ولقد استفاد «إبراهيم» من هذه العملية فعلاً، وتوصل الى النتيجة التي كان يتوخاها، فقد ثابوا الى نفوسهم بعد ان سمعوا كلمات «إبراهيم» عليه السّلام، واستيقظت ضمائرهم وعقولهم ووصفوا انفسهم بالظلم بعد أن تبيّن لهم الحق وبطل ما كانوا يعبدون اذ قال تعالى : «فرجَعُوا إلى أنفُسِهِم فقالُوا إنّكم أنتم الظّالِمون»(1) وهذا بنفسه يفيد بأن سلاح الانبياء القاطع في بدء عملهم الرسالي كان هو : سلاح المنطق والاستدلال ليس إلا، غاية الأمر أن هذا كان يؤدى في كل دورة بما يناسبها من الوسائل، وإلا فما قيمة تحطيم عدد من الأصنام الخشبية بالقياس إلى مخاطرة النبيّ «ابراهيم الخليل» بنفسه وحياته، وبالقياس الى الاخطار التي كانت تتوجه اليه نتيجة هذا العمل الصارخ.
إذن فلابد ان يكون وراء هذه العملية الخطيرة هدفٌ كبيرٌ وخدمة عظمى تستحق المخاطرة بالنفس، ويستحق المرء امتداح العقل له اذا عرّض حياته للخطر في سبيلها.
3 - لقد كان إبراهيم يعلم جيداً بأن هذا العمل سيؤدي بحياته، وسيكون فيه حتفه، فكانت القاعدة تقتضي أن يسيطر عليه قلقٌ واضطرابٌ شديدان، فيتوارى عن اُعين الناس، أو يترك المزاح، والسخرية بالأصنام على الأقل، ولكنه كان على العكس من ذلك رابط الجأش، مطمئن النفس، ثابت القدم، فهو عندما دخل في المعبد الذي كانت فيه الأصنامُ تقدم بقطعة من الخبز الى الاصنام ودعاها ساخراً بها، الى الاكل، وثم ترك الأصنام بعد اليأس منها تلاً من الخشب المهشم، واعتبر هذا الامر مسألة عادية لا تستأهل الوجل والخوف، وكأنه لم يفعل ما يستتبع الموت المحقَّق ويستوجب الاعدام المحتّم.
فهو عندما يأخذ مكانه امام هيئة القضاة يقول معرضاً بالاصنام : فعله كبير الأصنام فاسئلوه ولا شك أن هذا التعريض والسخرية إنما هو موقف من