ثم ليعلم إن كل إنسان ملك وسوقة يحتاج إلى وقت تقوم به حياته ويبقى شخصه ثم يحتاج إلى إعداد فضل قوته لما يستأنف من وقت حاجته وأنه ليس سبيل الإنسان 0 في اقتناء الأقوات سبيل سائر الحيوان الذي ينبعث في طلب الرعي والماء عند هيجان الجوع وحدوث العطش وينصرف عنهما بعد الشبع والري غير معبئ بما أفضله ولا حافظ لما احتازه ولا عالم بعود حاجته إليهما بل يحتاج الإنسان إلى مكان يخزن فيه ما يقتنيه ويحرسه لوقت حاجته فكان هذا سبب الحاجة إلى اتخاذ المساكن والمنازل فلما اتخذ المنزل واحرز القنية احتاج إلى حفظها فيه ممن يريدها ومنعها عمن يرومها فلو أنه أقام على القنية حافظا لها راصدا لطلابها إذن أفناها قبل أن يزيد فيها فإذا أفتنى ثانية عادت حاجته إلى حفظها فلا يزال ذلك دأبه حتى يصير في مثل حيز البهيمة التي تسعى إلى مرعاها مع حدوث حاجاتها فاحتاج عند ذلك إلى استخلاف غيره على حفظ قنيته فلم يصلح لخلافته في ذلك ألا من تسكن نفسه إليه ولم تسكن نفسه إلا إلى الزوج التي جعلها الله تعالى ذكره للرجل سكنا وكان ذلك سبب اتخاذ الأهل ولما يغشى الأهل بالأمر الذي جعله الله سببا لحدوث الذرية وعلة البقاء والنسل حدث الولد وكثر العدد وزادت الحاجة إلى الأقوات وإعداد فضلاتها لأوقات الحاجة احتاج عند ذلك إلى الأعوان والقوام وإلى الكفاة والخدام فإذا به صار راعيا وصار من تحت يده له رعية فهذه أمور قد استوى في الحاجة إليها الملك والسوقة والراعي والمرعي والسائس والمسوس والخادم والمخدوم لأن كل إنسان محتاج في دنياه إلى قوت يمسك روحه ويقيم جسده وإلى منزل يحرز فيه ذات يده ويأوى إليه إذا انصرف عن سعيه وإلى زوج تحفظ عليه منزلة وتحرز له كسبه وإلى ولد يسعى له عند عجزه ويمونه في حال كبره ويصل نسله ويحيى ذكره من بعده وإلى قوام وكفاة يعينونه ويحملون ثقله وإذا اجتمع هؤلاء كان راعيا ومسيما وكان له رعايا وسواما وكما إن المسيم يلزمه أن يرتاد مصالح سائمته من الكلأ والماء نهارا ومن الحظائر والزراب ليلا وإن يذكي عيونه في كلائها ويبث كلابه في أقطارها ليحرسها من السباع العادية ومن الآفات الطارقة ومن السرق والغارة والنهب وإن يختار لها المشتى الدفئ والمصيف الريح ويرود لها في طلب الكلأ والنطف العذاب وإن يتحين وقت عملها وإن يترقب حيت نتاجها ويلزمه بعد ذلك أن يسوقها إلى مصالحها ويصرفها عن متالفها بنعيقه وصفيره وبزجره ووعيده