البحـث الثانـي النبي (ص ) يبشر بالائمة الاثني عشر من بعده
فـي اعـتـقادنا ان ولاية الامر بعد النبي (ص ) كانت امرا مفروغا عنه عنده (ص ) ,وان اللّه تعالى امـره ان يبلغ الامة ولاية عترته من بعده , كما هي سنته تعالى في انبيائه , ان يورث عترتهم الكتاب والحكم والنبوة .ونبينا (ص ) افضلهم , ولا نبوة بعده , بل امامة ووراثة الكتاب .وعـتـرتـه وذريته (ص ) افضل من ذريات جميع الانبيا (ع ) وقد طهرهم اللّه تعالى واصطفاهم , واورثـهم الحكم والكتاب ( ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ).وقد كان النبي (ص ) طوال نبوته يبلغ ولاية عترته بالحكمة والتدريج , والتلويح والتصريح , لعلمه بحسد قريش لبني هاشم , وخططها لابعادهم عن الحكم بعده ,بل قد لمس (ص ) مرات عديدة عنف قريش ضدهم , فاجابهم بغضب نبوي وكانت حجة الوداع فرصة مناسبة للنبي (ص ) لكي يبلغ الامة ولاية الامر لعترته رسميا على اوسع نطاق , حيث لم يبق بعد تبليغ الفرائض والاحكام , واتساع الدولة الاسلامية , والمخاطر المحيطة بها , واعلان النبي (ص ) قرب رحيله الى ربه الا ان يرتب امر الحكم من بعده .بـل تـدل النصوص ومنطق الامور , على ان ذلك كان هو الهم الاكبر للنبي (ص )في حجة الوداع , وان قـريـشـا كـانـت تعرف جيدا ماذا يريد النبي (ص ) , وتعمل لمنع اعلان ذلك فـعاليتها في حجة الوداع لمنع تكريس ولاية علي والعترة (ع ) بشكل رسمي , واخذ البيعة لهم من الامة ولا يـتـسـع هذا البحث للاستدلال على المفردات التي ذكرناها وكل مفردة منهاعليها عدة ادلة بل نـكـتـفـي هنا باستطلاع خطب النبي (ص ) في حجة الوداع فقدذكرت المصادر انه (ص ) خطب خـمـس خـطب غير خطبة الغدير , وكان من حق هذه الخطب النبوية ان تنقلها المصادر كاملة غير مـنـقوصة , لان المستمعين كانوا عشرات الالوف ولكنك تراها مجزاة مقتضبة , خاصة في الصحاح المعتمدة رسميا عندالخلافة القرشية قال في السيرة الحلبية : 3 / 333:.خطب صلى اللّه عليه وسلم في الحج خمس خطب : الاولى يوم السابع من ذي الحجة بمكة , والثانية يـوم عـرفـة , والثالثة يوم النحر بمنى , والرابعة يوم القر بمنى ,والخامسة يوم النفر الاول بمنى ايضا انتهى .وقـد راجـعـنـا نصوص هذه الخطب من اكثر من مئة مصدر , فوجدنا فيها الغرائب والعجائب , من التعارض والتضارب , والمؤشرات والادلة على تدخلات قريش ورواتها في نصوصها وكـل ذنب خطب الوداع ان النبي (ص ) امر المسلمين فيها باطاعة اهل بيته من بعده , وحذرهم من الاختلاف بعد ما جاهم العلم بغيا بينهم , واقام عليهم الحجة ,كاملة غير منقوصة ولـكن رغم كل التعتيم القرشي , فقد وصلنا منها في المصادر القرشية نفسها , مافيه بلاغ لمن اراد معرفة اوامر نبيه , وتاكيده على الالتزام بقيادة عترته الطاهرين من بعده صلى اللّه عليه وعليهم .ونـذكـر مـنها فيما يلي : حديث الائمة الاثني عشر , حيث اتفق الجميع على ان النبي (ص ) طرح قضيتهم في خطبه على المسلمين في حجة الوداع ثـم نـسـتعرض اهم ما تضمنته الخطب الشريفة من محاور , ومنها حديث الثقلين :الكتاب والعترة , وحديث : حوض النبي (ص ) , والصحابة الذين يمنعون من الورودعليه , ويؤمر بهم الى النار ـ روى البخاري في صحيحه : 8 / 127:.جـابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : يكون اثنا عشراميرا , فقال كلمة لم اسمعها , فقال ابي : انه قال : كلهم من قريش ـ وفي صحيح مسلم : 6 / 3:.جـابـر بن سمرة يقول : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : لا يزال الاسلام عزيزا الى اثني عشر خليفة , ثم قال كلمة لم افهمها , فقلت لابي : ما قال ؟