4- روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل . ([122])
5- وقـال الامام أبو جعفر عليه السلام : مكتوب في التوراة فيما ناجـى الله به موسى عليه السلام : يا موسى امسك غضبك عمن ملكتك عليه ، اكف عنك غضبي . ([123])
6- روى محمـد بن علـي بن الحسين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله مرَّ بقوم يتشايلـون حجراً، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نختبر اشدنا واقوانا، فقال: الا اخبركم باشدكم واقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: اشدكم واقواكـم الـذي إذا رضي لم يدخله رضـاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا ملك لم يتعاط ما ليس له بحـق . ([124])
7- قال ابو عبد الله عليه السلام : اوحى الله عز وجل الى بعض انبيائه: يابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي لا امحقك فيمن امحق، وارض بي منتصراً، فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك . ([125])
8- قال ابو جعفر عليه السلام : إن الرجل ليأتـي بـأدنى بـادرة فيكفـر، وان الحسـد ليأكل الايمـان كمـا تأكل النـار الحطب . ([126])
9- قال ابـو عبد الله عليه السلام : آفـة الدين الحسد والعجب والفخـر . ([127])
10- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً : ان المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط . ([128])
11- قـال أمير المؤمنـيـن عليـه السـلام : صحـة الجسد من قلة الحســد . ([129])
12- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تعصب او تعصّب له فقد خلع ربقة الايمان من عنقه . ([130])
13- وقال أبو عبد الله عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع اعراب الجاهلية . ([131])
14- وروى الزهري: سئل علي بن الحسين عليه السلام عن العصبيـة،
فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها ان يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية ان يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية ان يعين الرجل قومه على الظلم . ([132])
15- قال حكيم : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن ادنى الالحاد ، قال: ان الكبر ادناه . ([133])
16- وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أن الامام أبا جعفر عليه السلام قال : العز رداء الله، والكبر ازاره، فمن تناول شيئاً منه اكبه الله في جهنم . ([134])
17- وقال أبو عبد الله عليه السلام : ان في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر، شكى الى الله عز وجل شدة حره، وسأله عز وجل ان يأذن له ان يتنفس فتنفس فأحرق جهنم . ([135])
18- روى داود بن فرقد، عن اخيه أنه قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان المتكبرين يجعلون في صور الذر تتوطاهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب . ([136])
19- وقال أبو عبد الله عليه السلام : ما من عبد إلاّ وفي رأسه حكمة
وملك يمسكها، فاذا تكبر قال له: اتّضع وضعك الله، فلا يزال اعظم الناس في نفسه واصغر الناس في اعين الناس، وإذا تواضع رفعه الله عز وجل ثم قال له: انتعش نعشك الله فلا يزال اصغر الناس في نفسه وارفع الناس في اعين الناس . ([137])
20- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً : ما من رجل تكبر او تجبر الا لذلة يجدها في نفسه . ([138])
21- وقال عليه السلام : الجبارون ابعد الناس من الله عز وجل يوم القيامة . ([139])
الزهد في الدنيا:
لو خيرت بين الاخرة والدنيا فلا تختر على الاخرة شيئاً، لانها الاسمى والانقى والابقى. بينما نعيم الدنيا فانية ومشوبة بالمكدرات. ومن الناس من استبد حب الدنيا بقلبه فقصرت همته عليها، وعميت بصيرته عن غيرها. بينما زهد عباد الله فيها فزهرت الحكمة في قلوبهم. والزهد زهدان: زهد في حرام الدنيا؛ مخافة العقاب، وهو زهد واجب. وزهد في حلال الدنيا؛ مخافة الحساب، وهو زهد الاولياء. وقد يزهد العبد في حلال الدنيا لكي لا يقع في حرامها. ولان حب الدنيا رأس كل خطيئة، وقد تمكن من بني آدم، فقد توالت وصايا الانبياء والاوصياء بالزهد فيها، واليك مقتطفات منها :
1- جـاء عن ابي عبد الله عليه السلام : قيـل لأمير المؤمنين عليه السلام : ما الزهد في الدنيا ؟ قال : تنكيب حرامها . ([140])
2- قال أبو الطفيل : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: الزهد في الدنيا قصر الامل، وشكر كل نعمة، والورع عما حرم الله عليك . ([141])
3- قال ابو عبد الله عليه السلام: ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال، ولا بتحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا ان لا تكون بما في يدك اوثق منك بما في يد الله عز وجل . ([142])
4- روى الحسن بن علي العسكري عليه السلام عن آبائه عن الصادق عليه السلام، انه سئل عن الزاهد في الدنيا، قال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عقابه . ([143])
5- وقال أبو عبد الله عليه السلام : اذا اراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا، وفقهه في الدين، وبصره عيوبها، ومن اوتيهن فقد اوتي خير الدنيا والاخرة، وقال: لم يطلب احد الحق بباب افضل من الزهد في الدنيا، وهو ضد لما طلب اعداء الحق، قلت: جعلت فداك ممـاذا ؟ قال: من الرغبة فيها، وقال: الا من صبّار كريم، فانما هي ايام قلائل، الا انه حرام عليكم ان تجدوا طعم الايمان حتى تزهدوا في الدنيا، قال الراوي : وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله فلم يشتغل بغيره قال: وسمعته يقول: ان القلب اذا صفا ضاقت به الارض حتى يسمو . ([144])
