المقدمـة
كلمة الجهاد تشمل شُعباً كثيرة من السعي، فهي تبدء من جهاد النفس وهواها، وتنتهي الى التفرغ لله ضمن هيئات ربانية، والتطوع للقتال في سبيل الله. وتستمر مع السعي الدائب لأقامة الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكفاح ضد الظلمة.
والجهاد من افضل ما يتوسل به المتوسلون الى الله سبحانه، اذ قال تعالـى : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (المائدة/35)
وهكذا نستفيد من هذه الآيـة ان الجهاد وسيلـة إلهيـة قد تصبح واجبــة
مفروضة؛ كالجهاد للدفاع عن المسلمين وعن الدين عند الاخطار. وقد تصبح سنة مؤكدة، كالجهاد في سبيل ابلاغ الرسالة، ونشر الدين في الآفاق.
وقد ورد في الحديث الشريف بيان هذا التقسيم الثنائي للجهاد، فقد روى فضيل بن عياض أنه سأل الامام الصادق عليه السلام عن الجهاد أسنة هو أم فريضة؟ فقال: الجهاد على اربعة اوجه: فجهادان فرض، وجهاد سنة لا يقام إلاّ مع فرض، وجهاد سنة. فأما احد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله عز وجل، وهو من اعظم الجهاد، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض، واما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلاّ مع فرض، فان مجاهدة العدو فرض على جميع الامة ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب، وهذا هو من عذاب الامة وهو سنة على الامام ان يأتي العدو مع الامة فيجاهدهم، واما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة اقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها واحيائها فالعمل والسعي فيها من افضل الاعمال لانه احيى سنة، قال النبي صلى الله عليه وآله: من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها من غير ان ينتقص من اجورهم شيء . ([1])
وهذا الحديث من الاخبار المُحكمه التي تفصل القول في شعب الجهاد المختلفة علماً بانه قد توسعت آيات الكتاب واحاديث النبي وأهل بيته الطاهرين عليه وعليهم الصلاة قد توسعت في كل شُعب الجهاد. بينما توسع الفقه في شعبة القتال في سبيل الله. ونحن اتباعاً للكتاب والسنة ولسيرة الفقهاء عليهم الرحمة هنا فقد قسمنا الحديث في هذا الوجيز الى البحث اولا؛ عن الجهاد بشعبه المختلفة، ثم عن القتال في سبيل الله حسب سيرة الفقهاء ايضاً.
علماً بأننا قد اقتصرنا على نصوص الكتاب والسنة فيما يتصل بموضوعات جهاد النفس . لأنها أبلغ أثراً وأشد وضوحاً . بينما استوحينا بعض الفروع الفقهية من آيات وأحاديث الجهاد ضد الظلمة . اما في موضوع القتال في سبيل الله فقد اعتمدنا على منهج الفقهاء كما انه قد خصصنا القسم الاخير من الكتاب بموضوعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث نفصل فيها القول حسب منهاج الفقهاء ايضاً .
نسأل الله سبحانه ان يوفقنا للعمل بما نقول، وان يتقبل ما نعمل، وان يدخره ليوم الحساب، وان يبرئ ذمة العاملين بهذا الوجيز بفضله، انه سميع الدعاء.
5/جمادى الاولى/ 1418هـ
محمد تقي المدرسي
جهاد النفس
مجاهدة الهوى :
جهاد النفس، اول وافضل الجهاد واشد الفرائض الإلهية واثوبها عند الله.. وقد وصّانا الدين المبين بجهاد النفس، فقد جاء في الآية الكريمة :
« وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ » (العنكبوت/6)
حيث فسرت الآية الكريمة بجهاد النفس، وقد وردت احاديث شريفة في الحث على هذا الجهاد نتلو فيما يلي بعضها:
1- قال الامام الكاظم عليه السلام لهشام في خبر طويل: عليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه، وجاهد نفسك لتردها عن هواها فانه واجب عليك كجهاد عدوك. قال هشام: فأي الاعداء اوجبهم مجاهدة؟ قال: اقربهم اليك، واعداهم لك، واضرهم بك، واعظمهم لك عداوة، واخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض اعداءَك عليك وهو ابليس الموكّل بوسواس القلوب، فلتشتد عداوتك له،ولا يكونن اصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فانه اضعف منك ركنا في قوته، واقل منك ضرراً في كثرة شره، اذا انت اعتصمت بالله، ومن اعتصم بالله فقد هُدي الى صراط مستقيم . ([2])
2- قال الامام علي عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سرية فلما رجعوا قال مرحباً بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الاكبر؟ قال: جهاد النفس . ([3])
3- ودخل على رسول الله صلى الله عليه وآله رجل اسمه مجاشع فقال: يا رسول الله كيف الطريق الى معرفة الحق؟ فقال صلى الله عليه وآله: معرفة النفس، فقال: يارسول الله فكيف الطريق الى موافقة الحق ؟ قال: مخالفة النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى رضاء الحق؟ قال صلى الله عليه وآله: سخط النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى وصل الحق ؟ فقال صلى الله عليه وآله: هجرة النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى طاعة الحق؟ قال: عصيان النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى ذكر الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله: نسيان النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى قرب الحق؟ قال صلى الله عليه وآله: التباعد من النفس، فقال يا رسول الله: فكيف الطريق الى انس الحق؟ قال صلى الله عليه وآله: الوحشة من النفس، فقال: يا رسول الله فكيف الطريق الى ذلك ؟ قال صلى الله عليه وآله: الاستعانة بالحق على النفس . ([4])
4- وروي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: جهاد النفس مهر الجنة . ([5])
5- وروى أبو حمزة الثمالي أن علي بن الحسين عليهما السلام كان يقول: ابن آدم انك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة لها من همك، وما كان الخوف لك شعاراً والحزن لك دثاراً . ([6])
ضبط الجوارح:
على الانسان ضبط جوارحه عما يسخط الرب وتنشيطها فيما يرضيه سبحانه. وهكذا الايمان لا يكون الا بعمل، والعمل مبسوط على جوارح المؤمن، وقد جاء في الحديث :
1- قال الحسن بن هارون : قال لي ابو عبد الله عليه السلام: "ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولاً" قال: يُسأل السمع
عما سمع، والبصر عما نظر اليه، والفؤاد عما عقد اليه . ([7])
2- وجاء في حديث عن ابي عبد الله عليه السلام : الايمان لا يكون الا بعمل، والعمل منه، ولا يثبت الايمان إلاّ بعمل . ([8])
3- جاء في وصية امير المؤمنين عليه السلام لولده محمد ابن الحنفية : يا بني لا تقل مالا تعلم، بل لا تقل كل ماتعلم، فان الله قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة، ويسألك عنها وذكرها ووعظها وحذرها وادبها ولم يتركها سدى، فقال الله عز وجل: "ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولاً" وقال عز وجل: "اذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" ثم استعبدها بطاعته فقال عز وجل: "يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح، وقال: " وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله احداً" يعني بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والابهامين، وقال عز وجل: "وما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم ولاابصاركم ولا جلودكم" يعني بالجلود الفروج ... ([9])
