التبديل والتأجيل
:
في
الحالة الأولى يبدل الله ـ تعالى ـ قضاء حاجة عبده بغيرها من حاجاته
.
وفي
الثانية يؤجل الله ـ تعالى ـ الاستجابة لدعاء عبده إلى الوقت الصالح
له .
ففي دعاء
الافتتاح :
«
فصرت أدعوك آمنا ، وأسالك مستأنساً ، لا خائفاً ولا وجلاً ، مدلا عليك فيما
قصدتُ فيه اليك ، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك ، ولعلّ الذي أبطأ عني هو خير
لي لعلمك بعاقبة الأمور » .
وقد
يؤخر الله ـ تعالى ـ اجابة دعاء عبده ، كي يطول قيامه وتضرعه بين يديه ـ
تعالى ـ والله يحب أن يطول وقوف عبده وتضرعه بين يديه ، ففي الحديث القدسي
:
«
يا موسى ! إني لست بغافل عن خلقي ، ولكني أحبّ أن تسمع ملائكتي ضجيج الدعاء
من عبادي »13
.
وعن
الصادق (عليه السلام):
«
إن العبد ليدعو فيقول الله ـ عزّ وجلّ ـ للملكين قد استجبت له ، ولكن احبسوه
بحاجته ، فإني أُحبّ أن أسمع صوته ، وإن العبد ليدعو ، فيقول الله
ـ تبارك وتعالى ـ عجّلوا له حاجته فإني أبغض صوته »14
.
ولكن حتى لو
كانت الإجابة تضرّه فإن الله ـ تعالى ـ لا يلغي الإجابة ، بشكل مطلق ، وإنما
(يبدله) إلى كفارة لذنوبه ، وغفران لها ، أو إلى رزق يرزقه إياه في الدنيا
عاجلا أو درجات رفيعة له في الجنة .
وفي
غير هاتين الحالتين (حالة التبديل وحالة التأجيل) لابد من الإجابة
.
وهذه الحتمية
نابعة من حكم الفطرة القطعي إذا كان السائل محتاجاً وفقيراً ومضطراً إلى
المسؤول ، والمسؤول قادر على إجابة طلبه ، ولا بخل ولا شحّ في خلقه
.
والقرآن
الكريم يؤكد هذه العلاقة الحتمية15 يقول
تعالى :
1 ـ {
أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ... }16
.
فلا
يحتاج المضطر في الإجابة لاضطراره ، وكشف السوء عنه إلاّ إلى الدعاء (إذا
دعاه) ، فإذا دعاه سبحانه ، استجاب لدعائه ، وكشف عنه السوء .
2 ـ { وقال
ربّكم ادعوني أَستجب لكم إنَّ الذين يَستكبرون عن عبادتي سَيدخُلون
جهنمَ داخِرين } 17
.
والآية
الكريمة واضحة وصريحة في الربط بين الدعاء والاستجابة (ادعوني استجب لكم)
.
3 ـ {
... أُجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دَعانِ ... }18
.
والعلاقة
القطعية بين الدعاء والإجابة واضحة وصريحة في هذه الطائفة من آيات كتاب الله
، وهي تدفع كلّ شك وريب من النفس في قطعية الإجابة من الله لكل دعاء ، ما لم
تكن الإجابة مضرة بالداعي أو بالنظام العام الذي يعتبر الداعي جزءاً منه ،
والاستجابة في هذه الآيات غير مشروطة ولا معلّقة بشيء .
وأمّا الشروط
التي سوف نتحدث عنها ; ففي الحقيقة ترجع الى تحقيق الدعاء وتثبيته لمصلحة
الداعي نفسه ، ومن دونها يضعف الدعاء أو ينتفي .
إذن
فإنّ العلاقة بين الدعاء والاستجابة علاقةٌ حتمية لا يمكن أن تتخلف ، وعلاقة
مطلقة لا يمكن أن تتعلق بشرط ، إلاّ أن يكون الشرط مما يؤكد ويثبت حالة
الدعاء نحو قوله تعالى : { ... إذا
دعاه ويكشف السوء ... } .
وفي
أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته ما يؤكد ويعمق هذه
العلاقة بين الدعاء والإجابة .
ففي
الحديث القدسي :
«
يا عيسى ... إني أسمع السامعين ، أستجيب للداعين إذا دعوني »19
.
وعن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « ما من عبد يسلك وادياً فيبسط كفّيه ،
فيذكر الله ويدعو إلاّ ملأ الله ذلك الوادي حسنات فليعظم ذلك الوادي أو ليصغر
»20
.
وعن
أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)في حديث : « لو أن عبداً سدّ فاه ، ولم
يسأل لم يعط شيئاً ، فسل تعط » 21
.
وعن
ميسر بن عبد العزيز عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): « يا ميسر ! إنّه
ليس من باب يقرع إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه » 22
.
وعن
أمير المؤمنين (عليه السلام): « متى تكثر قرع الباب يفتح لك » 23
.
وفي
وصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لعليّ (عليه السلام):
«
يا عليّ ! .. أوصيك بالدعاء فإن معه الإجابة » 24
.
وعن
الصادق (عليه السلام):
«
إذا ألهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير » 25
.
وعن
الصادق (عليه السلام):
«
لا والله ، لا يلح عبد على الله ـ عزّ وجلّ ـ إلا استجاب له » 26
.
والنصوصُ
الإسلاميّة تؤكد هذه الحتمية ، والإطلاق في العلاقة بين الدعاء والإجابة ،
وتبين بشكل واضح وصريح ، أنّ الله ـ تعالى ـ يستحيي أن يرد دعاء عبده
إذا دعاه .
ففي
الحديث القدسي :
«
ما انصفني عبدي يدعوني فاستحيي أن أرده ، ويعصيني ولا يستحيي مني » 27
.
وعن
الصادق (عليه السلام):
«
ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحيى الله ـ عزّ وجلّ ـ
أن يردها » 28
.
وفي
الحديث القدسي :
«
مَن توضأ وصلّى ودعاني فلم أجبه فيما يسأل عن أمر دينه ودنياه فقد جفوته ،
ولستُ برب جاف » 29
.
وعن أمير
المؤمنين (عليه السلام):
«
ما كان الله ليفتح باب الدعاء ، ويغلق عليه باب الإجابة » 30
.
وعن أمير
المؤمنين (عليه السلام)أيضاً :
«
مَن أعطى الدعاء لم يحرم الإجابة » 31
.
وفي
النصّين الأخيرين التفاتة ذات مغزى ونكهة علوية . فإن الله ـ تعالى ـ كريم
ووفي ، فإذا فتح باب الدعاء ، فلا يمكن أن يغلق على العبد باب الإجابة ، وإذا
رزق العبد توفيق الدعاء ، فلا يمكن أن يحرمه الإجابة ..
عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«
ما فتح لأحد باب دعاء إلّا فتح الله له فيه باب اجابة ، فإذا فتح لأحدكم باب
دعاء فليجهد فإنّ الله لا يمل » 32
.
وهذا هو
المنزل الثاني من منازل رحمة الله . اللهمّ سمعنا ، وشهدنا ، وآمنا
.