إن هذه الأبحاث الدقيقة العقلية الأصوليةذات أثر بسيط في الأعلمية وفي الاستنباطوفي صحة الاستظهار، بالمقارنة مع تلكالثقافة العامة للمعارف مع تلك الثقافةالعامة للمعارف الإسلامية المأثورة عنالمعصومين حيث يكون الاجتهاد على ضوء هذهالمعارف الإسلامية أقرب إلى كلامالمعصومين من جهة وأقرب إلى مصادر التشريعمن القرآن والسنة وأقرب إلى الأحاديثوسيرة النبي وسيرة الأئمة وعملهم وسلوكهموتقريرهم من جهة أخرى.
إن تلك الثقافة الإسلامية العامة أقربإلى كلام المعصومين والى معين التشريع، منتلك الأبحاث العقلية والأصولية، من بحثالترتب والمشتق وأمثالهما.
إني أرى أن من أحاط بالمعارف الإسلاميةوأجاد استيعابها وكان فاقداً لتلكالدقائق العقلية الأصولية، يكون أعلم منالذي يتقن الأبحاث العقلية، ولكنه فاقدلتلك الثقافة العامة من المعارفالإسلامية لأن تأثير هذه في الفقه أكبر.
فالأطر التي وضعناها للأعلمية والمقاييسالتي ننطلق منها لمعرفة الأعلمية ناقصةجداً.
فليس من الصواب أن يتصور من أتعب نفسه فيالأبحاث الفنية الأصولية أكثر، ثم ألفكتاباً وأصدر رسالة عملية مثلاً، أنهالأعلم ويتحدى الجميع ويستهتر بالآخرين،إن هذا التصور خاطىء من الناحية العلميةوقبيح من الناحية الأخلاقية.
فلا بد من تعريف الأعلمية وتعيين حدودها:إن جميع العوامل المؤثرة في الاستنباطالسليم والقوي والشفاف والأقرب إلى واقعالفقه، والرأي المبارك للمعصومين (عليهمالسلام)، هي حدود الأعلمية ومقاييسهاوالمقصود منها (بالمعنى الذي أوضحناه)،لأن هذه الأمور تؤثر كثيراً في تقريبالذهن إلى فهم أهداف الأئمة الأطهار والىفهم الأحاديث ويكون دورها في إصابة الواقعالشرعي أكثر من تلك الأبحاث العقليةالأصولية أو الفلسفية ومن تلك القواعدالأخرى البعيد بعضها عن مقاصدهم (عليهمالسلام)؛ إذ من الممكن أن هذه الأبحاثالفنية المعقدة تؤدي في كثير من الأحيانإلى انحراف الذهن واعوجاجه والتوائه فيالاستظهار من الرواية وفهمها.
إن لما قلناه نماذج كثيرة في الفقه. لقدكان بعض الفقهاء ينتقد زملاءً له بأنهممتأثرون بالأفكار الفلسفية ولا يفهمونالروايات ويكون استظهارهم عن الرواياتمغلوطاً. والذي يتمعن في الفقه يعي هذاالموضوع جيداً.