تزكية النفس:
كما ضبط الجوارح الظاهرة مفروض عليك، كذلك كبح جماح النفس وضبط جوانحها الباطنة هو الاخر واجب عليك. وهكذا يجب عليك ان تشغل نفسك بتأديبها وتزكيتها وتطهيرها، فانها احق ما تعمل لها، واخطر شيء لونسيتها او غفلت امرها، وقد قال سبحانه:
« وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» (النازعات/40-41)
وقال:
« وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» (الشمس/7-10)
وجاء في الحديث :
1- عن ابي عبد الله عليـه السلام : ان الله خص رسوله الله صلى الله عليه وآله بمكارم الاخلاق فامتحنوا انفسكم، فان كانت فيكم فاحمدوا الله وارغبوا اليه في الزيادة منها، فذكرها عشرة: اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمـروة . ([10])
2- وقال أبو جعفر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثم قال: اللهم اعنه، اما الاولى: فالصدق؛ لا يخرجن من فيك كذبة ابداً، والثانية: الورع؛ لا تجترين على خيانة ابداً، والثالثة: الخوف من الله كأنك تراه. والرابعة:كثرة البكاء من خشية الله عز وجل، يبنى لك بكل دمعة بيت في الجنة، والخامسة: بذل مالك ودمك دون دينك، والسادسة: الاخذ بسنتي في صلاتي وصيامي وصدقتي؛ اما الصلاة فالخمسون ركعة، واما الصوم فثلاثة ايام في كل شهر؛ خميس في اوله، واربعاء في وسطه، وخميـس في آخره، واما الصدقة فجهدك حتى يقال: اسرفت ولم تسرف، وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بقراءة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك في الصلاة وتقليبهما، عليك بالسواك عند كل وضوء وصلاة، عليك بمحاسن الاخلاق فاركبها، عليك بمساوي الاخلاق فاجتنبها، فان لم تفعل فلا تلومن إلاّ نفسك . ([11])
3- وقال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الاسلام عريان فلباسه الحياء، وزينته الوفاء ، ومروته العمل الصالح، وعماده الورع ! ولكل شيء اساس واساس الاسلام حبنا اهل البيت . ([12])
4- وقال الامام الصادق عليه السلام أيضاً : ينبغي للمؤمن ان يكون فيه ثماني خصال: وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الاعداء، ولا يتحامل للاصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة، ان العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل امير جنوده، والرفق اخوه، والبر والده . ([13])
التحلي بمكارم الاخلاق:
ولا يكتمل ايمان المرء حتى تكتمل لديه مكارم الاخلاق، فانها تجليات ايمانه بالله ومعرفته بأسمائه الحسنى، وقد جاء في الحديث:
1- عن ابي عبد الله عليه السلام أنه قال: المؤمن له قوة في دين، وحزم في لين، وايمان في يقين، وحرص في فقه، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، وعلم في حلم، وكَيْس (شكر) في رفق، وسخاء في حق، وقصد في غنـى، وتحمل في فاقـة، وعفو في قدرة، وطاعـة لله في نصيحة، وانتهاء في شهوة، وورع في رغبة، وحرص في جهاد، وصلاة في شغل، وصبر في شدة، وفي الهزاهز وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، ولا يغتاب ولا يتكبر، ولا يقطع الرحـم، وليس بواهن ولافظ ولا غليظ ولا يسبقه بصره، ولا يفضحه بطنه، ولا يغلبه فرجه، ولا يحسد الناس، ولا يقتِّر، ولا يبذِّر، ولا يسرف، ينصر المظلوم، ويرحم المسكين، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، لا يرغب في عز الدنيا ولا يجزع من ذلها، للناس هَمٌّ قد اقبلـوا عليه، وله هَمٌّ قد شغله، لا يرى في حلمه نقص ولا في رأيه وهن، ولا في دينه ضياع، يرشد من استشاره،
ويساعد من ساعده ويكيع عن الخنا والجهل . ([14])
2- روي عن النبي صلى الله عليه وآلـه أنـه جاء جبرئيل فقال: يـا رسول الله ان الله ارسلني اليك بهدية لم يعطها احداً قبلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ماهي؟ قال: الصبر واحسن منه، قال: وما هو؟ قال: الرضا واحسن منه، قال: وما هو؟ قال: الزهد واحسن منه، قال: وماهو؟ قـال: الاخلاص واحسـن منه، قـال: وما هو؟ قـال: اليقين واحسن منه، قـال: قلت: وما هو يا جبرئيل؟ قـال: ان مدرجة ذلك التوكل على الله عـز وجـل، فقلت: وما التوكل على الله ؟ قال: العلم بـان المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبــد كذلك لا يعمل لأحد سوى الله ولم يرج ولم يخف سوى الله، ولـم يطمع في احد سوى الله، فهذا هو التوكل، قلت: يا جبرئيل فما تفسـير الصبر؟ قال: تصبر في الضراء كما تصبر في السراء وفي الفاقة كمـا تصبر في الغنى، وفي البـلاء كما تصبر في العافية، فلا يشكـو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء، قلت: فما تفسير القناعة؟ قال: يقنع بما يصيب من الدنيا، يقنع بالقليل ويشكر اليسير، قلت: فما تفسير الرضا؟ قال: الراضي لا يسخط على سيده اصاب من الدنيا ام لا يصيب منها، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل. قلت: يا جبرئيل فما تفسير الزهد؟ قال: يحب من يحب خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرج من حلال الدنيا، ولا يلتفت الى حرامها، فان حلالها حساب، وحرامها عقاب ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، ويتحرج عن حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار ان يغشاها، وان يقصر امله، وكأن بين عينيه اجله. قلت: يا جبرئيل فما تفسير الاخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئاً حتى يجد وإذا وجد رضي، وإذا بقى عنده شيء اعطاه في الله، فان لم يسأل المخلوق فقد اقرّ لله بالعبودية، وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض، والله تبارك وتعالى عنه راض، وإذا اعطى الله عز وجل فهو على حد الثقة بربه. قلت: فما تفسير اليقين؟ قال: المؤمن يعمل لله كأنه يراه، فان لم يكن يرى الله فان الله يراه، وان يعلم يقيناً ان ما اصابه لم يكن ليخطيه، وما اخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا كله اغصان التوكل ومدرجة الزهد . ([15])
3- قال الامام أبو عبد الله عليه السلام : كان امير المؤمنين عليـه السلام يقول : نبـه بالفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك . ([16])
4- وقال الحسن الصيقل : سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يروي الناس ؛ تفكر ساعة خير من قيام ليلة ، قلت : كيف يتفكر ؟ قال : يمر بالخربـة او بالدار فيقـول : اين ساكنوك ؟ اين بانوك ؟ مالك لا تتكلمين. ([17])
5- كتب هـارون الرشيـد الى ابي الحسـن موسى بن جعفــر عليـه السـلام : عظني وأوجز . فكتب اليه : ما من شيء تراه عينك إلاّ وفيه موعظـة . ([18])
