الفصل الرابع المهدي المنتظر في البيان النبوي أو السنة المطهرة - حقیقة الاعتقاد بالإمام المهدی المنتظر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقیقة الاعتقاد بالإمام المهدی المنتظر - نسخه متنی

أحمد حسین یعقوب اردنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الله حق، وأنه لا يخلف الميعاد، فلا بد أن يأتي زمن تتولى القيادة الإسلامية
المدعومة بالتوفيق الإلهي إظهار الإسلام على الدين كله، بحيث يكون الإسلام هو
الدين الرسمي للعالم.

الآية دالة على ظهور المهدي المنتظر

قال الطبرسي في مجمع البيان ج 5 ص 35: (ومن هنا ورد في الأثر عن
الإمام الباقر بأن الآية مبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه بتأييد من الله
تعالى سيظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأديان، حتى لا يبقى على وجه الأرض
مشرك وهذا هو قول السدي المفسر المعروف).

قال القرطبي في تفسيره ج 8 ص 121، والرازي في التفسير الكبير ج 16
ص 40 قال السدي: (ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل الإسلام) أي
أن الله سبحانه وتعالى يظهر الإسلام على الدين كله في عهد المهدي. وأهل بيت
النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب مجمعون على ذلك، ومن المستحيل أن
يجمعوا بغير دليل، أو قناعة، لأنهم أحد الثقلين ولأن المهدي المنتظر هو خاتم
الأئمة عندهم، وقناعتهم مطلقة بأن الله تعالى: (قد فتح بهم (أي بالنبي) ويختم
بهم (أي بالمهدي).

2 - قال تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب)
(سورة سبأ، الآية: 51). أخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان أن المعنى في هذه
الآية منصب على الجيش الذي سيخسف به، وقد تواترت الأحاديث بأن جيشا
سيرسل للقضاء على المهدي، وأنه سيخسف بهذا الجيش، وهذا الخسف لم
يحصل للآن، وحدوثه مرتهن بظهور المهدي. (راجع تفسير الطبري ج 2
ص 72، وعقد الدرر 84 ب 4 من الفصل الثاني، والحادي للفتاوي للسيوطي
ج 2 ص 81، والكشاف للزمخشري ج 3 ص 467 - 468).

3 - قال تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط
مستقيم) (سورة الزخرف، الآية: 61)..

لقد ذكر البغوي في معالم التنزيل ج 4 ص 444 والزمخشري في الكشاف
ج 4 ص 6 والرازي في التفسير الكبير ج 27، والقرطبي في تفسيره ج 16
ص 105 والنسفي بهامش تفسير الخازن ج 4 ص 108 وتفسير الخازن ج 4
ص 109 وابن كثير في تفسيره ج 4 ص 124 وتفسير أبي السعود ج 8 ص 52
بأن هذه الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم، وقال مثل ذلك مجاهد تفسير
مجاهد ج 2 ص 583 وإلى هذا أشار السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 20،
وقال أخرجه ابن حنبل وابن أبي حاتم، والطبراني وابن مردويه وسعيد بن منصور
عن ابن عباس.

وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528:

(قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: (وإنه
لعلم الساعة) هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة
وإماراتها).

وتجد مثل ذلك في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 162 ونور الأبصار
للشبلنجي الشافعي ص 186، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 126
باب 159.

وقد ذكر القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع ج 3 ص 76 باب 71 الكثير من
الآيات التي فسرها أئمة أهل بيت النبوة بالإمام المهدي وظهوره، (راجع المهدي
المنتظر في الفكر الإسلامي ص 21 - 25). ومن يمعن النظر يجد أن في القرآن
الكريم الكثير من الآيات التي حملت وعودا إلهية دنيوية، وربط تحققها بتوافر
ظروف موضوعية معينة، وفق معايير خاصة لا تعرف إلا بالبيان النبوي، ومن
استعراض الحادثات التاريخية واستقراء الشرع الحنيف، وما وصل إلينا من الآثار
المروية عن الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة يتبين لنا أن الكثير من الوعود الإلهية
الدنيوية مرتبط تحقيقها بعصر ظهور المهدي، وقيادة هذا المهدي. فإذا ظهر الإمام المهدي وآلت قيادة الأمة إليه تبدأ عملية ترجمة الوعود الإلهية من النظر إلى
التطبيق ومن الكلمة إلى الحركة، لأن ظهور المهدي سيكون في آخر الزمان، ومن
أشراط قيام الساعة، ومن المحال عقلا أن تقوم الساعة ولا ينفذ الله وعوده لأنه.

أصدق القائلين، ولأنه لا يخلف الميعاد. كل هذه الظروف تجعل من البيان النبوي
المفتاح لكل غموض، والطريق الفرد إلى اليقين، في كل متشابه والأساس لكل
المعارف الدينية التي صاغت نظرية المهدي المنتظر في الإسلام، والتي بشرت
بعصر الظهور. وهذا يستدعي بالضرورة وقفة مطولة عند كل ما صدر عن الرسول
حول المهدي المنتظر بالذات وحول عصر ظهوره..

الفصل الرابع المهدي المنتظر في البيان النبوي أو السنة المطهرة

التكامل وعمق الارتباط بين القرآن الكريم والسنة النبوية

القرآن الكريم وبيان النبي لهذا القرآن (السنة النبوية) وجهان لعملة واحدة أو
لشئ واحد، فلا يعرف أحدهما إلا بالآخر، ولا يفهم أحدهما فهما يقينيا إلا
بالآخر، ولا تستقيم الحياة إلا بالاثنين معا. لقد اقتضت حكمة الله وطبيعة الإسلام
كآخر دين، وطبيعة رسالة النبي، كخاتم للنبيين أن يكون التكامل والترابط بين
القرآن والبيان النبوي مطلقا، فالنبي خلال حياته المباركة هو المالك الشرعي
واليقيني لمفتاح بيان القرآن، ومعرفة المقاصد الإلهية من كل نص من نصوصه،
وحرف من حروفه يفيض على الناس من هذه المعارف بحجم تطورهم
واستيعابهم. وقد أعده الله تعالى وأهله لهذه المهمة.

وأتم الله نعمته وأكمل دينه يوم أعد وأهل وخصص (طواقم) فنية مهمتها
القيادة والبيان من بعد النبي، وهم الأئمة الكرام من أهل بيت النبوة الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأعلن الله تعالى في القرآن الكريم بأن القرآن
كتاب كريم لا يمسه إلا المطهرون، أي لا يعرف معناه ولا يجيد بيانه إلا المطهرون
وهم أهل بيت النبوة، وبين النبي معنى هذه الآية وحدد من هم آل بيت النبوة بكل
وسائل التوضيح والبيان، وفي اجتماع عام للمسلمين أعلن الرسول أن حجته تلك

هي حجة الوداع، وأنه لن يلقى المسلمين بعد هذا العام، وأنه وبمجرد عودته إلى
المدينة سيمرض وسيموت في مرضه، وأنه أراد أن يلقي القول معذرة للمسلمين،
وأنه قد ترك من بعده ثقلين أحدهما كتاب الله وهو الثقل الأكبر وثانيهما أهل بيت
النبوة، وهم الثقل الأصغر، وأن الأمة لن تهتدي إلا إذا تمسكت بالثقلين معا، ولا
يمكن أن تتجنب الضلالة إلا بتمسكها بالاثنين معا، ثم سأل النبي المسلمين
المجتمعين في غدير خم قائلا: ألست وليكم ؟ ألست مولاكم ؟ فأجاب المسلمون
بلسان واحد، بلى يا رسول الله أنت ولينا ومولانا!! فقال الرسول: من كنت وليه
فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا على مولاه. وفهم المسلمون
المغزى، وجلس علي وتقدم المسلمون واحدا واحدا وبايعوه بالولاية وقدموا له
التهاني، وعرفوا بأن عليا هو أول أئمة أهل بيت النبوة، وأن الإمام من بعده هو ابنه
الحسن، وأن الإمام من بعد الحسن هو ابنه الحسين، وأن نظام الولاية والقيادة من
بعد النبي قد انتظم، فالقائم من الأئمة يعهد بالإمامة لمن يليه وفقا لترتيب ألهي
عهد الله به لنبيه وعهد النبي به لأول الأئمة. وقد وثقنا كل ذلك في كتابينا:

(المواجهة مع رسول الله وآله) ونظرية عدالة الصحابة، فارجع إليهما إن شئت
للتيقن من إجماع أصحاب الحديث على كل ما ذكرناه.

