شروط الأمـر والنهـي - وجیز فی الفقه الاسلامی: فقه الجهاد و احکام القتال نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وجیز فی الفقه الاسلامی: فقه الجهاد و احکام القتال - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


9- وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أيما رجل رأى في منزله شيئاً من الفجور فلم يغيّر، بعث الله تعالى بطير ابيض فيظل ببابه اربعين صباحاً، فيقول له كلما دخل وخرج: غيّر غيّر، فان غيّر وإلا مسح بجناحه على عينيه، وان رأى حسناً لم يره حسناً، وان رأى قبيحاً لم ينكره " . ([241])


تفصيل القول :


1 / المعروف ما امر به الله تعالى ، والمنكر ما نهى عنه سواءً عرف بهما فاعلهما او جهـل. فلو عرفهما أمره ونهاه، ([242]) ولو جهلهما أرشـده .


2 / واذا كان المعروف مندوبـاً والمنكر مكروهاً ، استحب الأمر والنهي .


3 / والامر والنهي فرضان على كل مؤمن ومؤمنة ، وفرضهما على الكفاية، فلو قام البعض بهما سقط عن الاخرين، ولو تركهما الجميع فقد اثموا .


4 / لو استدعى الامر والنهي اجتماع طائفة من المسلمين وجب لو امكنهم بلا حرج ، ولو تخلّف عنهم من كان وجوده ضرورياً أثم ، وسقط الوجوب عن البقية .


5 / يجب توفير وسائل الامر والنهي وجوباً كفائياً بقدر المستطاع ، فلـو كان عليه ان يقطع مسافة للقيام بالواجب ، فعليـه ان يفعـل ذلك ولو ببذل مال، وكذلك لو توقف الامر والنهي على توفـير خط هاتفي - مثلاً - او مكبرة الصوت او لافتة يكتب عليها وما اليها من المقدمات القريبة التي يعد اهمالها اهمالا بفريضة الامر والنهي ، يكون كل ذلك واجباً على المسلمين كفاية .


6 / اما المقدمات البعيدة التي لا يعد اهمالها تركاً للامر والنهي، مثل انشاء اذاعة او جريدة او تأسيس المؤسسات الاخرى؛ تربوية كانت او ثقافية او اعلامية. فان في وجوبها مقدمةً للقيام بالامر والنهي تردد، الاحوط ذلك .


7 / يظهر من النصوص في هذا الحقـل ؛ ان غاية فريضتي الامر والنهـي


اقامة المعروف وازالة المنكر، إذن .. ما دام المنكر قائماً والمعروف معطلاً، فان الوجوب لايسقط مع توفر الشروط الاتية. ومن هنا فلو أمر صاحبي بالمعروف شخصاً فلم يأتمر، وكنت ارجو ان يأتمر بأمري وجب عليً، وكذلك النهي على الاظهر فيهما .


8 / من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ارشاد الجاهل بهما ودعوته اليهما، حتى ولو كان جاهلا قاصداً .


9 / يتأكد وجوب هذين الفريضتين على الاقربين، حيث قال الله سبحانه :
« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً » (التحريم/6)


وقال الله سبحانه :
« وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ » (الشعراء/214)


وقال الله سبحانه :
« وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَاُوْلَئِكَ مِنكُمْ وأُوْلُواْ الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» (الانفال/75)


وهكذا يتأكد الوجوب فيمن لك عليه ولاية من زوجة واولاد وعشيرة، وإذا كنت رب عمل او مديراً او مدرّساً وبالتالي ذا نفوذ، فعليك ان تستفيد من موقعك للقيام بهذين الواجبين .

شروط الأمـر والنهـي


القرآن الكريم :


1 / « وَإِذْ قَالَتْ اُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَاذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» (الاعراف/164-165)


2 / « وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَآفَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (التوبة/122)


3 / « كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ » (المائدة/79)


4 / « لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ اِلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ » (المائدة/63)


5 / « فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ اُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ اُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ » (هود/116)


فقه الآيات :


1 / لا يجوز ترك النهي عن المنكر لمجرد الخوف من الرد، بل يجب التناهي عنه حتى يعذر الله الناهي ( ولا يشركه في خطيئة قومه). ولعل المذنب يرجع عن ذنبه، فما دام رجاء توبته باقياً ينبغي الاستمرار في النهـي .