6- جاء رجل الى الصادق عليه السلام فقال: يابن رسول الله اخبرني عن مكارم الاخلاق، فقال: العفو عمن ظلمك، وصلة من قطعك، واعطاء من حرمك، وقول الحق ولو على نفسك . ([19])
7- عن عبد الله بن سنان، عن رجل من بني هاشم قال: اربع من كن فيه كمل اسلامه وان كان من قرنه الى قدمه خطايا لم ينقصه؛ الصدق، والحياء، وحسن الخلق، والشكر . ([20])
كيف نعيش في الدنيا؟
العقل دليل المؤمن، وصديقه، ومعين دينه. وإذا عقل الانسان حقائق الدنيا عاش فيها حميداً، ومات حميداً. لانه عرف هدف حياته وعرف سنن الله في الحياة، وعرف كيف يزرع في الدنيا الخير ليحصد في الاخرة الفلاح. وقد جاء في الحديث:
1- روى هشام بن الحكم : قال لي ابو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: يا هشام ان الله بشر اهل العقل والفهم في كتابه فقال:
« الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُولُواْ الاَلْبَابِ» (الى ان قال): يا هشام ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن اعقل الناس، وان الكيس لدى الحق يسير، يا بني؛ ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فليكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الايمان، وشراعها التوكل، وقيّمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر. يا هشام: ان لكل شيء دليلاً، ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت. ولكل شيء مطية ومطية العقل التواضع، وكفى بك جهلا ان تركب ما نهيت عنه (الى ان قال): يا هشام؛ ان لله على الناس حجتين؛ حجة ظاهرة وحجة باطنـة. فأما الظاهرة؛ فالرسل والانبياء والائمة، واما الباطنة؛ فالعقول (الى ان قال): يا هشام؛ كيف يزكو عند الله عملك وانت قد شغلت قلبك عن امر ربك، واطعت هواك على غلبة عقلك؟ يا هشام ان العاقل رضى بالدون من الدنيا مع الحكمة ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم، ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفـرض. ([21]) يـا هشـام: ان العاقـل نظر الى الدنيا والى اهلها فعلم انها لا تنال الا بالمشقة، ونظر الى الاخرة فعلم انها لا تنال الا بالمشقة، فطلب بالمشقة ابقاهما. ([22])
2- قال عبد الله بن سنان : سألت ابا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقلت: الملائكة افضل أم بنو آدم؟ فقال: قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: ان الله ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شر من البهائم . ([23])
3- وقال الامام الصادق عليه السلام : قال الله تعالـى : إنما اقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من اجلي، ويقطع نهاره بذكري ، ولا يتعاظم على خلقي ، ويطعم الجـائع ، ويكسو العاري ، ويرحم المصاب ، ويؤوي الغريب ، فذلك يشرق نـوره مثل نور الشمس اجعل له في الظلمات نوراً ، وفي الجهالـة حلماً اكلاؤه بعزتي واستحفظه ملائكتي ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، فمثل ذلك عندي كمثل جنات عدن لا يسمو ثمرها ، ولا تتغير عن حالهــا . ([24])
بالتوكل تتوفر النية:
تحيط بالانسان عواصف الشهوات وامواج الفتن، وأنّى له الخلاص منها؟ بلى بالتوكل على الله تتوفر نيته وتشحذ عزيمته، وتقوى جوانح قلبه. ومن هنا حثت النصوص على التوكل على الله والاعتصام بحبله في الامور كلها .
1- فقد روي عـن ابي عبد الله عليه السلام أنه قال: من اعطي ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً: من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة، ومن اعطـي التوكل اعطي الكفاية، ثم قال: أتلوت كتاب الله عز وجل "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" وقال: "لئن شكرتم لازيدنكم" وقال: "ادعوني استجب لكم" . ([25])
2- وقال علي ابن الحسين عليه السلام : خرجت حتى انتهيت الى هذا الحائط فاتكأت عليــه، فإذا رجل عليه ثوبان ابيضان ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين مالي اراك كئيباً حزيناً (الى ان قال) ثم قال : يا علي بن الحسين عليه السلام هل رأيت احداً دعا الله فلم يجبه ؟ قلت : لا، قال : فهل رأيت احداً توكل على الله فلم يكفه ؟ قلت: لا، قال: فهل رأيت احداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، ثم غاب عني . ([26])
بين الخوف والرجاء:
الاجتهاد، والسعي الدائب من صفات المؤمن، لانه لا يقنط بافراط الخشية من الله، ولا يكسل بالتمني وافراط الرجاء في رحمة الله.. انما يدعو ربه رغباً ورهباً. فإذا رأى رحمة الله طمع، واذا نظر الى خطاياه جزع.. ومن هنا فعلى المؤمن ان يراقب نفسه بدقة بالغة حتى لا يغلب رجاؤه خوفه ولا خوفه رجاءه. هكذا ادبنا ائمة الهدى عليهم السلام:
1- حيث روي عن الحرث بن المغيرة او ابيه انه قال لأبي عبد الله عليه السلام : ما كان في وصية لقمان؟ قال: كان فيها الاعاجيب، وكان اعجب ما كان فيها ان قال لابنه: خف الله خيفة لوجئته ببر الثقلين لعذبك، وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك، ثم قال ابو عبد الله عليه السلام: كان ابي يقول: ليس من عبد مؤمن إلاّ وفي قلبه نوران: نور خيفة؛ ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا . ([27])
2- وقال الحسين بن ابي سارة : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو . ([28])
3- وعن أمير المؤمنيـن عليه السلام انه قال في خطبة له: يدعي بزعمـه
انه يرجو الله، كذب والعظيـم ، ماله لا يتبين رجاؤه في عمله، وكل راج عرف رجاؤه في عمله الا رجاء الله فانه مدخول، وكل خوف محقق الا خوف الله فانه معلول، يرجو الله في الكبير، ويرجو العباد في الصغير فيعطي العبد مالا يعطي الرب، فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع لعباده، اتخاف ان تكون في رجائك له كاذباً، او يكون لا يراه للرجاء موضعاً. وكذلك ان هو خاف عبداً من عبيده اعطاه من خوفه مالا يعطي ربه، فجعل خوفه من العباد نقداً، وخوفه من خالقه ضماراً ووعداً . ([29])
4- وقال حمزة بن حمران : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: إن مما حفظ من خطب رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: ايها الناس ان لكم معالم فانتهوا الى معالمكم، وان لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم، الا ان المؤمن يعمل بين مخافتين: بين اجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين اجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لاخرته، وفي الشبيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب وما بعدها من دار إلاّ الجنة او النار . ([30])
5- وقال ابو عبد الله عليـه السلام : يا إسحاق خف الله كأنك تراه،
وان كنت لا تراه فانه يراك، وان كنت ترى انه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم انه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من اهون الناظرين عليك . ([31])
