مدرسة المدينة بعد غياب الامام علي (عليه السلام) - نشاة الحیاة العلمیة فی الحجاز نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نشاة الحیاة العلمیة فی الحجاز - نسخه متنی

عبدالجبار الرفاعی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


مدرسة المدينة بعد غياب الامام علي (عليه السلام)


:


لم تقفل مدرسة المدينة
أبوابها بعد هجرة أمير المؤمنين إلى الكوفة عام 35 للهجرة، ثم استشهاده في
مسجد الكوفة بعد خمس سنوات من هذا التاريخ، وإنما تعاقبت عليها عدة أجيال من
تلامذة الإمام علي وتلامذتهم. إذ امتدت الحركة العلمية في المدينة بأبناء علي
من الأئمة(عليه السلام)، وبتلامذته الآخرين، الذين برز منهم عبدالله بن عباس،
الذي باشر تعليم التفسير والحديث والفقه والأدب، وكان مجلسه يكتظ بالدارسين
من مختلف الطبقات، قال عطاء: (ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس، أكثر
علماً وأعظم جَفْنة، وأن أصحاب القرآن عنده يسألونه، وأصحاب النحو عنده
يسألونه، وأصحاب الشعر عنده يسألونه، وأصحاب الفقه عنده يسألونه، كلهم يصدرهم
في واد واسع)23.


إلاّ أن ابن عباس عنى
بتعليم التفسير وعلوم القرآن عناية فائقة فعرف به، ومُلِئت المصنفات المبكرة
للتفسير بمروياته وآرائه الخاصة. وعمل الوضاعون فيما بعد على وضع أشياء كثيرة
ونسبتها اليه تزلفاً لأبنائه من الخلفاء في العصر العباسي>24. وعلى هذا لا يمكن القول: أن تراث ابن
عباس التفسيري يعبر عن روح مدرسة الإمام علي (عليه السلام) بصورة نقية أمينة،
وإن كان ابن عباس نفسه أميناً فيما حكاه عن أستاذه، لكن التشويه والدس الذي
ابتُليَت به آثاره في العصر العباسي نأى بها عن المنبع الذي استقت منه، على
أن ابن عباس لم ينفرد في مدرسة المدينة، وإنما سطع فيها نجم الحسن والحسين
(عليهم السلام)، اللذين ورثا ودائع النبوة والعلوم التي نهلها أمير المؤمنين
(عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أورث الحسين ذلك
لولده علي السجاد وصار السلف منهم يوصلها لخلفه، (عن عمر بن يزيد قال أبو
جعفر (عليه السلام): إن علياً عالِم هذه الأمة، والعلم يتوارث، ولا يهلك أحد
منّا إلاّ ترك من أهله مَنْ يعلم مثل علمه أو ماشاء الله)>25. وتؤكد المصادر التاريخية أن عبدالله
بن عباس كان على بينة من هذا الأمر، ولذلك كان يبالغ في احترام الحسن
والحسين، يقول مدرك بن عمارة: (رأيت ابن عباس آخذاً بركاب الحسن والحسين،
فقيل له: أتأخذ بركابيهما وأنت أسنّ منهما؟ فقال: إن هذين ابنا رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو ليس من سعادتي أن آخذ
بركابيهما)>26.


لقد واصل الحسنان
رعاية مدرسة أبيهم في المدينة، والتف حولهما نخبة من تلامذة أمير المؤمنين
وغيرهم ينهلون من حلقات دروسهم في المسجد النبوي الشريف، وذاع نبأ هذه
الحلقات فرحل اليها طلاب العلم من خارج المدينة، فكان الحسن (يجلس في مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويجتمع الناس حوله، فيتكلم بمايشفي
غليل السائلين، ويقطع حجج القائلين)27. ونالت حلقة
الإمام الحسن في المسجد النبوي اهتمام القادمين إلى المدينة، وتميزت على
ماسواها من الحلقات الأخرى في المسجد، يروي الواحدي (في تفسيره الوسيط
مايرفعه بسنده أن رجلا قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا أنا برجل يحدِّث عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)والناس حوله، فقلت له: أخبرني عن {شاهد
ومشهود}28، فقال: نعم،
أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته إلى آخر يُحدِّث،
فقلتُ له: أخبرني عن «شاهد ومشهود»، فقال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما
المشهود فيوم النحر، فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار، وهو يُحدِّث عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: أخبرني عن «شاهد ومشهود»، فقال: نعم،
أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما المشهود فيوم القيامة، أما
سمعته يقول: {يا أيها النبيّ إنا أرسلناك
شاهداً}29، وقال
تعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود}>30. فسألت عن الأول؟ فقالوا: ابن
عباس، وسألت عن الثاني؟ فقالوا: ابن عمر، وسألت عن الثالث؟ فقالوا: الحسن ابن
علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، وكان قول الحسن أحسن)>31.