6- قـال سفيان بن عيينة : سمعت أبا عبد الله يقول: كل قلب فيه شك او شرك فهو ساقط، وإنما ارادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للاخرة . ([145])
7- وقـال الامام أبو جعفر عليه السلام في حديث : ان علي بن الحسين عليه السـلام قـال : الا وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبيـن في الاخرة ، الا ان الزاهدين في الدنيا قد اتخذوا الارض بساطـاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، وقرضوا من الدنيا تقريضاً . ([146])
8- قال عمرو بن سعيد بن هلال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اني لا ألقاك الا في السنين، فأوصني بشيء حتى آخذ به، قال: أوصيك بتقوى الله والـورع والاجتهاد، وإياك ان تطمح الى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وآله: "ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا" وقال: "ولا تعجبك اموالهم ولا اولادهم" فان خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله، فانما كان قوته من الشعير، وحلواه من التمر، ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا اصبت بمصيبة في نفسك او مالك او ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وآله فان الخلائق لم يصابوا بمثله . ([147])
9- وقال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مالي وللدنيا، إنما مثلي كراكب رفعت له شجرة في يوم صائف، فقال تحتها ثم راح وتركها . ([148])
10- وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : ولا مال اذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوأ خفض الدعة، الحرص داع الى التقحم في الذنوب . ([149])
11- وقال أبو عبد الله عليه السلام : ان في كتاب علي عليه السلام؛ انما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها، وفي جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل ويهوى اليها الصبي الجاهل . ([150])
12- روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من اصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما خيرت له الدنيا، يا ابن جعشم يكفيك منها ماسد جوعتك، ووارى عورتك، فان يكن بيت يكنك فذاك، وان يكن دابة تركبها فبخ بخ . وإلاّ فالخبز وماء الجرّة، وما بعد ذلك حساب عليك او عذاب . ([151])
14- قـال أمير المؤمنين عليه السلام: الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم" ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد استكمل الزهد بطرفيه . ([152])
الحرص والطمع:
مثل الدنيا كماء البحر كلما شربت منه ازددت عطشاً. والمؤمن يعرف ان الدنيا زائلة، وان عمره محدود. وان عليه ان يشتري بأوقاته وطاقاته جنات عدن عند الله، فيحجزه ذلك عن الحرص في الدنيا. وفي احاديث اهل البيت عليهـم السلام ما ينفعنا في معرفة حقيقة الدنيا وكراهية الحرص عليها..
1- قال أبو عبد الله عليه السلام : أبعد ما يكون العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه الا بطنه وفرجه . ([153])
2- وقال عليه السلام : حرم الحريص خصلتين ولزمته خصلتان: حرم القناعة فافتقد الراحة، وحرم الرضا فافتقد اليقين . ([154])
3- روى الامام أبو عبد الله عليه السلام عن أبيه أبي جعفر عليه السلام أنه قال : مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج حتى تموت غماً. وقال أبو عبد الله عليه السلام : اغنى الغنى من لم يكن للحرص اسيراً، وقال : لا تشعروا قلوبكم الاشتغـال بما قد فات فتشغلوا اذهانكم عن الاستعداد لمـا لم يأت . ([155])
4- وقال أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ان الدينار والدرهم اهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم . ([156])
5- وقال أبو جعفر عليه السلام : بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله . ([157])
6- قال سعدان : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يثبت الايمان في العبد؟ قال: الورع، والذي يخرجه منه؟ قال: الطمع . ([158])
7- وقال أبو جعفـر عليه السلام: اتى رجل رسول الله صلى الله عليه
وآله فقال : علمني يا رسول الله شيئاً، فقال: عليك باليأس مما في ايدي الناس فانه الغنى الحاضر، قال: زدني يا رسول الله، قال: اياك والطمع فانه الفقر الحاضر . ([159])
8- وروى الامام علي بن موسى الرضا عن ابيه عن آبائه عن علـي عليه السلام أنه جاء خالد الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله اوصني وأقلّه لعلي احفظ، فقال: اوصيك بخمس: باليأس مما في ايدي الناس فانه الغنى الحاضر، وإياك والطمع فانه الفقر الحاضر، وصل صلاة مودع، وإياك وما تعتذر منه، واحب لاخيك ما تحب لنفسك . ([160])
قبح البذاءة والسفاهة والظلم:
طوبـى لمن حسن خلقه، وعرف قـدره، وانصف الناس عن نفسه فعرف حقوقهم، وأداها اليهم راضياً.. انه يتمتع يومئذ بسكينة نفسية وعلاقات متينة، وسمعة طيبة. بينما سيئ الخلق لا يتوب من ذنب حتى يقع في آخر، وتراه بذيء اللسان سفيه الفعال ظالماً لحقوق الناس .
