كيف عالج هاشم الاعتفاد بمكة : - عقائد الاسلام من القرآن الکریم جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الاسلام من القرآن الکریم - جلد 2

سید مرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




وشـرف هـاشـم بعد ابيه , وجل امره , واصطلحت قريش على ان يولى هاشم بن عبد مناف الرئاسة والسقاية والرفادة , فكان اذا حضر الحج قام في قريش خطيبا, فقال : يا معشر قريش اللّه واهـل بـيـته الحرام , وانه ياتيكم في هذا الموسم زوار اللّه يعظمون حرمة بيته , فهم اضياف
اللّه , واحـق الـضيف بالكرامة ضيفه , وقد خيركم اللّه بذلك , واكرمكم به , ثم حفظ منكم افضل ما
حـفـظ جـار مـن جـاره , فـاكرموا ضيفه وزواره , فانهم ياتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر
كالقداح , وقد اعيوا وتفلوا وقملوا وارملوا, فاقروهم واغنوهم فكانت قريش ترافد على ذلك .


وكـان هـاشـم يخرج مالا كثيرا, ويامر بحياض من ادم , فتجعل في موضع زمزم , ثم يسقي فيها من
الابـار الـتـي بمكة , فيشرب منها الحاج , وكان يطعمهم بمكة ومنى وعرفة وجمع , وكان يثرد لهم
الـخبز واللحم والسمن والسويق , ويحمل لهم المياه فيسقون بمنى , الى ان يصدروا من منى فتنقطع
الضيافة ((111)) ويتفرق الناس الى بلادهم .


ب ـ في السيرة الحلبية والنبوية :.


كان هاشم اذا هل هلال ذي الحجة قام صبيحته واسند ظهره الى الكعبة من تلقاء بابها ويخطب ويقول
فـي خـطـبـته : يا معشر قريش انكم سادة العرب , احسنها وجوها واعظمها احلاما ـ اي عقولا ـ
واوسـط الـعرب ـ اي اشرفها انساباـ واقرب العرب بالعرب ارحاما, يا معشر قريش انكم جيران
بـيـت اللّه تعالى اكرمكم اللّه تعالى بولايته وخصكم بجواره دون بني اسماعيل , وانه ياتيكم زوار
اللّه يـعـظـمـون بيته , فهم اضيافه واحق من اكرم اضياف اللّه انتم , فاكرموا ضيفه وزواره , فانهم
يـاتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح , فاكرموا ضيفه وزوار بيته , فورب هذه البنية لو
كان لي مال يحتمل ذلك لكفيتكموه , وانا مخرج من طيب مالي وحلاله ما لم يقطع فيه رحم , ولم يؤخذ
بظلم , ولم يدخل فيه حرام ,.


فـمـن شـاء مـنكم ان يفعل مثل ذلك فعل , واسالكم بحرمة هذا البيت ان لا يخرج رجل منكم من ماله
لـكـرامة زوار بيت اللّه وتقويتهم الا طيبا, لم يؤخذ ظلما, ولم يقطع فيه رحم , ولم يؤخذ غصبا,
فكانوا يجتهدون في ذلك ويخرجونه من اموالهم فيضعونه في دار الندوة ((112)) .


ج ـ وفي انساب الاشراف وسيرة ابن هشام والمحبر ـ واللفظ للاول ـ قالوا:.


اصـابـت قـريـشـا سـنة ذهبت باموالهم واقحطوا فيها, وبلغ هاشما ذلك وهو بالشام , وكان متجره
بـغزة ((113)) وناحيتها, فامر بالكعك والخبز, فاستكثر منهما, ثم حملا في الغرائر على الابل ,
حـتـى وافـى مكة , فامر بهشم ذلك الخبز والكعك , ونحرت الابل التي حملت , فاشبع اهل مكة وقد
كانوا جهدوا, فقال عبد اللّه بن الزبعرى ((114)) :.








  • عمرو العلى هشم الثريد لقومه
    وهو الذي سن الرحيل لقومه
    رحل الشتاء ورحلة الاصياف .



  • ورجال مكة مسنتون عجاف .
    رحل الشتاء ورحلة الاصياف .
    رحل الشتاء ورحلة الاصياف .




فـي هـذا العام اصاب القحط عامة اهل مكة , واغاثهم هاشم بما فعل مدة محدودة من الزمن , وبقي في
مـكـة بـعـد ذلك اناس لم تكن لهم حيلة في مقابل الجوع الا الاعتفاد, والاعتفاد: ان تخرج الاسرة
بـكـامـلـها الى البر وتبقى تحت ظل وتستسلم للموت واحدا بعد الاخر حتى يفنوا عن بكرة ابيهم ,
وايـضـا قـام هـاشم ابن عبد مناف بمعالجة ذلك حتى لم يبق بمكة بعد ذلك من اضطر الى الاعتفاد,
وخبر ما قام به كالاتي :.


كيف عالج هاشم الاعتفاد بمكة :



روى الـقرطبي عن ابن عباس ما موجزه : ان قريشا كانوا اذا اصابت واحدا منهم مخمصة جرى هو وعياله الى موضع معروف , فضربوا على انفسهم خباء فماتوا, حتى كان عمرو بن عبد مناف , وكان
سـيدا في زمانه , وله ابن يقال له اسد, وكان له ترب من بني مخزوم يحبه ويلعب معه , فقال له : نحن
غـدا نـعـتـفد, وتاويله : ذهابهم الى ذلك الخباء, وموتهم واحدا بعد واحد, قال : فدخل اسد على امه
يبكي , وذكر ما قاله تربه , قال : فارسلت ام اسد الى اولئك بشحم ودقيق , فعاشوا به اياما, ثم ان تربه
اتـاه ايـضـا فـقال : نحن غدا نعتفد, فدخل اسد على ابيه يبكي , وخبره خبر تربه , فاشتد ذلك على
عمرو بن عبد مناف , فقام خطيبا في قريش وكانوا يطيعون امره , فقال : انكم احدثتم حدثا تقلون فيه
وتكثر العرب , وتذلون وتعز العرب , وانتم اهل حرم اللّه جل وعز, واشرف ولد آدم , والناس لكم
تـبـع , ويكاد هذا الاعتفاد ياتي عليكم , فقالوا: نحن لك تبع , قال : ابتدئوا بهذا الرجل ـيعني ابا ترب
اسدـ فاغنوه عن الاعتفاد, ففعلوا ((115)) ثم جمع كل بني اب على رحلتين : في الشتاء الى اليمن ,
وفي الصيف الى الشام للتجارات , فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير, حتى صار فقيرهم كغنيهم ,
فـجـاء الاسلام وهم على هذا, فلم يكن في العرب بنو اب اكثر مالا ولا اعز من قريش , وهو قول
شاعرهم :.