فقال : كلهم من قريش ثم روى مسلم رواية ثانية نحوها قال فيها ( ثم تكلم بشئ لم افهمه ).ثـم روى ثـالثة , جا فيها ( لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا الى اثني عشر خليفة ,فقال كلمة صمنيها الناس ولـم يـصرح البخاري ان هذا الحديث جز من خطبة حجة الوداع في عرفات ,وقد قلده غيره في ذلك , ولكن عددا من المصادر نصت عليه فـفـي مـسـنـد احمد : 5 / 93 و 96 و 99 ( عن جابر بن سمرة قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عـلـيه وسلم بعرفات , فقال ) وفي ص 87 (يقول في حجة الوداع ) وفي ص 99 منه ( وقال المقدمي في حديثه : سمعت رسول اللّه (ص ) يخطب بمنى )انتهى .وسـتـعـرف ان الـنبي (ص ) كرر هذا الموضوع المهم في عرفات , وفي منى عندالجمرة , وفي مسجد الخيف ثم اعلنه شرعيا وصريحا في غدير خم فـمـا هي قصة الائمة الاثني عشر ؟ ولماذا طرحها النبي (ص ) على اكبر تجمع للمسلمين , وهو يودع امته ؟ يـجـيبك البخاري : ان هؤلا ليسوا ائمة بعد النبي (ص ) تجب طاعتهم , بل هم امرا صالحون سوف يكونون في امته في زمن ما , وانه (ص ) قد اخبر امته بمااخبره اللّه تعالى من امرهم , وانهم جميعا مـن قريش , لا من بني هاشم وحدهم , بل من البضع وعشرين قبيلة التي تتكون منها قريش فيهم من الانصار , ولا من قبائل العرب الاخرى , ولا من غير العرب وهذا كل ما في الامر وتسال البخاري : لماذا اخبر النبي (ص ) امته في حجة الوداع في عرفات بهؤلاالاثني عشر ؟ وما هو الامر العملي الذي يترتب على ذلك ؟ يـجيبك البخاري : بان الموضوع مجرد اخبار فقط , فقد احب النبي (ص ) ان يخبر امته بذلك , لكي تانس به فكانه مجرد خبر صحفي ليس فيه اي عنصر عملي والنتيجة : ان البخاري لم يرو في صحيحه في الائمة الاثني عشر الا هذه الرواية اليتيمة المبهمة , التي لا يمكنك ان تفهمها انت ولا قومك روايـات عـديدة , واضحة مفهومة , تبين كيف احترمها النبي (ص ) , وارسل معها من يساعدها على احرامها وعمرتها امـا مـسلم فكان اكرم من البخاري قليلا , لانه اختار رواية يفهم منها ان هؤلاالاثني عشر هم خلفا يحكمون بعد النبي (ص ) ويـفـرح المسلم بحديث مسلم هذا , لانه يعني ان اللّه تعالى قد حل مشكلة الحكم في الامة بعد نبيه (ص ) , فهؤلا ائمة معينون من اللّه تعالى على لسان نبيه ,ويستمدون شرعيتهم من هذا التعيين , ولا يحتاج الامر الى سقيفة واختلافات , ثم الى صراع دموي على الحكم من صدر الاسلام الى يومنا هذا وملايين الضحاياوانقسامات في الامة ادت الى تراكم ضعفها الى ان انهارت خلافتها وخلفاؤها ولـكـن رواية مسلم تقول : كلا لم تحل المشكلة , لان النبي (ص ) اخبر عنهم اخبارا مجملا يـخـبـر المسلمين عن هويتهم واسمائهم ؟ ولم يساله احد من عشرات الالوف الذين اخبرهم بهذا الـمـوضوع الخطير : من هم يا رسول اللّه ؟ الامر بلا منازع ؟ يـقـول مـسـلم كما قال البخاري : كلا ,كلا انهم فقط اناس ربانيون , يعز اللّه بهم الاسلام وهم من قريش من قريش وهكذا لا يمكنك ان تصل من البخاري ومسلم الى نتيجة مقنعة في امر هؤلاالائمة الاثني عشر فقد اقـفـل الشيخان عليوروى في نفس الصفحة عن نفس الراوي جابر بن سمرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يكون بعدي اثنا عشر خليفة , كلهم من قريش قال ثم رجع الى منزله , فاتته قريش فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج انتهى .