2 / وكذلك الامر في الانذار فان الغاية منه الحذر، فمادام يرجو الفقيه من قومه الحذر، عليه ان يديم انذارهم بما تفقه فيه من دين الله سبحانه .


3 / وهكذا يجب التفقه في الدين بالنفر والهجرة الى مراكز الفقه، حيث الحوزات الدينية. فاذا اخذ المهاجر نصيبه من الفقه عاد الى بلاده لواجب انذار قومه بان ينهاهم عن المنكرات ويبين لهم عواقب التمادي فيها ، لعلهم يرجعون منها. وعليه ان يتبع وسائل حكيمة في انذاره ، ويتلطف في ابلاغه الرسالة بالمواعظ الحسنة. كل ذلك لكي يتحقق الهدف وهو عذر قومه، فليس مجرد الانذار كافيا ، انما الانذار الذي يرجى منه حذر الناس . والله المستعان .


4 / لا يجوز ترك التناهي عن المنكرات بعذر او باخر، لان هلاك الامم الغابرة انما كان بتركهم التناهي. (وخصوصاً على العلماء والربانيين منهم والاحبار ألاّ يتركوا التناهي عن المنكرات) .


السنة الشريفة :


1- روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "ما عبد الله بشيء أفضل من الزهد في الدنيا".


وقال صلى الله عليه وآله أيضاً : "إذا رأيتم الرجل قد أُعطيَ زهداً في الدنيا، فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة".


وقال صلى الله عليه وآله: "ما اتخذ الله نبياً إلا زاهداً".


وقال علي عليه السلام: "طوبى للراغبين في الاخرة الزاهدين في الدنيا، أولئك قوم اتخذوا مساجد الله بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طهوراً، والقرآن شعاراً، والدعاء دثاراً، ثم قبضوا الدنيا على منهاج عيسى عليه السلام" . ([243])


2- روى مسعدة بن صدقة ان الامام أبـا عبد الله عليه السلام سُئل عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الامة جميعاً؟ فقال: لا، فقيل له: ولم؟ قال انما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً الى أي من اي، يقول من الحـق الى الباطل ، والدليـل على ذلك كتاب الله عز وجـل قوله :
« وَلْتَكُن مِنكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ » (آل عمران/104) فهذا خاص غير عام، كما قال الله عز وجل : « وَمِن قَوْمِ مُوسَى اُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » (الاعراف/159) ولم يقل : على أمة موسى ولا على كل قومه، وهم يومئذ أمم مختلفـة ، والأمة واحـد فصاعـداً ، كما قال الله عز وجـل :
« إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ اُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ » (النحل/120) يقول مطيعاً لله عز وجل ، وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنـة من حـرج ، اذا كـان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة . قال مسعدة : وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقـول في جواب من سـأل عن الحديث الذي جاء عن النـبي صلى الله عليه وآله : ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جائر ، ما معناه ؟ قال الامام : هذا على ان يأمـره بعـد معرفته وهو مع ذلك يقبل منـه ، وإلاّ فلا . ([244])


3- روى ابان بن تغلب عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال: كان المسيح عليه السلام يقول: ... لا تحدثوا بالحكمة غير اهلها فتجهلوا، ولا تمنعوها اهلها فتأثموا، وليكن احدكم بمنزلة الطبيب المداوي ان رأى موضعاً لدوائه وإلاّ أمسك . ([245])


تفصيل القول :


اشترط الفقهاء للنهي عن المنكر ، بل والامر بالمعروف اربعة شروط :


الاول: ان يعلم الآمر والناهي ما هو المعروف، وما هو المنكر ليأمن الغلط.


الثاني: أن يرى امكانية تأثير امره ونهيه ، فلو علم انه لا ينفع سقط عنه الوجوب.


الثالث: ان يكون الفاعل للمنكر او التارك للمعروف مصراً فلو لاح منه امارة الصلاح سقط وجوب وعظه.


الرابع: ألا يكون في النهي والامر مفسدة ، فلو غلب على ظنه توجه الضرر اليه او الى ماله او الى احد من المسلمين مما يوجب الحرج، سقط الوجوب .