  • والخالطون فقيرهم بغنيهم
    حتى يصير فقيرهم كالكافي .



  • حتى يصير فقيرهم كالكافي .
    حتى يصير فقيرهم كالكافي .




فلم يزالوا كذلك حتى بعث اللّه رسوله محمدا(ص ).


وفي كيفية تسيير هاشم الرحلتين لتجارة قريش قال البلاذري :.


وكـان هاشم بن عبد مناف صاحب ايلاف قريش الرحلتين , واول من سنها, وذلك انه اخذ لهم عصما
من ملوك الشام , فتاجروا آمنين , ثم ان اخاه عبد شمس اخذ لهم عصما من صاحب الحبشة , واليه كان
متجرهم , واخذ لهم المطلب بن عبد مناف عصما من ملوك اليمن , واخذ لهم نوفل بن عبد مناف عصما
مـن مـلـوك الـعـراق , فـالـفـوا الرحلتين في الشتاء الى اليمن والحبشة والعراق , وفي الصيف الى
الشام ((116)) .


وقد اخبر اللّه عن ذلك وقال في سورة قريش :.


(لايلاف قريش * ايلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي اطعمهم من جوع
وآمنهم من خوف ).


كـانـت الـعـرب تتسابق في اكرام الضيف واطعامه كسبا للفخر ونشرا للذكر الجميل في المجتمع
الـعـربي , وربما كان المال الذي يبذلونه في هذا السبيل قد استولوا عليه عن طريق الغزو والسلب
والنهب او من الربا والقمار, وان هاشما لا يرضى بذلك , ومن ثم نعرف انه كان يريد الانفاق في طلب
رضـا اللّه سبحانه , ومن اجل ذلك يطعم الجائعين في سنة القحط والجدب , ويبدل تجارته الى حمل
الطعام على الابل , وفي مكة نحر الابل التي كان يتجر عليها وصنع منها ومما عليها طعاما لاهل مكة
والاهـم مـن ذلـك انـه عـالج الاعتفاد في قومه ابد الدهر, والاهم من ذلك ـايضاـ انه نظم قوافل
تجارية لقريش الى انحاء المعمورة , وكان هو يمتهن ذلك لنفسه , وبما ان تسيير القوافل التجارية في
الجزيرة العربية في غير الاشهر الحرم .


كـان غير ميسور, لما اعتادت عليه القبائل من الاغارة على كل ذي نفس ومال يتيسر لهم , قام هاشم
هـو واخـوتـه بـاخـذ العهود من ملوك الشام وايران والحبشة , ومن القبائل العربية التي تمر على
اراضـيـهـا قـوافل قريش , فقاموا يتاجرون صيفا الى الشام وايران , وشتاء الى اليمن وافريقيا, ولم
يسبق لاحد ان صنع مثله من العرب وغيرهم , مثل حاتم الجواد ومن دونه او فوقه .


وان هـاشـمـا بما فعل كان رائد قومه في امر معاشهم ومعادهم , كما كان الانبياء الذين اجتباهم اللّه
لهداية الناس في امر معاشهم ومعادهم , واستطاع ان يجعل من اهل مكة اغنى العرب في عصره ومن
بعده .


عبد المطلب بن هاشم



ا ـ في سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري ما موجزه :.


سـمته امه شيبة لشيبة كانت في راسه , ولما ذهب عمه المطلب الى المدينة واخذه من امه فدخل به
مكة وقد اردفه خلفه ولما راتهما كذلك قريش ظنت انه عبده وقالت عبد المطلب ((117)) , وغلب
عـلـيه هذا الاسم ويبدو انه كذلك كان ايضا تسميته بعض آباء النبي مثل هاشم الذي غلب عليه هذا
الاسـم بعد ان هشم الثريد لقومه بمكة في سنة الجدب ونسي اسمه عمرو العلى ((118)) , وكان
اسـم عـبد مناف المغيرة وسمته قريش بعبد مناف ((119)) , وسمت قصيا مجمعا لانه جمع قريشا
في مكة ((120)) .


ب ـ في طبقات ابن سعد:.


كـان عبد المطلب احسن قريش وجها, وامدها جسما, واحلمها حلما, واجودها كفا, وابعد الناس من
كـل مـوبـقة تفسد الرجال , وكان يتاله ويعظم الظلم والفجور, ولم يره ملك قط الا اكرمه وشفعه ,
وكان سيد قريش حتى هلك ((121)) .


ج ـ في مروج الذهب :.


مـمن كان مقرا بالتوحيد, مثبتا للوعيد, تاركا للتقليد, عبد المطلب بن هاشم وكان اول من سقى الماء
بمكة عذبا ((122)) .


حفر بئر زمزم :



فـي تـاريخ الطبري وسيرة ابن هشام ـ واللفظ له ـ عن ابن اسحاق , روى ذلك عن الامام علي (ع ) قال :.


