آراء فقهاء المذاهب في إدخال الحِجر في الطواف وحكم الإخلال في ذلك إن إدخال الحِجر في الطواف بمعنى أن يطوف الحاج حول الحِجر من دون أن يدخل فيه هذا أمر متسالم عليه عند المسلمين والنصوص والأدلة فيه مستفيضة، ولهذا فإننا نستعرض آراء المذاهب1 ـ المذهب الشافعي: قالوا: للطواف بذاته ثمانية شروط ... الرابع منها جعل البيت عن يساره وقت الطواف مارّاً تلقاء وجهه; ولابدّ أن يكون الطائف خارجاً بكل بدنه عن جدار البيت وشاذروانه، وعن الحجر ـ بكسر الحاء ـ فلو مشى على الشاذروان أو مسّ الجدار في مروره، أو دخل في إحدى فتحتي الحجر ـ بالكسر ـ وخرج من الأخرى لم يصح طوافه الذي حصل فيه .. وأما الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته فقد قالوواجبات الطواف عند الشافعية بما يشمل الشروط والأركان ثمان هي ما يأتي: ... 4 ـ أن يجعل الطائف البيت عن يساره، مارّاً تلقاء وجهه إلى جهة الباب، اتباعاً للسنة كما رواه مسلم، مع خبر: «خذوا عني مناسككم». فإن خالف ذلك لم يصح طوافه لمعارضته الشرع، ولو طاف مستلقياً على ظهره، أو على وجهه، مع مراعاة كون البيت عن يساره، صح. وراح الزحيلي في نفس الصفحة يقولويشترط أن يكون الطواف خارج البيت وحِجر إسماعيل والشاذروان، فلو مشى على الشاذروان أو مسّ الجدار الكائن في موازاته، أو أدخل جزءاً منه في هواء الشاذروان أو دخل من إحدى فتحتي الحِجر [وهو ما بين الركنين الشاميين من جهة الشمال، المحوط بجدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة، والآن أغلقت الفتحة الغربية، وهو قدر ستة أذرع] وخرج من الفتحة الأخرى، أو خلف منه قدر الذي من البيت وهو ستة أذرع، واقتحم الجدار، وخرج من الجانب الآخر، لم يصح طوافه، أما كون الطواف في غير الحجر، فلقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} وإنما يكون طائفاً به إذا كان خارجاً عنه، وإلاّ فهو طائف فيه. وأما الحِجر: فلأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما طاف خارجه، وقال:«خذوا عني مناسككم» ولخبر مسلم عن عائشة: «سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الحِجر،أمن البيت هو؟ قال: نعم، قلت: فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة ...» وظاهر الخبر أن الحِجر جميعه من البيت. لكن الصحيح أنه ليس كذلك، بل الذي هو من البيت قدر ستة أذرع تتصل بالبيت، ومع ذلك يجب الطواف خارجه; لأن الحجّ باب اتباع. 2 ـ المذهب المالكي: قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط: ... الخامس: أن يكون بجميع بدنه خارجاً عن الحِجر بتمامه ... 3 ـ المذهب الحنبلي: قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط: ... ومنها جعل البيت عن يساره ولابدّ أن يكون خارجاً عن جميع الحِجر ... وألا يدخل في شيء من البيت كالحِجر والشاذروان. 4 ـ المذهب الحنفي: قالوا في واجبات الطواف:.. ومنها أن يطوف وراء الحطيم ـ الحِجر ـ لأن بعضه من البيت أو لأن الحطيم من البيت على لسان رسول الله. وقالت الشافعية في سنن الطواف ... الثامنة: أن يصلي بعده ركعتين .. والأفضل صلاتهما خلف المقام، ثم بالحِجر ... وقالت الحنفية .. ومنها أن يصلي ركعتين، ويستحب أداؤهما خلف المقام، ثم في الكعبة، ثم في الحجر تحت الميزاب>45. أما القاضي الأندلسي في بداية المجتهد .. فقالوأما شروطه فإن منها حدّ موضعه، وجمهور العلماء على أن الحِجر من البيت، وأن من طاف البيت لزمه إدخال الحِجر فيه، وأنه شرط في صحة طواف الإفاضة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو سنة. وحجة الجمهور ما رواه مالك عن عائشة: أن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لولا حِدثانُ قومك بالكفر لهدمتُ الكعبة ولصيّرتُها على قوعد إبراهيم، فإنهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر، ضاقت بهم النفقة والخشب، وهو قول ابن عباس. وكان يحتجّ بقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق}. ثم يقول طاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من رواء الحِجر، وحجة أبي حنيفة ظاهر الآية>46. وقال العلاّمة السيد البكري الدمياطي صاحب كتاب إعانة الطالبين: ... وقوله (وحجره) بكسر الحاء ما بين الركنين الشاميين عليه جدار قصير، بينه وبين كلّ من الركنين فتحة ويسمى أيضاً حطيماً، لكن الأشهر أنه ما بين الحجر الأسود، ومقام إبراهيم. وقوله (للاتباع) دليل لوجوب جعل البيت عن يساره، ولوجوب خروجه بكل بدنه عنه. والاتباع في الأول خبر جابر المار ... . ومع قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): خذوا عني مناسككم. وفي الثاني (صلى الله عليه وآله وسلم) طاف خارجه مع قوله خذوا ... ويدل عليه أيضاً قولُه تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} وإنما يكون طائفاً به إذا كان خارجاً عنه، وإلاّ فهو طائف فيه. فإن خالف شيئاً من ذلك ـ راجع لجميع ما قبله، فاسم الإشارة يعود على المذكور ... ـ ولم يخرج بكلّ بدنه عن الشاذروان والحجر لم يصح طوافه>47 ـ ولو لم يجعل طوافه من وراء الحطيم، بل طاف في وسطه في الطواف الواجب، فإن كان بمكة أعاد الطواف جميعه ليأتي به على ترتيبه، فإن لم يفعل وأعاده على الحطيم أجزأه عندنا كذا في السراج الوهاج>48. وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: ما حُجّر الحِجُر فطاف الناسُ من ورائه إلاّ إرادة أن يستوعب الناسُ بالبيت كلّه>49. أما ما قاله شارح الموطإنعم في الحكم بفساد طواف مَن طاف داخل الحجر وخلى بينه وبين البيت سبعة أذرع نظر، وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين، ومن المالكية كأبي الحسن اللخمي. وذكر الأزرقي أن عرض ما بين الميزاب ومنتهى الحجر سبعة عشر ذراعاً وثلث ذراع منها عرض جدار الحجر ذراعان وثلث وفي بطن الحجر خمسة عشر ذراعاً فعلى هذا فنصف الحجر ليس من البيت فلا يفسد طواف من طاف دونه>50. أما ما قاله النووي>51قال أصحابنا ست أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف وفي الزائد خلاف فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا أحدهما يجوز لظواهر هذه الأحاديث وهذا هو الذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين والثاني لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره ولا يصح حتى يطوف خارجاً من جميع الحجر وهذا هو الصحيح وهو الذي نصّ عليه الشافعي وقطع به جماهير أصحابنا العراقيين ورجحه جمهور الأصحاب وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة فإنه قال إن طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده وإن رجع من مكة بلا إعادة أراق دماً وأجزأه طوافه واحتج الجمهور بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طاف من وراء الحجر وقال لتأخذوا مناسككم ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الآن وسواء كان كله من البيت أم بعضه فالطواف يكون من ورائه كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والله أعلم. وما قاله صاحب التاج الجامعفلابد للطائف من المرور حوله وعليه جميع المحدثين والفقهاء رضي الله عنهم>52.