واليك تفاصيل الشروط :


1 / والشرط الاول يستدعي بيان فروع :


الف : معرفة المنكر والمعروف قد تكون بالعلم او باتباع عالم، فلو اختلف الفقهاء في حرمة شيء، فانه ينهى من يرى حرمته ولا ينهى من لا يراها .


باء : لو كان فاعل المنكر جاهلا بحكم الحرمة، يجب ارشاده. ولو كان جاهلا بموضوع الحرمة ، كما لو كان عارفاً بنجاسة الدم ولم يكن يعلم تلوث ثوبه به، فالظاهر عدم وجوب اعلامه الا اذا كان المنكر من النوع الذي علمنا من الشرع ضرورة منعه بكل صورة؛ مثل ما يرجع الى حفظ الدماء وحصانة الفروج .


2/ والشرط الثاني، وهو احتمال تأثير الانكار يبدو مجمعاً عليه عند الفقهاء، واكثر النصوص مطلقة :


الف: والاحتياط يقتضي الانكار حتى مع عدم احتمال القبول ، ولعل حكمة الانكار -حينئذ- ان يكون فيه نوع عقوبة لمرتكبي المحرمات ..


باء: الظاهر وجوب مراتب من الانكار حتى عند انعدام التأثير؛ كالانكار بالقلب ، وهجر المذنبين وعدم حضور مجالسهم .


3 / وبالنسبة الى الشرط الثالث ( الاصرار على الذنب ) فان فيه تفصيلا كالآتي :


الف : لكي يسقط عنك وجوب الامر والنهي، يشترط التأكد بأن فاعل المنكر او تارك المعروف قد ترك معصيته، اما لو ظننت ذلك ظناً فإنه لا يكفي في سقوط وجوب الأمر والنهي .


باء : تكفي الامارة الشرعية المعتبرة على ذلك؛ مثل البينة واظهار الندامة والتوبة وكلما يفيد الطمأنينة عند العرف .


4 / الشرط الرابع : (الا يكون في الامر والنهي مفسدة ) وفيه التفصيل التالي :


الف : الضرر الذي يسقط به الحكم الشرعي ، هو الضرر البالغ الذي يبلغ احتماله لدرجة الحرج كالخوف على النفس ، وعلى العرض والمال، وعلى الناس الاخرين انفسهم واعراضهم واموالهم . اما الضرر اليسير الذي يحتمله الناس عادة في سبيل بلوغ اهدافهم فانه لا يُسقِط التكليف في أي حكم من احكام الدين .


باء : والحرج الذي لا يحتمله العقلاء في سبيل تحقيق غاياتهم يُسقِط التكليف ايضاً، وهو ما يصعب احتماله ، وكل انسان بصير بنفسه. ويختلف الناس في قدرة الاحتمال . وانما المعيار الحرج الشخصي .


جيم : يكفي خوف الضرر خوفاً عقلائياً . ولا يؤبه بالوسوسة، كما لا يجب ان يتأكد الانسان من وجود الضرر حتى يسقط عنه التكليف .


دال : عند وجود خطر على الاسلام والمسلمين؛ كظهور البدع وانتشار المفاسد التي تهدد بقاء الدين والخوف على دماء المسلمين وما اشبه، فان انكار المنكر يصبح من الجهاد في سبيل الله ، ولا يشترط فيه ما سبق في هذا الباب، بل لابد من تطبيق احكام الجهاد فيه .


مراتب الانكـار


القرآن الكريم :


« وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ اَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » (النساء/140)


نستفيد من هذه الآية ان من مراتب النهي عن المنكر مقاطعة الذين يقومون بالمنكر، مثل ترك مجالسة الذين يعرضون عن آيات الله. ويحتمل ان يكون ترك مثل هذه المجالس واجباً بذاته، بالاضافة الى انه واجب من بـاب النهي عن المنكر؛ اذ الحضور في مجالس اهل البدع والضلالة حرام - فيما يبـدو- والله العالم.


