عَنْعَنَة المحدّث هي قوله في الإسناد مرّة أو مرّات ، ويُوصف الحديث حينئذٍ بأنّه (30) .فالعَنْعَنَة مصدر جَعليّ مولَد مأخوذ من ذِكر لفظ في السند ولو مرّة واحدة من دون حاجة إلى تكرير كما سيأتي .وقد عرفت عدم كون هذا المعنى عربيّا في الأصل ، وإن استعملَ في لعدم ارتباط هذا بتلك .
2 تعريف الحديث
قال الشهيد الثاني المُعَنْعَن وهو ما يُقال في سنده من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع(31) ووافقه والد البهائي(32) والسيّد الداماد(33) والمحقّق القمّي(34) .واقتصارهم على ذِكر مرّة واحدة في التعريف يعطي صدق في ما ورد فيه قول ولو مرّةً واحدة .وهو الصواب لأنّ الأبحاث التي تترتّب على جارية في السند الذي وردت فيه كلمة كذلك .لكن الظاهر من الشيخ البهائي في حيث عرّف المُعَنْعَن بقوله (35) ووافقه غيره(36) هو لزوم التكرار لكلمة أكثر من مرّة .ولا اقتضاء للفظ لذلك خصوصا على ما عرفت من تعريفه ، فهو اصطلاح يتبع مراد المصطلِحين ، وقد عرفت تعريفهم له بمجرّد قول فلا ملزِم لقيد في تعريفه .
3 المُعَنْعَن بين الإرسال والتعليق
ويظهر من التعريف أنّ الحديث المُعَنْعَن إنّما يُطلَق على ما ذُكر سنده ، ولكن استعمل فيه بَدَلَ لفظ التحمّل والأداء مثل و فالحديثُ المًعَنْعَنُ إذَنْ بمعنى أنّه ممّا ذُكِرَ سَنَدُه ، وليس ممّا لا سَنَدَ له .وقد أحسن المحدّث الجزائري حيث قال (37) وقال المسندُ ما اتّصلت روايته بذِكر الراوي حتّى يتّصل بالمرويّ عنه ، ويسمّى المُعَنْعَنُ والمتّصلُ(38) .وقد صَرّح الحاكم أنّه لا يسمّى مرسَلاً(39) وإن نقل عن بعض المصنّفات في أُصول الفقه عَدّهُ من أنواع المرسَل(40) .نعم ، يُطلق عليه المنقطع بناءً على رأيٍ في العَنْعَنَة ، كما سيأتي .وبحكم المسند ، ما حُذف سندُه مصرّحاً بكونه كما فعله الناسخ لكتاب حيث عمد إلى حذف أكثر الأسانيد مكتفياً بقوله (41) فإنّه يدلّ على كون الحديث في الأصل مذكور السند ، إلاّ أنّه كان بالعَنْعَنَة ، ولكنّ الناسخ حذفه ، مصرّحاً بذلك ، فهو أشبه شيءِ بالتعليق عند المصنّفين(42) .ويدلّ على ذلك أنّ أحاديث ذلك الكتاب إنّما هي مسندة ، وقد ثبتَ وجود ثلّة منها مع الأسانيد المتّصلة في مصادرها ، ومن الطرق التي روى بها فرات نفسه .و تأكّدنا من هذه الحقيقة ، عندما عثرنا على شيخ فرات الكوفيّ ، الذي هو من مصادره المباشرة ، فوجدنا جميع ما رواه فرات عنه بلفظ قد ثبت في كتاب الحبريّ مسنَدا متّصلاً(43) .فجميع ما قيل فيه لا بُدّ أن يُعَدّ من المسنَد ، لا المرسَل على المشهور بين أهل الفنّ .نعم ، هو من قبيل في ابتناء حكمه على مراجعة محلّ آخر لمعرفته ، وهذا غير مصطلح الإرسال ، كما لا يخفى .
4 المُعَنْعَن بينَ الاتّصال والانقطاع
قال الشهيد الثاني في المُعَنْعَن والصحيح ، الذي عليه جمهور المحدّثين ، بل كاد يكون إجماعاً ، أنّه متّصلٌ(44) .