الانقلاب والتنكر التام للرسول ولبيانه ولأهل بيته الكرام

بطون قريش التي قاومت النبي وعادته طوال ال 15 سنة التي قضاها في مكة
قبل الهجرة، وحاربته طوال مدة 8 سنوات بعد الهجرة، ثم اضطرت مكرهة
للدخول في الإسلام شكلت وأعوانها الأكثرية في المجتمع المسلم. لم ترق هذه
الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول لتلك البطون. وبنفس الوقت فإن البطون قد
أدركت بأن النبوة قد تمخضت عن ملك عريض، لذلك طمعت البطون بهذا
الملك، وخططت لغصبه من أهله وأخذت تتحين الفرص لتنفيذ مخططها. لقد
أدركت البطون عمق التكامل والترابط بين الكتاب المنزل وبيان النبي المرسل،
وتيقنت من استحالة تنفيذ مخططها هذا في حالة بقاء هذا التكامل والترابط بين
كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب. لذلك كله قررت بطون قريش وصممت نهائيا.

على أن تفرق بين الله ورسوله، وبين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، لتجمد
عمليا كافة النصوص الشرعية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمنصب البيان والقيادة
من بعد النبي، وأن تتجاهل بالكامل هذه النصوص الصادرة عن النبي، وتعتبرها
كأنها غير موجودة، أو في أحسن الأحوال مجرد آراء شخصية لمحمد بن عبد الله
الهاشمي، مثلما قررت بطون قريش أن تهمل بالكامل أهل بيت النبوة الذين
اعتبرهم الدين أحد الثقلين، فاعتبرهم بطون قريش مجرد أفراد مسلمين لا ميزة
لهم على أحد في مجتمع كل أفراده قد اعتنقوا الإسلام. وبدأت بطون قريش بتنفيذ
قراراتها. بعد دقائق من انفضاض الاجتماع التاريخي في غدير خم. وفي كتابنا
(المواجهة) أثبتنا أن بطون قريش قد مهدت لقراراتها قبل غدير خم بسنين.

مرض النبي واتهامه بالهجر وإعلان النوايا بوضوح

بعد أيام من عودة النبي إلى المدينة مرض كما أخبر الناس في غدير خم،
وكان سكان المدينة على يقين بأن مرض النبي هو مرض الموت، وإنه سيموت في
مرضه كما أخبرهم النبي بذلك. وقد جرت العادة عند كل زعماء العالم وحتى
رؤساء القبائل وعلية القوم أن يلخص الزعيم أو شيخ القبيلة، أو السيد لاتباعه
الموقف من بعد موته، وأن يعلن توجيهاته وتعليماته النهائية لاتباعه فضرب النبي
موعدا للخلص من أصحابه ليكتب توجيهاته النهائية للأمة. علمت بطون قريش بما
عزم عليه النبي، فجمعت جمعا كبيرا، وبالوقت المحدد لكتاب التوجيهات النهائية
اقتحم هذا الجمع بيت النبي، ودخلوه دون استئذان، فوجئ الخلص من أصحاب
النبي، ولم يكن بوسع النبي أن يتراجع ولا ينبغي له فقال لمن حوله قربوا أكتب
لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وما أن أتم النبي كلامه حتى قال جمع البطون
بصوت واحد، إن النبي قد غلبه الوجع، ولا حاجة لنا بكتابه، إن النبي يهجر!!

استفهموه إنه يهجر!!!! وكرروا هذه الكلمة النابية على مسامعه الشريفة متجاهلين
بالكامل وجوده، وحدث نزاع بين الخلص الذين دعاهم النبي وهم قلة، وبين
الجمع الكبير الذي حشدته بطون قريش وارتفعت الأصوات، وأطلت النسوة من
وراء الستر فقلن لجمع بطون قريش: إلا تسمعون رسول الله يقول لكم قربوا يكتب
لكم كتابا لن تضلوا بعده! فنهر عمر بن الخطاب النسوة لأن رأيه كان كرأي بطون

قريش وقال لهن: (إنكن صويحبات يوسف...) هنا أتيحت الفرصة للنبي ليتكلم
فقال: (إنهن خير منكم، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع، ما أنا فيه خير مما
تدعونني إليه). وأدرك النبي أنه لم يعد هنالك ما يبرر كتابة توجيهاته النهائية، فلو
أصر النبي على كتابة توجيهاته النهائية، لأصر جمع بطون قريش على اتهامه بالهجر
مع ما يستتبع ذلك من عواقب مدمرة على الدين نفسه، لذلك صرف النبي النظر
عن كتابة هذه التوجيهات، وخرج جمع البطون وخرج الخلص من أصحاب النبي،
ونجح جمع البطون بالحيلولة بين النبي وبين كتابة ما أراد، ونجحت بطون قريش
عمليا، ولأول مرة بالتفريق بين الله ورسوله، وبين كتاب الله وبيان النبي لهذا
الكتاب، ورفعت بطون قريش شعار: (حسبنا كتاب الله) أي يكفينا القرآن، ولسنا
بحاجة لبيان النبي أو لوصيته!! وهكذا أعلنت بطون قريش نواياها وبكل سفور،
فعرفها النبي، وعرفها الخلص من أصحابه. وخرج الرسول عمليا من التأثير على
مسرح الأحداث، وصار الذين آمنوا قلة كما كانوا دائما، وسط كثرة تدعي
الإسلام!! ومن المدهش حقا أنه ما من خليفة قط إلا وكتب توجيهاته النهائية وهو
على فراش الموت، وقد اشتد به الوجع أكثر مما اشتد برسول الله ومع هذا لم يقل
أحد من المسلمين قط لأحد من الخلفاء قط (حسبنا كتاب الله، أو أن المرض قد
اشتد بك، ولا حاجة لنا بكتابك، بل على العكس كانت توجيهات الخلفاء تنفذ
كأنها وحي من الله جاء به الله والملائكة قبلا).

قد يقول قائل أن هذا غير معقول!! ولا يمكن أن يعامل الرسول بهذه
القسوة، ولكن هذا ما حدث بالفعل فأصح الصحاح عند أهل السنة صحيحا
البخاري ومسلم، وقد سلما بوقوع ذلك كله وفي كتابينا: (نظرية عدالة الصحابة
والمواجهة) سقنا ووثقنا كافة الروايات التي ذكرها البخاري ومسلم في
صحيحهما. فارجع إليهما إن كنت في شك من ذلك.