أما حلقة الإمام
الحسين في المسجد النبوي فقد اشتهرت وتفوقت على نظائرها من حلقات الدرس في
المسجد، حتى اضطر معاوية للاعتراف بذلك عندما قال (لرجل من قريش: إذا دخلت
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرأيت حلقة فيها قوم كأن على
رؤوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبدالله، مؤتزراً على أنصاف ساقيه، ليس فيها من
الهُزِّيلي>32 شيء)>33.


وتمتع الإمام الحسين
(عليه السلام) بمرجعية علمية في المدينة مثلما تسنم أمير المؤمنين (عليه
السلام) قبل ذلك هذه المرجعية، فكان يدحض الشبهات العقائدية حين يعجز غيره عن
تفنيدها، يقول (عكرمة عن ابن عباس: بينما هو يُحدِّث الناس، إذ قام اليه نافع
ابن الأزرق، فقال له: يا ابن عباس تُفتي الناس في النملة والقملة، صف لي إلهك
الذي تعبد؟ فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله. وكان الحسين بن علي جالساً ناحية،
فقال: إليِّ يا ابن الأزرق. قال: لستُ إيّاك أسأل!. قال ابن عباس: يا ابن
الأزرق إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم. فأقبل نافع نحو الحسين، فقال
له الحسين: يا نافع إن من وضع دينه على القياس، لم يزل الدهر في الالتباس
سائلا ناكباً عن المنهاج، ظاعناً بالاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير
الجميل. يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرّفه بما عرّف به نفسه:
لا يُدَرك بالحواس، ولا يُقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير منتقص،
يوحّد ولا يُبعّض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلاّ هو الكبير
المتعال. فبكى ابن الأزرق، وقال: يا حُسين ما أحسن كلامك! قال له الحسين:
بلغني أنك تشهد على أبي، وعلى أخي بالكفر، وعليَّ. قال ابن الأزرق: أما والله
يا حسين لئن كان ذلك، لقد كنتم منار الإسلام، ونجوم الأحكام. فقال له الحسين:
إني أسالك عن مسألة. قال: سل. فسأله عن هذه الآية {وأما الجدار فكان
الغلامين يتيمين في المدينة}34؟ يا
ابن الأزرق: من حُفِظ في الغلامين؟ قال ابن الأزرق: أبوهما. قال الحسين:
فأبوهما خير أم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال ابن الأزرق: قد
أنبأ الله تعالى أنكم قوم خصمون)35.


وبعد الإمام الحسين
(عليه السلام) انبرى ولده الإمام السجاد (عليه السلام) لتبني مدرسة المدينة
ورعايتها، وحظي السجاد (عليه السلام) بمقام المرجعية العلمية في هذه المدرسة
مثلما حظي أبوه وجده عليهما السلام قبل ذلك، وهذا ماتدلل عليه مجموعة شهادات
صدرت من علماء معروفين من معاصريه، (فكان الزهري يقول: علي بن الحسين أعظم
الناس عليّ منّة)36 ويضيف
قائلا: (ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحُسين! وما رأيت أحداً كان أفقهَ
منه، ولكنه كان قليل الحديث... لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن
الحسين)>37. و (قال رجل لسعيد بن المُسَيّب: ما
رأيت أحداً أورع من فلان! قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت
أورع منه!)>38.


وقال ابن خلكان في
معرض الحديث عنه: (وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أن تُحصَر)>39. وكان الإمام السجاد منصرفاً إلى بثّ
علوم النبوة، متخداً من المسجد النبوي مدرسة له، ففي كلّ جمعة يستثمر توافد
المسلمين على المسجد فينبري للإرشاد والوعظ، يقول سعيد بن المسيب: (كان علي
بن الحسين (عليهما السلام) يعظ الناس، ويزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في أعمال
الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة، في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وحُفِظ عنه وكُتِبَ، يقول: أيها الناس اتقو الله...)>40.


