الرسول، مع انّ المعقول كان العكس. فصحابة رسول الله أعرف الناس
بحديثه، ثم يقلّ الحديث بموت بعضهم مع عدم الراوي عنه وهكذا، ولكنّا
نرى أنّ أحاديث العهد الاَموي أكثر من أحاديث عهد الخلفاء الراشدين،
وأحاديث العصر العباسي أكثر من أحاديث العهد الاَموي(1).
وأقول: وبعد ذلك أفلا تعجب ممّا نقل عن البخاري انّه يحفظ مائة
ألف حديث صحيح؟!!!
لا من ادعاء الحفظ، فانّه خارج عن محل بحثنا، بل من ادّعاء صحّة
هذا الكمية الهائلة من الروايات، وهل يرضى نفسه ونفس كل منصف مع
نهي الخلفاء عن الرواية أو اكثارها وعن الكتابة ان تصل بعد أكثر من قرنين
مائة ألف حديث إلى البخاري وحده على ما شرطه؟ فلو أقسم أحد ببطلان
هذا الادّعاء لم يكن كاذباً وآثماً ولو سألتني عن الحق، قلت: انّ اقتصار
البخاري في كتابه على نقل 2062 حديث فقط خير دليل على اشتباه هذه
الدعوى، أفلا تعقلون؟!
ما هو أسباب هذا التكثّر المجعول؟
اليك ما يحضرني عاجلاً:
1 ـ عدم اقدام الخلفاء الراشدين على تدوين الاَحاديث المعتبرة في
مجموعة لا يبقى بعدها مجال للوضع والكذب، بل من سوء الحظ منعوا
من كتابتها وأوجدوا أرضية وسيعة للوضّاعين والمكثرين بما شاءوا.
2 ـ الغلو المفرط في شأن كلّ من سمّي بالصحابي ولو كان فاسقاً
فاجراً، وجعلوا الصحبة ستراً قوياً وجداراً منيعاً عن أي نقد وبحث فضلاً
(1) ضحى الاسلام: 128.