قـال عـبـد الـمـطلب : اني لنائم في الحجر اذ اتاني آت فقال : احفر طيبة ((123)) قال : قلت : وما
طـيـبـة ؟ قـال : ثـم ذهـب عـني , فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه , فجاءني فقال : احفر
برة ((124)) قال : قلت : وما برة ؟ قال : ثم ذهب عني , فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه ,
فجاءني فقال : احفر المضنونة ((125)) قال : فقلت : وما المضنونة ؟ قال : ثم ذهب عني , فلما كان الغد
رجـعـت الـى مـضـجـعـي فـنـمـت فـيه , فجاءني فقال : احفر زمزم قال : قلت : وما زمزم ؟ قال : لا
تنزف ((126)) ابدا ولا تذم ((127)) , تسقي الحجيج الاعظم , وهي بين الفرث والدم ((128)) ,
عند نقرة الغراب الاعصم , عند قرية النمل .


قال ابن اسحاق :.


فـلما بين له شانها, ودله على موضعها, وعرف انه قد صدق , غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد
الـمطلب , ليس له يومئذ ولد غيره , فحفر فيها, فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر, فعرفت قريش انه
قد ادرك حاجته , فقاموا اليه فقالوا: يا عبد المطلب , انها بئر ابينا اسماعيل , وان لنا فيها حقا فاشركنا
مـعـك فـيـها, قال : ما انا بفاعل , ان هذا الامر قد خصصت به دونكم , واعطيته من بينكم , فقالوا له :
فـانـصـفنا فانا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها, قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم احاكمكم اليه ,
قالوا: كاهنة بني سعد هذيم ((129)) , قال : نعم , قال : وكانت باشراف ((130)) الشام , فركب عبد
الـمطلب ومعه نفر من بني ابيه من بني عبدمناف , وركب من كل قبيلة من قريش نفر, قال : والارض
اذ ذاك مـفـاوز قـال : فـخرجوا حتى اذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد
الـمـطلب واصحابه , فظمئوا حتى ايقنوا بالهلكة , فاستسقوا من معهم من قبائل قريش , فابوا عليهم ,
وقـالـوا: انا بمفازة ونحن نخشى على انفسنا مثل ما اصابكم , فلما راى عبدالمطلب ما صنع القوم وما
يـتـخـوف على نفسه واصحابه قال : ماذا ترون ؟ قالوا: ما راينا الا تبع لرايك , فمرنا بما شئت , قال :
فـانـي ارى ان يـحـفـر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الان من القوة , فكلما مات رجل دفعه
اصحابه في حفرته ثم واروه , حتى يكون آخركم رجلا واحدا, فضيعة رجل واحد ايسر من ضيعة
ركب جميعا, قالوا: نعم ما امرت به , فقام كل واحد منهم .


فـحـفر حفرته , ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا, ثم ان عبدالمطلب قال لاصحابه : واللّه ان القاءنا
بايدينا هكذا للموت لا نضرب في الارض ولا نبتغي لانفسنا لعجز, فعسى اللّه ان يرزقنا ماء ببعض
البلاد, ارتحلوا, فارتحلوا, حتى اذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون اليهم ما هم فاعلون ,
تقدم عبدالمطلب الى راحلته فركبها, فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب , فكبر
عـبدالمطلب وكبر اصحابه , ثم نزل فشرب وشرب اصحابه واستقوا حتى ملاوا اسقيتهم , ثم دعا
القبائل من قريش فقال : هلم الى الماء, فقد سقانا اللّه , فاشربوا واستقوا, فجاؤوا فشربوا واستقوا,
ثـم قـالوا: قد واللّه قضى لك علينا يا عبدالمطلب , واللّه لا نخاصمكم في زمزم ابدا, ان الذي سقاك
هـذا الـمـاء بـهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم , فارجع الى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه , ولم
يصلوا الى الكاهنة , وخلوا بينه وبينها.


قال ابن اسحاق :.


فهذا الذي بلغني من حديث علي بن ابي طالب (رض ) في زمزم ((131)) .


وكان من امره في حفر بئر زمزم انه لما امر بذلك في المنام حفرها مع ابنه البكر والوحيد يومذاك
الحارث , فنذر ان تم له عشرة من الاولاد ان يتقرب الى اللّه بذبح احدهم , فلما تم له العدد بعبداللّه
والـد النبي (ص ) قدمهم الى فناء الكعبة واقرع , فصارت القرعة على عبداللّه وكان احب ولده اليه
فـقدمه ليذبحه , فمنعته قريش من ذلك وقالت : ان فعلت ذلك صارت سنة في قومك , ولم يزل الرجل
ياتي بولده الى هاهنا ليذبحه , فقال : اني عاهدت ربي , واني موف له بما عاهدته , فقال له بعضهم : افده




  • عاهدت ربي وانا موف عهده
    اخاف ربي ان تركت وعده .



  • اخاف ربي ان تركت وعده .
    اخاف ربي ان تركت وعده .




واللّه لا يحمد شي ء حمده ((132)) .


ثـم احضر مائة من الابل , فضرب بالقداح عليها, وعلى عبداللّه , فخرجت على الابل , فكبر الناس ,
وقالوا: قد رضي ربك لا هم رب البلد المحرم
الطيب المبارك المعظم .


انت الذي اعنتني في زمزم ((133)) .


قال اليعقوبي :.


فضرب بالقداح ثلاثا فخرجت على الابل فنحرها فصارت الدية في الابل على ما سن عبد المطلب .


وقال :.