منع رواية وكتابة أحاديث رسول الله

قبضت بطون قريش على مقاليد الأمور حتى قبل أن يدفن رسول الله، وكانت
أول المراسيم التي أصدرتها دولة الخلافة أن منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول -.

لأن كتابة ورواية أحاديث الرسول - تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس!!! هكذا
ورد بالمرسوم الأول لدولة الخلافة، وجاء بالمرسوم أيضا: (فمن سألكم عن شئ
فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)!!! فلم يعد بوسع أهل بيت النبوة، ولا بوسع غيرهم
أن يروي حديثا أو يحتج بحديث إلا إذا كان هذا الحديث مؤيد لدولة الخلافة أو
لسلوكها أو لاتجاهاتها، أو لسياساتها عندئذ يصبح هذا الحديث، أو ذلك سندا
شرعيا لوجود دولة الخلافة، أو لسلوكها أو اتجاهها أو سياستها. كذلك لم يعد
بوسع مسلم أن يكتب أحاديث الرسول، بل شجعت الدولة على حرق المكتوب من
أحاديث الرسول، وبدأ الخليفة الأول بنفسه حيث كان قد كتب خمسمائة حديث
أثناء حياة الرسول، قالت أم المؤمنين عائشة فبات الخليفة يتقلب ولما أصبح
الصباح أحرق الأحاديث التي كتبها فعلمت أم المؤمنين عائشة ابنته بأنه لن يعدل
بكتاب الله شئ، ولما جاء الخليفة الثاني اشتد في هذه الناحية فناشد الناس أن
يأتوه بكل ما كتبوا من أحاديث رسول الله، وظن الناس أنه يريد أن يدونها ويكتبها
فجاءوه بها فلما وضعت بين يديه أمر بتحريقها، وكان يوصي جيوشه قبل توجهها
للقتال بعدم التحديث عن رسول الله!! حتى لا يصدوا الناس عن القرآن الكريم!!

وكان يقرع بشدة الذين يحدثون عن رسول الله!! وكان يحبس بعضهم بتهمة
الإكثار من التحديث عن رسول الله، وأحيانا يضرب بعضهم، لأنه لا يريد إلا
القرآن، ولأنه مقتنع بأن القرآن وحده يكفي!! وقد سبقت هذه الحملة الرسمية
حملة سرية قادتها بطون قريش، حتى والرسول على قيد الحياة، ونهت أولياءها
من أن يكتبوا أحاديث رسول الله بحجة أنه بشر يتكلم في الغضب والرضى!!

والأخطر من ذلك أن سنة الرسول الثابتة في الأمور السياسية والاقتصادية
والاجتماعية صارت مجرد اجتهادات شخصية، وكان بإمكان الخليفة وبكل
أعصاب هادئة أن يخالفها تماما، فالرسول مجتهد والخليفة مجتهد، ولا حرج أن
خالف المجتهد مجتهدا مثله!!! فعلى سبيل المثال كان الرسول يقسم المال بين
الناس بالسوية لأن حاجات البشر الأساسية متشابهة، وهكذا فعل الخليفة الأول،
ولما آلت الخلافة إلى الخليفة الثاني رأى أن الأنسب والأصوب عدم المساواة بين
الناس في العطاء، بل عطاء الناس حسب منازلهم، فاجتهد وعمل جدولا للمنازل،.

ووزع العطاء حسب هذا الجدول!! وحسب هذا الجدول لم يساو حتى بين زوجات
النبي، وقد أدت عدم التسوية في العطاء إلى نشوء الطبقات فملك بعض الناس
الملايين من الدنانير الذهبية بينما كان الآلاف من المسلمين لا يجدون رغيف
العيش، ولما رأى الخليفة الثاني تلك الآثار المدمرة لعدم التسوية في العطاء قال
وبكل بساطة: (لئن استقبلت من عامي ما استدبرت لأعملن بسنة النبي وصاحبه
ولأسوين بين الناس بالعطاء)!!!!!

ولما آلت الخلافة للخليفة الثالث كانت أول مراسيمه الإعلان عن عدم
السماح برواية أي حديث لم يسمع به في زمن الخليفتين الأول والثاني. واستمر
المنع الشامل على كتابة ورواية أحاديث الرسول. خلال عهود الخلفاء الثلاثة
الأول ترسخت مفاهيم معينة عن الحديث النبوي والسنة النبوية بشكل عام
وارتبطت هذه المفاهيم بالسلطة الغالبة التي أرست حجر الأساس العملي للفترة
التي تلت موت النبي. فإذا استعرضنا الأحاديث التي أذنت السلطة بشيوعها
وانتشارها خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول نجدها منصبة بالدرجة الأولى
والأخيرة على تمجيد قريش وإبراز مكانتها كعشيرة النبي، وعلى فضائل الخلفاء
الثلاثة ومصاهرتهم للنبي، ومكانتهم عنده، ودورهم البارز في نصرة النبي.

والتركيز على أن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة أو القيادة حق خالص للمسلمين،
فهم وحدهم أصحاب الاختصاص ببيعة من يريدون، أما الأحاديث والسنن
المتعلقة بالأحكام والعبادات والمعاملات، فلا حرج من روايتها إن كانت لا
تتعارض مع اجتهادات الخلفاء وعلومهم، واجتهادات وعلماء أولياء الخلفاء.

وهكذا خضعت كتابة ورواية الأحاديث لرقابة السلطة الصارمة، فمنع رواية
الحديث وكتابته شامل وكامل، ولكن السلطة أذنت بل وشجعت على رواية وكتابة
ما يخدم سياستها وتوجهاتها العامة، وما يرغم أنوف معارضيها ويكبتهم، وقربت
رواة تلك الأحاديث، فكعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة النبي يصغى إليه،
ويتكلم ويسأل، وتقرب مكانته، وأبو ذر، وحذيفة وعمار بن ياسر يجبرون على
السكوت، ويطاردون في الأرض، ويضربون وينفون من الأرض.

وما يعنينا بأن الأحاديث المتعلقة بالإمامة أو الولاية من بعد النبي،.

والأحاديث المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم كانت محظورة ومحصورة
حصرا تاما، وحيل بين الناس وبين معرفتها، وتم تجاهل أهل بيت النبوة سياسيا
تجاهلا تاما، وتم استبعادهم وأولياؤهم عن كافة مراكز التأثير والخطر فتأخروا
وهم المتقدمون، وتقدم عليهم كافة المتأخرين، فمع وجود علي بن أبي طالب
يتمنى عمر بن الخطاب لو أن سالم مولى أبي حذيفة حيا ليوليه الخلافة، وسالم
هذا مولى لا يعرف له نسب في العرب، فعمر بن الخطاب يعتقد حسب اجتهاده
وموازينه أن سالم مولى أبي حذيفة هو أولى بخلافة النبي من علي بن أبي طالب
ابن عم النبي، وأول المؤمنين به، وزوج ابنته ووالد سبطيه، وفارس الإسلام
والولي الرسمي لكل مؤمن ومؤمنة، وسيد العرب وسيد المسلمين وإمامهم
بالنص الشرعي!!

وعندما تمنى عمر لو أن سالم أو خالد، أو أبا عبيدة، أو معاذ بن جبل أحياء
لولى أحدهم الخلافة، ويوضح عمر الأسباب فيقول فلو سألني ربي عن ذلك لقلت
سمعت نبيك يقول، ويروي حديثا سمعه عن النبي في كل واحد من أولئك الذين
تمنى عمر حياتهم!! والمثير حقا أن عمر نفسه سمع النبي يقول: (من كنت وليه
فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وسمع النبي وهو
يقول عن علي: (إنه وليكم من بعدي) وسمعه وهو يقول له أنت سيد العرب،
وأنت سيد المسلمين وإمام المتقين، والاهم من ذلك أن عمر نفسه قد هنأ الإمام علي بالولاية في غدير خم...

