الحج ووحدة الزمان والمكان - تأملات جمالیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تأملات جمالیة - نسخه متنی

عرفان الفهدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الحج ووحدة الزمان والمكان


:

الشرط الزماني والمكاني في منظومة
أداء مناسك الحج لا بدَّ من أن يقترنا تدريجياً وعلى دفعات، حتى يصارا إلى
وحدة في قالب أو بُعد معين ثابت، والبعد هذا يسمى «الميقات». كثير من
العبادات تكون مطبوعة غالباً بأحد بعدي الزمان أو المكان كفريضة الصوم في
الشهر المحدّد، أو صلاة الجماعة في المسجد في زمن حضور الإمام المعصوم (عليه
السلام) أو غيرها من العبادات ... حين نرى أن عنصري الزمان والمكان أحد
الألوان البارزة في وصف العبادة ... إن لم يكن أحدهما شرطاً في صحة
العبادة.

غير أننا لا نجد لهذا (الزمان
والمكان) إلاّ شيئين من مجموعة أشياء يدخلان في تصميم شكل الصيام أو الصلاة
مثلا، ويمكن عدم الالتزام بهما، ويصح التعويض عنهما وعن زمنهما بالصلاة قضاء
أو الكفارة، بل نرى مثلا أن صلاة المرأة في بيتها معادلا موضوعياً لصلاتها في
المسجد.

في أداء مناسك الحج نرى للأشياء
وضوحاً كبيراً ومشاركة متكافئة محتشدة لعناصر الزمان والمكان معاً، فهما ليسا
عنصرين تكوينيين يراد منهما ضبط الواجب والوجوب فحسب، وإنما هناك دلالات
جمالية مؤثرة تترك لمساتها على ذاكرة المسلم وحياته ومراجعاته مع ذاته والآخر
والأشياء ...

إنهما في «الميقات» يتجليان بقوة
وينسكبان في مثال الكائنات الحيّة القابلة للأنسنة ويستعرضان كلّ قابليتهما
ويتحدان مع محورية الإنسان الحاج بحيث لا يمكن أن نسجل تقدماً للزمان أثناء
الأداء على المكان في تسمية ووصف الميقات، وكذلك لا يصحُّ العكس لحظة الأداء،
ومع لحاظ كيفية ووجوب الإحرام والتلبية فإن المشهد العام يتقدم أكثر في
استدعاء حالة التجرّد .. إنه تجرّد من أجل وحدة الأشياء والطبيعة مع الحاج
ومن ثم الإنسان الآخر وليس ضدهما.

فهوـ أي التجرّد ـ يستبطن قوة الزمن الحي والمكان الحي وأن هناك
حيوية وعضوية كامنة شبه معطلّة تبحث عن محفز أقوى يدعوهما إلى التمظهر عن
طريق
المشاركة الواعية المخططة. إن حدوث مشاركة كهذه توفرللحاج مساحات
أكبر للانتماء في المطلق، فيما تعرب الكائنات عن طاقة وأشكال أمثل وأثرى
للتسخير الألهي والطبيعي، وعبر التعاطي المتبادل والمتواصل يستبصر الإنسان
الانحياز الكلي نحو وجه الله، والتغلغل نحو معرفة الطاعة والطواعية; لتتكامل
من ثم صورة التكامل الإنساني، وتتكافل معالم التشريع مع أسس
التكوين.

فعند عبور صراط الميقات يكون قد حررّ
الحاج في تأملاته اللقاء بين الزمان والمكان، وتتصل هذ الصورة والحرية بينهما
عند الوقوف على عرفات مثلا، فالوقوف هناك يشير في الحس الجماعي إشارات إحياء
الذاكرة الجمعية، وكسب المسيرة البشرية التاريخية التي شرعت من آدم وحواء
(عليهما السلام) في وحدة لحظة واحدة فقط، لحظة ويجب أن لا تكون مجردة عن
الشكل، فاقترح التشريع الإسلامي الوقوف الطبيعي الجماعي حول شكل مادي
حجري.

الوقوف هذا وحركته الطبيعية إيماءة
مثيرة يؤسسها التشريع في أداء المناسك عامة نحو فكرة الإبداع والجمال في
عبادة الحج، حتى لا تتسرب الذاكرة وتندفع في دفقة حين تكون جماعية تياريّة
نحو الخيال المحض، والقفز نحو المجهول والمجهولية، والتي تتوتر بعيداً في
الخيالي، وتتجه إلى حيث الأسطورية والخرافة، وإذن فإن في الوقوف بعرفات ذاكرة
مسدّدة تخترق الزمن بإشارة وبسماح وبتمويل مكاني حيث يكون الوقوف في التاسع
من ذي الحجة (إن جبرئيل كان يطوّف إبراهيم في المشاعر ويعلمه المواضع وهو
يقول عرفت)17 أو
(إن فيه تعارف آدم
وحواء)18 أو (إن
الناس يعترفون بذنوبهم في المكان) 19.