ولـما قدم ابرهة ملك الحبشة صاحب الفيل مكة ليهدم الكعبة تهاربت قريش في رؤوس الجبال , فقال
عـبـد الـمـطلب : لو اجتمعنا فدفعنا هذا الجيش عن بيت اللّه , فقالت قريش : لا بد لنا به المطلب في الحرم , وقال : لا ابرح من حرم اللّه , ولا اعوذ بغير اللّه , فاخذ اصحاب ابرهة ابلا لعبد
الـمـطـلب , وصار عبد المطلب الى ابرهة , فلما استاذن عليه قيل له : قد اتاك سيد العرب , وعظيم
قـريش , وشريف الناس , فلما دخل عليه اعظمه ابرهة , وجل في قلبه لما راى من جماله , وكماله ,
ونـبـلـه , فـقـال لـترجمانه : قل له : سل ما بدا لك فـاجللتك , واعظمتك , وقد تراني حيث نهدم مكرمتك وشرفك , فلم تسالني الانصراف , وتكلمني في
ابلك ؟ فقال عبد المطلب : انا رب هذه الابل , ولهذا البيت الذي زعمت انك تريد هدمه رب يمنعك منه
فرد الابل , وداخله ذعر لكلام عبدالمطلب , فلما انصرف جمع .


ولده ومن معه , ثم جاء الى باب الكعبة , فتعلق به وقال :.


لهم ((134)) .


يـا رب ان العبد يمنع رحله فامنع رحالك .


لا يغلبـن صليبهـم ومحالهم ابـدا محـالك .


فارسل اللّه عليهم الطير الابابيل ((135)) .


وفي البحار ما موجزه :.


ان عـبـد المطلب ارسل ابنه عبداللّه لياتيه بخبر الجيش ثم صار الى البيت فطاف سبعا ثم صار الى
الـصفا والمروة فطاف بهما سبعا, وصعد عبداللّه جبل ابي قبيس وراى ما فعل الطير بالجيش فجاء
وبشر اباه بذلك , فخرج عبد المطلب وهو يقول : يا اهل مكة اخرجوا الى العسكر وخذوا غنائمكم .


فـاتوا العسكر وهم امثال الخشب النخرة , وليس من الطير الا ما معه ثلاثة احجار في منقاره ويديه
يـقـتـل بكل حصاة منها واحدا من القوم , فلما اتوا على جميعهم انصرف الطير فلم ير قبل ذلك ولا
بعده , فلما هلك القوم باجمعهم جاء عبدالمطلب الى البيت فتعلق باستاره وقال :.






  • يا حابس الفيل بذي المغمس
    حبسته كانه مكوس .



  • حبسته كانه مكوس .
    حبسته كانه مكوس .




في مجلس تزهق فيه الانفس .


فانصرف وهو يقول في فرار قريش وجزعهم من الحبشة :.







  • طارت قريش اذ رات خميسا
    ولا احس منهم حسيسا
    الا اخا لي ماجدا نفيسا.



  • فظلت فردا لا ارى انيسا.
    الا اخا لي ماجدا نفيسا.
    الا اخا لي ماجدا نفيسا.




مسودا في اهله رئيسا ((136)) .


وفي مروج الذهب :.


فلما صدهم اللّه عز وجل ـ اي ابرهة وجيشه ـ عن الحرم انشا عبد المطلب يقول :.







  • ان للبيت لربا مانعا
    رامه تبع فيمن جندت
    فانثنى عنه وفي اوداجه
    قلت والاشرم تردى خيله
    نحن آل اللّه فيما قد مضى
    نحن دمرنا ثمودا عنوة
    (نعبد اللّه وفينا سنة
    لم تزل للّه فينا حجة
    يدفع اللّه بها عنا النقم ((138)) .



  • من يرده باثام يصطلم .
    حمير والحي من آل قدم ((137)) .
    جارح امسك منه بالكظم .
    ان ذا الاشرم غر بالحرم .
    لم يزل ذاك على عهد ابرهم .
    ثم عادا قبلها ذات الارم .
    صلة القربى وايفاء الذمم ).
    يدفع اللّه بها عنا النقم ((138)) .
    يدفع اللّه بها عنا النقم ((138)) .




شرح الابيات :.


ا ـ الاثام : الاثم وجزاء الاثم .


ب ـ يصطلم : اصطلمهم وصلمهم الدهر او الموت او العدو: استاصلهم وابادهم .


ج ـ تـبع : كان يقال لملوك اليمن التبابعة مثل القياصرة لملوك الروم , والاكاسرة لملوك الفرس وكان
تبع الحميري الذي قصد البيت احدهم .


د ـ جارح : ما يصيد من الطير والسباع والكلاب .


ه ـ الكظم : مخرج النفس من الحلق , يقال : اخذ بكظمه .


و ـ الاشـرم , شـرمـه : شـقه من جانبه , وشرم انفه او اذنه : شقه من جانبه , ولعل المراد بالاشرم
مشقوق الاذن او الانف .


ويظهر من قول عبد المطلب ان ابرهة كان كذلك .


ز ـ تردى , ارداه : اهلكه واسقطه .


ح ـ غر: غره غرا وغرورا: خدعه واطمعه بالباطل فهو مغرور وغرير.


ط ـ ابرهم : مخفف من ابراهيم لضرورة الشعر.


ي ـ عنوة , اخذ الشي ء عنوة اي قسرا.


ك ـ ايـفاء الذمم , الذمم مفرده الذمة : العهد, اي فينا ذرية ابراهيم , وصلة الرحم والوفاء بالوعد, او
فينا آل اللّه , وهم الانبياء مثل : هود وصالح وابراهيم (ع ) ومن الجائز انه اراد من فينا كلا القبيلين
لان فـي ذرية ابراهيم آل اللّه وحججه , مثل ما كان ذلك في من سبق من انبياء اللّه قبل ابراهيم مثل
هود وصالح .


في هذه الابيات يكرر عبدالمطلب قولا كان يلهج به من ان للبيت ربا يمنع من يريده باثم ويصطلمه ,
ويذكر في هذه الابيات خبر تبع الحميري , وكيف اخفق في ما رامه في شان البيت ثم يعود الى ذكر
خبر ابرهة ويقول :.


قـلـت حـين هلكت خيل ابرهة ـ المشقوق الاذن او الانف ـ عندما اراد ان يهجم على البيت : ان هذا
الاشرم قد غر بالحرم .