1- جاء عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من قُسِّم له الخُرْق (*) حُجِب عنه الايمان . ([161])
2- وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله : إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل . ([162])
3- وقال عليه السلام أيضاً : اوحى الله عز وجل الى بعض انبيائه؛ الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل . ([163])
4- وروي عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فان سوء الخلق في النار لا محالة . ([164])
5- وعن ابي الحسن موسى عليه السلام في رجلين يتسابان، فقال: البادي منهما اظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم . ([165])
6- وجاء عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ان السفه خلق لئيم يستطيل على من دونه، ويخضع لمن فوقه . ([166])
7- وروي عنه عليه السلام في حديث ان النبي صلى الله عليه وآله قال: ان من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه . ([167])
8- وقـال رسول الله صلى الله عليه وآله: شر الناس يوم القيامة الذيـن
يُكْرَمُون اتقاء شرهم . ([168])
9- روى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من علامات شرك الشيطان الذي لا يشك فيه، ان يكون فحاشاً لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه . ([169])
10- روى أبو جعفر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعائشة: يا عائشة ان الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء . ([170])
11- وقـال سماعـة : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقـال لـي مبتـدءاً : يا سماعـة ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك ؟ إيـاك ان تكـون فحّاشاً او سخّاباً او لعّانـاً ، فقلت : والله لقد كان ذلك انه ظلمني، فقال : ان كان ظلمك لقد أربيت عليه ، ان هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي ، استغفر ربك ولا تعد ، قلت : استغفر الله ولا أعــود . ([171])
12- جاء عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال في وصيته لعلي عليه السلام : يا علي افضل الجهاد من اصبح لا يهم بظلم احد، يا علي من خاف الناس لسانه فهو من اهل النـار، يا علي شر الناس من اكرمه الناس اتقاء فحشه وأذى شره، يا علي شـر النـاس من بـاع آخرتـه بدنيـاه وشـر منه من بـاع آخرتـه بدنيـا غيـره . ([172])
13- وروى عمرو ابن نعمان الجعفي : كان لأبي عبد الله عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه ، فقال يوماً لغلامه: يا ابن الفاعلة اين كنت؟ فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصك بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف امه، قد كنتُ ارى ان لك ورعـاً ، فإذا ليس لك ورع ، فقال : جعلت فداك ان امه سندية مشركة ، فقال : اما علمت ان لكل امة نكاحاً، تنح عنّي فما رأيته يمشي معه حتى فرق بينهما الموت . ([173])
14- وقال أبو جعفر عليه السلام : ان اسرع الخير ثوابا البر، وان اسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً ان يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، او يعيرّ الناس بما لا يستطيع تركه، او يؤذي جليسه بما لا يعنيه . ([174])
15- روي عن جعفر بن محمد، عن آبائه أنه جاء في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي اربعة اسرع شيء عقوبة : رجل احسنت اليه فكافـأك بالاحسان إساءة ، ورجل لا تبغي عليه وهـو يبغي عليك، ورجل عاهدته على امر فوفيت له وغدر بك، ورجل وصل قرابته فقطعوه . ([175])
16- وقال النبي صلى الله عليه وآله: لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكا . ([176])
17- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً : اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة . ([177])
18- وقال الامام الصادق عليه السلام : ما من مظلمة اشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الا الله . ([178])
19- وقال عليه السلام أيضاً : من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه او في ماله او في ولده . ([179])
20- وجاء عنه عليه السلام في قول الله عز وجل: "ان ربك لبالمرصاد" قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة . ([180])
21- وجاء عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لمّا حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة ضمّني الى صدره ثم قال: يا بني اوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر ان اباه اوصاه به قال: يا بني اياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله . ([181])
22- وروى علي بن سالم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لا اجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظُلِمها ولأحد عنده مثل تلك المظلمة . ([182])
23- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لعنت سبعـاً لعنهم الله وكل نبي مجاب ، قيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمخالف لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمسلط بالجبروت ليعز من اذل الله ويذل من اعز الله ، والمستأثر على المسلمين بفيئهم منتحلا له، والمحرم ما احل الله عز وجل . ([183])
التوبة ورد المظالم واصلاح ما افسده:
يمر على الانسان طائف من الشيطان فيقع في الذنب، فإن هو بادر الى التوبة واستغفر ذنبه وبالذات قبل ان تمر عليه سبع ساعات، فإن الله يغفر له. ولكن للتوبة شروط ابرزها؛ الندم على الذنب، والعزم على تركه، واصلاح ما افسده الذنب مثل رد مظالم العباد اليه، وقضاء ماوجب قضاؤه.. وفي التوبة وصايا وآداب نستمع اليهـا ونسأل الله التوفيق للعمل بها ..