السنة الشريفة :


1- قال أمير المؤمنين عليه السلام : "من ترك انكار المنكر بقلبه ولسانه ويده فهو ميت بين الاحياء" . ([246])


2- وقال أبو جحيفة : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: " ان اول ما تغلبـون عليه من الجهاد؛ الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً قُلب فجعل أعلاه أسفله" . ([247])


3- قال أمير المؤمنين عليه السلام : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة . وقال أيضاً : أدنى الانكار ان تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة . ([248])


4- وروي ان أمير المؤمنين عليه السلام كـان يخطب فعارضه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن ميت الاحياء. فقطع الخطبة ثم قال: منكر للمنكر بقلبه ولسانه ويده، فخلال الخير حصّلها كلها، ومنكر للمنكر بقلبه ولسانه وتارك له بيده ، فخصلتـان من خصال الخير ، ومنكر للمنكر بقلبه وتارك بلسانه ويده، فخلة من خلال الخير حاز، وتـارك للمنكـر* بقلبه ولسانـه ويـده، فذلك ميت الاحياء. ثم عـاد الــى


خطبته" . ([249])


5- روي عن النبي صلى الله عليه وآله، انه قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء من الايمان. وفي رواية: "ان ذلك اضعف الايمان" . ([250])


6- وجاء عن الصادق عليه السلام أنه قال: "حسب المؤمن خيرا إن رأى منكراً، أن يعلم الله من نيته انه له كاره" . ([251])


تفصيل القول :


1/ مراتب الانكار ثلاث : بالقلب ، واللسان ، واليد . ولكل واحدة منها موقعها فيختارها المؤمن بالحكمة .


2/ والانكار بالقلب يبدء بالتبري من المنكر وعدم الرضا بفعله. ويتدرج باظهار السخط بالملامح والمواقف في صورة الغضب، حيث امرنا الرسول بان نلقى اهل المعاصي بوجوه مكفهرة، وفي صورة هجر مجالس المنكر وتجنب اهله .


والبراءة من المنكر ؛ من حقائق الايمان وهي واجبة وجوباً مطلقاً وفي كل الظروف . اما مظاهر هذه البراءة من تغيير الوجه وهجر المذنبين فانها تخضع لشروط هذه الفريضة التي سبق الحديث عنها، وللحكمة التي نتحدث عنها انشاء الله .


3/ والاعراض عن الظالمين وترك مراودتهم ، وتجنب الخاطئين وترك مجالسهم، واجب ان كان في ذلك ردع عمّا هم فيه . اما اذا كان الاعراض يزيدهم عمى وطغياناً ، وكان التفاعل معهم والاختلاط بهم مظنة الاصلاح فان ذلك افضل. كل ذلك رعاية للحكمة .


4/ والمرتبـة الثانيـة هو الانكار بالطلب المؤكد الذي يعبر عنه باللسان . وهو اعم من اللفظ والكتابة والاشارة وما اشبه مما يسمى امراً ونهياً .


5/ وقد ذكر الفقهاء ضرورة الاكتفاء بالايسر فالأيسر في البلاغ ، فإذا كانت الاشارة كافية فــلا يتكلم ، واذا كان القول بالتي هي احسـن كافياً فلا يُغلِّظ ، واذا كان كافياً ان ينهره فلا يبسط اليه يده ، وهكذا ..


والاحوط مراعاة الحكمة، ولكن يجوز الامر والنهي مطلقا مادام لا يسبب محرماً؛ مثل اهانة المؤمن بغير حق، ولا يسبب فساداً وضرراً .


6/ واذا لم يرتدع المخطئ باللسان اجاز الفقهاء استخدام القوة ضده ، مع رعاية الايسر فالايسر، ويبدء بالحيلولة بينه وبين المنكر كأخذ يده عن كأس الخمرة ، او عن الضرب بغير حق، فإن لم ينفع فبتحطيم آلة المنكر (اهراق الخمر وكسر آلة القمار)، فان لم يرتدع فبضربه حسب الحاجة، ولكن الاحتياط يقتضي الرجوع في كل ذلك الى الفقيه في تحديد الواجب في كل عصر ومصر ، وعدم مبادرة المؤمن بهذه المرتبة رأساً وذلك درءً للفتنة وحفاظاً على النظام في المجتمع .