وبـعـد قـوله هذا يخبر انهم اي هو وسلسلة آبائه من ذرية اسماعيل هم آل اللّه منذ عهد ابراهيم
مـثلهم في كونهم آل اللّه مثل هود وصالح , وان آل اللّه هودا وصالحا هما اللذان دمرا قوم عاد ذات
الارم وبعد عاد قوم ثمود, وقد ذكر اللّه تعالى خبر ابرهة كما جاء في كتابه الكريم وقال :.


(الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل * الم يجعل كيدهم في تضليل * وارسل عليهم طيرا ابابيل *
ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف ماكول ).


واخبر سبحانه عن قوم ثمود ومقابلتهم لصالح من آل اللّه حسب تعبير عبد المطلب في سورة هود:.


(والـى ثـمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من اله غيره * قالوا يا صالح قد كنت فينا
مرجوا قبل هذا اتنهانا ان نعبد ما يعبد آباؤنا واننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب * قال يا قوم ارايتم
ان كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة * فلما جاء امرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه * واخذ
الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين * الا بعدا لثمود)(الايات :61ـ63 و66 ـ 68).


وكذلك جاء خبرهم في 27 موردا من القرآن الكريم ((139)) .


ثـم اخـبـر عبدالمطلب في قوله : وعادا قبلها ذات الارم , ان عادا الذين دمرهم اللّه كانوا قبل قوم
ثمود, وطابق قوله هذا ما جاء في سورة الاعراف (الايات 65 ـ 74) وسورة هود (الايات : 50 ـ
68) وسور اخرى كذلك ((140)) .


وطابق اخباره بان عادا كانت ذات الارم كقوله تعالى في سورة الفجر:.


(الـم تـر كيف فعل ربك بعاد * ارم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد* وثمود الذين جابوا
الصخر بالواد)(الايات : 6 ـ 9).


وهكذا يطابق شعر عبدالمطلب ما جاء في الذكر الحكيم من اخبار الانبياء والامم البائدة .


وفـي قـوله في ما يصف به آباءه ويجمعهم في الوصف مع انبياء اللّه في الاتصاف بالاخلاق الحميدة
مثل : صلة الرحم والوفاء بالوعد, فقد وجدنا صدق قوله في ما مر بنا من سيرة آبائه .


وفـي قوله : انهم آل اللّه منذ عهد ابراهيم وانهم يعبدون اللّه وانه لم يزل فيهم اي في الذين يصفهم
بانهم آل اللّه حجة اللّه الذي يدفع اللّه به النقم .


امـا كـونهم يعبدون اللّه فان مفهومه انهم لا يعبدون غيره , وقد وجدنا صدق قوله في انا لم نجد في
آباء النبي الى اسماعيل من سجد لصنم قط, او قرب قربانا لصنم قط, او لبى لصنم في الحج او حلف
بـصـنـم او اثـنـى على صنم في بيت شعر او قول , وراينا انهم في كل هذه الموارد يسجدون للّه ,
ويـقـربـون القرابين للّه , كما فعل عبدالمطلب في فداء ابنه عبداللّه , ويحلفون باللّه وحده ويثنون
عليه وحده , اذا قد صدق عبدالمطلب في قوله : انهم يعبدون اللّه .


امـا انـه لم يزل للّه فيهم حجة : فاما ان يكون اللّه رب العالمين قد ترك مجاوري بيته في مكة والتي
يسميها ام القرى , ترك من يسكن في ام القرى وما حولها, وترك الوافدين من انحاء الجزيرة العربية
لـحـج بـيته الحرام , تركهم جميعا اكثر من خمسمائة سنة هملا ولم يجعل في ما بينهم من يجدون
عـنـده شـريعة الاسلام , حاشا للّه رب العالمين من ذلك كما شرحنا ذلك في بحوث الربوبية في ما
سـبـق مـن هـذا الـكـتـاب , واما ان يكون اللّه رب العالمين لم يترك الاجيال المتعاقبة في اكثر من
خـمـسمائة سنة في ام القرى وما حولها هملا بل جعل بينهم من اذا اراد احدهم ان يتعلم منه احكام
ديـنه استطاع , مصداقا لقوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) اذا كان اللّه قد جعل في
اولـئكـم الـبـشر من يتم بهم الحجة على اولئكم الاجيال , فمن يكون ذلك الهادي الى دين اللّه غير
عـبـدالـمـطـلب وسلسلة آبائه الى عهد ابراهيم (ع )؟ اي وربي رب العالمين , جعل فيهم من ذرية
ابراهيم حججا للّه اتم بهم الحجة على عباده اولئكم ودفع اللّه بهم النقم عنهم , وصدق عبدالمطلب
في قوله :.






  • نحن آل اللّه في ما قد مضى
    لم تزل للّه فينا حجة
    يدفع اللّه بها عنا النقم .



  • لم يزل ذاك على عهد ابرهم .
    يدفع اللّه بها عنا النقم .
    يدفع اللّه بها عنا النقم .




وفي اسلوب عبدالمطلب في ما انشده من شعر, وخاصة في هذه الابيات التي انشدها في مقام المباهاة
عـلـى خـصمه الهالك ابرهة وجيشه ما تميز به من فضائل ومكارم , عما كان داب شعر العرب في
الـغابر والحاضر فلم يفتخر بابيه هاشم وما قام به من اطعام عامة اهل مكة في سنة القحط بما حمل
جماله من الطعام من الشام بدل تحميله اياها المال الذي يتاجر به , ونحر تلك الجمال , وذلك ما لم يفعله
ايـ عـربـي قـبـله لا حاتم الطائي ولا من بعده ومن قبله , ولا قرانا ذلك في اخبار الامم , ثم قيامه
بـمـعالجة امر الاعتفاد كي لا يستسلم بيت باسره للموت جوعا, ثم قيامه بتعليم قريش التجارة الى
انـحـاء البلاد المعمورة يومذاك , لم يباه عبد المطلب بذكر شي ء من ذاك وكل ذلك مما انحصر فعله
بابيه هاشم من بين جميع البشر, وعدم التباهي بمثل هذه الامور من خدمة الخلق من صفات انبياء اللّه
وحججه في خلقه , فانهم لا يمنون على الناس بما يجودون به وما يخدمونهم في امر معاشهم , وانما
يخبرونهم بما خصهم اللّه به وجعلهم سبيل هداية للناس , وهذا ما فعله عبدالمطلب عندما قال : (نحن
آل اللّه في ما قد مضى ) الابيات .


