آلاف شاة أو ثلاثمائة بقرة لم يجز قضاؤه فكذلك إذا اصطلح الخصمان على ذلك و لو أقر رجل بقتل رجل خطأ عند القاضي و أقام ولي الجناية عليه البينة قضى بالدية على العاقلة لان الولي محتاج إلى هذه البينة فوجب قبولها و به يبتين ان المال لا يجب بدون القضاء لان الاقرار موجب بنفسه فلو وجب المال به عليه لا يستقيم قبول البينة من الولي بعده و القضاء به على العاقلة فان قال الولي بعد الاقرار به لا أعلم لي بينة فاقض لي بها عليه في ماله فقضى القاضي بها في مال المقر ثم وجد ولي الجناية بينة فاراد أن يحول ذلك إلى العاقلة لم يكن له ذلك لان المال قد وجب عليه بقضاء القاضي فلا يكون للولي أن يبطل قضاءه ببينته فتحول ذلك إلى العاقبة و لو قال الولي لا تعجل بالقضاء في ماله لعلى أجد بينه فاخره القاضي ثم وجد بينة قضى له على العاقلة لما بينا و لو أن رجلا من أهل البادية حفر بئرا في الطريق ثم ان الامام نقل أهل البادية إلى الامصار فتفرقوا فيها و صاروا أصحاب أعطيه ثم وقع في تلك البئر إنسان كانت الدية على عاقلته يوم وقع الرجل في البئر لان عند الوقوع في البئر يصير جانيا بالحفر السابق و أورد هذا النوع لا يضاح ما سبق من الفرق بين هذا الحفر و غيره قال و كذلك لو حفر و هو من أهل العطاء ثم أبطل الامام عطاءهم وردهم إلى أنسابهم فتعاقلوا عليها زمانا طويلا ثم مات إنسان في البئر كان عليه اليوم الذي وجب المال فيه لما بينا ان الرجل لم يخرج من نسبه و ان أثبت له في الديوان عطاء و لم يتحول إلى حالة أخرى و انما انتقلت عاقلته فلا تتبدل به نفسه و لو أن أهل عطاء الكوفة جنى رجل منهم جناية و قضى بها على عاقلته ثم ألحق بقوم من قومه من أهل البادية أو من أهل المصر لم يكن لهم ديوان و جعلوا مع قومهم عقلوا معهم و دخلوا فيما قضى به من الجناية و لم يدخلوا فيما أدوا قبل ذلك و هذا بمنزلة ما لو قلت العاقلة حتى ضم الامام إليهم أقرب القبائل في النسب و الاصل في هذا كله أن حال الجاني إذا تبدل حكما و انتقل من ولاء إلى ولاء بسبب حادث لم ينتقل جنايته عن الاولى كان قضى بها أو لم يقض و ان ظهرت حالة حقيقية مثل دعوى الملاعنة حولت الجناية إلى الاخرى وقع القضاء بها أو لم يقع و لو لم تختلف حالة الجاني و لكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك الوقت بالقضاء فان كان قضى على الاولى لم ينتقل إلى الثانية و ان لم يكن قضى بها على الاولى فانه يقضى بها على الثانية و إذا كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء و بعده الا فيما سبق أداؤه و لو أن رجلا من أهل البادية من أهل الابل جنى جناية فلم يقض
(141)
بها حتى نقله الامام و قومه فجعلهم أهل عطاء و جعل عطاءهم الدنانير ثم رفع إلى القاضي قضى عليهم بالدينانير دون الابل لان وجوب المال بقضاء القاضي و عند قضأ القاضي ما لهم عطاء فيقضي بالدية من جنس ذلك و لو كان قضى عليهم بمائة من الابل ثم نقله الامام و قومه إلى العطاء و جعل عطاءهم الدنانير أخذوا بالابل أو بقيمتها و ان لم يكن لهم مال العطاء أخذت قيمة الابل من أعطياتهم قلت القيمة أو كثرت لان الابل تعينت دية بقضاء القاضي و الحيوان لا يثبت دينا في الذمة ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه و بين القيمة فلا يتغير حكم ذلك القضاء بصيرورتهم من أهل العطاء و لكنهم يؤخذون بما قضى به عليهم في أموالهم فان لم يكن لهم مال العطاء أخذت قيمة الابل من أعطياتهم لان ذلك ما لهم و قد ذكر قبل هذا إذا قضى عليهم بالدية ثم جعلهم الامام أهل العطاء صارت الدية عليهم في أعطياتهم و من أصحابنا رحمهم الله من بين في هذه المسألة روايتين كلتاهما في هذا الكتاب و منهم من وفق فقال