1- قال معاوية بن وهب : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: اذا تاب العبد توبة نصوحاً احبه الله فستر عليه في الدنيا والاخرة، قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ماكتبا عليه من الذنوب، ويوحي الى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي الى بقاع الارض : اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب . ([184])
2- وقال أمير المؤمنين عليه السلام : تعطروا بالاستغفار لا تفضحنكم روائح الذنوب . ([185])
3- روي عن أبي عبد الله عن ابيه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اربع من كن فيه كان في نور الله الاعظم: من كان عصمة امره شهادة ان لا إله الا الله واني رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن إذا اصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا اليه راجعون، ومن إذا اصاب خيراً قال: الحمد لله رب العالمين، ومن إذا اصاب خطيئة قال: استغفر الله واتوب اليه . ([186])
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صاحب اليمين امير على صاحب الشمال: فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: لا تعجل وانظره سبع ساعات، فان مضت سبع ساعات ولم يستغفر، قال: اكتب فما اقل حياء هذا العبد . ([187])
5- روى عبد الله بن محمد الجعفي أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله و الاستغفار لكم حصنين حصينين من العذاب، فمضى اكبر الحصنين وبقي الاستغفار، فأكثروا منه فانه ممحاة للذنوب، قال الله عز وجل "فما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" . ([188])
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كل ذنب استغفر الله. ([189])
7- وقال أبـان بن تغلب : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ما من عبد اذنب ذنباً فندم عليه، الا غفر الله له قبل ان يستغفر، وما من عبد انعم الله عليه نعمة فعرف انها من عند الله الا غفر الله له قبل ان يحمده . ([190])
8- قال العبـاس مولى الرضا عليه السلام : سمعته يقول: المستتر بالحسنة
يعـدل سبعين حسنة ، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمستتر بالسيئـة مغفور لـه . ([191])
9- روى أبو حمزة الثمالي أن علي بن الحسين عليه السلام قال: عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة، ثم هو غدا جيفة . ([192])
10- قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وآلـه : آفـة الحسـب الافتخــار . ([193])
11- وقال أبو عبد الله عليه السلام : كان رجل في الزمن الاول طلب الدنيـا من حلال فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال له : الا ادلك على شيء تكثر به دنياك وتكثر به تبعك ؟ فقال: بلى، قال : تبتدع دينا وتدعـو الناس اليه، ففعل فاستجاب له الناس واطاعوه، فأصاب من الدنيا. ثم انه فكر فقال: ما صنعت ابتدعت دينا ودعوت الناس اليه، ما ارى لي من توبة الا ان آتي من دعوته اليه فارده عنه، فجعل يأتي اصحابه الذين اجابوه، فيقول: ان الذي دعوتكم اليه باطل، وانما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت هو الحق، ولكنك شككت في دينك، فرجعت عنه، فلما رأى ذلك عمد الى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه، قــال: لا احلها حتى يتوب الله عز وجـل عليّ، فأوحى الله عز وجل الى نبي من الانبياء: قل لفلان: وعزتي لو دعوتني حتى تنقطع اوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات على مادعوته اليه فيرجع عنه . ([194])
12- وجاء عن الرضا عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ان الله غافر كل ذنب الا من احدث ديناً، ومن اغتصب اجيراً اجره، او رجل باع حراً . ([195])
13- وقال أبو عبد الله عليه السلام : العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم . ([196])
14- وقال عليه السلام أيضاً: من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه، فان دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته . ([197])
15- وروى عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: قال الله عز وجل من اذنب ذنباً فعلم ان لي ان اعذبه وان لي ان اعفو عنه عفوت عنه . ([198])
16- روى عمرو بن عثمان عن بعض اصحابه أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة، قال الراوي: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: نعم انه يذنب فلا يزال خائفاً ماقتاً لنفسه فيرحمه الله فيدخله الجنة . ([199])
17- روي عن كميل بن زياد انه قال لأمير المؤمنين عليه السلام: العبد يصيب الذنب فيستغفر الله، فقال: يا ابن زياد التوبة، قلت: ليس؟ قال: لا، قلت: كيف؟ قال: ان العبد إذا اصاب ذنباً قال: استغفر الله بالتحريك، قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان يريد ان يتبع ذلك بالحقيقة، قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق القلب واضمار ان لا يعود الى الذنب الذي استغفر منه، قلت: فإذا فعلت ذلك فانا من المستغفرين؟ قال: لا لأنك لم تبلغ الى الاصل بعد، قلت: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع الى التوبة عن الذنب الذي استغفرت منه، وهي اول درجة العابدين، وترك الذنب والاستغفار اسم واقع لستة معان . ([200])
18- وروي ان قائلاً قال بحضرة الامام أمير المؤمنين عليه السلام : استغفر الله، فقال الامام : ثكلتك امك اتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: اولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود اليه ابداً، والثالث ان تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عز وجل املس ليس عليك تبعة، والرابع ان تعمد الى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس ان تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم (وينشو) بينهما لحم جديد، والسادس ان تذيق الجسم ألم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر الله. ([201])
19- وقال أبو عبد الله عليه السلام في حديث : ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتـوب الى الله ويستغفره في كل يوم وليلة مأة مرة من غير ذنب، ان الله يخص اولياءَه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب . ([202])
كيف نتوب ونستغفر ربنا ؟
للتوبة آدابها، وكلمـا عمل المستغفر بها كلما كان اقرب الى الاستجابة. وفيما يلي نتلو معاً روايات شريفة حول آداب الاستغفار: مثل وقت الاستغفـار؛ ان يكون في السحر، وان يكون بعد الذنب مباشرة او في ذات اليوم، وعند الفجر وعند مغيب الشمس. وكلما فتن بذنب اتبعه باستغفار حتى ولو تكرر منه ذلك مراراً ولو بعد عشرين سنة. وعندما تنزل به نقمـة استغفر لانها تذكرة له. والمؤمن يستغل فرصته فيستغفر ويعمل فيها صالحاً قبل ان تضيع عليه. ويستحب الاستغفار كل يوم سبعين مرة وخصوصاً عند ظهور علامات الموت. والمؤمن يديم محاسبته لنفسه حتى يستغفر من ذنوبه. والمؤمن شديد الانتباه الى ايامه كيف تتلاشى، فهو يديم العمل والاستغفار، وبالذات عندما يبلغ عمره اربعين سنة، اما عندما يبلغ الخمسين فليحسب نفسه وكأنه في حالة الاحتضار .