لكنها سياسة لجم الحديث النبوي وإلزامه على السير بما يتلاءم مع توجهات
السلطة وإرغام أنوف معارضيها.

لما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب، وبايعته الأكثرية الساحقة التي بايعت
الخلفاء الثلاثة، وجد أن دائرة الحصار والخطر على كتابة أحاديث الرسول محكمة
تماما وأنه ليس من اليسير اختراقها وبيان الحقائق الشرعية للناس، لأن مضامين
هذه الدائرة قد استقرت بعد أن أصبحت منهاجا تربويا وتعليميا رسميا للناس خلال
عهود الخلفاء الثلاثة الأول، فأوجد الإمام طريقة خاصة لاختراق تلك الدائرة وفتح
نوافذ فيها، فكان يشهد ويحدث شخصيا بما سمعه من النبي، وكان يغتنم فرصة

تجمع الصحابة في اجتماع عام ويناشد قائلا: (نشدت الله امرءا مسلما سمع
رسول الله في المكان الفلاني قد قال كذا أن يقوم... فيقوم العشرة والعشرون،
ليشهدوا على أن الرسول قد قال كذا بالفعل، وكان يصدف أن بعض شانئي أهل
بيت النبوة الذين سمعوا رسول الله لا يقومون، وإمعانا بإقامة الحجة عليهم يسألهم
الإمام عن سبب عدم قيامهم مع أنه يعرف أنهم قد سمعوا الرسول وهو يقول...

فيدعون النسيان، ويصدف أن يدعوا الإمام على بعضهم، ويستجيب الله لدعوة
الإمام، ويحمل السامع المنكر علامة تشهد بكذبه كما حدث يوم الرجعة ولقد
استطاع الإمام علي خلال مدة حكمه أن يكشف للناس ما جهدت السلطة بإخفائه،
طوال السنين التي تلت موت النبي الأعظم خاصة الأحاديث المتعلقة بمنصب
القيادة من بعد النبي، وبمكانة أهل بيت النبوة، وفضائلهم. وجاء معاوية فسن ما
يمكن أن نسميه بحرب الفضائل، فسخر كافة موارد الدولة وإمكانياتها للحط من
مكانة أهل بيت النبوة، وللتشكيك بكل ما نشره علي بن أبي طالب وأولياءه عن
منصب القيادة من بعد النبي، وللتنكر لكل الفضائل التي قالها رسول الله عن أهل
بيته، ولخلط الأوراق خلطا عجيبا أمر معاوية كافة ولاته وعماله أن لا يدعوا فضيلة
يرويها أحد من المسلمين في علي وأهل بيت النبوة إلا وجاءوا بمثلها لأحد من
الصحابة، فسالت سيول الفضائل، وانفتحت الأرض عن عشرات الآلاف من
الرواة، فرووا عشرات الألوف من الفضائل ونسبوها للرسول، ثم أمرت الدولة
بتدريس هذه المرويات في المدارس والمعاهد والجامعات، وفرضت دراستها على
العامة والخاصة، فنشأ جيل يعتقد بصحة هذه المرويات، ثم انتقلت هذه المرويات
من جيل إلى جيل واقتصر اهتمام المسلمين عليها، وبقي الحظر والمنع على رواية
وكتابة أحاديث الرسول ساريا على ما سواها، وإمعانا بإرغام أنوف أهل بيت النبوة
ومن والاهم أمر معاوية كافة رعاياه أن يلعنوا عليا بن أبي طالب وأهل بيته كما
تلعن الشياطين، وأن لا يجيزوا لأحد ممن يحبهم شهادة، وأن يقطعوا عطاءهم
ويهدموا دور الذين يوالونهم. (راجع كتاب الأحداث للمدائني، وقول ابن نفطويه
في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم).

ولما تولى الخليفة الأموي الفاضل عمر بن عبد العزيز الخلافة أدرك خطورة.

منع كتابة ورواية أحاديث الرسول، وخشي أن يندرس هذا العلم ويموت ما تبقى
من أهله، فكتب إلى واليه على المدينة وكلفه بكتابة أحاديث الرسول، ولأن
الخليفة على علم بتوجهات المجتمع فقد علل قراره بخشيته من موت العلماء،
واندراس علم الحديث.

فاحتج علماء عصره، وضج المجتمع الإسلامي الذي تربى على ثقافة
معينة!! وتساءل الناس متعجبين ؟ كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على اقتراف ما
نهى عنه الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان!!! وأهمل أمر الخليفة عمر بن
عبد العزيز عمليا ولم ينفذ، لأن التوجه العام للمجتمع لا يحتمل ذلك، فمن غير
الممكن أن يسمح بكتابة ورواية أحاديث صدرت عن رسول الله، تتضمن فضائل
علي بن أبي طالب، مثلا في الوقت الذي أمرت فيه الدولة كافة رعاياها بلعنه!!

والتبروء منه!! ولا يحتمل مجتمع دولة الخلافة إبراز فضائل ومكانة أهل بيت
النبوة في الوقت الذي تعتبرهم الدولة أعداء الخليفة وأعداء المجتمع!! ولكن على
الرغم من أن أمر الخليفة لم ينفذ عمليا إلا أنه كان ثغرة واسعة في جدار سميك،
وإعداد علمي للمجتمع ليرقى من طور إلى طور!!

وبعد قرابة مائة عام على موت الرسول اقتنع مجتمع دولة الخلافة بضرورة
كتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تر دولة الخلافة في ذلك ما يهدد وجودها أو
يمس استقرارها، فإيديولوجيتها الواقعية قد رتبت عمليا واستقرت في أذهان العامة
خلال مدة المائة العام التي منعت فيها رسميا كتابة ورواية أحاديث الرسول، لهذا
كله أذنت دولة الخلافة برواية وكتابة أحاديث الرسول، أو على الأقل لم تعترض
على هذا التوجه الجديد!!

الانطلاقة الكبرى في رواية وكتابة الحديث

أ - على صعيد علماء دولة الخلافة

على ضوء التوجه العام والواقع الجديدين، انطلق علماء دولة الخلافة
ليبحثوا عن كل ما صدر عن نبيهم من قول أو فعل أو تقرير قبل مائة عام!!!.

وأوجدوا ضوابط علمية لعمليتي كتابة ورواية سنة الرسول من قول، أو فعل، أو
تقرير، وبذلوا جهودا مضنية للوقوف على كل ما قاله رسول الله بالفعل في كل أمر
من الأمور، وفي أي شخص من الأشخاص، أو أية جماعة من الجماعات، حتى
أنهم رووا الأحاديث المتعلقة بعلي بن أبي طالب، وأهل بيت النبوة الذين صبت
عليهم دولة الخلافة كل غضبها ونقمتها وقوتها!! فرويت الأحاديث التي تتحدث
عن مكانة علي، وقربه من النبي، وجهاده المميز وسجله الحافل بالأمجاد،
ورويت أحاديث تتحدث عن مكانة أهل بيت النبوة، وآل محمد وتميزهم عن
غيرهم من المسلمين، والتي تبرز دور آل محمد بالدفاع عن دعوة الإسلام، وإقامة
دولته الأولى، ومعاناتهم الكبرى، باحتضان النبي، والدفاع عنه، والجهاد بين
يديه!! وأبعد من ذلك أن علماء دولة الخلافة قد رووا أحاديثا عن رسول الله عن
عداوة أبي سفيان وبنيه خاصة، والبطن الأموي عامة لله ورسوله، وعن قيادتهم
لجبهة الشرك طوال فترة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأنهم حاربوا الإسلام
ونبيه طوال مدة الثماني سنوات التي تلت الهجرة، وأنهم قد استعدوا العرب
واليهود على رسول الله، وأعظم من ذلك، فقد روى العلماء أحاديثا عن
رسول الله، بأن الحكم بن العاص وذريته هم أعداء الله ورسوله، وأن الله قد لعنهم
على لسان نبيه، ومع هذا آلت خلافة الرسول لذرية الحكم، في الوقت الذي كانت
فيه ذرية النبي وآل النبي يتعرضون للتقتيل والتشريد والتطريد!!! بعد أن فرضت
الدولة على العامة والخاصة لعنهم.

