ولقد ادى ظهور هذه العين التي تدعى بزمزم في ان تتجمع الطيور في تلك المنطقة وتحلق فوق تلك البقعة التي لم يُعهد أن حلَّقت عليها الطيور، وارتادتها الحمائم، وهذا هو ما دفع بجرهم وهي قبيلة كانت تقطن في منطقة بعيدة عن هذه البقعة ان تتنبه إلى ظهور ماء فيها لما رأت تساقط الطيور وتحليقها، فأرسلت واردين ليتقصيا لها الخبر ويعرفا حقيقة الأمر، وبعد بحث طويل وكثير، انتهيا الى حيث حلت الرحمة الالهية، وعندما اقتربا إلى «هاجر» وشاهداً بام عينيهما «امرأة» و«طفلاً» عند عين من الماء الزلال الذي لم يعهداه من قبل عادا من فورهما من حيث أتيا، وأخبرا كبار القبيلة بما شاهداه، فاخذت الجماعة تلو الجماعة من تلك القبيلة الكبيرة تفد إلى البقعة المباركة، وتخيم عند تلك العين لتطرد عن «هاجر» وولدها مرارة الغربة، ووحشة الوحدة، وقد سبب نمو ذلك الوليد المبارك ورشده في رحاب تلك القبيلة في ان يتزوج إسماعيل هذا من تلك القبيلة، ويصاهرهم، وبذلك يحظى بحمايتهم له، وينعم بدفاعهم ورعايتهم ومحبتهم له. فانه لم يمض زمانٌ حتى إختار «إسماعيل» زوجة من هذه القبيلة، ولهذا ينتمي ابناء «إسماعيل» الى هذه القبيلة من جهة الاُم. تجديد اللقاء : كان إبراهيم عليه السّلام بعد أن ترك زوجته «هاجر» وولده «إسماعيل» في ارض «مكة» بأمر اللّه، يتردد على ولده بين فينة واُخرى. وفي احدى سفراته ولعلّها السفرة الاُولى دخل «مكة» فلم يجد ولده «إسماعيل» في بيته، وكان ولده الذي أصبح رجلاً قوياً، قد تزوج بامرأة من جرهم. فسأل «إبراهيم» زوجته قائلاً : اين زوجك ؟ فقالت : خرج يتصيَّد، فقال لها : هل عندك ضيافة ؟ قالت : ليس عندي شيء وما عندي أحد، فقال لها إبراهيم : «اذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له : فليغيّر عتبة بابه».