ما كان للذاكرة أن تتحرر لولا المرور
التأملي بالميقات الذي يصمم على المكان وفي الزمان وحدة بين الزمان
والمكان.

وكذلك عندما يمرّ الحاج على أطراف مكة
فيواجه (المشعر الحرام، عرفات، مِنى) ويرى تلالا من الحجر الصغير، وكيف أن
الحجر المكسر الصغير لا ينتابه نضوب أو تكلس (وقد يبلغ من يرمي في كل
سنة ستمائة ألف إنسان ـ كل واحد منهم يرمي سبعين حصاة ـ ثم لا يرى هناك إلاّ
مالو اجتمع في سنة واحدة لكان غير كثير)20.

إن هذه الايحاءات تتماوج حول الإنسان
الحاج، والإسلام حين يدعو إلى المثالية والتجرد وسط حضور هذه الأشكال
إيماءاتها لا يدعو إلى الإقصاء الكلي لعالم المادة، وإنما لإشباع وتربية
العاطفة وتأكيداً منه على نبالة وقداسة الأشياء والطبيعة، ولتتصاعد عوالم
الاشياء والماديات إلى مثالها الأعلى، واذاك تنفتح لوحة الكون بكلّ أسرارها
أمام الحاج وتبوح بمكنونها فتحدث عملية تفكيك، وإعادة نظم للموجودات في حياة
الحاج الفردية والاجتماعية والتوافق معها على أسلوبية اجتماعية راقية مؤيدة
بطاقة وحنان طبيعيّين.

فلتجربة الإنسان مع الماديات وعوالمها
قطبان، الأول: مع جواهرها والثاني: مع أشكالها وواقعها ومتى ما تكاملت رؤيته
لكل الأبعاد فإنه يقرر في مسيرته الحياتية المحتوى والمثال من جهة، والموضوع
والصيغة من جهة أخرى، والإلمام بهذين القطبين في طول الحياة يحدث توازناً
اجتماعياً بين قوانين العقيدة والفكر وبين قوانين الواقع والمتغيرات، ومن هنا
فلا يكون المسلم الواقعي متعسفاً في تنظيم قضايا المجتمع والمستقبل والمرحلة،
ولعلنا من هنا نضع لمسة أخرى في تفسير مفاهيم ومصاديق العصمة والمعجزة
والظهور. إذ ليس التكامل هذا بين الإنسان والآخر فحسب بل بينهما والمجتمع
وبين الطبيعة والكون.

التنويع الذي يطرحه التشريع بخصوص
مثالية التكامل مع الآخر والطبيعة والكون في فريضة الحج، يتسع ليشمل تلوين
إطار حياة مجتمع وطبيعة أرض وأعماق تاريخ ومساحة فضاء ويفترضه أولا في دائرة
إنسان واحد (الحاج) بل في فئة معينة من عمره.

التشريعات وكيفيات الأحكام في مناسك
الحج أكثر مما هي في أي عبادة، فقد ترى أن عناوين النجاسة والطهارة والسهو
والنسيان والغصب، وشرائط العقل والبلوغ والحرية في بعض الفرائض تتجه كلّها
نحو تحصين العبادة من غير الجائز أصلا، أما في عبادة الحج فإن هذه العناوين
وأخرى مشابهة ترقى ليس إلى تحصين الحاج والحج من غير الجائز والحرام أصلا
فحسب، وإنما يُفرض نظام حديدي شامل على المحرمات والمباحات والمكروهات، وإلاّ
فإن قتل برغوث في الصلاة لا يوجب إعادتها أو كفارة ما، وحتى مع الكراهية فإن
الصلاة تقع صحيحة تامة. أما في الحج فإن قتل الحيوان يفرض نمطاً معيناً من
الإجراء، ولعل في أداء الحج تكون فرص المباح أقل مما هي عليه في العبادات
الأخرى {والشهرَ الحرامَ والهدي
والقلائدَ}21
إذ يجب عدم التعرض للحيوان إذا قُلد بقلادة ويصبح في أمان حتى وهو يأكل من علف غير
صاحبه من هنا فإن وحدة الزمان والمكان تحدث سيلا وتلاحماً بين المخلوقات التي
يتدخل الزمان والمكان في حياتها وعمرها .. والميقات يشير إلى ذلك لتكون تجربة
الحج تجربة روحية مع الطبيعة.. مع الكون.. مع الذات والآخر .. مع
الأشياء كما هو واقعها .. مع الأشكال المادية كما هو انتماؤها الطبيعي
الكوني; لتنطلق جميعاً متهاديةً إلى محور خالقها.

/ 9