وروى علماء دولة الخلافة أحاديث عن رسول الله تبين مكانة فاطمة الزهراء،
وابنيها الحسن والحسين، عند رسول الله، وقرابتهم القريبة، ومنزلتهم الرفيعة في
قلبه الشريف. لقد أذهلت تلك المرويات العامة والخاصة من المسلمين، وربطوها
بالمحن والمآسي والآلام التي تجرعها أهل بيت النبوة مجتمعين ومنفردين!!!

وبدأت قلوب المسلمين تتعاطف مع أهل البيت، وتتيقن أن خللا كبيرا قد حدث،
وأن لأهل بيت النبوة قضية عادلة لم تلق أبدا آذانا صاغية طوال التاريخ!!

وفجأة قررت جموع دولة الخلافة أن تعتبر عليا بن أبي طالب رابع الخلفاء
الراشدين، وأن تعترف به وبابنيه الحسن والحسين، كعمداء لآل محمد الذين لا.

تجوز صلاة المسلم بغير الصلاة عليهم!! وأنهم والسيدة الزهراء هم أهل بيت
النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واكتشفت تلك الجموع أنها
قد سارت طويلا بالخط المعاكس للطريق الإلهي. وشعرت تلك الجموع بالندامة
لأنها خذلت عليا وحسنا وحسينا، وسمت الحسن، وقتلت الحسين وهما ابنا
رسول الله ومزقت آل محمد في كربلاء، أو على الأقل لأنهم قتلوا أمامها دون أن
تنصرهم أو تحرك ساكنا.

وهذا انقلاب حقيقي وثورة فعلية تحدث في نفسية تلك الجموع التي
استجابت لمعاوية، وخلفاء بني أمية، ولعنت الإمام علي في العشي والأبكار،
وتعبدت بكرهه وكراهية أهل بيت النبوة طمعا بدنيا معاوية وشيعته!!!

(ولم يجد العلماء صعوبة تذكر بكتابة ورواية الأحاديث التي احتضنتها دولة
الخلافة، والتي كانت منسجمة مع توجهات تلك الدولة، ومع تاريخها السياسي،
لأن تلك الأحاديث كانت مروية ومكتوبة بالفعل، وجاهزة، وكانت تشكل المناهج
التربوية والتعليمية لدولة الخلافة، حيث كان تعلمها مفروضا على الخاصة
والعامة، فنقلها العلماء كما هي، مسلمين بصحتها سندا لكثرة تداولها بين الناس،
ولأنها جزء لا يتجزأ من وثائق الدولة الرسمية التي عمل بها المجتمع، بل
والأعظم من ذلك أنها قد صارت أحد مقاييس الصحة لما يروى من الحديث، فإذا
تعارض حديث مع الأحاديث التي تبنتها الدولة، فهذا الحديث موضع شك!!!

والمخرج يكمن بتضعيف رواته، أو أحد رواته أو تكذيبهم، أو تكذيب بعضهم،
بمعنى أن المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة كانت بمثابة رقيب ضمني على
ما يروى من أحاديث الرسول، فأي حديث يتفق مع هذه المناهج فهو صحيح وما
يعارضها فهو موضع شك، ومع هذا لم تكن هنالك موانع فعلية من رواية أي
حديث، وهذا بحد ذاته إنجاز، بل وثورة فعلية كبرى أطل من أبوابها ونوافذها
الرأي الآخر مدعوما بالسند الشرعي، وهذا ما كان ممنوعا طوال التاريخ.

والخلاصة أن علماء دولة الخلافة لم يتوقفوا أبدا عن تقييد كل ما ذكر بأنه
قد صدر عن الرسول، فكانوا يروونه، ويقيسونه بموازينهم العلمية التي أوجدوها
خصيصا لهذه الغاية، ويخرجونه للناس ويكتبونه بصحاحهم أو مسانيدهم، أو.

تواريخهم، أو سيرهم أو مؤلفاتهم، إنها انطلاقة عظيمة لإحياء كل ما وأدته دولة
الخلافة عبر تاريخها السياسي الطويل!!

ومن الطبيعي أن تعترض هذه الانطلاقة الكبرى معوقات كبرى أيضا فظهر
الكذابون الذين تعمدوا الكذب على رسول الله، إما تأييدا لتاريخ قد استقر، أو
دفاعا عما تهوى الأنفس، أو نكاية وإرغاما لأنف خصم، وقد يكون الكذب لصالح
الرسول كما زعم بعضهم حيث قالوا: (إننا لا نكذب على الرسول إنما نكذب
له)، وبرع بعض الرواة بالرواية كما وكيفا وخلطوا فهمهم لما سمعوه من الرسول،
بآرائهم الشخصية، وسوقوا الاثنين معا، فإما أن ترفضهما معا أو تقبلهما معا!!

ومع هذا فقد تمخضت تلك الانطلاقة الكبرى عن ثروة علمية عظمي، تجد
فيها الجزء الأعظم من الحقيقة، التي تطمئن بها القلوب. لكن لا أحد من علماء
دولة الخلافة قد أدعى بأن ما أخرجه من الأحاديث هو عين ما صدر عن رسول الله
باللفظ والمعنى، بلا زيادة ولا نقصان والأحاديث التي وصلتنا عن النبي بهذا
الوصف: (لفظا ومعنى، وبلا زيادة أو نقصان) أندر من النادر!! وهكذا ألحقت
دولة الخلافة بالعالم والعلم خسارة فادحة عندما منعت رواية وكتابة أحاديث
الرسول، بالوقت الذي أجازت فيه رواية وكتابة حتى الخرافات والأساطير، ولولا
جهود العالم لضاع الأثر والعين معا، ولكن الله غالب على أمره.

وتمخضت تلك الانطلاقة الكبرى عن تدوين الكم الهائل من الأحاديث في
مجموعة كبيرة من كتب الحديث أبرزها عند أهل السنة ستة كتب عرفت بالصحاح
وهي: (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجة،
وسنن الترمذي، وسنن النسائي)، ومنهم من يقدم سنن الدارمي على سنن
النسائي، بالإضافة إلى المستدركات على هذه الصحاح، ومجموعة من المسانيد.

ب - رواية وكتابة الحديث عند أهل البيت وأوليائهم

أهل البيت بما ورثوه من علمي النبوة والكتاب، وبما خصهم الله به من
مكانة، لا ترقى إليها مكانة، وبما أسند إليهم من وظائف وتكاليف شرعية، على
يقين تام ومطلق بعمق الارتباط والتكامل والتعاضد بين كتاب الله القرآن الكريم

وبين بيان النبي لهذا الكتاب، مثلما هم على يقين تام بأن أحدهما لا يغني عن
الآخر. وهم على علم بتركيز النبي المكثف والخاص على هذه الناحية.