عبدالمطلب في ميلاد النبي (ص ):



في انساب الاشراف عن خبر ولادة النبي (ص ) ما موجزه :.


ولـما حملت آمنة بالنبي رات في منامها آتيا اتاها, فقال : يا آمنة , انك قد حملت بسيد هذه الامة , فاذا
وقـع فـي الارض فقولي : (اعيذك بالواحد من شر كل حاسد), وسميه احمد ويقال انه قال : سميه
محمدا.


فـلـمـا وضعته , ارسلت الى عبدالمطلب انه قد ولد لك غلام فنهض مسرورا, ومعه بنوه , حتى اتاه
فنظر اليه وحدثته بما رات , وبسهولة حمله وولادته , فاخذه عبدالمطلب في خرقة فادخله الكعبة
وقال :.








  • الحمد للّه الذي اعطاني
    اعيذه بالبيت ذي الاركان
    من كل ذي بغي وذي شنن .



  • هذا الغلام الطيب الاردان .
    من كل ذي بغي وذي شنن .
    من كل ذي بغي وذي شنن .




وحاسد مضطرب العنان .


وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير:.


اضاف اليها ابياتا جاء في آخرها:.







  • انت الذي سميت في الفرقان
    في كتب ثابتة المبان .



  • في كتب ثابتة المبان .
    في كتب ثابتة المبان .




احمد مكتوب على اللسان ((141)) .


في هذه الابيات يخبر عبدالمطلب ان حفيده سمي في الكتب احمد.


وفي طبقات ابن سعد ما موجزه :.


ان حـلـيـمـة مرضعة النبي تخوفت على رسول اللّه (ص ) فقدمت به الى امه لترده وهو ابن خمس
سـنـين فاضلته في الناس فالتمسته فلم تجده , فاتت عبدالمطلب فاخبرته , فالتمسه عبد المطلب فلم







  • يجده , فقام عند الكعبة فقال :
    اده الى واصطنع عندي يدا
    لا يبعد الدهر به فيبعدا
    انت الذي سميته محمدا ((142)) .



  • لاهم اد راكبي محمدا.
    انت الذي جعلته لي عضدا.
    انت الذي سميته محمدا ((142)) .
    انت الذي سميته محمدا ((142)) .




وهنا ـ ايضا ـ يصرح عبدالمطلب بان اللّه هو الذي سمى حفيده محمدا(ص ).


وفي مروج الذهب :.


وكـان عـبدالمطلب يوصي ولده بصلة الارحام , واطعام الطعام , ويرغبهم ويرهبهم , فعل من يراعي
فـي الـمـتـعقب معادا وبعثا ونشورا, وجعل السقاية والرفادة الى ابنه عبدمناف ـ وهو ابو طالب ـ
واوصاه بالنبي (ص ) ((143)) .


وفي السيرة الحلبية والنبوية :.


وكـان مـمن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية , وكان مجاب الدعوة , وكان يقال له الفياض لجوده ,
ومـطعم طير السماء, لانه كان يرفع من مائدته للطير والوحوش في رؤوس الجبال , قال : وكان من
حلماء قريش وحكمائها.


ونقل عن سبط ابن الجوزي ما موجزه :.


وكـان عـبـدالـمـطلب يامر اولاده بترك الظلم والبغي , ويحثهم على مكارم الاخلاق , وينهاهم عن
دنيئات الامور, وكان يقول :.


لـن يـخـرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة , الى ان هلك رجل ظلوم من اهل الشام لم
تـصـبـه عـقـوبة فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر وقال : واللّه ان وراء هذه الدار دارا يجزى فيها
الـمـحسن باحسانه ويعاقب المسي ء باساءته , اي فالظلوم شانه في الدنيا ذلك حتى اذا خرج من الدنيا
ولم تصبه العقوبة فهي معدة له في الاخرة , وتؤثر عنه سنن جاء القرآن باكثرها وجاءت السنة بها,
مـنـها الوفاء بالنذر, والمنع من نكاح المحارم , وقطع يد السارق , والنهي عن قتل المؤودة , وتحريم
الخمر والزنى , وان لا يطوف بالبيت عريان ((144)) .


وفي السيرة النبوية :.


واما عبدالمطلب بن هاشم , فكان من حلماء قريش وحكمائها, وكان مجاب الدعوة محرما الخمر على
نفسه , وهو اول من تحنث بحراء, والمتحنث : المتعبد الليالي ذوات العدد, كان اذا دخل شهر رمضان
صعده واطعم المساكين , وكان صعوده للتخلي عن الناس يتفكر في جلال اللّه وعظمته ((145)) .


وفي تاريخ اليعقوبي وانساب الاشراف للبلاذري ـ واللفظ للاول ـ بايجاز:.


توالت على قريش سنون مجدبة , حتى ذهب الزرع وقحل الضرع ففزعوا الى عبدالمطلب فقالوا:.


قـد سـقانا اللّه بك مرة بعد اخرى فادع اللّه ان يسقينا, فخرج عبدالمطلب ومعه رسول اللّه (ص )
وهو يومئذ مشدود الازار, وقال عبدالمطلب : اللّه م ساد الخلة , وكاشف الكربة , انت عالم غير معلم ,
مـسـؤول غـيـر مـبخل , وهؤلاء عبداؤك واماؤك بعذرات حرمك يشكون اليك سنيهم التي اقحلت
الـضـرع واذهـبت الزرع , فاسمعن اللّه م وامطرن غيثا مريعا مغدقا فما راموا حتى انفجرت السماء
بمائها وكظ الوادي بثجه , وفي ذلك يقول بعض قريش :.