6- وجاء عن الصادق عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث المناهي أنه قال: ومن ذرفت عيناه من خشية الله كان له بكل قطرة قطرت من دموعه، قصر في الجنة مكلّل بالدر والجوهر، فيه مالا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر . ([32])
7- وقال الامام أبو جعفر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس شيء الا وله شيء يعدله الا الله فانه لا يعدله شيء، ولا إله الا الله لا يعدلـه شيء، ودمعة من خوف الله فانه ليس لها مثقال، فان سالت على وجهه لم يرهقه قتر ولا ذلة بعدها ابداً . ([33])
8- وقال الامام الرضا عليه السلام : كان فيما ناجى الله به موسى عليه السلام انه ما تقرب اليّ المتقربون بمثل البكاء من خشيتي، وما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع عن محارمي، ولا تزين فيّ المتزينون بمثل الزهد في الدنيا عما يهم الغنـى عنه، فقال موسى: يا اكرم الاكرمين فما اثبتهم على ذلك ؟ فقال: يا موسى اما المتقربون لي بالبكاء من خشيتي فهم في الرفيق الاعلى لا يشركهـم فيه احد، واما المتعبدون لي بالورع عن محارمي فاني افتش الناس عن اعمالهم ولا افتشهم حياء منهم، واما المتزينون لي بالزهد في الدنيا فاني ابيحهم الجنة بحذافيرها يتبوؤن منها حيث يشاؤون . ([34])
9- وقال الامام أبو عبد الله عليه السلام : كل عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثة "اعين": عين غضت عن محارم الله، وعين سهرت في طاعة الله، وعين بكت في جوف الليل من خشية الله . ([35])
10-وقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: أحْسِنِ الظن بالله، فان الله عز وجل يقول: انا عند ظن عبدي المؤمن بي ان خيراً فخيراً وان شراً فشراً . ([36])
11- وقال أبو جعفر عليه السلام: وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال على منبره: والذي لا إله الا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والاخرة الا بحسن ظنه بالله، ورجائه له، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين، والذي لا إله الا هو لا يعذب الله مؤمناً بعد التوبة والاستغفار الا بسوء ظنه بالله وتقصير من رجائه له، وسوء خلقه، واغتياب المؤمنين. والذي لا إله الا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله الا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخير يستحي ان يكون عبده المؤمن قد احسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه. فاحسنوا بالله الظن وارغبوا اليه . ([37])
12- وقال أبو عبد الله عليه السلام : ان آخر عبد يؤمر به الى النار فيلتفت فيقول الله جل جلاله اعجلوه، فاذا أُتيَ به قال له: عبدي لم التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول الله جل جلاله: عبدي ما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك ان تغفر لي خطيئتي وتدخلني جنتك، قال: فيقول الله جل جلاله: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيرا قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، اجيزوا له كذبه وادخلوه الجنة، ثم قال ابو عبد الله عليه السلام: ما ظن عبد بالله خيراً الا كان له عند ظنه، وما ظن به سوء الا كان الله عند ظنه به، وذلك قول الله عز وجل: « وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُم بِرَبِّكُمْ أَردَاكُمْ فَاَصْبَحْتُم مِنَ الْخَاسِرِينَ» . ([38])
ترويض النفس بالطاعة والصبر والتقوى:
مثل النفس مثل أخبث الدواب ان تركتها هاجت وهلكت.ولكن روضها بالتأنيب والترويع، ثم بالطاعة لله والرسول، ثم بالصبر على الطاعة وبالتقوى. انها وصايا الانبياء وائمة الهدى عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.. تعالوا نستمع الى بعض تلك الوصايا باذن واعية وقلب شهيد :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مقت نفسه دون مقت الناس، آمنه الله من فزع يوم القيامة . ([39])
2- روي عن الحسن بن الجهم أنه قال: سمعت ابا الحسن عليه السلام يقول: ان رجلا في بني اسرائيل عبد الله اربعين سنة، ثم قرّب قرباناً فلم يقبل منه، فقال لنفسه : ما أتيت الا منك، وما الذنب الا لك، قال : فاوحى الله عز وجل اليه: ذمك لنفسك افضل من عبادتك اربعـيـن سنـة . ([40])
3- وقال أبو جعفر عليه السلام : لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا الا من اطاع الله عز وجل . ([41])
4- وجاء في الحديث عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه لا يدرك ما عند الله الا بطاعته . ([42])
5- وروي في حديث آخر عن ابي جعفر عليه السلام قوله : والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا نتقرب الى الله الا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا ، ويحكم لا تغتروا . ([43])
6- وقال أبو عبد الله عليه السلام : اصبروا على الدنيا فانما هي ساعة، فان ما مضى منه لا تجد له ألما ولا سروراً، وما لم يجئ فلا تدري ما هو، وانما هي ساعتك التي انت فيها، فاصبر فيها على طاعة الله، واصبر فيها عن معصية الله . ([44])
7- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً : اذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيقال: من انتم؟ فيقولون: نحن اهل الصبر، فيقال لهم: على ما صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله، ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله عز وجل: صدقوا اَدْخِلُوهم الجنة، وهو قول الله عـز وجل:
« إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» . ([45])
8- روى أبو حمـزة الثمالي : قال لي ابو جعفر عليه السلام: لما حضرت أبي الوفاة ضمني الى صدره وقال: يا بني اصبر على الحق وان كان مراً تُوَفَّ اجرك بغير حساب . ([46])
9- وقال أمير المؤمنين عليه السلام : شتان بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته ويبقى اجره . ([47])
10- وقال عليه السلام أيضاً : اتقوا معاصي الله في الخلوات فان الشاهد هو الحاكم . ([48])
11- جاء عن مفضل بن عمر : كنت عند ابي عبد الله عليه السلام فذكرنا الاعمال، فقلت انا: ما اضعف عملي، فقال: مه استغفر الله، ثم قال لي: إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى، قلت: كيف يكون كثير بلا تقوى؟ قال عليه السلام: نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطى رحله، فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى. ويكون الاخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه . ([49])
12- ويروى عن يعقوب بن شعيب قوله: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ما نقل الله عبدا من ذل المعاصي الى عز التقوى الا اغناه من غير مال، واعزه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر . ([50])