7/ اذا كان المنكر من الفواحش؛ كقتل النفس المحترمة ، واغتصاب امرأة والاعتداء على المؤمنين ، فالظاهر وجوب مبادرة كل مسلم الى الانكار بالقوة، حتى ولو التزم تجاوز بعض الحرمات؛ كاقتحام بيت المعتدي او التجسس عليه او ما اشبه ذلك ، ان خشي وقوع الجريمة في حالة عدم قيامه بواجب الانكار .


8/ اذا لم يرتدع المخطئ حتى بالضرب، وكانت الوسيلة الوحيدة لردعه جرحه او قتله، فقد رأى الفقهاء ضرورة الاستيذان من حاكم الشرع، وهو كذلك حسب التفصيل القادم . بلى لو كانت الجريمة كبيرة ولم يكن ممكناً الاستيذان وجبت المبادرة مع رعاية الاهم فالمهم كما سبق آنفاً في القتل والاعتداء.


9/ يجوز للفقيه العادل التصدي للأمر والنهي في كافة مراتبه، واقامة الحدود الشرعية اذا توافرت له شروطه الموضوعية؛ من التفاف المؤمنين حوله ومساعدتهم له، ومن الأمن من سلاطين الجور ومن فتن الزمان . وهكذا يجوز لمن يأذن له الفقيه وذلك في حدود الاذن .


10 / من تولى للجائر سلطة، لا يجوز له اجراء الحدود الا بأذن الفقيه العادل، ولو اضطر الى ذلك وجب عليه الاقتصار على ادنى قدر. واذا اراد الجائر اكراهه على قتل الابرياء فليس له اطاعته، حتى ولو ادى امتناعه عن ذلك الى قتله، فانه لا تقية في الدماء .


آداب الأمـر والنهـي


القرآن الكريم :


« أَتَأْمُرُونَ الْنَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » (البقرة/44)


« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ» (الصف/2-3)


السنة الشريفة :


1- روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: انما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى . ([252])


2- روى جابر في حديث عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: فأنكروا بقلوبكم، وألفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فان اتعظوا والى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم، انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق، اولئك لهم عذاب أليم. هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً ولا باغين مالاً ولا مريدين بالظلم ظفراً، حتى يفيئوا الى أمر الله ويمضوا على طاعته . ([253])


تفصيل القول :


1 / من ابرز حقائق الدعوة الى الله؛ تحلي الداعية بصفات المتقين ، واتباعه للرسل والانبياء في العمل بالطاعة قبل ان يأمر بها ، والتناهي عن المعصية قبل ان ينهى عنها .


2 / لأن الله سبحانه أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ، ولان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى مصاديق البر والتقوى ، فان المؤمن اذا تعاون مع اخوته فيهما كان ابلغ اثراً . خصوصـاً في هذا العصر حيث ينتظم اعداء الدين في أحزاب ومؤسسات ويتعاونـون على الاثم والعـدوان.


3 / قد يستدعي نشر المعروف في المجتمع وازالة المنكر عنه، بناء مؤسسات دينية؛ مثل المعاهد التربوية ومراكز ثقافية واعلامية، وعلى المؤمنين ان يهتموا بذلك حتى يحفظوا اخوانهم من الوقوع في الباطل .


4 / وسائل ابلاغ الرسالة تتطور حسب تطور الظروف، فاليوم تقوم اجهزة ارسال الصوت والصورة ( الاذاعة والتلفاز )، وشبكات الصحف ووكالات الأنباء ، والوسائل الاعلامية المتطورة ( الكمبيوتر والانترنيت)، تقوم كل هذه الاجهزه بنشر الضلال . فياحبـذا لو تعاون المؤمنون لانشاء وسائل متفوقة عليها حتى ينشروا عبرها الفضيلة ويبلغوا بها رسالات الله .


5 / ولان الكفار والفسقة يستخدمون وسائل علمية متطورة من دراسات اجتماعية ونفسية وتربوية ، ويوظفونها في سبيل نشر افكارهم، فعلى الحوزات الدينية ان تطور برامج الدراسة عندها لمواكبة العصر ومقاومة ضلالته باذن الله تعالى ، وهكذا يجدر بالعلماء الاعلام واولي البصائر ان يجتهدوا في تربية المبلغين والدعاة الى الله ، بما يؤهلهم للقيام بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بأفضل وسيلة، تطبيقاً لقوله سبحانه :
« ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ » (النحل/125) ولا ريب ان مناهج الدراسة الصحيحة هي الوسيلة التي تورث الطالب الحكمة، وذلك بمعرفة ما يقتضيه الزمان والمكان .


