ولقد كانت سوابق «إبراهيم»، وتحامله على الأصنام، واستهزاؤه بها قد أوجدت قلقاً وشكاً لدى أهل بابل، ولهذا طلبوا منه - وهم الذين يساورهم القلق من موقفه تجاه اصنامهم - الخروج معهم إلى الصحراء، والمشاركة في تلك المراسيم، ولكن اقتراحهم هذا بل إصرارهم واجه رفض إبراهيم الذي رد على طلبهم بحجة المرض اذ قال : «إنّي سقِيم» وهكذا لم يشترك في عيدهم، وخروجهم وبقي في المدينة.
حقاً لقد كان ذلك اليوم يوم ابتهاج وفرح للموحد والمشرك، وأمّا للمشركين فقد كان عيداً قديماً عريقاً يخرجون للاحتفال به، واقامة مراسيمه وتجديد ما كان عليه الآباء والاسلاف الى الصحراء حيث السفوح الخضراء والمزارع الجميلة.
وكان عيداً لإبراهيم بطل التوحيد كذلك، عيداً لم يسبق به مثيل، عيداً طال انتظارُه، وافرح حضوره وحلوله، فها هو إبراهيم يجد المدينة فارغة من الاغيار، والفرصة مناسبة للانقضاض على مظاهر الشرك والوثنية، وحدث هذا فعلاً.
فعندما خرج آخر فريق من اهل بابل من المدينة، إغتنم «إبراهيم» تلك الفرصة ودخل وهو ممتلئ ايماناً ويقيناً باللّه في معبدهم حيث الأصنام والأوثان المنحوتة الخاوية، وأمامها الأطعمةُ الكثيرة التي احضرها الوثنيون هناك بقصد التبرك بها، وقد لفتت هذه الاطعمةُ نظر «الخليل» عليه السّلام، فأخذ بيده منها كسرة خبز، وقدمها مستهزئاً الى تلك الاصنام قائلاً : لماذا لا تأكلون من هذه الاطعمة ؟
ومن المعلوم أن معبودات المشركين الجوفاء هذه لم تكن قادرة على فعل أي شيء أو حركة مطلقاً فكيف بالاكل.
لقد كان يخيم على ذلك جوّ ذلك المعبد الكبير سحابة من الصمت القاتل ولكنه سرعان ما اخترقته اصوات المعول الذي اخذ «إبراهيم» يهوي به على رؤوس تلك التماثيل الجامدة الواقفة بلا حراك، وايديها.
لقد حطم «الخليل» عليه السّلام جميع الاصنام وتركها ركاماً من الاعواد المهشمة، والمعدن المتحطم، واذا بتلك الاصنام المنصوبة في اطراف ذلك الهيكل