هناك أبهم الجواب أنه يؤخذ من أعطياتهم للتيسير عليهم و لم يبين ماذا يؤخذ ثم فسر ذلك هاهنا فقال تؤخذ قيمة الابل من أعطياتهم و تأويل ما ذكر هناك انه قضى من جنس العطاء عليهم بالدية و لم يعين جنسا منها بقضاء حتى صاروا أهل عطاء و انما يعين عليهم بعد ذلك ما هو من جنس العطاء و يأخذه من العطاء و هاهنا عين الجنس عند قضائه و قضى عليهم بمائة من الابل و العطاء و ليس من جنس الابل فيكون الرأي إليهم ان شاؤوا أدوا الابل من أموالهم و ان شاؤوا القيمة فإذا لم يكن لهم مال العطاء تؤخذ القيمة من أعطياتهم و لو أن ذميا أسلم و و الى رجلا ثم جنى جناية خطأ فلم يقض بها القاضي على العاقلة بشيء حتى أبرأ أوليآء المجني عليه الجاني من الجناية فللجاني أن يتحول بولائه عن الذي والاه لان بإبرائه سقط موجب الجناية و لم يجب شيء على الذي والاه لان الوجوب عليه بقضاء القاضي و لو كان الابراء بعد ما قضى القاضي على العاقلة بالدية لم يكن له أن يتحول بولائه لان بقضاء القاضي وجبت الدية على العاقلة لتأكد الولاية ثم بسقوطه عن العاقلة بالابراء و سقوطه بالاستيفاء سواء و معنى هذا الفرق أن موجب الجناية قبل القضاء على الجاني فالإِبراء يكون إسقاطا عن العاقلة و هذا بخلاف ما تقدم إذا لم يوجد الابراء و لا القضاء حتى تحول بولائه إلى غيره لان هناك موجب الجناية الاولى الباقية فانما يقضى القاضي به على عاقلة الاولى فلا يمكن أن يتحول حتى لو كان أقر الجاني بالجناية كان له أن يتحول سواء قضى بها عليه في ماله أو لم يقض لان موجب الجناية الثانية بإقراره يكون عليه
(142)
لا على عاقلته فلم يوجد في حق العاقلة ما يتأكد به الولاء و لو لم يجن و لكنه التحق معهم في ديوانهم فجنى بعضهم فعقل عنه معهم لم يكن له أن يتحول بولائه عنهم لان الذي والاه ليس له أن يحول إذا عقل عنهم فكذلك لا يكون له أن يتحول عنهم ( ألا ترى ) ان المولى بعد ما عقل عنه لم يكن له أن يبرأ من ولائه كما ليس له أن يتحول بالولاء عنه و قد كان قبل العقل لكل واحد منهما ذلك فإذا لم يكن لاحدهما أن يتحول بعد عقل الجناية لم يكن للاخر أن يحوله أيضا و لو أخذ معهم العطاء و لم يعقل عنهم كان له أن يتحول عنهم لان بأخذ العطاء لا يتأكد حكم الولاء بينه و بينهم أنما يتأكد ذلك بعقل الجناية اعتبار الولاء الموالاة فان ذلك انما يتأكد بعقل الجناية حتى ان عقل عقل الجناية لكل واحد منهما أن يتحول بولائه و ليس له ذلك بعد عقل الجناية من جانب واحد أو من جانبين و الله أعلم بالصواب ( كتاب الوصايا ) ( قال ) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمة الله عليه إعلم بان الوصية عقد مندوب اليه مرغوب فيه ليس بفرض و لا واجب عند جمهور العلماء و قال بعض الناس الوصية للوالدين و الاقربين إذا كانوا ممن لا يرثونه فرض و عند بعضهم الوصية واجبة على أحد ممن لم يرثوه و استدلوا بقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين و الاقربين و المكتوب علينا يكون فرضا و قال عليه السلام لا يحل لرجل يؤمن بالله و اليوم الاخر إذا كان له مال يريد الوصية فيه ان يبيت ليلتين الا وصيته مكتوبة عند رأسه و حجتنا في ذلك أن الوصية مشروعة لنا لا علينا قال عليه السلام ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم فضعوه حيث شئتم أو قال حيث أحببتم و المشروع لنا ما لا يكون فرضا و لا واجبا علينا بل يكون مندوبا اليه بمنزلة النوافل من العبادات ثم التبرع بعد الوفاة معتبر بالتبرع في حالة الحياة و ذلك إحسان مندوب اليه و كذلك التبرع بالوصية بعد الموت و أما الاية فقد اتفق أكثر أهل التفسير على أن ذلك كان في الابتداء قبل أن ينزل آية المواريث ثم انتسخ و تكلموا في ناسخه و كان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول انما انتسخ بقوله من بعد وصية يوصى بها أو دين فانه نص على الميراث بعد وصية منكرة فلو كانت الوصية للوالدين و الاقربين ثابتة بعد نزول هذه الاية