وان أفضل الهدى هدى الله، وسنة الرسول وأهل البيت عليهم السلام. فعلى المبلّغين الاستضاءة بنور القرآن والاحاديث بكل اهتمام وجديّة ، وذلك بحفظ نصوص الوحي والتدبر فيها وجعلها محور احاديثهم . وتفسير الحوادث الواقعة على ضوئها، والله المستعان .

احكـام القتـال


وجوب القتال في سبيل الله


القرآن الكريم :


1- « يآ أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » (التوبة/73)


2- « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (المائدة/35)


3- « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ » (الصف/10-11)


4- « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلى النَّاسِ فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُواْ الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ » (الحج/77-78)


5- « لاّيَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ اُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُـجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُـجَاهِدِينَ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُـجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً » (النساء /95)


6- « أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَيَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لايَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدَوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ» (التوبة/19-20)


7- « أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ » (آل عمران/ 142)


السنة الشريفة :


1- روى أبو عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : الخير كلّه في السيف ، وتحت ظلّ السيف ، ولا يقيم الناس إلاّ السيف ، والسيوف مقاليد الجنة والنار. ([254])


2- وأيضاً روى أبو عبد الله عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : للجنة باب يقال له : باب المجاهديـن ، يمضون إليه فـاذا هـو مفتوح وهم متقـلّدون بسيوفهـم ، والجمـع في المـوقف والملائكة ترحب بهم ، قال : فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاًّ وفقراً في معيشته ومحقـاً في دينـه ، ان الله أعـزّ أمـتـي بسنابك خيلهـا ومراكـز رماحهـا . ([255])


3- وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: خيول الغزاة في الدنيـا خيولهم في الجنة ، وإن أرديـة الغـزاة لسيوفهـم . ([256])


4- قال النبي صلى الله عليه وآلـه أيضـاً : أخبرني جبرئيـل بأمـر قـرّت به عيني وفرح به قلبي، قال : يا محمد من غزى من أمتك في سبيل الله، فأصابـه قطرة من السماء او صداع، كتب الله له شهادة يوم القيامـة . ([257])


5- وروي عـن أبي عبـد الله عليـه السلام أنه قال : إن الله عـز وجل بعث رسوله بالاسلام الى النـاس عشر سنين ، فأبوا أن يقبلـوا حتـّى أمره بالقتال ، فالخير في السيف وتحت السيـف، والأمر يعود كما بـدء .([258])


6- وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصره وناصره، والله ماصلحت دنيا ولا دين إلاّ به . ([259])


7- وجـاء عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال : اغـزوا تورثـوا أبنـاءَكم مجـداً . ([260])


اسباب القتـال


القرآن الكريم:


1- « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » (الحج/39)


2- « وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » البقرة/ 190)


3- « وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً » (النساء/75)


4- « وَإِن طَآئِفَتَـانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ


إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » (الحجرات/ 9)


5- « وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّه فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ » (القصص/ 15)


6- « قَاتِلُوا الَّذِينَ لايُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلايُحَرِّمُونَ مَاحَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» (التوبة/29)


السنة الشريفة :


روى فضيل بن عياض أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الجهاد أسنة أم فريضة ؟ فقال الامام : الجهاد على أربعة أوجه؛ فجهادان فرض، وجهاد سنّة لا تقام إلاّ مع الفرض ، وجهاد سنّة .


فأما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله عز وجل وهو من أعظم الجهاد ، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض.


وأما الجهاد الذي هو سنّة لايقام إلاّ مع فرض فان مجاهِدة العدو فرض على جميع الأمة ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب، وهذا هو من عذاب الأمة ، وهو سنّة على الامام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم.