والمؤمن يتبع سيئاته حسنات، ويشتد حرصه على عمله لانه لا يفارقه حين يفارقه ماله وولده. والمؤمن حذر من عرض عمله على رسول الله فيحسن الاجتهاد في الخير .
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان لله فضولا من رزقه ينحله من شاء من خلقه ، والله بـاسط يده عند كل فجر لمذنب الليل هل يتوب فيغفر له ، ويبسط يده عند مغيب الشمس لمذنب النهار هل يتوب فيغفر له . ([203])
2- وقال أبو عبد الله عليه السلام: ان الله يحب العبد المفتن التواب ومن لا يكون ذلك منه كان افضل . ([204])
3- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً: ان المؤمن ليذنب الذنب فيذكر بعد عشرين سنة، فيستغفـر منه فيغفر له، وإنما يذكره ليغفر له، وان الكافر ليذنب الذنب فينساه من ساعته . ([205])
4- وقال أيضاً : ان الله إذا اراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً اتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار . ([206])
5- وقال عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوب الى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة، قال الراوي : أكان يقول: استغفر الله وأتوب اليه؟ قال: لا ولكن كان يقول: أتوب الى الله، فقال الراوي: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود، قال: الله المستعان . ([207])
6- روي عن أحد الصادقين عليهما السلام في حديث ان الله عز وجل قال لآدم عليه السلام: جعلت لك ان من عمل من ذريتك سيئة ثم استغفر غفرت له، قال: يا رب زدني، قال: جعلت لهم التوبة او بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه، قال: يا رب حسبي . ([208])
7- وقال أبو جعفر عليه السلام في حديث: ان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا رجلا من اليهود وهو في السياق الى الاقرار بالشهادتين فأقر بهما ومات، فأمر الصحابة ان يغسلوه ويكفنوه ثم صلى عليه، وقال: الحمد لله الذي انجى بي اليوم نسمة من النار . ([209])
8- وقـال علي عليـه السـلام : ان الله عز وجل إذا اراد ان يصيب اهل
الارض بعذاب قال: لولا الذين يتحابون بجلالي، ويعمرون مساجدي، ويستغفرون بالاسحار، لانزلت عذابي . ([210])
9- عن حفص بن غياث قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان قدرت ان لا تعرف فافعل، وما عليك ان تكون مذموماً عند الناس اذا كنت محموداً عند الله، ثم قال: قال ابي علي بن ابيطالب عليه السلام: لا خير في العيش إلاّ لرجلين: رجل يزداد في كل يوم خيراً، ورجل يتدارك منيته بالتوبة . ([211])
10- وقال أبو عبد الله عليه السلام : من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو الى النقصان، ومن كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة . ([212])
11- وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً : ان العبد لفي فسحة من امره ما بينه وبين اربعين سنة، فإذا بلغ اربعين سنة اوحى الله عز وجل الى ملكيه قد عمرت عبدي هذا عمراً فغلّظا وشدّدا وتحفّظا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره . ([213])
12- وجـاء عن الصـادق جعفر بن محمد عليه السلام أنـه قـال : ثلاث
من لم تكن فيه فلا يرجى خيره أبدا: من لم يخش الله في الغيب، ولم يرع في الشيب، ولم يستح من العيب . ([214])
13- وقـال عليه السلام : إذا بلغ العبد ثلاثاً وثلاثين سنة فقد بلغ أشده ، وإذا بلغ اربعين سنة فقد بلغ منتهاه ، فإذا طعن في واحد واربعين فهو في النقصان، وينبغي لصاحب الخمسين ان يكون كمن كان في النزع . ([215])
14- قــال رسول الله صلـى الله عليـه وآلــه : اتـق الله حيثمــا كنت ، وخالق الناس بخلق حسن ، واذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحوهـا . ([216])