(143)
لذكر الارث بعد الوصية المعرفة لان تلك وصية معهودة و هذا قول الشافعي أيضا بناء على مذهبه أنه لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة و الرز اي كان لا يجوز نسخ الكتاب الا بالخبر المتواتر و أكثر مشايخنا رحمهم الله يقولون انما انتسخ هذا الحكم بقوله عليه السلام ان الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث و هذا حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول و العمل به و نسخ الكتاب جائز بمثله عندنا لان ما تلقته العلماء بالقبول و العمل به كالمسموع من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لو سمعناه يقول لا تعملوا بهذه الاية فان حكمها منسوخ لم يجز العمل بها و لاجل شهرة هذا الحديث بدأ الكتاب به و رواه عن أبي قلابة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا وصية لوارث و في بعض الرواية قال الا أن يجيزه الورثة و في هذه الزيادة بيان ان المراد نفى الجواز لا نفي التحقيق و من ضرورة نفي الجواز نفي الفرضية و الوجوب و الحديث مرسل بالطريق الذي رواه و لكن المراسيل حجة عندنا كالمسانيد أو أقوى من المسانيد لان الراوي إذا سمع الحديث من واحد لا يشق عليه حفظ اسمه فيرويه مسندا و إذا سمعه من جماعة يشق عليه حفظ الرواية فيرسل الحديث فكان الارسال من الراوي المعروف دليل شهرة الحديث فاما الحديث الذي رواه فهو شاذ فيما تعم به البلوى و الوجوب لا يثبت بمثله ثم هو محمول على ما كان ابتداء قبل نزول آية المواريث أو المراد أن ذلك لا يليق بطريق الاحتياط و الاخذ بمكارم الاخلاق لقوله عليه السلام لا يحل لرجل يؤمن بالله و اليوم الاخر ان يبيت شبعانا وجاره طاو إلى جنبه و المراد ما بينا ثم الوصية تتقدر بقدر الثلث من المال و هي مأخوذة من الدين لحديث رضى الله عنه قال انكم تقرؤن الوصية قبل الدين و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبدأ بالدين قبل الوصية و هكذا نقل عن أبن عباس رضى الله عنهما فهذا منهما اشارة إلى معنى التقديم و التأخير في الاية ثم قضأ الدين من أصول حوائج المرء لانه تفرغ به ذمته و الوصية ليست من أصول حوائجه و حاجته مقدمة في تركته ( ألا ترى ) انه يقدم جهازه و كفنه لحاجته إلى ذلك فكذلك قضأ الدين ثم زعم بعض أصحابنا أن الوصية بعد الدين تقدم على الميراث لظاهر الاية و أكثرهم قالوا التقديم لا يظهر في الوصية بل الوارث يستحق الثلثين ارثا في الوقت الذي يستحق الموصى له الثلث بالوصية و المراد من الاية تقديم الوصية على الميراث في الثلث لانه محل للارث إذا لم يوص فيه بشيء فإذا أقضي كانت الوصية في الثلث مقدمة على الميراث و الدليل على أن محل الوصية النافذة شرعا ثلث
(144)
المال ما رواه من حديث سعد بن مالك قال يا رسول الله أوصى بمالي كله فقال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال الثلث و الثلث كثير انك ان تدع ورثتك أغنياء خير أن من تدعهم فقراء يتكففون الناس و في رواية يتكفكفون وأصل هذا الحديث ما روى أن سعدا رضي الله عنه مرض بمكة عام حجة الوداع فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوده فقال يا رسول الله خلف عن دار الهجرة فأموت بمكة فقال أني لارجو أن يبقيك الله ينتفع بك أقوام و يضربك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثى له ان مات بمكة قيل هذا من النبي عليه السلام اشارة إلى ما جرى عن الفتوح على يد