فـفي الروايتين كلمة ( بعدي ) والمفهوم منها انهم يكونون بعده مباشرة , والثانية تكشف عن اهتمام قـريـش بـالـموضوع , وسؤالهم عن هؤلا الائمة الربانيين , وان القصة في المدينة , لا في حجة الوداع , فاحفظ ذلك لما ياتي وقد وردت كلمة بعدي , ومن بعدي , في عدد من روايات الحديث , منها مارواه احمد ايضا في : 5 / 94 , عن نفس الرواي ( يكون بعدي اثنا عشر اميرا , ثم لا ادري ما قال بعد ذلك , فسالت القوم ).وفـي : 5 / 99 و 108 عـن الـسوائي ايضا ( يكون من بعدي اثنا عشر اميرا , فتكلم فخفي علي , فسالت الذي يليني او الى جنبي , فقال : كلهم من قريش ).وفي سنن الترمذي : 3 /340.( يكون من بعدي اثنا عشر اميرا , قال : ثم تكلم بشئ لم افهمه , فسالت الذي يليني , فقال قال : كلهم من قريش ).وفـي تـاريخ البخاري : 1 / 446 رقم 1426 : عن جابر بن سمرة ايضا انه سمع النبي قال :يكون بعدي اثنا عشر خليفة انتهى .وفي الصواعق المحرقة لابن حجر /20 قال :.خرج ابو القاسم البغوي بسند حسن , عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال :سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : يكون خلفي اثنا عشر خليفة انتهى .اذن , فـقـد طـرح النبي (ص ) في حجة الوداع امر الحكم من بعده , واخبر عن ربه عز وجل بان حكم الامة الشرعي يكون لاثني عشر ولكن ذلك لا يحل المشكلة , بقدر ما يفتح باب الاسئلة على قريش ورواتها:.السؤال الاول : لماذا نرى ان روايات هذه القضية الضخمة تكاد تكون محصورة عندهم براو واحد , هـو جـابـر الـسوائي , الذي كان صغيرا في حجة الوداع , ولعله كان صبيا ابن عشر سنوات يـسمعها غيره ؟ الم يروها غيره من كل الصحابة الذين كانوا حاضرين ؟ رواية جابر فازت لانها احسن رواية ملائمة للخلافة القرشية , فاعتمدتها , وسمحت بتدوينها 0الـسـؤال الـثـانـي : كان المسلمون يسالون النبي (ص ) عن صغير الامور وكبيرها ,حتى في اثنا خـطـبته , وهذه الروايات تقول انه اخبرهم بامر عقائدي , عملي ,مصيري , مستقبلي , وتدعي انه ابهمه ابهاما , ثم لا تذكر ان احدا من المسلمين ساله عن هؤلا الائمة الربانيين , وما هو واجب الامة تجاههم ؟ واذا كـانـت ( قـريـش ) قـد ذهبت الى النبي (ص ) في بيته في المدينة , كما يقول نفس الراوي , وطـرقـت عـليه بابه لتساله عما يكون بعد هؤلا الاثني عشر , فهل يعقل انها لم تساله عنهم , وعما يكون في زمانهم وهل تعلم ان قريشا في المدينة تعني عمر وابا بكر فقط ؟ وهل يعقل ان احدا من المسلمين في حجة الوداع , لم يسال النبي (ص ) عنهم ,ولا عما يكون قبلهم , وبعدهم , وعن واجب الامة تجاههم ؟ الـسـؤال الثالث : لماذا خفيت على الراوي الكلمة الحساسة , التي تحدد هوية الائمة الاثني عشر , حتى سال عنها الراوي القريبين منه ؟.ثم رووها عن النبي (ص ) في المدينة ايضا , فخفيت نفس الكلمة ثـم لماذا تؤكد مصادر الخلافة القرشية على نقل الكلمة المفقودة عن سمرة وعن عمر بن الخطاب فقط ؟ الـيـس مـن حق الباحث ان يشك في الامر وان يبحث بنفسه عن هذه كلمة السرالمفقودة في اسواق الحديث والتاريخ ؟ سنحاول في الملاحظات والمسائل التالية , تسليط الضؤ على هذا السر المفقود
الاولى : هل ان اصل كلهم من قريش : كلهم من عترتي
