار النهضة العربية، بيروت.

(208) رجال الكشي / الخبر 997.

(209) رجال الكشي / الخبر 999.

(210) الشيخ الصدوق / عيون اخبار الرضا، الباب 46، ما جاء عن الرضا في وجه دلائل الائمة والرد على الغلاة والمفوضة. وذكر في الباب اكثر من حديث حول ذلك.

(211) الامام الجويني / ابراهيم بن محمد بن المؤيد (ت730 هجرية)، فرائد السمطين ج1 ص45 ـ 46.

(212) كفاية الاثر / للخزار ـ مخطوط، والبحار للمجلسي، ج36 ص388، والصراط المستقيم للبياضي العاملي، ج2 ص131.

(213) بحار الانوار، ج36 ص389. مؤسسة الوفاء.

(214) كفاية الاثر ـ النسخة الخطية، وبحار الانوار، ج36 ص389.

(215) البقرة / الاية 159.

(216) التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري ـ نسخة خطية ـ عند تفسير قوله تعالى: (ان الذين يكتمون ما انزلنا...).

(217) الصدوق، معاني الاخبار.

(218) قال الدكتور علي سامي النشار وهو من اعلام رجال مصر المعاصرين: كانت فاطمة تؤمن بلا شك بالحق الالهي لعليّ في الخلافة. نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام ج2 ص6.

(219) الشيخ عبد الحسين الاميني / الغدير، ج1 ص197.

(220) العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج46 ص232 ـ 233، والبياضي العاملي / الصراط المستقيم، ج2 ص131.

(221) كفاية الاثر / مخطوط، وبحار الانوار، ج46 ص230 ـ 231.

(222) البحار، ج46 ص231 ـ 232.

(223) البحار، ج46 ص229.

(224) بصائر الدرجات، باب 4، ص48.

(225) البحار، ج46 ص230.

(226) ابن شعبة الحراني / تحف العقول / رسالة الحقوق.

(227) المصدر السابق.

(228) المؤرخ الكبير ابن الاثير علي بن ابي الكرم الشيباني (ت 630هـ)، الكامل في التاريخ: 4 / 21.

(229) النصب: نوع من الغناء.

(230) العلامة ادريس عماد الدين القرشي (ت 872 هـ). عيون الاخبار، السبع الرابع / ص83 ـ 84 تقديم وتحقيق الدكتور مصطفى غالب دار التراث الفاطمي بيروت 1973م.

(231) النساء / الاية 75.

(232) من حكم الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام).

(233) المصدر السابق.

/ 15