13- روي عن الهيثم بن وافد أنه قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: من اخرجه الله عز وجل من ذل المعاصي الى عز التقوى اغناه الله بلا مال، واعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس. ومن خاف الله اخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله اخافه الله من كل شيء. ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي منه باليسير من العمل. ومن لـم يستحـي من طلب المعـاش خفت مؤنته ونعـم اهلــه. ومـن زهـد في الدنيا اثبت الله الحكمة في قلبـه، وانطـق بهـا لسانه، وبصَّره عيوب الدنيـا : داءهـا ودواءهـا، واخرجـه من الدنيـا سالمــاً الى دار السـلام . ([51])
14- وقال الامام أبو عبد الله عليه السلام : إنا لا نعد الرجل مؤمناً حتى يكون لجميع امرنا متّبعاً مريداً، الا وان مِنْ اتّباع أمرنا وارادته الورع، فتزينوا به يرحمكم الله، وكيدوا اعداءنا به ينعشكم الله . ([52])
السبيل الى التقوى والورع:
لكي تتقي ربك وتتورع عن محارمه، عليك ان تعف بطنك وفرجك ولا تقترب من الحرام عمرك، وتكف نفسك عن الشَّرَهِ والرغبة فيما حرم الله، وتذكر ربك عند المعاصي فتبتعد عنها، وتقدم رضا الله على رضاك، هذه وصية النبي صلى الله عليه وآله وائمة الهدى عليهم السلام:
1- قـال ابـو جعفـر عليـه السـلام : افضل العبـادة عفـة البطـن والفـرج . ([53])
2- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاث اخافهن بعدي على امتي؛ الضلالة بعد المعرفة،ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج . ([54])
3- وروى أبو بصير : قال رجل لابي جعفر عليه السلام: اني ضعيف العمل، قليل الصيام، ولكني ارجو ان لا آكل إلاّ حلالاً، فقال له الامام : أي الاجتهاد افضل من عفة بطن وفرج . ([55])
4- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ضمن لي اثنتين ضمنت له على الله الجنة، من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له على الله الجنة. [يعني ضمن لي لسانه وفرجه] . ([56])
5- وقال أمير المؤمنين عليه السلام : قدر الرجل على قدر نعمته، وصدقه على قدر مروته، وشجاعته على قدر انفته، وعفته على قدر غيرته . ([57])
6- وقال أبو عبد الله عليه السلام : من اشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً، ثم قال: لا اعني سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله اكبر وان كان منه، ولكن ذكر الله عند ما أحل وحرم، فان كان طاعة عمل بها وان كان معصية تركها . ([58])
7- وروى الامام جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن علي عليهم السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله تبارك وتعالى لابن آدم ان نازعك بصرك الى بعض ما حرمت عليك فقد اعنتك عليه بطبقين فاطبق ولا تنظر، وان نازعك لسانك الى بعض ما حرمت عليك فقد اعنتك عليه بطبقين فاطبق فلا تتكلم، وان نازعك فرجك الى بعض ما حرمت عليك فقد اعنتك عليه بطبقين فاطبق ولا تأت حراماً . ([59])
8- روى الامام جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أنه جاء في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي ثلاث لا تطيقها هذه الامة: المواساة للاخ في ماله، وانصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله اكبر، ولكن اذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عز وجل عنده وتركه . ([60])
9- روى الامام الصادق عن آبائه عليهم السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال: من اطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن . ([61])
10- وروي عن ابي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل "اصبروا وصابروا ورابطوا" قال : اصبروا على الفرائض، وصابروا على المصائب، ورابطوا على الائمة عليهم السلام . ([62])
11- وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: ان الله فـرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن اشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن اشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها . ([63])
12- وقال الامام أبو جعفر عليه السلام : ان الله عز وجل يقول: وعزتي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواى على هوى نفسه إلاّ كففت عليه صنعته، وضمنت السماوات والارض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر . ([64])
13- وقال الامام الباقر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلاّ شتّت عليه امره، ولبَّست عليه دنياه، وشغلت قلبه بها، ولم آته منها الا ما قدّرت له. وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلّوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ استحفظته ملائكتـي، وكفلت السماوات والارضـين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، واتته الدنيا وهي راغمـة . ([65])
التحلي بالتواضع والحلم والانصاف:
افعال الانسان تعكس صفاته النفسية، وإذا كان الانسان طاهر القلب زكي النفس حسن الخلق، طابت افعاله، وحسنت سيرته، وقد قال ربنا سبحانه:
« وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَيَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً » (الاعراف/58)
من هنا ينبغي ان يتعاهد الانسان نفسه لتزكو، وكثيرة هي الذنوب التي تصدر من الانسان بسبب سوء خلقه فلا يتوب من ذنب حتى يبتلى بآخر حتى يصلح نفسه بتوفيق الله سبحانه. والتواضع والحلم والانصاف من الفضائل الاجتماعية التي لابد من السعي وراء تحقيقها وغرس شتائلها في النفس، لتأتي اكلها كل حين باذن ربها، وقد جاء في الاحاديث الشريفة التأكيد عليها :
1- روى معاوية بن عمار أنه سمع الامام الصادق عليه السلام يقول: ان في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه . ([66])
2- وقال النبي صلى الله عليه وآله في وصيته لعلي عليه السلام : يا علي والله لو ان الوضيع في قعر بئر لبعث الله عز وجل اليه ريحاً ترفعه فوق الاخيار في دولة الاشرار . ([67])
3- وقال الامام أبو الحسن عليه السلام : التواضع ان تعطي الناس ما تحب ان تعطاه . ([68])
4- عن ابي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: ان من التواضع ان يرضى بالمجلس دون المجلس، وان يسلّم على من يلقى، وان يترك المراء وان كان محقاً، ولا تحب ان تحمد على التقوى . ([69])
5- قال معاوية بن وهب : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم . ([70])
6- وقال أبو عبد الله عليه السلام : افطر رسول الله صلى الله عليه وآله عشية خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه اوس بن خولى الانصاري بعسّ مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه نحّاه ثم قال: شرابان يُكتفى بأحدهما من صاحبه لا أشربه ولا أحرمه، ولكن اتواضع لله فانه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمــه الله، ومن اكثر ذكر الموت احبـه الله . ([71])
