وصف مناسك الحجّ
ويأتي بعد ذلك على إيراد
تفاصيل اُخرى عن مناسك الحج; ليطلع عليها قرّاؤه في أوروپا ، فذكر كيف
صعد إلى قمّة جبل عرفات ، وهو المكان الذي يُقال : إنّ آدم قد قابل
به حواء بعد انفصال طويل . ثم يذكر أنّه كان هنالك على قمّة جبل عرفات
مكان مقدّس ، عمل الوهابيون على هدمه . ثمّ يذكر لقرّائه عن رمي
الجمرات أي الحجارة في منى . وقال : إنّ هذه الحجارة ترمز إلى بيت
الشيطان ، وهو بناء غريب الشكل يرمي عليه جموع لا تُحصى ولا تُعد من
الحجّاج الحصى والحجارة ، وهو يقول : ولمّا كان الشيطان ماكراً وحقوداً
بحيث بنى بيته في مكان ضيّق لا يزيد في اتساعه عن أربع وثلاثين قدماً ،
وأنّه فضلا عن ذلك مملوء بالحجارة الضخمة ، التي يجب على الإنسان
تسلّقها ، إذا كان عليه أن يصيب الهدف . فالحجّاج مدعوون لإتمام
هذا المنسك أو هذه العملية رأساً بعد وصولهم إلى (منى) ، وهكذا تسود
الفوضى النادرة المثال ، ولكنّي أخيراً وبعد أن ساعدني خدمي وأصدقائي
تدبّرت أمر إتمام هذا الواجب المقدّس ، ولكن أصبت بجرحين في رجلي
اليسرى .
كانت ملاحظاته عمّا رأى
دقيقة ، ولكنّها جافّة ، ولم تكن تخلو من إشارات خفيّة وتلميحات
تهكمية فيها . فهو يلاحظ مثلاً أنّ الأرض خارج الكعبة كانت على مستوى
أرض الكعبة الداخلي ، ولكن لا يمكن الوصول إليها الآن إلاّ باستعمال بعض
الدرجات ، وهو يقول : «الحقيقة أنّ الإنسان يجب أن يفترض أنّ الحجر
الأسود كان موضوعاً في مكان آخر غير المكان الذي هو فيه الآن ، وذلك
لأنّه منخفض بمقدار قدمين عن مستوى البوابة . فالكفّار ربّما دار بخلدهم
أنّ الحجر الأسود لم يكن موجوداً أو أنّه كان تحت
الأرض . .» .
ثم يقول : «أمّا أنا
فلا أعتقد بمثل هذه الأفكار حول ذلك العهد الإلهي الثمين المقدّس»19 ثم يعطي مقاييس الحجر الأسود
فيقول : «يعتقد ان الملاك جبريل قد جلب الحجر الأسود من الجنّة ،
وكان شفافاً وقد قدّمه لإبراهيم الخليل ، ولمّا لمسته امرأة نجسة تحوّل
إلى اللون الأسود» ثم يعود . . فيقول : «في الحقيقة أنّ هذا
الحجر هو من البازلت البركاني ، وهو محاط ببعض البلورات الصغيرة المدببة
اللامعة ، ويحتوي بعض سلكات الألمنيوم على أرضية سوداء ، وهو أسود
غامق يشبه المخمل الأسود والفحم باستثناء نتوء واحد يميل إلى الاحمرار»20 .
ولسنا بحاجة إلى التأكيد
على أنّ علي بك أو (دومنيكو باديا) لم يُظهر لنا تفاعله الروحي مع مناسك
الحج ، وأنّى له ذلك وهو اليهودي المكلّف بمهمّة
خاصّة؟!
لهذا اقتصر عمله على وصف المناسك وكل ما تقع عليه عيناه وصفاً
دقيقاً . . ليس إلاّ21 . ولعل هذا الأمر كان في مقدّمة مهمّته
السرّية التي نُدب إليها!