عبارات فريق من فقهاء الشيعة في معنى الجمرة
1 ـ يقول السيّد
أبو المكارم بن زُهرة في كتاب «الغُنية» «وإذا رمى حصاة ، فوقعت في
محمل ، أو على ظهر بعير ، ثمّ سقطت على الأرض أجزأت . . .
كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه»8.
2 ـ يقول
العلاّمة الحلّي في كتاب «منتهى المطلب» «إذا رمى بحصاة فوقع على الأرض ،
ثمّ مرّت على سَنَنها9 ، أو أصابت شيئاً صُلباً كالمحمل وشبهه ، ثمّ
وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه ; لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه»10.
يومئ هذا التعبير
إلى أنّ موضع الرمي كان منخفضاً قليلاً ، فإذا ما وقعت قربه حصاة وتدحرجت حتّى
سقطت فيه كان مجزياً . وهذا دليل على أنّه لم يكن في هذا الموضع عمود بعنوان
«مرمى» .
3 ـ جاء في كتاب
فقه الرضا «فإنْ رَميتَ ووقَعَت في مَحمِل ،
وانحدَرَت منه إلى الأرض أجزأ عنك» . وفي ذيله عن بعض النسخ : «وإنْ
أصابت إنساناً أو جملاً ، ثمّ وقعت على الأرض أجزأه»11.
وسواء أكان فقه
الرضا مجموعة روايات أم كتاباً فقهيّاً لأحد القدماء ، (والواقع أنّ قرائن
كثيرة في فقه الرضا تشير إلى أنّ هذا الكتاب كتاب فقهيّ لأحد كبار قدمائنا) فإنّ
العبارة السابقة شاهد حيّ على مدّعانا أنّ الجمرات لم تكن
أعمدة ، بل
كانت ذلك الجزء من الأرض .
4 ـ يقول
العلاّمة في «التذكرة» «ولو رمى بحصاة ، فوقعت على
الأرض ، ثمّ مرّت على سنَنَها أو أصابت شيئاً صُلباً كالمحمل وشبهه ، ثمّ
وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه ; لأنّ وقوعها في المرمى بفعله
ورميه . . . وأمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها ،
فوقعت في المرمى ، فإنّه لا يجزئه»12.
لقد وردت في هذه
العبارات تعبيرات مختلفة ، بعضها صريح (مثل : وقعت على الأرض) وبعضها
ظاهرة في المدّعى (مثل : وقعت في المرمى) ، وهي تدلّ على أنّ المرمى هو
الموضع من الأرض .
5 ـ يقول الشيخ
الجليل الطوسي في كتابه القيّم «المبسوط» «فإنْ وقعت على مكان أعلى من الجمرة
وتدحرجت إليها أجزأه»13.
6 ـ يقول يحيى بن
سعيد الحلّي في كتاب «الجامع للشرائع» «واجعل الجِمار على يمينك ، ولا
تقف على الجمرة»14.
إذا كانت الجمرة
العمود الخاصّ ، فلا معنى للوقوف عليه ; ذلك أنّ أحداً لا يقف على
العمود . وهذا يدلّ على أنّ الجمرة هي الموضع من الأرض ، الذي يتجمّع فيه
الحصى ، والذي يوقَف خارجه للرمي لا عليه .
7 ـ وصاحب
الجواهر ممّن عنُوا بمعنى الجمرة ، فأورد احتمالات عديدة . ويدلّ كلامه
في آخر البحث على إجزاء رمي الحصى في موضع الجمرات ،
يقول «ثمّ المراد من
الجمرة البناء المخصوص ، أو موضعه إن لم يكن ، كما في كشف اللثام .
وسمّي بذلك لرميه بالحجارة الصغار المسمّـاة بالجِمار ، أو من الجمرة بمعنى
اجتماع القبيلة لاجتماع الحصاة
عندها . . . وفي الدروس : أنّها اسم لموضع الرمي ، وهو
البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى . وقيل : هي مجتمع الحصى لا السائل
منه . وصرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض ، ولا يخفى عليك ما فيه من
الإجمال .
وفي المدارك ـ بعد حكاية ذلك عنه ـ
قال : «وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده ; لأنّه المعروف الآن
من لفظ الجمرة ، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه ، أمّا مع زواله
فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه» . وإليه يرجع ما سمعته من الدروس وكشف
اللثام ، إلاّ أنّه لا تقييد في الأوّل بالزوال ، ولعلّه الوجه لاستبعاد
توقّف الصدق عليه»15.
من كلام صاحب
الجواهر هذا، يمكن استخلاص نقطتين الاُولى : أنّه نفسه يميل إلى إجزاء كلٍّ من إصابة
الأعمدة والأرض . وهذا يتوافق ومقصودنا من كفاية رمي الحصى في النُّقرة
المحيطة بالعمود .
الثانية : يُفهم ممّا أورده عن صاحب المدارك أنّه
يتمسّك لإصابة الحصى العمودَ بشيئين ، أحدهما : أصل الاشتغال
والاحتياط ، والآخر أنّ المعروف من لفظ الجمرة في عصره هو العمود ، ولكنْ
كِلا الدليلين غير مُقنع ، ذلك أنّ وجود الأعمدة في عصره ، لا يعني
وجودها في عصر المعصومين(عليهم السلام) ، وتقتضي قاعدة الاحتياط هنا إصابة
العمود ، ووقوع الحصاة في موضع اجتماع الحصى . وبناءً على هذا
لا يجزئ أن يصيب كثير من الحصى العمودَ ثمّ ينزلق خارجاً ، وهذا يولِّد
مشكلة كبيرة أُخرى للحجّاج في مراعاة أن يصيب الحجرُ الموضعين ، إضافةً إلى
أنّ الرجوع إلى أصل الاحتياط إنّما يكون إذا لم يكن لدينا دليل على وجوب الرمي في
مجتمع الحصى ، في حين لدينا على هذا دليل كاف ; ولا دليل لدينا على أنّ
المراد من رمي الجمرات هو الأعمدة ، بل
إنّ الشواهد تبيّن بوضوح أنّ الأعمدة لم يكن لها في العصور السابقة من وجود ، ولم يكن إلاّ هذا الموضع الذي
تجتمع فيه الحصى .
* *
*
إنّ هذه الفتاوى
التي أوردنا نماذج متعدّدة منها إنّما تنادي بأعلى صوتها قائلة : إنّ الجمرة
لم تكن على شكل عمود ، بل كانت هذه النُّقرة هي التي يُرمى فيها
الحصى .
ويُلاحظ في كلام
مشاهير فقهاء العامّة والخاصّة وفرة تعابير مثل «على الجمرة» و«في الجمرة» و«في
المرمى» ممّا يطول نقله . وفي هذه التعابير ما يؤيّد تأييداً جليّاً أنّ
الجمرة لم تكن بمعنى العمود ، كما صار في العصور المتأخّرة ، بل إنّها
هذه القطعة من الأرض التي يُرمى فيها الحصى ، ذلك أنّ تعبير «في الجمرة» أو
«على الجمرة» إنّما يناسب قطعة الأرض هذه ، لا الأعمدة
(فلاحِظ) .