7- روى الامام أبو جعفر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : ان الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف . ([72])
8- بعث ابو عبد الله عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ، فخرج على اثره لما ابطأه، فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه، فقال له ابو عبد الله عليه السلام: يا فلان والله ماذلك لك تنام الليل والنهار، لك الليل، ولنا منك النهار . ([73])
9- وروى أبو عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سيد الاعمال انصاف الناس من نفسك، ومواساة الاخ في الله، وذكر الله على كل حال . ([74])
10- وقال الامام الصادق عليه السلام : ثلاث هم اقرب الخلق الى الله يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب؛ رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه ان يحيف على من تحت يده، ورجـل مشى بين اثنين فلم يمـل مـع
احدهما على الاخر بشعيرة، ورجل قـال بالحـق فيما له وعليه . ([75])
11- وقال أبو جعفر عليه السلام : ان لله جنة لا يدخلها الا ثلاثة: احدهم من حكم في نفسه بالحق . ([76])
12- جاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله علمني عمـلاً ادخل به الجنة، فقـال: ما احببت ان يأتيـه الناس اليك فأته اليهم وما كرهت ان يأتيـه النـاس اليك فلا تأته اليهـم . ([77])
13- قال أبو جعفر عليه السلام : كفى بالمرء عيباً ان يتعرف من عيوب النـاس ما يعمى عليه من امر نفسـه ، او يعيب على الناس أمـراً هـو فيـه لا يستطيع التحول عنه الى غيـره ، او يؤذي جليسه بمـا لا يعنيــه . ([78])
14- وقال أبو عبد الله عليه السلام : اتقوا الله واعدلـوا فانكم تعيبون على قوم لا يعدلـون . ([79])
15- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضـاً : ان من اعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفـه الى غيـره . ([80])
إجتناب السيئات:
إذا طهر الفؤاد من الفواحش الباطنة (كالعصبية والكبر)، سهل على صاحبه اجتناب كثير من السيئات. إلاّ ان شهوات البشر المحرمة قد تدعوه الى الخطايا، فعليـه ان يكون على حذر شديد، وليكن واعظاً لنفسه مراقباً لفعالها مستعيناً بالله عليها. وفي السنة الشريفة مواعظ لو وعاها القلب ساعدته باذن الله على ترك المحرمات، وها نحن نتلو معاً بعضها :
1- قال أمير المؤمنـين عليه السلام: لا وجع اوجع للقلوب من الذنوب، ولا خوف اشد من الموت، وكفى بما سلف تفكراً، وكفى بالموت واعظاً . ([81])
2- روى أبو عمرو المدايني أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان ابي يقول: ان الله قضى قضاء حتما لا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها اياه حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة . ([82])
3- وروى الامام الصادق عن أبيه الامام الباقر عليهما السلام أنه قال : الذنوب كلها شديدة، واشدها ما نبت عليه اللحم والدم لانه اما مرحوم، واما معذب، والجنة لا يدخلها إلاّ طيب . ([83])
4- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مأة عام، وانه لينظر الى ازواجه في الجنة يتنعمن . ([84])
5- قال أبو بصير: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: إذا اذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فان تاب انمحت، وان زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها ابداً . ([85])
6- وقال أبو عبد الله عليه السلام : ان الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة الليـل ، وان العمل السيء اسرع فـي صاحبه من السكين في اللحـم . ([86])
7- وقـال أيضاً : من همّ بالسيئة فلا يعملها، فانه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك وتعالـى فيقـول : وعزتـي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك ابـداً . ([87])
8- قال العباس ابن هلال الشامي : سمعت الرضا عليه السلام يقول: كلما احدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، احدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون . ([88])
9- قـال الامــام الصادق عليه السلام مخاطباً مفضل بن عمر: يا مفضّل
إياك والذنوب وحذّرها شيعتنا، فوالله ما هي الى احد اسرع منها اليكم، ان احدكم لتصيبه المعرة من السلطان وما ذلك الا بذنوبه، وانه ليصيبه السقم وما ذلك الا بذنوبه، وانه ليحبس عنه الرزق وما هو الابذنوبه، وانه ليشدد عليه عند الموت وما ذاك الا بذنوبه حتى يقول من حضره: لقد غم بالموت، فلما رأى ما قد دخلني، قال: اتدري لم ذاك؟ قلت: لا، قـال: ذاك والله انكم لا تؤاخذون بها في الاخرة، وعجلت لكم في الدنيـا . ([89])
10- قال أبو اسامة سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تعوذوا بالله من سطوات الله بالليل والنهار، قلت: وما سطوات الله؟ قال: الاخذ على المعاصي . ([90])
11- وقال أبو الحسن عليه السلام : حق على الله ان لا يعصى في دار الا اضحاها للشمس حتى تطهرها . ([91])
12- قال الهيثم بن وافد الجزري سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان الله عز وجل بعث نبياً من انبيائه الى قومه، واوحى اليه ان قل لقومك: انه ليس من اهل قرية ولا ناس كانوا على طاعتي فاصابهم فيها سراء، فتحولوا عما احب الى ما اكره، إلاّ تحولت لهم عما يحبون الى ما يكرهون. وليس من اهل قرية ولا اهل بيت كانوا على معصيتي فاصابهم فيها ضرّاء فتحولوا عمّا اكره الى ما احب إلاّ تحولت لهم عما يكرهون الى ما يحبون، وقل لهم: ان رحمتي سبقت غضبي، فلا تقنطوا من رحمتي فانه لا يتعاظم عندي ذنب اغفره، وقل لهم: لا يتعرضوا معاندين لسخطي، ولا يستخفوا بأوليائي فان لي سطوات عند غضبي، لا يقوم لها شيء من خلقي . ([92])
13- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله ايما عبد اطاعني لم اكله الى غيري، وايما عبد عصاني وكلته الى نفسه، ثم لم ابال في أي واد هلك . ([93])
14- روى ابن ابي عمير، عمن سمع ابا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: ما احب الله من عصاه، ثم تمثل :
تعصي الاله وانت تظهر حبه
لو كان حبك صادقاً لاطعته
إن المحب لمن يحب مطيع ([94])
هـذا محـال فـي الفعـال بديـع
إن المحب لمن يحب مطيع ([94])
إن المحب لمن يحب مطيع ([94])
15- قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الاعيـاد : انـما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيـد . ([95])
16- قال أبو جعفر عليه السلام : الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن اعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار . ([96])