  • بشيبة الحمد اسقى اللّه بلدتنا
    منا من اللّه بالميمون طائره
    مبارك الامر يستسقى الغمام به
    ما في الانام له عدل ولا خطر ((146)) .



  • وقد فقدنا الكرى واجلوذ المطر.
    وخير من بشرت يوما به مضر.
    ما في الانام له عدل ولا خطر ((146)) .
    ما في الانام له عدل ولا خطر ((146)) .




وجاء في البحار:.


كـان يوضع لعبد المطلب جد رسول اللّه (ص ) فراش في ظل الكعبة , وكان لا يجلس عليه احد من
بنيه اجلالا له , وكان رسول اللّه (ص ) ياتي حتى يجلس عليه , فيذهب اعمامه ليؤخروه فيقول جده
عبدالمطلب : دعوا ابني , فيمسح على ظهره ويقول : ان لا بني هذا لشانا ((147)) .


وجاء في اليعقوبي ـ ايضا ـ:.


واوصـى عـبـد المطلب الى ابنه الزبير بالحكومة وامر الكعبة , والى ابي طالب برسول اللّه (ص )
وسقاية زمزم , وقال له : قد خلفت في ايديكم الشرف العظيم الذي تطاون به رقاب العرب وقال لابي
طالب :.








  • اوصيك يا عبدمناف بعدي
    فارقه وهو ضجيع المهد
    تدنيه من احشائها والكبد
    فانت من ارجى بني عندي .



  • بمفرد بعد ابيه فرد.
    فكنت كالام له في الوجد.
    فانت من ارجى بني عندي .
    فانت من ارجى بني عندي .




لدفع ضيم او لشد عقد ((148)) .


وروى في البحار بعده عن الواقدي ما موجزه :.







  • اوصيك ارجى اهلنا بالرفدي
    بالكره مني ثم لا بالعمدي
    وخيرة اللّه يشا في العبد.



  • يابن الذي غيبته في اللحد.
    وخيرة اللّه يشا في العبد.
    وخيرة اللّه يشا في العبد.




ثم قال عبدالمطلب : يا ابا طالب انني القي اليك بعد وصيتي , قال ابو طالب : ما هي ؟ قال : يا بني اوصيك
بـعـدي بـقرة عيني محمد (ص ) وانت تعلم محله مني , ومقامه لدي , فاكرمه باجل الكرامة , ويكون
عندك ليله ونهاره وما دمت في الدنيا, اللّه ثم اللّه في حبيبه , ثم قال لاولاده : اكرموا محمدا (ص ),
فسترون منه امرا عظيما, وسترون آخر امره ما انا اصفه لكم عند بلوغه , فقالوا باجمعهم : السمع
والـطـاعة يا ابانا نفديه بانفسنا واموالنا, ـ ولم يكن في اعمام النبي (ص ) ارفق من ابي طالب قديما
وحـديثا في امر محمد (ص ) ـ, ثم قال : ان نفسي ومالي دونه فداء, انازع معاديه وانصر مواليه قال
الـواقـدي : ثـم ان عبدالمطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشا وقال : يا قوم اليس حقي عليكم
واجـبا؟ فقالوا باجمعهم : نعم حقك على الكبير والصغير واجب , فنعم القائد ونعم السائق فينا كنت ,
فـقـال عبدالمطلب : اوصيكم بولدي محمد بن عبداللّه (ص ) فاحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا
تجفوه , ولا تستقبلوه بما يكره , فقالوا باجمعهم : قد سمعنا منك واطعناك فيه ((149)) .


وفـي طـبـقـات ابـن سعد: لما حضرت عبدالمطلب الوفاة اوصى ابا طالب بحفظ رسول اللّه (ص )
وحياطته ((150)) .


وتوفي عبدالمطلب ولرسول اللّه (ص ) ثماني سنين , ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة .


زاد اللّه جـل وعـلا عـبدالمطلب بسطة في الجسم وسعة في الحلم والكرم , اقر بالتوحيد واثبت
الـوعـيد, وتاله في الجاهلية , وامتنع عن عبادة الاصنام وعن كل موبقة تفسد الرجال , وعظم الظلم
والـفجور, وهو اول من تحنث في غار حراء يتخلى للعبادة والتفكر في جلال اللّه , يصعده في شهر
رمـضـان يـطـعم فيه المساكين , وهو اول من سقى الماء عذبا بمكة , امر في المنام بحفر بئر زمزم
فـامـتثل , وحفره مع بكره الحارث , ونذر ان رزقه اللّه عشرة اولاد ان يذبح احدهم في سبيل اللّه
اقـتـداء بـابيه ابراهيم (ع ) في قيامه بذبح ابنه اسماعيل (ع ), فلما تموا عشرة قدمهم الى الكعبة ,
فـوقـعـت الـقرعة على عبداللّه والد النبي (ص ) فمنعته قريش من ذبحه على ان يقرع بينه وبين
عـشـرة عشرة من الابل , حتى خرجت القرعة على مائة من الابل فنحرها في سبيل اللّه ولما قدم
ابـرهـة مـع جـيـش الـفيل لتهديم بيت اللّه دعا عبدالمطلب قريشا للقيام بدفع الجيش الغازي فابوا
وتهاربوا الى رؤوس الجبال , ولم يغادر عبدالمطلب البيت وانشد يخاطب اللّه :.


يا رب ان العبد يمنع رحله فامنع رحالك .


فلما اهلك اللّه ابرهة وجيشه قال عبدالمطلب في ما انشد:.