15- وقـال أمير المؤمنيـن عليـه السلام : إن ابــن آدم إذا كان في آخر يـوم من ايام الدنيا وأول يـوم من ايام الاخرة ، مثّل له ماله وولده وعملــه ، فيلتفت الى ماله فيقول : والله اني كنت عليك حريصاً شحيحاً ، فمالي عندك ؟ فيقول : خذ مني كفنك ، قال : فيلتفت الى ولده فيقول : والله اني كنت لكم محباً واني كنت عليكم محامياً فماذا عندكم ؟ فيقولـون : نؤديك الى حفرتك نواريك فيها ، قال : فيلتفت الى عمله فيقول : والله اني كنت فيك لزاهداً ، وان كنت لثقيلاً ، فيقول : انا قرينك في قبرك ويـوم نشرك حتى اعرض انا وانت على ربـك . ([217])
17- وقال أبو عبد الله عليه السلام : تعرض الاعمال على رسول الله صلى الله عليه وآله، اعمال العباد كل صباح، أبرارها وفجارها فاحذروها، وهو قول الله عز وجل: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله" وسكت . ([218])
وكلمة اخيرة: اقتبسنا هذه الاحاديث الشريفة من كتاب الجهاد من موسوعة (وسائل الشيعة) للمحدث الكبير الشيخ الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه، حيث انه كان قد رتبها بطريقة فقهية. وقد اتبعنا ترتيبه إلاّ في بعض الحالات. وقد اخترنا من الاحاديث ذات المعاني المشتركة حديثاً واحداً للاختصار، ونحن ندعو ربنا ان يتغمد هذا المحدث الكبير برحمته، ويجزل ثوابه على خدماته للدين الحنيف، وندعو مثل ذلك لسائر العلماء الابرار الذين اجهدوا انفسهم في تمحيص وترتيب الاثار المروية عن النبي واهل بيته عليه وعليهم صلوات الله .
كذلك نرجو ان يشركنا الصالحون في دعائهم ليغفر لنا الرب تعالى تقصيرنا في امورنا انه كان غفاراً. والحمد لله رب العالمين .
جهـاد التحدي
مَنْ نجاهـد ؟
القرآن الكريم :
1/ « وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَاُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » (العنكبوت/8)
2/ « يآ أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » (التوبة/73)
3/ « فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً » (الفرقان/52)
بالجهاد في سبيل الله يتوسل المؤمنون الى الله تعالى ابتغاء رضوانه ، وابتغاء الفلاح ، وتحقيق كل الغايات السامية التي هيأها الله سبحانه لعباده المطيعين .
ولايتوقف المؤمن عــن الجهاد ، وعلى مختلف الاصعدة ، وعبر كل
الآفـاق الممكنـة .. فأينمـا وجد عقبـة في سبيل تطبيق الديـن ، خـاض
صراعـاً مريراً من أجل تذليلها ، باذلاً كل ما في وسعه من الجهد بالتوكل على الله سبحانه .
والعقبات التي قد تعترض المؤمن في حركته الدائبة الى ربه ، هي التي يجملها الكتاب بقوله سبحانه :
« قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ » (التوبة / 24)
فقد تكون بيئة الانسان الاسرية والعشائرية ، او وضعه الاقتصادي أو السياسي ، عقبة في طريق القيام باحكام الدين فيتحداها جميعاً بالتوكل على الله سبحانه .
السنة الشريفة:
1- روى الاصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل أنه قال : " والجهاد على اربع شعب: على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن وشنئان الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الشيطان، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن غضب لله تعالى غضب
الله له ". ([219])
2- قال الامام علي عليه السلام : "زكاة الشجاعة الجهاد في سبيل الله" . ([220])
3- وقال أيضاً : "جاهدوا في سبيل الله بأيديكم، فان لم تقدروا فجاهدوا بألسنتكم، فان لم تقدروا فجاهدوا بقلوبكم". ([221])
4- قال فضيل بن عياض : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجهاد أسنّة أم فريضة ، فقال : الجهاد على أربعة أوجه ، فجهادان فرض ، وجهاد سنّة لا تقام إلاّ مع الفرض ، وجهاد سنّة .