17- قال ابو عبد الله عليه السلام: اتقوا المحقّرات من الذنوب فانها لا تغفر، قال الراوي : وما المحقرات؟ قال الامام : الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي ان لم يكن لي غير ذلك . ([97])
18- قال ابو عبد الله عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرض قرعاء، فقال لاصحابه: ايتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، فقال صلى الله عليه وآله: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فان لكل شيء طالبا، ألا وان طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين . ([98])
19- قال أمير المؤمنين عليه السلام : اشد الذنوب ما استهان به صاحبه . ([99])
20- قال رسـول الله صلى الله عليه وآله: ان الله كتم ثلاثة في ثلاثة:
كتم رضاه في طاعته، وكتم سخطه في معصيته، وكتم وليه في خلقه، فلا يستخفن احدكم شيئاً من الطاعات، فانه لا يدرى في ايها رضى الله، ولا يستقلن احدكم شيئاً من المعاصي فانه لا يدرى في ايها سخط الله، ولا يزرين احدكم بأحد من خلق الله فانه لا يدرى ايهم ولي الله . ([100])
اجتناب الكبائر من الذنوب:
الورع عن محارم الله، من اعظم الجهاد مع النفس، وبالذات اجتناب الكبائر من الذنوب، والتي اوعد الله عليها النار في كتابه. وعلى المسلم ان يعتصم بالله سبحانه ويجتهد في اجتناب الكبائر من الذنوب، وقد جاء في الحديث :
1- عن الرضا عليه السلام أنه قال: من اقر بالتوحيد ونفى التشبيه (الى ان قال): واقر بالرجعة باليقين واجتنب الكبائر فهو مؤمن حقاً وهو من شيعتنا اهل البيت . ([101])
2- وقال أبو عبد الله عليه السلام في حديث : قد سمى الله المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين، ولم يسـم من ركب الكبائر وما وعد الله عز وجل عليه النــار مؤمنين في قــرآن ولا أثر، ولا نَسِمهُم بالايمان بعد ذلك الفعل . ([102])
3- قال ابن محبوب : كتب معي بعض اصحابنا الى ابي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائر كم هي، وما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، واكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، واكل مال اليتيم، والفرار من الزحف . ([103])
4- قال عبد العظيم بن عبد الله الحسني ان الامام موسى بن جعفر عليه السلام قال: دخل عمرو بن عبيد على ابي عبد الله عليه السلام فلما سلم وجلس تلا هذه الآية "الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش" ثم امسك، فقال له ابو عبد الله عليه السلام ما اسكتك؟ قال: احب ان اعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل، فقال: نعم يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك بالله، يقول الله: "من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة". وبعده الأيـاس من روح الله، لأن الله عز وجل يقول: "لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافـرون". ثم الأمن من مكر الله، لأن الله عز وجل يقول: " فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون". ومنها عقوق الوالدين، لأن الله سبحانه جعل العـاق جباراً شقياً. وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، لأن الله عز وجل يقول: " فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيمـاً ". وقذف المحصنة، لأن الله عز وجل يقول: "لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم". وأكل مال اليتيم. لأن الله عز وجل يقول: "إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا". والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: "ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزاً الى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير". وأكل الربا، لأن الله عز وجل يقول: "الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس". والسحر، لان الله عز وجل يقول: "ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق". والزنا، لأن الله عز وجل يقول: "ومن يفعل ذلك يلق اثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً" واليمين الغموس الفاجرة، لأن الله عز وجل يقول:" إن الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمناً قليلا اولئك لا خلاق لهم في الاخرة". والغلول، لأن الله عز وجل يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة". ومنع الزكاة المفروضة، لأن الله عز وجل يقول: " فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم". وشهادة الزور وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: "ومن يكتمها فانه آثم قلبه". وشرب الخمر، لأن الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الاوثان وترك الصلاة متعمداً، او شيئا مما فرض الله عز وجل لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من ترك الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله، ونقض العهد). وقطيعة الرحم، لأن الله عز وجل يقول: " لهم اللعنة ولهم سوء الدار". قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه ، وهو يقول : هلك من قـال برأيـه ،
ونازعكم في الفضل والعلـم . ([104])
5- قال أبو بصير : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: لا والله لا يقبل الله شيئاً من طاعته على الاصرار على شيء من معاصيه . ([105])
6- وقال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من علامات الشقاء؛ جمود العين، وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الدنيا، والاصرار على الذنب . ([106])
7- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً : لا صغيرة مع الاصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار . ([107])
8- وروي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" أنه قال: الاصرار ان يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الاصرار . ([108])
دواعي الذنب وأسبابه:
وللذنب بواعثه واسبابه، فمن اراد اجتناب الذنوب فعليه ان يتتبع تلك الاسباب فيقلعها. فمنها؛ الحرص والحسد والكبر والتعصب. ومنها؛ حب الدنيا وزينتها، وحب الرئاسة وفخرهـا، وحب الطعام ولذته، وحب النوم وغفلته، وحب النساء وشهواته، وحب الراحة. ومنها ؛ الاستئثـار والانانيـة . تعالوا نستمع الى السنة الشريفة وهي تنصحنا فـي هـذا الأمـر:
1- قال ابو عبد الله عليه السلام: اصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد . ([109])
2- وروى أبو عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: اركان الكفر اربعـة : الرغبـة والرهبـة والسخـط والغضـب . ([110])
3- وروى الامـام الصـادق عليه السـلام أيضـاً عن رسول الله صلى الله عليه وآلـه قـولـه : ان اول ما عصي الله به ستـة : حب الدنيا ، وحب الرياسـة ، وحب الطعـام ، وحب النـوم ، وحب الراحـة ، وحب النســاء . ([111])
