المنزل الثاني : الدعاء والسؤال
:
يستنزل
الدعاء والسؤال من رحمة الله ما لا يستنزله الفقر وذلك أنّ الدعاء فقر وطلب ،
وكل منهما عامل مستقل في استنزال رحمة الله ـ تعالى ـ فإنّ الطلب والسؤال
يستنزل رحمة الله ، كما أنّ الفقر يستنزل رحمة الله ، والدعاء : «فقر وطلب»
ولذلك فهو يستنزل من رحمة الله ما لا يستنزله الفقر وحده .
وكلما يكون
صاحب الدعاء أكثر اضطراراً وفقراً يكون دعاؤه أقرب إلى الاستجابة ، فإنّ
الفقر يركّز الطلب ، والطلب يعمق حالة الفقر ويدخله إلى دائرة الوعي
.
ولكل (دعوة)
(اجابة) .
يقول تعالى
: { ... ادعوني استجب لكم ، إنّ الذين
يستكبرونَ عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }4 .
وهذا قانون
عام لا يتخلف ، والقرآن الكريم يقرّر هذه الحقيقة بكل وضوح (ادعوني أستجب
لكم) .
وإن
(المانع) عن استجابة الدعاء إمّا أن يكون من ناحية المسؤول ، أو من ناحية
السائل ، وليس من ثالث ، ولا يمكن أن يكون هناك مانع من ناحية المسؤول فإن
الله ـ تعالى ـ مقتدر كريم ، لا تنقص خزائنه ، ولا ينفد ملكه
.
{ ... وإذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون } 5
.
{
... والأرضُ
جميعاً قبضته
يوم القيامة
والسموات مطوياتٌ بيمينه }6
.
{ إنّ الله على كل شيء قدير } 7 .
{ ولله خزائنُ السموات والأرض } 8
.
ولا
بخل ولا شحّ في ساحته ، ولا حدّ لجوده وكرمه .
{ ... ربنا وسِعتَ كلّ شيء رحمة وعلماً ... } 9
.
{ فإن كذّبوك فقل ربُّكم ذو رحمة واسعة ... } 10
.
{ ... وما كان عطاءُ ربك محظوراً }11
.
{ ما
يفتحِ اللهُ للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يُمسك فلا مرسلَ له من بعده
... } 12
.
فلا
نفاد لملك الله ورحمته وسلطانه حتى يعيق رحمته ، ولا بخل ولا شحّ في ساحته
حتى يمنعه من الجود والعطاء .
فليس في
المسؤول ـ سبحانه وتعالى ـ ما يمنع من الاستجابة لدعاء عباده كلما دعوه
وطلبوا منه شيئاً ، وهو معنى قوله تعالى (ادعوني أستجب لكم) من دون قيد ولا
شرط ، هذا من ناحية المسؤول .
وأمّا من
ناحية السائل فقد تضرّ الاستجابة بحال السائل ، وهو لا يعلم ، والله ـ تعالى
ـ يعلم ، فلا يستجيب لدعائه ، ولكن يعوضه عن ذلك بغيره من قضاء حاجاته الأخرى
وغفران ذنوبه .
وقد يضرّه التعجيل بقضاء حاجته والاستجابة لدعائه ، ويعلم الله ـ تعالى ـ
أن تأجيل الاستجابة أصلح لحاله .