الحاجة إلى الأقوات إن حاجة الناس إلى الأقوات دعت كل واحد منهم إلى السعي في اقتناء قوته من الوجه الذي ألهمه الله قصده وسبب رزقه من وجوه للطالب وسبل المكاسب أصناف الناس في الكسب ولما كان الناس في باب المعيشة صنفين صنفا مكفيا سعيه برزق مهنأ سبب له من وراثة أو جناه وصنفا محوجا فيه إلى الكسب ألهم هذا الصنف التسبب إلى الأقوات بالتجارات والصناعات وكانت الصناعات أوثق وأبقى من التجارات لأن التجارة تكون بالمال والمال وشيك الفناء وعتيد الآفات كثير الجوائح أنواع صناعات ذوي المروءة وصناعات ذوي المروءة ثلاثة أنواع نوع من خير العقل وهو صحة الرأي وصواب المشورة وحسن التدبير وهو صناعة الوزراء والمدبرين وأرباب السياسة والملوك ونوع من حيز الأدب وهو الكتابة والبلاغة وعلم 0 النجوم وعلم الطب وهو صناعة الأدباء ونوع من حيز الأبد والشجاعة وهو صناعة الفرسان والأساورة فمن رام إحدى هذه الصناعات فليفز بأحكامها والتقدم فيها حتى يكون من أصحابها موصوفا بالفصاحة غير مرذول ولا مؤخر وليعلم أنه ليس شيء أزين بالرجل من رزق واسع وافق منه استحقاقا ثم ليطلب معيشته بصناعة على أعف الوجوه وأرفقها وأعفاها وأبعدها من الشره والحرص وأناها من الطمع الفاحش والمأكل الخبيث وليعلم أن كل فضل نيل بالمغالبة والمكابرة وبالاستكراه والمجاهدة وكل ربح حيز بالإثم والعار ومع سوء القالة وقبح الأحدوثة أو يبذل الوجه ونزف الحياء أو بثلم المروءة وتدنيس العرض زهيد وأن عظم قدره نزر وإن غزرت مادته وبيل وإن ظهرت هناءته وخيم وإن كان في مرآة العين مريا وإن الصفو الذي لا كدر فيه والعفو الذي