سعد في زمن عمر رضى الله عنه ثم قال يا رسول اني لا يرثني الا ابنة لي أ فأوصى بمالي كله الحديث و فيه دليل على انه لا ينبغى للمرء أن يوصى بأكثر من ثلثه لان النبي عليه السلام ذم المعتدين في الوصية و التعدي في الوصية مجاوزة حدها قال الله تعالى و من يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون و في الحديث الحيف في الوصية أكبر الكبائر و الحيف هو الظلم و الميل و ذلك بمجاوزة الحد المحدود شرعا بان يوصى لبعض ورثته أو يوصي بأكثر من ثلث ماله على قصد الاضرار بورثته و الدليل على ان محل الوصية الثلث ما روينا من قوله ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم ثم بين المعنى بقوله انك تدع عيالك أغنياء معناه ورثتك أقرب إليك من الاجانب فترك المال خير لك من الوصية فيه و في هذا دليل أن التعليل في الوصية أفضل و ذلك مروى عن أبي بكر و عمرو قال لان يوصى بالخمس أحب إلينا من أن يوصى بالربع و لان يوصى بالربع أحب إلينا من أن يوصى بالثلث و عن علي رضى الله عنه مثل ذلك و زاد و قال من أوصى بالثلث فلم يترك شيأ يعني لم يترك شيأ مما جعل له الشرع حق الوصية فيه فعرفنا ان القليل في الوصية أفضل لان ذلك أبعد عن وحشة الورثة فانه إذا أوصى بجميع الثلث قال الوارث لا منة له علي فانه ما ترك الوصية بما زاد على الثلث الا لعجزه عن تنفيذه شرعا و حق الوارث ثبت في ماله شرعا قال عليه السلام ان أفضل الصدقة أن تتصدق و أنت صحيح شحيح تأمل العيش و تخشى الفقر حتى إذا بلغ هذا و أشار إلى التراقي قلت لفلان كذا و لفلان كذا كان ذلك و ان لم يقل و انما تحل الوصية بالثلث شرعا لمن يترك ما لا كثيرا يستغني ورثته بثلثيه اما لكثرة المال أو لقلة الورثة هكذا روي ان عليا استأذنه رجل في الوصية لمن يترك خيرا يريد قوله تعالى ان ترك خيرا ثم يستدل بظاهر هذا الحديث من يقول بان الغنى الشاكر أفضل من الفقير الصابر فان النبي عليه السلام قدم صفة الغنى لوارثة سعد فقال
(145)
انك ان تدع عيالك أغنياء و لكنا نقول قدم صفة الغنى لهم و اختار الفقر لنفسه و الافضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه ثم انما قدم الغنى على الفقير الذي يسأل كما قال من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس أى يلحون في السوأل و نحن انما نقدم الفقير الصابر دون الذي يسأل كما وصفهم الله بقوله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا و هذا لان الفقير مع الصبر أسلم للمرء و أزين للمؤمن قال عليه السلام الفقر أزين للمؤمن من العذار الجيد على جلد الفرس فأما الغنى فسبب للطغيان و الفتنة قال الله تعالى كلا ان الانسان ليطغى أن رآه استغنى و روى أن حمزة بن عبد المطلب أوصي إلى زيد بن حارثة يوم أحد و ان عليا رضى الله عنه أوصى إلى الحسن رضى الله عنهم و فيه دليل ان ا للمرء أن يوصى إلى غيره في القيام بحوائجه بعد وفاته و هذا من نظر الشرع له أيضا فقد يفرط في بعض حوائجه في حياته أو تحترمه المنية فيحتاج إلى من يقوم مقامه في القيام بحوائجه بعد موته و الايصاء إلى الغير كان مشهورا بين الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر رضي الله عنه استخلف عمر و أوصى إلى عائشة رضي الله عنها في حوائجه و عمر أوصى إلى حفصة و تكلم الناس في أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هل أوصى إلى أحد و الصحيح عندنا انه لم يوص إلى أحد بشيء انما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس و به استدلوا على خلافته فقالوا ما اختاره لامر ديننا الا و هو يرضي به لامر دنيانا و ينبغي أن يوصي إلى من هو أقرب اليه إذا كان أهلا لذلك كما أوصى علي إلى ولده الحسن