وقد تحدث أئمة أهل البيت عن مجموعة حقوقية شرعية كبرى قد ورثوها
عن رسول الله اسمها (الجامعة) أملاها رسول الله وكتبها الإمام علي بن أبي طالب
بخط يده، وكلف رسول الله عليا أن يحتفظ بها، وأن يورثها للأئمة من بعده وهي
تشتمل على العلم كله، القضاء والفرائض، وما يحتاج إليه الناس حتى أرش
الخدش، وما خلق الله من حلال ولا حرام إلا وضوابطه بهذه الجامعة، وأن هذه
الجامعة لم تدع لأحد كلاما. ويبدو أن هذه المجموعة قد أملاها رسول الله
خصيصا للأئمة القادة من أهل البيت ليحكموا بها إذا تولوا حكم الناس، لأن فيها
حكم الله.

وتحدث الإمام علي عن صحف كثيرة عنده، ووصف تلك الصحف بأنها
(قطايع) أي مخصصات رسول الله وأهل بيته. ويروي علماء دولة الخلافة أنه بعد
فترة من موت رسول الله جاء علي بن أبي طالب وهو يحمل كتاب الله وتفسيره على
ظهره، وأنه قد عرض على قيادة دولة البطون أن يحكم بينهم بما أنزل الله وما أملى
رسوله، وأن هذه الدولة رفضت العرض.

ويبدو من كثير من الأحاديث إن لدى أئمة أهل البيت كتابين آخرين قد كتبا
بخط الإمام علي وعلى عهد رسول الله، ويسمى أحد هذين الكتابين: (بمصحف
فاطمة) وفيه أنباء من الحوادث الكائنة والمتعلقة بالأئمة، أما الكتاب الآخر
فيسمى ب (الجفر) وهو يشتمل على أنباء من الحوادث الكائنة عموما). (راجع
بصائر الدرجات ص 144 - 148 - 156 و 160، وأصول الكافي ج 1 ص 241
وص 57 والوافي ج 2 ص 125 ومعالم المدرستين ج 2 ص 300 - 312 وكتابنا
الخطط السياسية ص 191 - 197). ومن المؤكد أن ذلك قد حدث بالفعل
فرسول الله متيقن أنه ميت لا محالة، وموقن من حاجة الأمة إلى بيان كافة الأحكام الشرعية بيانا قائما على الجزم واليقين، وهو بيانه الشريف، ولأن
عليا بن أبي طالب هو المخول شرعا بالبيان بعد وفاة الرسول، ولأنه من الرسول
بمنزلة هارون من موسى باعتراف قادة دولة البطون، ولأن الإمام علي أعظم علماء.

الأمة وأعلمهم بإقرار كافة الخلفاء، ولأنه قارئ كبير في أمة أمية يندر فيها
القارئ، ولأنه باب مدينة العلم. فقد أملى عليه رسول الله الحكم الشرعي لكل
شئ، وكلف النبي عليا أن يجمع ذلك في كتاب ليكون مرجعا، للأمة في بيان
القرآن بعد وفاة النبي، وكلف النبي عليا أن يحتفظ بهذا الكتاب، وأن يسلمه
لأولاده الأئمة ليتوارثوه حسب ترتيب خاص، ويبينونه للأمة بعد وفاة النبي،
ويحكمون بموجبه إن سلمت الأمة بحقوقهم، فتكون علوم هذا الكتاب من الأدلة
المادية لمرجعيتهم ولحقهم بالقيادة والبيان من بعد النبي. ثم إن سادة أهل بيت
النبوة كانوا يقيمون مع النبي في بيت واحد طوال حياة النبي المباركة، وكان النبي
يزقهم بالعلم زقا، ويفيض عليهم من عجائب علمه ومن أخبار المستقبل البعيد،
وكانت تلك المعارف بكل الموازين ثروة كبرى خصهم الله بها فمن غير المعقول
أن لا يحفظوا تلك الثروة ويكتبوها!!! ليحتجوا بها القوم، ولينتفعوا بها،
ويورثوها لذرياتهم تأكيدا للطهر والتميز، ثم إن العلوم التي أفاضها رسول الله على
أهل بيته هي بيان للقرآن، ومن الضروري أن يحتفظ بها أهل بيت النبوة ليكون
لديهم بيان القرآن، وليحملوا هذا البيان للإنسانية في كل زمن، إن هذا البيان هو
علم النبوة، وقد كلف الله نبيه أن يورث الأئمة الأعلام من ذريته علمي النبوة
والكتاب.

والخلاصة أنه لما قبض الله نبيه، كان أهل بيت النبوة قد وعوا علمي النبوة
والكتاب بالتمام والكمال، ووثقوا من هذين العلمين كل ما يحتاج إلى توثيق، فما
من سؤال على الإطلاق! إلا ويعرف عميد أهل البيت في زمانه جوابه، وما من أمر
من أمور الدنيا والآخرة إلا ويعرف هذا العميد كلياته وتفاصيله الدقيقة، وحكم
الشرع الحنيف فيه، وكل هذه المعارف موثقة ومعروفة عندهم ومعلومة علم
اليقين.

أثناء مرض النبي الذي قبض منه، تجاهلت بطون قريش البيان النبوة تجاهلا
كاملا، واستولت على السلطة، وحجمت أهل بيت النبوة بالقوة، وعتمت على كل
فضائلهم وتنكرت لمقامهم ومكانتهم تنكرا تاما، وجردتهم من كافة حقوقهم، ثم
أصدرت مراسيم منعت فيها رواية وكتابة أحاديث رسول الله، وقررت أن القرآن

وحده يكفي، ولا حاجة لبيان النبي، لأن بإمكان أي إنسان أن يفهم القرآن حسب
رأي البطون!! ورواية أحاديث النبي وكتابة هذه الأحاديث تسبب الخلاف
والاختلاف بين المسلمين، وقيادة البطون ترى أن منع الاختلاف والخلاف يتحقق
عندما تمنع رواية وكتابة أحاديث الرسول!!!

وبدأت قيادة البطون بتطبيق مراسيمها بصراحة تامة، فكانت تحرق كل ما
وصل إليها من أحاديث الرسول، وكانت تتصيد كل ما هو مكتوب من أحاديث
الرسول فتتلفه، وحرمت مرارا وتكرارا تلك الأحاديث، مثلما حرمت روايتها
تحريما كاملا، إلا ما كان يخدم توجهاتها وسياستها، وبهذه الظروف خبأ أهل بيت
النبوة كنوز العلم الثمينة والنادرة والتي تلقوها من رسول الله مباشرة، خوفا عليها،
وتناقلوها كابرا عن كابر، وأفاضوا منها سرا على أوليائهم، وكانت دولة الخلافة
تراقبهم مراقبة دقيقة، وتتمنى لو تجد تلك الكنوز النادرة لتحرقها تحريقا، وتتلفها
إلى الأبد. ونجح أئمة أهل بيت النبوة بإخفاء تلك الكنوز العلمية، ورغم المنع
المفروض على رواية الحديث إلا أنهم نجحوا بتسريب الكثير الكثير من معارفهم
إلى المسلمين عامة، وإلى أوليائهم خاصة، بالرغم من رقابة الدولة الصارمة،
وأدعية الإمام زين العابدين المعروفة من الأمثلة الحية فالأدعية أحاسيس عميقة
صادقة استوحاها الإمام من علمي النبوة والكتاب، ومن خلالها بث شكواه ولوعته
وحزنه العظيم، ثم كتبها بخط يده لينقلها إلى الأجيال اللاحقة، ومع أنها أدعية إلا
أنه كان خائفا عليها كما خافت أم موسى على ولدها، فكان ينقلها من مكان إلى
مكان، ومن حرز إلى حرز لأن دولة الخلافة الأموية لو عثرت عليها لمزقتها تمزيقا
ولحرقتها تحريقا. لأن دولة الخلافة أرادت أن تمحو من ذاكرة المسلمين نهائيا
وإلى الأبد كل الأحكام الشرعية المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي والمتعلقة
بمكانة أهل بيت النبوة، حتى لا يبقى في الشريعة أثر يدين استيلائها على القيادة
بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع.