ماهو السبب في غياب الكلمة على الراوي ؟ ومن الذي ساله عنها فشهد له بها؟.ـ جا في مسند احمد : 5 / 100 و 107 ان الراوي لم يفهم الكلمة , وخفيت عليه قال .( ثم قال كلمة لم افهمها قلت لابي ما قال ؟ قال : قال كلهم من قريش ).ـ وفي مستدرك الحاكم : 3 / 617 ( وقال كلمة خفيت علي , وكان ابي ادنى اليه مجلسا مني فقلت ما قال ؟ فقال كلهم من قريش ).ـ وفـي مسند احمد : 5 / 90 و98 ان النبي (ص ) اخفاها وخفض بها صوته , وهمس بها همسا قـال كلمة خفية لم افهمها , قال قلت لابي ما قال ؟ قال قال كلهم من قريش )ـ وفي مستدرك الحاكم : 3 / 618 ( ثـم قـال كلمة وخفض بها صوته , فقلت لعمي وكان امامي : ما قال ياعم ؟ قال قال يابني : كلهم من ظقريش ).ـ وفي معجم الطبراني الكبير : 2 / 213 ـ 214 ح 1794.عن جابر بن سمرة عن النبي قال : يكون لهذه الامة اثنا عشر قيما , لا يضرهم من خذلهم , ثم همس رسول اللّه (ص ) بكلمة لم اسمعها , فقلت لابي ما الكلمة التي همس بها النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟ قال ابي : كلهم من قريش ).بـينما تقول روايات اخرى ان الذى ضيع الكلمة هم الناس , فالناس ـ المحرمون لربهم في عرفات , المودعون لنبيهم (ص ) , المنتظرون لكل كلمة تصدر منه ـ صارواكانهم في سوق حراج , وصار فـيـهـم مـشاغبون يلغطون عند الكلمة الحساسة ليضيعوهاعلى المؤمنين , فيضجون , ويكبرون , ويتكلمون , ويلغطون , ويقومون , ويقعدون ـ ففي سنن ابي داود : 2 / 309 ( قال فكبر الناس , وضجوا , ثم قال كلمة خفية , قلت لابي يا ابة ما قال ؟ قال كلهم من قريش ) ومثله في مسند احمد : 5 / 98.ـ وفي مسند احمد : 5 / 98 ( ثم قال كلمة اصمنيها الناس , فقلت لابي ما قال ؟ قال :كلهم من قريش ) وفي رواية مسلم المتقدمة ( صمنيها الناس ).وفي ص 93 ( وضج الناس ).وفي ص 99 ( فسمعته يقول : لن يزال هذا الامر عزيزا ظاهرا , حتى يملك اثنا عشركلهم ثم لغط القوم وتكلموا , فلم افهم قوله بعد كلهم , فقلت لابي يا ابتاه ما بعدكلهم ؟ قال : كلهم من قريش ).وفي نفس الصفحة ( لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا , ينصرون على من ناواهم عليه الى اثني عشر خليفة قال فجعل الناس يقومون ويقعدون ) اما الذين سالهم جابر بن سمرة عن الكلمة , فتقول اكثر الروايات انه سال اباه سمرة , فتكون الشهادة بـتـوسيع دائرة الائمة من هاشم الى قريش , متوقفة على وثاقة سمرة ايضا البخاري ومسلم , وغيرهما.ولـكن في رواية احمد : 5 / 92 ( بعدي اثنا عشر اميرا , ثم لا ادري ما قال بعد ذلك ,فسالت القوم كلهم فقالوا : قال كلهم من قريش ) ونحوه في ص 90 , وفي ص 108 ( يكون بعدي اثنا عشر اميرا , قـال ثـم تـكـلـم فـخفي على ما قال , قال فسالت بعض القوم , اوالذي يلي , ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ).ـ وفي : 5 / 99 ( فخفي علي فسالت الذي يليني ) ونحوه في : 5 / 108.ـ وفـي مـعجم الطبراني الكبير : 2 / 277 ح 2044 , ان ابن سمرة قال ان القوم زعموازعما ان الـنـبـي (ص ) قال انهم من قريش اميرا , ثم تكلم بشئ لم اسمعه , فزعم القوم انه قال : كلهم من قريش ).والواقع انه يصعب على الانسان ان يقبل خفا اهم كلمة عن الائمة الذين بشربهم النبي (ص ) , وفي مثل ذلك الجو الهادئ المنصت في عرفات الموضوع هـذا وقـد روى ابن سمرة نفسه ان النبي (ص ) كان يخطب وهو راكب على ناقته ,وهذا يعني انه كان حريصا على ان يوصل صوته الى الجميع ففي مسند احمد : 5 / 87 ( ثم خفي من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم , قال وكان ابي اقرب الى راحلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مني بل رووا انه النبي (ص ) امر شخصا جهوري الصوت , فكان يلقي خطبته جملة جملة , ويامره ان ( يصرخ ) بها ليسمعها الناس ـ ففي مجمع الزوائد : 3 / 270.