رضي الله عنه و أوصى حمزة إلى زيد بن حارثة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد آخى بينهما حين قدم المدينة و ذكر عن ابن مسعود انه سئل عن إنسان أوصى بسهم من ماله فقال هو السدس و به أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال مطلق لفظ السهم في الوصية و الاقرار ينصرف إلى السدس و هو مروى عن جماعة من أهل اللغة منهم اياس بن معاوية قالوا السهم السدس و أبو يوسف و محمد رحمهما الله قالا للموصى له سهم مثل أخس سهام الورثة و روى ذلك في الكتاب عن شريح لان ماله يصير سهاما بين ورثته فذكر السهم ينصرف إلى ذلك و أخس السهام متيقن فيه الا أن يجاوز السهم فحينئذ لا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث بدون اجازة الورثة و أبو حنيفة يقول هذا ان لو ذكر السهم معرفا و قد ذكره منكرا بقوله أوصيت لكم بسهم من مالي فينصرف إلى ما فسر أهل اللغة السهم به و بيان المسألة يأتي في موضعه و عن عمر رضي الله عنه قال إذا أوصى الرجل بوصيتين فالاخيرة منهما أملك و بظاهره
(146)
أخذ الشافعي فقال الوصية الثانية بالثلث أو بالعتق للذي أوصى به لغيره يكون دليل الرجوع عن الوصية الاولى و لكنا نقول المراد وصيتان بينهما منافاة بان يوصى ببيع عبده من إنسان ثم يوصى بعتقه أو على عكس ذلك فان بين هاتين الوصيتين في محل واحد منافاة فالثانية منهما دليل الرجوع عن الاولى فأما إذا أوصى إلى إنسان بعبد بعينه ثم أوصى لاخر بذلك العبد فلا منافاة بين الوصيتين في المحل و مراده ان يكون كله لاحدهما ان لم يقبل الاخر الوصية أو لم يبق إلى ما بعد موت الموصى و ان لم يكن مشتركا بينهما ان قبلا جميعا الوصية فلا تكون الثانية منهما دليل الرجوع عن الاولى و ان لم يستحق الموصى له الاول الترجيح بالسبق فلا أقل من أن يزاحم الموصي له الثاني و عن إبراهيم في الرجل يموت و لم يحج قال ان أوصى أن يحج عنه فمن الثلث و ان لم يوص فلا شيء و بهذا نأخذ و قد بينا المسألة في كتاب المناسك فنقول فيما يجب حقا لله تعالى خالصا كالزكاة و الحج لا يصير دينا في التركة بعد الموت مقدما على الميراث و لكنه ينفذ من الثلث ان أوصى به كما ينفذ بسائر التبرعات و ان لم يوص به فهو يسقط بالموت في أحكام الدنيا و ان كان مؤاخذا في الاخرة بالتفريط في الاداء بعد التمكن منه و على قول الشافعي يصير ذلك دينا في تركته مقدما على الميراث أوصى به أو لم يوص و قد بينا المسألة في كتاب المناسك و الزكاة و عن إبراهيم في الرجل يوصي بثلث ماله يحج به عنه أو يعتق به رقبة فلم تتم الحجة و لا الرقبة قال يتصدق عنه و لسنا نأخذ بهذا فاين تنفذ الوصية تجب على ما أوجبه الموصى بحسب الامكان و التحرز عن التبديل واجب بالنص قال تعالى فمن بدله بعد ما سمعه الاية و انما يحج بثلثه من حيث يبلغ و ان كان الثلث لقلته بحيث لا يمكن أن يحج به عنه فهو لورثته و كان إبراهيم ذهب في ذلك إلى ان مقصود الموصى التقرب إلى الله تعالى بثلث ماله و نيل الثواب في ذلك القدر من المال فيجب تحصيل مقصوده ؟ بحسب الامكان و ذلك في التصديق به و لكنا نقول اعتبار التعبير في ألفاظ الشرع يجب لانها لا تخلو عن حكمه حميدة فاما في أوأمر العباد فيعتبر اللفظ ( ألا ترى ) انه لو أمر إنسانا بان يطلق إمرأته للسنة فطلقها بغير السنة لم يقع و الشرع أمر بإيقاع الطلاق للسنة و من طلق إمرأته لغير السنة كان طلاقه واقعا و عن إبراهيم قال لا بأس بأن يوصى المسلم للنصراني أو النصراني للمسلم فيما بينه و بين الثلث و هكذا عن شريح و به نأخذ فان الوصية تبرع بعد الوفاة بعقد مباشرة فيعتبر بالتبرع في حياته و لا بأس بعقد الهبة بين المسلم و الذمى في حال الحياة و الاصل فيه قوله