وأما الجهاد الذي هو سنّة فكلّ سنّة اقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها، فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال ، لأنها إحياء سنّة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء . ([261])


تفصيل القول :


1/ الجهاد فريضة ايمانية تتجلى في الحروب التالية :


أ- حينما يؤمن المرء بالله وحده ؛ فيؤذى في سبيل الله ، ويخرج من بلده ، وبعد الهجرة يريد العودة الى بلاده ، هنالك يأذن الله له بالقتال في سبيل الله . « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » (الحج/39)


ب- وعندما تتشكل دولة الاسلام في بلد فيتعرض المسلمون فيه لهجوم عسكري ، فإن عليهم ان يقاتلوا دون دينهم وديارهم وأهلهم وأموالهم ، وذلك قوله سبحانه :
« وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » (البقرة/190)


ج- وعندما يتعرض المسلمون في بعض البلاد لاستضعاف ديني او دنيوي ، فهناك يجب على سائر المسلمين الدفاع عنهم بالقتال ، حيث قال سبحانه :
« وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً » (النساء/75)


د- يجب قتال البغاة على دولة الاسلام الذين يستخدمـون السلاح ضد الدولة ، وقد الحق بهم مانعوا الزكاة . والأقوى الحاق كل تمرد بالسلاح . ومن ذلك قتـال الذيـن يبغــون بعد اقامة الصلـح ، وذلك قوله سبحانه :
« وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُـوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَـى أَمْـرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » (الحجرات/9)


هـ- وعندما يتعرض الفرد - أي فرد - لتهديد حقيقي في نفسه او دينه او عرضه او ماله ، فله أن يدافع عن نفسه بالقتال . لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : " من قُتِل دون مظلمته فهو شهيد ". ([262])


ومن حقائق هذا القتال ؛ القتال تحت راية ظالم دفاعاً عن نفسك وعرضك ، لا استجابة لأوامر الظالم ولا دفاعـاً عن سلطته . فقد جاء في حديث مأثور عن الامـام الصادق عليه السلام ، قـال الراوي : سألتـه عن رجل دخل أرض الحرب بامان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون ، قال عليه السلام : " على المسلم ان يمنع نفسه ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله ، وأما ان يقاتل الكفار على حكم الجور وسنتهم فلا يحل له ذلك ". ([263])


وهكذا كان الدفاع واجباً ؛ سواءً الدفاع عن النفس بصورة فردية ، او الدفاع عن بلده إذا تعرض للهجوم ، فيقاتـل مع سائر أهل البلد العــدو .


و- وقال كثير من الفقهاء : ان النبي وأوصياءه المعصومين عليه وعليهم الصلاة والسلام ؛ يدعون الناس الى الايمان بالله وحده فان أبوا قاتلوهم حتى يؤمنوا أو يعطي أهل الكتاب منهم الجزية . ويسمى هذا النوع بجهاد الدعوة ، وقالوا إن هذا الفرض قد سقط اليوم . وقال البعض إنه قائم مع الفقيه العادل .


2/ كل قتال مشروع يعتبر جهاداً في سبيل الله ، وتشمله أحكامه ، إلاّ ما علم استثناؤه . وقيل ان الجهاد هو فقط جهاد الدعوة او الجهاد الابتدائي .


3/ الأقـوى وجوب صيانـة دار الاسـلام (وطن المسلمين) من الاخطار ، وذلك :


باعداد القوة العسكرية التي ترهب الاعداء وتردعهم عن التفكير بالهجوم . ومن حقائق ذلك ؛ التسلح بأحدث وسائل الدفاع ، وتدريب الجنود بأعلى مستوياته ، وحفر الخنادق وانشاء السواتر والموانع ، والارصاد للعدو والمرابطة على الحدود والثغور ، وبث العيون على الاعداء ، ودراسة اوضاعهم القتالية ، واستخبار نواياهم ، وكذلك بعدم استفزازهم عبثاً ، وربما ايضاً بتأمين مصالحهم المشروعة . وبكلمة واحدة الظاهر ان المحافظة على حرمات المسلمين واجبة بأية وسيلة ممكنة ، والله العالم .


شرائط وجوب الجهـاد


القرآن الكريم :


1- « لايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ اُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُـجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُـجَاهِدِينَ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُـجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً » (النساء/95)


نستفيد من الآية سقوط الجهاد عن اولي الضرر . (وهم الذين لايتحملون الجهاد لمرض او عاهة او فقر) .


/ 9