وخلال مدة المائة سنة التي حرمت فيها دولة الخلافة كتابة ورواية أحاديث
الرسول، عاش الإسلام والفئة المتنورة من المسلمين محنة كبرى، ووطأة عظمي،
وكان أهل البيت الكرام أكثر الناس إحساسا بالمحنة والوطأة وما زاد الطين بلة أن.

المجتمع الإسلامي أو العامة وهم الأكثرية تحولت إلى حارس ومدافع عن شرعية
تحريم كتابة ورواية أحاديث الرسول.

ولما تحول الرأي العام، وأقبل علماء دولة الخلافة على كتابة ورواية
أحاديث الرسول، ولم تعترض دولة الخلافة على هذا التحول وذلك الإقبال،
تنفس أهل بيت النبوة الصعداء، فراقبوا عن كثب عمليتي رواية وكتابة الحديث،
ورسموا لها الطريق الأقوم: (سأل رجل الإمام جعفر الصادق عن مسألة فأجابه،
فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول) ؟.

فقال جعفر: (مه ما أجبتك فيه من شئ فهو من رسول الله لسنا ممن رأيت
في شئ، وقوله: (مهما أجبتك بشئ فهو من رسول الله لسنا نقول برأينا) وقال
مرة: (لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكن حدثنا ببينة من ربنا،
بينها لنبيه، فبينها لنا) وكان يقول: (لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من
الهالكين، ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابرا عن كابر، نكتنزها كما
يكتنز الناس ذهبهم وفضتهم). (راجع بصائر الدرجات ج 2 ص 29 و 301 وكتابنا
الخطط السياسية ص 187 - 189). وقول الإمام جعفر هذا دعوة لمن أرادوا
البحث عما صدر عن رسول الله ليرجعوا إلى أهل بيت النبوة، فهم وحدهم الذين
يملكون مفاتيح البيان النبوي، وهي دعوة من الإمام للمعنيين برواية وكتابة
أحاديث الرسول، للفصل التام بين آرائهم الشخصية وما قاله الرسول.

وبدأ أهل البيت يفيضون على الناس مما آتاهم الله من علمي النبوة
والكتاب، وبالحدود التي تتقبلها وتتحملها نفسية العامة التي تربت تربية ثقافية
مناهضة لأهل بيت النبوة وموالية لدولة الخلافة.

واصطدمت علوم أهل بيت النبوة مع الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة عبر
تاريخها السياسي، وسمحت بكتابتها وروايتها، بل واعتبرتها جزءا من مناهجها
التربوية والتعليمية، وبحكم العادة والتكرار آمنت العامة بحتمية صدورها عن
رسول الله.

واصطدمت روايات أهل بيت النبوة بسيل من روايات الفضائل التي اشتراها
معاوية وأولياؤه من الطامعين بدنياه، ثم عممها بقوة الدولة ونفوذها، وأجبر العامة.

والخاصة على الاقتناع بها والتسليم بصحتها، وذلك لإرغام أنوف أهل بيت النبوة،
وتمييز وإبطال الفضائل الحقيقية التي خصهم الله بها!!

ومع أن دولة الخلافة لم تعترض على إقبال علمائها على كتابة ورواية
أحاديث الرسول، ولم تعترض على تحول الرأي العام وتأييده لهذا العمل، إلا أنها
ضاقت ذرعا بأهل بيت النبوة وأوليائهم، وشككت بقدرتهم وبما يروونه،
وشككت بحيادهم أيضا. وتأثر علماء الدولة بذلك تأثرا كبيرا، فإذا ثبت لديهم أن
هذا الراوي أو ذاك يوالي أهل بيت النبوة أو يقدمهم على غيرهم، أو يقول
برئاستهم للأمة، أو بتقدمهم على الخلفاء الثلاثة الأول اعتبروه كاذبا أو غير ثقة،
وبالتالي لم يأخذوا بروايته ولما اكتشف بعض علماء الدولة أن الشافعي يوالي أهل
بيت النبوة وصفه ابن معين بأنه ثقة!!!

وعلى أي حال فقد انطلق أولياء أهل بيت النبوة يروون الأحاديث عن
الرسول وعن الأئمة وفق القواعد والأصول الشكلية التي كان يروي فيها علماء
دولة الخلافة. وكان الشيخ الكليني المتوفى سنة 329 ه أول من ألف موسوعة
بالحديث، ثم تلاه الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381 ه، ثم الشيخ الطوسي
المتوفى سنة 460 ه، ثم المجلسي (البحار) ثم الحر العاملي (الوسائل) وقد
أحرقت موسوعة الشيخ الطوسي كما أحرق الكثير من كنوز أولياء أهل بيت النبوة،
ولكنهم صمدوا ونقلوا ما وصل إليهم من كنوز وعلوم أهل بيت النبوة التي غطت
كل ما يحتاجه الناس في دنياهم وآخرتهم. (راجع كتابنا الخطط السياسية
ص 192 - 209 لتقف على تفاصيل ذلك)..

الفصل الخامس الآن يمكننا أن نتبين موقع المهدي في السنة النبوية

بعد استعراضنا لتاريخ رواية وكتابة الأحاديث النبوية، والظروف التي
أحاطت بهذا التاريخ لدى دولة الخلافة وعلمائها من جهة، ولدى أهل بيت النبوة
وأوليائهم من جهة أخرى، وبعد وقوفنا على ما رواه الطرفان عن المهدي المنتظر،
وعلامات ظهوره، وعصر هذا الظهور، يتبين لنا بوضوح ساطع أن المهدي المنتظر
حقيقة من الحقائق الدينية الرئيسة التي أجمع المسلمون على صحتها، وتواترت
أنباء هذه الحقيقة بينهم، تواترا لا يقل عن تواتر أركان الإسلام، وأساسياته
الضرورية، وأن ما رواه الطرفان عن رسول الله في هذا الموضوع هو جزء لا يتجزأ
من المعارف والمعلومات الدينية التي جاء بها الإسلام كدين، وأن هذه المعارف
والمعلومات جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام وتعاليمه.

مدرستا الأمة

تخرجت الأمة الإسلامية من مدرستين لا ثالث لهما.

المدرسة الأولى: وهي مدرسة دولة الخلافة التاريخية ومن والاها من علماء
المسلمين رغبة أو رهبة وقد أجمع أساتذة وخريجو هذه المدرسة على أن المهدي
المنتظر حقيقة دينية، بشر بها الرسول وأنه سيظهر ذات يوم، ورووا مئات
الأحاديث عن رسول الله التي تحدثت عن المهدي ونسبه، وعن حتمية ظهوره،.