فأما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصى الله عز وجل وهو من أعظم الجهاد، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض، وأما الجهـاد الذي هو سنّة لا يقام إلاّ مع فرض فان مجاهدة العدو فرض على جميـع الأمة ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب وهذا هو من عذاب الأمة، وهو سنّة على الامام وحده أن يأتى العدو مع الأمة فيجاهدهم، وأما الجهاد الذي هو سنّة فكلّ سنّة اقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال ، لأنها إحياء سنّة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سنّ سنّة حسنــة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص
من أجورهم شيء . ([222])
تفصيل القول:
على الانسان ان يقيم احكام الدين بما أوتي من قوة ، وأن يجاهد من يعيقه في هذا السبيل ولو كان والداه او ابناؤه او اخوانه او زوجه او عشيرته او قومه . وفيما يلي تفصيل القول في هذه الشعب من الجهاد:
ألف : الوالدان بين الجهاد والاحسان
يتربى الطفل في احضان الأسرة ، ويجد فيها التربة الخصبة لنمو كفاءاته ، وترسيخ عاداته ، ويتلقى من محيطها لغته وثقافته وتجارب الحضارة . وعندما يبلغ أشده ويؤتيه الله العقل والحكمة ، يتطلع الى آفاق جديدة من الحياة . وربما تبلغه دعوة اصلاحية لم يعهدها في اسرته ، وهناك يبدء الفصل الأول من صراعه من أجل الاصلاح والتغيير ، وتبدء المعادلة الصعبة . فمن جهة يحس بضرورة الوفاء بحق اسرته ، ومن جهة ثانية يشعر بتطلعاته الخاصة . والقرآن الكريم يحل هذه المعادلة ، حين يوصي الابناء بالاحسان الى الوالدين ، والتحلي بأعلى درجات الاخلاق معهما ، وعدم نهرهما حتى بكلمة (أف) . ولكنه ينهى عن عبادتهما، والتسليم المطلق لهما، والشرك بهما واطاعتهما فيما يخالف الدين . ذلك لان العلم هو محور حركة الانسان، وليس الاتباع الأعمى .. وقد ضرب الله لنا مثلاً من النبي ابراهيم عليه السلام، إذ وقف في وجه أبيه قائلاً :
« يَآ أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً » (مريم/43)
وقد تحدى النبي ابراهيم أباه وقومه ، وجاهدهم جهاداً كبيراً ، حين قال لهم :
« وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَِبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءَالِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ » (الانعام / 74)
ونستفيد من هذه البصيرة الاحكام التالية :
أولاً : على كل انسان ان يجدد النظر في ثقافته وافكاره ورؤاه الحياتية فور ما يبلغ مرحلة الرشد . فاذا وجد في تراث آبائه وثقافتهم ما يخالف العقل ، فليبحث عن الحقيقة بنفسه .
ثانياً : على الآباء أن يربوا ابناءهم منذ نعومة اظفارهم على التفكير السليم ، وينمّوا فيهم موهبة العقل والحكمة ، ويثيروا فيهم الرغبة في التطلع والبحث .
ثالثاً : إذا دعاك ابوك الى الخضوع للجبت والطاغوت، والاستسلام التـام للسلطات الظالمـة .. فعليك ان تحسن اليهمـا ايمـا احسان ، ولكن دون ان تطيعهمـا . فانهما لن يغنيا عنك يوم القيامـة من الله شيئـاً .
رابعاً : ان لكل جيل الرغبة في استمرار نهجه ، بان يضفي عليه قداسة شرعية ، وهذا لايجوز ، لانه تشريع وبدعة . فليس الحكم إلاّ حكم الله ، وليس لاي رأي او تقليد او تجربة قداسة او شرعية إلهية ، كما لايجوز للابناء ان يرضخوا لاي حكم غير إلهي باعتباره حكماً شرعيـاً .
خامساً : لكي نفقه الدين ، ونبصر حقائقه ، ونعرف احكامه ، علينا ان نتبع المنهج السليم الذي أمرت به نصوص الدين ذاته . ولا يجب ان نتبع دائماً المنهج الذي اقترحه آباؤنا ، فربما لايكون ذلك المنهج هو المنهج الالهي السليم ، أو لعله كانت لابائنا ظروف خاصة أوحت اليهم بذلك المنهج .
باء : جهاد الأبناء
قد يتطلع الابناء الى حياة الدنيا ، ويتطرفون في تطلعهم الى حد الخروج من حدود الشريعة ، ويسعون جاهدين الى استدراج آبائهم اليها . وهنا يجب على الاباء جهادهم للدفاع عن حدود الدين ، محافظة عليهم وعلى انفسهم . وقد قال سبحانه :
« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لآ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ » (المنافقون / 9)
وقال سبحانه :
« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (التغابن / 14)
ونجد صورة من صراع الآبـاء مع ابنائهم من أجـل العقيـدة في الآيـة
التالية :
« وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ اُفٍّ لَكُمَآ أَتَعِدَانِنِي أَنْ اُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنّ َوَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَآ إِلآَّ أَسَاطِيرُ الاَوَّلِينَ » (الأحقاف / 17)
وفي قصة نوح مع ابنه الـذي حاول انقاذه من الغرق فما استجاب له ، عبرة لكل أب مؤمن . إذ عليه ان يسعى جهده لاصلاحه ، ولكن إذا رآه مصراً ، تركه لمصيره دون ان يهلك نفسه معه .
واليوم حيث تتعرض شعوبنا لموجات متلاحقة من المبادئ الهدامة والثقافات الكافرة ، علينا ان نتسلح بالجهاد ضد انسياب ابنائنا في تيارها . والله المستعان .