  • ان للبيت ربا مانعا
    نحن آل اللّه في ما قد مضى
    لم تزل للّه فينا حجة
    يدفع اللّه بها عنا النقم .



  • من يرده باثام يصطلم .
    لم يزل ذاك على عهد ابرهم .
    يدفع اللّه بها عنا النقم .
    يدفع اللّه بها عنا النقم .




وفي هذه السنة ولد حفيده خاتم الانبياء (ص ) فاخذه وادخله الكعبة وقال في ما انشده :.







  • انت الذي سميت في الفرقان
    في كتب ثابتة المثاني .



  • في كتب ثابتة المثاني .
    في كتب ثابتة المثاني .




احمد مكتوب على اللسان .


وكان عبدالمطلب مجاب الدعوة , اذا انحبس المطر عن قريش طلبوا منه فيدعو اللّه وينزل عليهم
الغيث , وفي آخر مرة اخرج معه رسول اللّه (ص ) وهو فتى صغير فما راموا حتى انفجرت السماء
بالمطر.


وسن عبدالمطلب سننا اقرها الاسلام مثل :.


ا ـ الوفاء بالنذر, في سورة الانسان / 7, وسورة الحج / 29.


ب ـ المنع من نكاح المحارم , في سورة النساء / 23.


ج ـ قطع يد السارق , في سورة المائدة / 38.


د ـ النهي عن قتل المؤودة , في سورة التكوير / 8, والانعام / 151, والاسراء /31.


ه ـ تحريم الخمر, في سورة المائدة / 90 و91.


و ـ تحريم الزنى , في سورة الفرقان / 68, والممتحنة / 12, والاسراء/32.


ز ـ الا يـطـوف بالبيت عريان , امر الرسول (ص ) ان ينادي بذلك ابن عمه علي (ع ) عندما بعثه في
السنة التاسعة للّه جرة لقراءة الايات الاولى من سورة براءة على الحجاج .


ح ـ صلة الارحام , في سورة النساء / 1.


ط ـ اطعام الطعام , في سورة المائدة / 89, والبلد / 14, والحاقة / 34.


ي ـ ترك الظلم , في سورة ابراهيم / 22 وآيات كثيرة اخرى .


وتـحـنث في حراء يعبد اللّه , وفعله بعده حفيده خاتم الانبياء, وكان يدعو الى الاعتقاد بيوم الجزاء
في الاخرة .


وفـي الـبحار بسنده عن الامام جعفر بن محمد, عن ابيه , عن جده , عن علي بن ابي طالب (ع ), عن
الـنبي (ص ) انه قال في وصيته له : يا علي ان عبدالمطلب سن في الجاهلية خمس سنن اجراها اللّه
لـه في الاسلام : حرم نساء الاباء على الابناء, فانزل اللّه عز وجل : (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من
الـنساء), ووجد كنزا فاخرج منه الخمس وتصدق به , فانزل اللّه عز وجل : (واعلموا ان ما غنمتم
من شي ء فان للّه خمسه ) الاية , ولما حفر زمزم سمـاها سقاية الحاج , فانزل اللّه عز وجل : (اجعلتم
سـقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الاخر) الاية , وسن في القتل مائة من
الابـل فـاجـرى اللّه عـز وجـل ذلـك فـي الاسلام , ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم
عـبـدالـمـطلب سبعة اشواط, فاجرى اللّه ذلك في الاسلام , يا علي ان عبدالمطلب كان لا يستقسم
بـالازلام , ولا يـعـبـد الاصـنـام , ولا يـاكـل مـا ذبـح عـلـى الـنـصـب , ويقول : انا على دين ابي
ابراهيم (ع ) ((151)) .


وفي انبعاث الماء من تحت خف راحلته كرامة اكرمه اللّه بها كما اكرم جده اسماعيل من قبل بجري
ماء زمزم له , ومثل هذه الكرامة اكرمها لحفيده النبي (ص ) لما تفجر الماء من حول سهمه في غزوة
تبوك ((152)) .


لا ينافي ما جاء في هذا الحديث : ان عبدالمطلب سن في الجاهلية خمس سنن اجراها اللّه في الاسلام
مع ما سبق ذكرنا له , فان اثبات الشي ء لا ينفي ما عداه .


خلاصة البحث .


اوصـى ابـراهـيم (ع ) الى اسماعيل باقامة دعامة شريعته الحنيفة (تعمير بيت اللّه الحرام واقامة
مناسك الحج ) فاقام بذلك طوال حياته حتى توفي بمكة المكرمة ودفن مع امه هاجر وبعض بنيه في
حـجر اسماعيل ((153)) , اما اسحاق فقد خص اللّه لاولاد ابنه يعقوب (اسرائيل ) احكاما جاءت
في شريعة موسى وعيسى عليهما السلام , وبعد عيسى بن مريم بدا عصر الفترة من الرسل , حيث لم
يـبـعث اللّه تعالى الى الناس رسلا مبشرين ومنذرين , غير انه قام بامر هداية بعض الناس ودعوتهم
للعمل بشريعة عيسى انبياء مثل خالد بن سنان , وحنظلة ممن كانوا اوصياء على شريعة عيسى , وفي
ام .


الـقرى وما حولها قام من نسل اسماعيل كابر بعد كابر باقامة دعامة شريعة ابراهيم الحنيفة وسننه
كالاتي اخبارهم :.


ا ـ الياس بن مضر:.


انـكر الياس بن مضر على بني اسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وردهم اليها حتى رجعت تامة الى
اولها, وهو اول من اهدى البدن الى البيت واول من وضع الركن بعد ابراهيم (ع ).


ب ـ خزيمة بن مدركة بن الياس :.


كـان خـزيـمـة يقول : قد آن خروج نبي من مكة يدعى احمد, يدعو الى اللّه والى البر والاحسان
ومكارم الاخلاق , فاتبعوه ولا تكذبوا ما جاء به فهو الحق .


ج ـ كعب بن لؤي :.


/ 10