وعن علامات الظهور، وعن عصر ظهوره، ووفق معايير هذه المدرسة وموازينها،
فقد أجمع أساتذتها وخريجوها بأن تلك الأحاديث صحيحة، ومتواترة وأنها قد
رواها جمع كبير من الصحابة الكرام والعلماء الذين يمتنع عقلا اجتماعهم على
الكذب، وأن هذه الأخبار قد شاعت بين المسلمين وتناقلتها أجيالهم جيلا عن
جيل، واطمأنت لها القلوب فتحولت إلى جزء لا يتجزأ من العقيدة الدينية
والإسلامية.

المدرسة الثانية، وهي مدرسة أهل بيت النبوة: أساتذتها أئمة أهل البيت
الأعلام الذين تتلمذوا على يد الرسول شخصيا، وعاشوا وإياه تحت سقف واحد
طوال حياته المباركة، وأورثهم علمي النبوة والكتاب، وعهد إليهم بوظيفة بيان ما
أنزل الله من بعده كل في عصره، وقد تخرج على أيديهم علماء أفذاذ نبغوا بعلمي
النبوة والكتاب، وقد أجمع أئمة أهل بيت النبوة وخريجو مدرستهم على أنهم قد
سمعوا رسول الله يبشر بالمهدي المنتظر، ويسميه باسمه محمد بن الحسن وأنه
حفيد النبي، وأنهم سمعوا رسول الله يصفه وصفا دقيقا، ويؤكد على حتمية
ظهوره، مثلما سمعوه وهو يبين علامات هذا الظهور، ويصف عهد المهدي وما
فيه من عدل ورخاء، وسيادة على العالم كله، وظهور لدين الإسلام على كل
الأديان، وأن هذا المهدي هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة، ومن لا
يعتقد بذلك فليس من شيعة أهل البيت ولا من مواليهم الخلص. بمعنى أن هذا
الاعتقاد جزء من حقيقة موالاة وتولي أهل بيت النبوة. ثم إنه ما من إمام من الأئمة
الأخيار إلا وقد بشر بالمهدي المنتظر، وروى عن جده رسول الله أحاديث تتعلق
بذات المهدي وصفاته، وعلامات ظهوره ومظاهر العدل، والعزة، والرخاء في
صحاحهم وكتب حديثهم تتحدث بالتفصيل عن المهدي، ويعتبرون ظهوره فرجا،
وانتظار هذا الفرج قربى إلى الله ودينا.

إجماع المدرستين واستحالة إجماعهما على كذب

لقد رأيت قبل قليل إجماع المدرستين الإسلاميتين الوحيدتين في العالم.

الإسلامي على حقيقة أن رسول الله بالفعل قد بشر بالمهدي المنتظر، وأكد حتمية
ظهوره، بحيث أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى
يظهر المهدي المنتظر فيه، ولا خلاف بين اثنين من كون المهدي من أهل بيت
النبوة.

فهل يعقل بربك أن يجمع أهل بيت النبوة وأولياؤهم، وعلماء دولة الخلافة
والخلفاء وأولياؤهم وهم على طرفي نقيض على كذب!! وبتعبير أدق هل يعقل أن
يجمع كافة المسلمين على كذب، أو على أسطورة منسوبة للدين، أو على الكذب
على رسول الله، أو التقول عليه!!

يمكن لدولة الخلافة أن تجبر فريقا من الأمة على هدم الكعبة نفسها وهي
أقدس مقدسات المسلمين، وتجبر الفريق الآخر على السكوت، ويمكنها أن
تنتهك أعظم حرمات الإسلام، فتقتل ابن النبي، وتقتل وتبيد ذرية النبي، وتسبي
بناته وبأعصاب هادئة بأيدي فريق من الأمة مع ضمان سكوت الفريق الآخر،
ويمكنها أن تستبيح مدينة النبي، فتفض بكارات بناتها وتنهب أموالها، وتقتل
الأكثرية الساحقة من سكانها وتأخذ البيعة من الناس على أنهم خول وعبيد لخليفة
يتصرف بهم تصرف المالك بملكه وأشيائه!! كما حدث ذلك في التاريخ فعلا،
بمعنى أن دولة الخلافة قادرة على فعل كل ما تريده، ولكنها لا تستطيع أن تجبر
الأمة لتقتنع قناعة تامة، وتختلق على رسول الله الأنباء المتعلقة بالمهدي المنتظر،
ولنفترض بأنها استطاعت أن تقود رعاياها، وتسخر مواردها في حملة اختلاق
كبرى على رسول الله، فهل يمكنها أن تجبر أئمة بيت النبوة على المشاركة بمثل
هذه الحملة!! وهل يمكنها أن تجبر الأئمة على اقتراف جريمتي الكذب والاختلاق
على رسول الله!! وهم نماذج بشرية فذة تعتبر الموت سعادة، والحياة مع الظالمين
شقاء لا يطاق!!

ثم ما هي مصلحة الخلفاء، أو رعاياهم، أو دولتهم ليجمعوا على حقيقة أن
المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! وهم الخلفاء الذين كانوا يؤمنون أن العبيد
والموالي وأعداء الله ورسوله أولى بالخلافة من آل محمد، فهل يعقل أن يعملوا
بأيديهم الدليل الذي سيدينهم!!.

لقد فرضت كثرة ونوعية، وصحة وتواتر، الأحاديث الصادرة عن رسول الله
نفسها على الخلفاء ورعاياهم ودولتهم، فكان زخمها من القوة بحيث لم يعد
بالإمكان إنكارها، أو تجاهلها أو تكذيبها، إنها قوة الحقائق الربانية التي يعترف بها
المحب والكاره، المؤمن والفاسق.

لهذا كله أجمع أهل بيت النبوة ومن والاهم على أن الأحاديث المتعلقة
بالمهدي المنتظر قد صدرت من رسول الله بالفعل، وأنهم قد سمعوا رسول الله
يتحدث بها، وأنه قد كلفهم ببيانها ونقلها للمسلمين، وأنهم ورثوا هذه الحقيقة
كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة والكتاب.

كذلك فقد أجمع علماء دولة الخلافة بأنه قد ثبت لديهم بالوجه القطعي بأن
الأخبار المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول الله بالفعل، وأنهم قد
حصلوا تلك الأخبار بنفس الطرق والوسائل التي حصلوا فيها على أخبار النبي عن
الصلاة والصيام والحج وغيرها من أحكام الإسلام، وأنه قد ثبت لديهم صحتها
وتواترها، وعلى ذلك تسالم جميع علماء دولة الخلافة ورعاياها عبر تاريخها
السياسي الطويل، وما زال ذلك إرثا مقدسا.

رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر

روى الأحاديث المتعلقة بالمهدي أكثر من خمسين صحابيا. شهدت
الأكثرية الساحقة منهم بأنهم قد سمعوا رسول الله يدلي بهذه الأحاديث ويتحدث
بها أمامهم وعلى مسامعهم.

وتتبع العلماء بدقة متناهية بعض هذه الأحاديث حتى أوصلوها إلى بعض
الصحابة فوقفت عندهم، دون أن يصرحوا بأنهم قد سمعوها من رسول الله. ولا
يخفى أن أحاديث المهدي كلها من أنباء الغيب، والصحابي لا يوحى إليه، ولا
يعلم الغيب إلا من رسول الله، وهذا كله يعني أن الأحاديث الموقوفة عند بعض
الصحابة قد صدرت بالفعل من رسول الله. ومن المستحيل عقلا أن يتفق عدد يربو
على الخمسين صحابيا على كذب!! خاصة وأنه لا مصلحة لهم بالكذب، ولم

/ 13