جيم : جهاد الاخوان
والانسان يتربى في اسرة تحيط بها حلقات الآباء والأبناء والاخوان. وكثيراً ما يحس بالضغط من قبل اخوانه ، وبالذات الأكبر منه سناً ، حيث يمارسون عليه نوعاً من الولاية ، ويحاولون استلاب استقلاله الفكري ، وقد يدفعونه باتجاه الضلال . وعليه ان يجاهدهم من أجل الاستقامة على دينه . وفي قصة يوسف عليه السلام واخوته آيات لمن اراد الاعتبار ، إذ حسدوه وألقوه في غيابت الجب ، فنصره الله . كما ان النبي موسى عليه السلام غضب على أخيه هارون ، عندما ضل قومه . والامام أمير المؤمنين عليه السلام قرب حديدة حامية من يد أخيه عقيل ، حين طلب منه ما لا يحق له من بيت المال .
دال : جهاد الزوج والزوجة
وقد يتعرض المؤمن او المؤمنة لضغط الزوج او الزوجة في مسيرة الجهاد ، الأمر الذي يؤثر سلباً على عزيمتهما واستمرار جهادهما في سبيل الله .. وهنا يجب مقاومة الضغوط بـل وتحديها ابتغاء رضوان الله ..
وقد جاء في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: "ان من ازواجكم واولادكم عدواً لكم فاحذروهم" وذلك ان الرجل كان اذا أراد الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وآله تعلق به ابنه وامرأته، وقالوا: ننشدك الله ان تذهب عنا وتدعنا فنضيع بعدك. فمنهم من يطيع أهله فيقيم، فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم، ونهاهم عن طاعتهم. ومنهم من يمضي ويذرهم، ويقول: اما والله لئن لم تهاجروا معي لم يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا انفعكم بشيء ابداً. فلما جمع الله بينه وبينهم امره الله ان يحسن اليهم ويصلهم، فقال: "وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم" . ([223])
وفي قصة امرأة النبي نوح والنبي لوط درس لكل مؤمن يتعرض لضغط زوجته التي تحاول ان تبعده عن مسيرة الايمان . وانما بالتصدي والجهاد والاستقامة ، يستطيع ان يتحداها .
وفي قصـة امـرأة فرعون ، عبرة لكـل امـرأة مؤمنــة يسعــى زوجهـا
لتضليلها أو استلاب تقواها . فتصمد بالتوكل على الله ، حتى ولو انتهى أمرها الى الطلاق او الى ماهو اعظم منه .
وبالرغم من أهمية التوافق بين الزوجين ، إلاّ ان ذلك يجب ألاّ يتم عند المؤمن على حساب الدين وحدوده . ومن هنا فإن على الزوجين ان يجعلا تمسكهما بالدين أهم من شؤونهما الأسرية .
هاء : جهاد العشيرة
تمارس عشيرة الانسان نوعاً من الولاية عليه . وقد يدفع الاحساس بالضعف الانسان الى التسليم لهذه الولاية. وتعتبر هذه الولاية مقبولة في حدود تعاليم الدين واحكامه ، اما اذا تجاوزتها فلا . ومن هنا أمر الله النبي صلى الله عليه وآله بأن ينذر عشيرته الاقربين ، فقال سبحانه :
« وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ » (الشعراء/214) ومعلوم ان الانذار نوع من الجهاد . اذ ان من ينذر أحداً يهدده ويجعل علاقته معه مشروطة بقبول دعوته. وقد ضرب الله لنا مثلاً من النبي ابراهيم عليه السلام والمؤمنين معه كيف تبرؤوا من قومهم ، فقال سبحانه :
« قَدْ كَانَتْ لَكُمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَآؤُاْ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغَضآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » (الممتحنة / 4)
ونستوحي من الآية ؛ ان ايمان الانسان لايكتمل ، بل لايتحقق إذا لم يتبرء المرء من الكافر ، حتى ولو كان من ارحامه . وإن جهاد الانسان ضد عشيرته الكافرة يبدء من لحظة خروجه عن ولايتها ، والدخول في ولاية الله سبحانه .
ان علاقة الانسان باسرته وعشيرته ينبغي ألاّ تكون علاقة التبعية المطلقة ، حتى يمكن ان يضغط اولئك عليه متى ما شاؤوا .
واو : جهاد القوم
وجهاد القوم يتمثل في البراءة من الكفار وتجنب مجتمعهم ، والبراءة من المنافقين وتحديهم ، ومواجهة الطاغوت والكفر به والتمرد على سلطانه . وهذا الجهاد هو الأكثر شيوعاً ، والذي تدور حوله النصوص الشرعية . وبتعبير آخر ؛ ان هذا الأفق من الجهاد هو المتبادر من آيات الكتاب الكريم ، وهو الذي مارسه الرسل مع الأمم ، ومارسه اولياء الله مع سائر المجتمعات الجاهلية . وسوف نتحدث باذن الله تعالى عن محاور هذا الجهاد وبواعثه في الفصل التالي .