وحين يتحدث الإمام
السجاد واعظاً يتفاعل معه الناس وتهيج عواطفهم، وتسود المجلس موجة من البكاء،
(قال أبو حمزة: كان الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)إذا تكلم في الزهد
ووعظ، أبكى مَنْ بحضرته)41 ويبدو أن
الإمام السجاد كان يمضي قسطاً وافراً من وقته يُعلِّم في المسجد النبوي، قال
يزيد بن حازم: (رأيتُ علي بن حسين وسليمان بن يسار، يجلسان بين القبر
والمنبر، يتحدثان إلى ارتفاع الضُحى ويتذاكران)>42 و (عن ثوير بن فاخته، قال: سمعت علي بن
الحسين (عليهما السلام)يُحدِّث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
قال: حدثني أبي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب (عليه السلام) يُحدِّث الناس،
قال:...)>43، ولم يقتصر نشاطه العلمي على فترات
وجوده في المسجد، وإنما كان أهل العلم يقصدونه حيث مضى ولا ينفكّون عن طلب
الإفادة منه والارتشاف من معين علومه حتى في سفره، يقول سعيد ابن المسيب (إن
القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف
راكب..)>44. إن خروج موكب يضم ألف رجل من القراء
مع علي بن الحسين، يبرهن بدون شك على حاجة أهل القرآن اليه، وأنه هو المرجع
الأول في التفسير وعلوم القرآن يومئذ، ويمكن أن نستنتج من هذا الرقم الكبير
«ألف راكب» وجود أجماع بين المسلمين على منزلته العلمية، ولا سيما إذا لاحظنا
أن هذا الموكب لا يفارقه في رواحه ومجيئه، يقول سعيد بن المسيب: (كان القوم
لا يخرجون من مكة حتى يخرج علي بن الحسين سيد الساجدين..)>45.


إن التفاف الناس وطلاب
العلم خاصة حول الإمام السجاد (عليه السلام)، ومرافقتهم له بنحو دائم في سفره
وحضره، يعبر عن ظاهرة ملفتة للنظر، خصوصاً أن السجاد (عليه السلام) كان يخضع
لرقابة السلطة الأموية باستمرار، لكن ذلك لم يُثنِ أهل العلم من الارتباط
بمجالسه والحرص على مرافقته أينما رحل. وقد كان الوضع الأمني الذي عاشه
الامام السجاد (عليه السلام)في المدينة عقيب واقعة كربلاء مباشرة لا يسمح له
بممارسة مهامه العلمية بحرية، إلاّ أنه لم يتخلَّ عن تلك المهام، فتكثف عمله
على اعداد وتربية نخبة من الرجال الذين وعوا علومه ونشروها بين الناس، (قال
الفضل بن شاذان: ولم يكن في زمن علي بن الحسين (عليه السلام) في أول أمره
إلاّ خمسة أنفس: سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، محمد بن جبير بن مطعم، يحيى
بن أم الطويل، أبو خالد الكابلي واسمه وردان ولقبه كنكر، سعيد بن المسيّب
ربّاه أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان حزن جدّ سعيد أوصى إلى أمير المؤمنين
(عليه السلام))46. وكان
لتلامذة الامام السجاد دورٌ هام في نشر العلوم الاسلامية، فمثلا عُرِفَ سعيد
بن جبير كأحد أبرز رجال التفسير والفقه في عصره، حتى (كان ابن عباس، إذا أتاه
أهل الكوفة يستفتونه يقول: أَليس فيكم ابن أُم الدهماء؟ يعني سعيد بن
جبير)>47. واعترف ابن عمر عندما سأله رجال بأن
سعيد أفقه منه، (عن أسلم المنقري عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر
فسأله عن فريضة، فقال: إئت سعيد بن جُبير فإنه أعلم بالحساب مني، وهو يُفرِض
منها ما أفرض)48. وروى (عمرو
بن ميمون عن أبيه، قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلاّ
وهـو محتاج إلـى علمه)49.


أما سعيد بن المسيب
فكان من أبرز علماء عصره مثلما وصفه الإمام السجاد (عن أبي جعفر، قال: سمعت
علي بن الحسين يقول: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدمه من الآثار، وأفهمهم
في زمانه)>50.


ومضافاً إلى ما أنجبته
مدرسة الإمام السجاد (عليه السلام) من حملة العلوم الإسلامية، خلفت لنا هذه
المدرسة أيضاً نصّين هامين، أحدهما عبارة عن مجموعة من الأدعية التي طفحت
بالتعاليم والمفاهيم الربانية، اشتهرت باسم «الصحيفة السجادية»، والآخر هو
وثيقة حقوقية نصّت على طائفة من الحقوق الأساسية لله تعالى، وللنفس، وللأئمة،
وللرعية، وللرحم، وللناس... وغير ذلك وعرفت باسم «رسالة الحقوق».


/ 9