4- قـال أمير المؤمنين عليه السلام : بني الكفر على اربع دعائم: الفسق، والغلو، والشك، والشبهة، والفسق على اربع شعب: على الجفاء، والعمى، والغفلة، والعتو. والغلو على اربع شعب: على التعمق بالرأي، والتنازع فيه، والزيغ، والشقاق. والشك على اربع شعب: على المرية، والهـوى، والتردد، والاستسلام. والشبهة على اربع شعب: اعجاب بالزينة، وتسويل النفس، وتأول العوج، ولبس الحق بالباطل. والنفاق على اربع دعائم: على الهوى، والهوينا، والحفيظة، والطمع. والهوى على اربع شعب: على البغي، والعدوان، والشهوة، والطغيان. والهوينا على اربع شعب: على الغرة، والامل، والهينة، والمماطلة. والحفيظة على اربع شعب: على الكبر، والفخر، والحمية، والعصبية. والطمع على اربع شعب: الفرح، والمرح، واللجاجة، والتكاثر . ([112])
5- وقال أبو عبد الله عليه السلام : ستة لا تكون في المؤمن: العسر، والنكد، واللجاجة، والكذب، والحسد، والبغي . ([113])
6- وروي عن ابي الحسن عليه السلام انه ذكر رجلا فقال: انه يحب الرياسة، فقال: ماذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من الرياسة . ([114])
7- عن جويرية بن مسهر قال: اشتددت خلف امير المؤمنين عليه السلام فقال: يا جويرية انه لم يهلك هؤلاء الحمقى الا بخفق النعال خلفهم . ([115])
8- وقال الامام الباقر عليه السلام مخاطباً أبا الربيع الشامي : يا أبا الربيـع لاتطلبـن الرياسـة ولا تكـن ذنبـاً، ولا تأكـل النـاس بنـا فيفقــرك
الله . ([116])
خصال الشر وآثارها في الدنيا:
الخصال الذميمة تورث حياة نكـدة ، ولكل خصلة آثار معينـة على حياة الفرد او المجتمع، وقد حذرت النصوص من آثار الذنوب وجاء في بعضها :
1- عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال في حجة الوداع: ان من اشراط القيامة اضاعة الصلاة واتباع الشهوات، والميل مع الاهواء، وتعظيم المال، وبيع الدنيا بالدين، فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع ان يغيره. ثم قال: ان عندها يكون المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن، ويخون الامين، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق. ثم قال: فعندها امارة النساء ومشاورة الاماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفا، والزكاة مغرما، والفيء مغنماً ، ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه. ثم قال: فعندها يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت اهلها، ويشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ويركبن ذوات الفروج السروج، فعليهم من امتي لعنة الله. ثم قال: ان عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس، وتحلى المصاحف، وتطول المنارات وتكثر الصفوف والقلوب متباغضة، والالسن مختلفة. ثم قال: فعند ذلك تحلّى ذكور امتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج، ويتخذون جلود النمر صفافاً. ثم قال: فعندها يظهر الربا ويتعاملون بالغيبة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا. ثم قال: وعندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حد ولن يضر الله شيئا. ثم قال: وعندها تظهر القينات والمعازف، وتليهم شرار امتي. ثم قال: وعندها يحج اغنياء امتي للنزهة، ويحج اوساطها للتجارة ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة. فعندها يكون اقوام يتعلمون القرآن لغير الله فيتخذونه مزامير. ويكون اقوام يتفقهون لغير الله ويكثر اولاد الزنا، يتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا. ثم قال: وذلك إذا انتهكت المحارم، واكتسب المآثم، وتسلّط الاشرار على الاخيار، ويفشو الكذب، وتظهر الحاجة، وتفشي الفاقة، ويتباهون في الناس، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. (الى ان قال:) فاولئك يدعون في ملكوت السماء الارجاس الانجاس . ([117])
2- قال سعيد بن علاقة : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ترك نسج العنكبوت في البيت يورث الفقر، والبول في الحمام يورث الفقر، والاكل على الجنابة يورث الفقر، والتخلل بالطرفاء يورث الفقر، والتمشط من قيام يورث الفقر، وترك القمامة في البيت يورث الفقر، واليمين الفاجرة تورث الفقر، والزنا يورث الفقر، واظهار الحرص يورث الفقر، والنوم بين العشاءين يورث الفقر، وكثرة الاستماع الى الغناء يورث الفقر، ورد السائل الذكر بالليل يورث الفقر، وترك التقدير في المعيشة يورث الفقر، وقطيعة الرحم تورث الفقر. ثم قال عليه السلام: الا انبئكم بعد ذلك بما يزيد في الرزق؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال: الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق، والتعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق، وصلة الرحم يزيد في الرزق، وكسح الفناء يزيد في الرزق، ومواساة الاخ في الله عز وجل يزيد في الرزق، والبكور في طلب الرزق يزيد في الرزق، والاستغفار يزيد في الرزق، واستعمال الامانة يزيد في الرزق، وقول الحق يزيد في الرزق، وإجابة المؤذن تزيد في الرزق، وترك الكلام على الخلاء يزيد في الرزق، وترك الحرص يزيد في الرزق، وشكر المنعم يزيد في الرزق، واجتناب اليمين الكاذبة يزيد في الرزق، والوضوء قبل الطعام يزيد في الرزق، واكل ما يسقط من الخوان يزيد في الرزق، ومن سبح الله كل يوم ثلاثين مرة دفع الله عنه سبعين نوعاً من البلاء ايسرها الفقر . ([118])
العِشرة الحميدة:
متى تعاشر الناس ومتى تعتزلهم، وكيف تعاشر من تعاشر، وكيف تنظم علاقاتك؟ انها محاور احاديث شريفة لو تأملت فيها وعملت بها نجوت باذن الله تعالى.
لقد نهـى الدين المؤمنين من معاشرة اهل الدنيا، وفضَّلَ الجلوس في البيت عن الدخـول مـع اهل الدنيا .بلى ورغب في لقاء الاخوان المؤمنين. كما ان الدين حذر من الحسد ايما تحذير لانه يفسد الدين، وحذر من العصبية على غير حـق، والتكبر على الناس من المهلكات واليك بعض من تلك الاحاديث:
1- قال أبو عبد الله عليه السلام : ان قدرتم ان لاتُعرَفوا فافعلوا، وما عليك ان لم يثن الناس عليك، وما عليك ان تكون مذموما عند الناس اذا كنت عند الله محموداً.. الى ان قال: ان قدرت على ان لا تخرج من بيتك فافعل، فان عليك في خروجك ان لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن.. ثم قال: نعم صومعة المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه . ([119])
2- قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في حديث طويل : يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل اهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة وغناه في العيلة، ومعزه من غير عشيرة . ([120])
3- قال أبو عبد الله عليه السلام: انما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجـه غضبه من حق، وإذا رضى لم يدخله رضاه في باطل، واذا قدر لم
يأخذ اكثر مما له . ([121])