مهمّة خاصة في المغرب
بعد هذه
المقدّمة المختصرة ، يصف وصوله إلى طنجة في حزيران (يونيو) 1803م ويزعم
أنّ اسمه «علي بك العباسي» وأنّه ينحدر من سلالة هارون الرشيد ، ويقيم
في مدينة حلب . لكن «بدويل» يقول : «إنّ قصّة هويته الكاملة ما
تزال مدفونة في محفوظات مكتب استخبارات ما ، أو أنّها فقدت إلى
الأبد» .
والواقع
أنّ المعلومات عنه قليلة ، ويتردّد أنّه كان جاسوساً ، عمل أوّلا
لحساب الأسبان ، ومن ثم لحساب نابليون . وهو من أصل أسباني ،
ولد في برشلونة عام 1766م . درس اللغة العربية والعلوم (الفيزياء وعلم
النبات والجيولوجيا) في جامعة فالنسيا . وفي 1801م قدّم خدماته كمستكشف
في غرب أفريقيا إلى شخصية بارزة في السلطة الأسبانية ، وفي العام 1802
زار لندن حيث قدّم إلى «جمعية المساعدة لاكتشاف المناطق الداخلية في أفريقيا»
مشروعاً للوصول إلى تبكتو عن طريق الجنوب ، عبر جبال الأطلس . وبعد
سنة فقط ، وصل إلى المغرب بزي عربي كامل ، وثراء واضح ،
وحاشية بارزة .
ويعتقد
المؤرّخون الذين اهتموا بسيرة «علي بك» أنّ نفقات الرحلات كانت باهظة إلى حدّ
لم يكن بإمكان أسبانيا وحدها أن تتحمّلها ، ولذلك فمن المحتمل أنّه عمل
أيضاً كجاسوس لحساب نابليون ، الذي كان يطمح منذ حملته على مصر في العام
1798م ، إلى استغلال العالم الإسلامي لصالح فرنسا . وكان
الامبراطور الفرنسي أمر باجراء أسبار سرّية على شواطئ شمال أفريقيا ،
وجهّز الخطط المختلفة ، من أجل استعمار الأراضي الزراعية الغنية في
المنطقة ذاتها .
ويقول «علي
بيك» : إنّه ، خلال إقامته في المغرب ، أصبح صديقاً للسلطان
مولاي سليمان ، وأهداه عشرين بندقية ، وبرميل بارود ، ومظلّة
جميلة . وفي المقابل ، قدّم له السلطان رغيف خبز من فرنه
الخاص ، كدليل على الاُخوّة ، والأهم من ذلك ، حسب كلام
الرحالة : «أهداني السلطان أراضي واسعة ، سمحت
لي بأن
أحافظ على المصاريف التي كان يتطلّبها مركزي ، فضلاً عن أموالي
الخاصّة» .
قضى «علي
بك» سنتين في المغرب ، واستطاع أن يعطي تفاصيل دقيقة عن البلد ومناطقه
وسكّانه . غير أن العلماء المختصّين بشؤون المغرب حديثاً لم يجدوا أيّة
إشارة إليه في المراجع المعاصرة له . ممّا يؤكّد أنّ هذا اليهودي كان
ضالعاً في مهمّة سرّية ، وليس في مهمّة علميّة; لذا فإنّ المعلومات التي
سجّلها والانطباعات التي رصدها قد أخذت طريقها الى كواليس أجهزة الرصد
الاستعمارية .
وما يعزّز
هذا التحليل ، هو أنّ «بدويل» يقول في المقدّمة : «لم تكن هناك
أيّة فائدة بالنسبة إلى أسبانيا في متابعة تمويل رحلات "علي بك" بعد
المغرب ، إلاّ أنّ انتقاله تزامن مع اندلاع الحرب الفرنسية ـ
الروسية ، وبروز سياسة جديدة عند نابليون تهدف إلى اكتساب أصدقاء في
تركيا وايران ومصر . . وحتى في مسقط» .
أمضى «علي
بك» أشهراً قليلة في طرابلس ، انتقل بعدها إلى قبرص ، ثمّ توجه إلى
مصر ، حيث التقى محمد علي باشا . وفي كانون الأوّل (ديسمبر) 1806م
بدأ رحلته إلى مكّة المكرّمة التي وصل إليها بعد شهر ، في 23 كانون
الثاني (يناير) 1807م . فاستقبله أمير المدينة بحفاوة وعيّن موظفاً
كبيراً لمرافقته11 .