كيف نحيى ربانيين ؟ - توحید یتجلی فی الحیاة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توحید یتجلی فی الحیاة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فالاجدر بالمؤمنين - اذن - ان لايدعوا الكبر والعجب يدخلان في نفوسهم ويلوثان قلوبهم ، وان ينبذوا الانانيات والاحقاد والعصبيات ويحرروا انفسهم من كل انواع الغل كي يعيشوا في رحاب ربهم الكريم ، ويحيوا فيما بينهم حياة طيبة هانئة .


طريق الصديقين نحو المعرفة :


ان الفضلاء والزهاد من العلماء واصحاب الائمة ( عليه السلام ) لم يكونوا يشعرون بالتكلف والتعب حين يؤدون الفرائض والمستحبات من العبادات ، بل كانوا يؤدونها وملء نفوسهم السعادة والرضى لما كانت لـهم من علاقة حب وطيدة مع ربهم ، فكانوا ينتظرون على أحر من الجمر تلك الساعات في جوف الليل حيث تهدأ الأنفس وتنام الاعين ، ليستغرقوها بين قيام وقعود وركوع وسجود يتهجدون ويسبحون ويستغفرون كما يصفهم الله - تعالى - في قوله :
« كَانوْا قَلِيلاً منَ الَّيْلِ


مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالاَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » (الذّاريات/17-18).


وفي هذا المجال يروى عن الامام الحسين (عليه السلام) انه بعث أخاه العباس (عليه السلام) الى القوم الذين خرجوا لقتاله ليطلب منهم امهاله ليلة عاشوراء ، لا خوفا من القتل المنتظر ، ولا حرصا على الحياة لساعات أخر ، بل لتجديد العهد بالصلاة والدعاء والتسبيح والتهجد ، فقد كان (عليه السلام) ممن يعشق الصلاة والعبادة ، وهكذا كانت النخبة الوفية من اصحابه .


ان الحديث هنا ليس حديث خوف من نار ، ولا طمعا في جنة بل هو حديث القلوب العارفة ، ولقاء الحبيب بالحبيب ، فالاتصال بالله - عز وجل - سواء بالصلاة أم بانـواع العبـادات المستحبة كالدعاء والمناجاة لايقف عند حد في هذه الحياة الدنيا ، فليس هناك عبد مخلص يكتفي بذلك ، او يّدعي انه عبد لله دعاه وأدى كل ما أمكنه من المستحبات بما فيه الكفاية ، فالأمر لاينتهي عند الصديقين والصالحين من العباد فكيف بالنسبة الينا ؟


التقرب الى اللـه أعظم المسؤوليات :


ان التقرب الى اللـه بأي وسيلة طاعة ، والغاء المسافة والهوة الحاصلة بين العبد وربه يمثلان أعظم مسؤولية يجند الانسان المؤمن نفسه لتحملها ابتغاء مرضاة ربه الكريم فالأليق بالانسان ان يلقى ربه بوجه أبيض وان يتقرب اليه عبر قناعة ورضى وسرور روحي في إداء العبادات المستحبة ، فهي وسيلة التقرب التي تسمو به الى رحاب القدس الأعلى بالاضافة الى ثواب الفرائض ، والتزام سبيل التقوى والورع عن محارم اللـه ؛ فليكثر الانسان المؤمن من صلواته ما أمكنه لان التقرب الى اللـه هـو أهم هدف للصلاة ، بل لا صلاة بدون نية التقرب الخالصة للـه - تعالى إسمه - بالاضافة الى الاهداف الايمانية التزكوية الأخرى التي نجد خلاصتها في قوله - تعالى - :


« وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ » (العَنْكبُوت/45) .


وهكذا الحال بالنسبة الى انواع التكاليف الاخرى التي شرعها الله لنا كالحج والجهاد والقيام بالاعمال الصالحة ، وعلى العموم فان كل عبادة وعمل صالح لايمكن ان يعطي ثماره الا بعد ان يكون هدفه القربى الى اللـه ، وهذا يعني إزالة الحجب وإختصار المسافة الفاصلة بين العبد وربه ، والسعي من أجل إلغاءها جهد الامكان ، وهذا هو سبيل معرفة الله .


فـالمعرفة - اذن - هي اختصار المسافة ، وإزالـة كل حجاب يبعدنا عن وجه ربنا الرؤوف الرحيم ، وهذا يتم بالعبادة المستفيضة والسعي الدؤوب في العمل الصالح ، إضافة الى التخلق بأخلاق الله - تعالى - ، وأخلاق انبيائه ورسله ، كالتواضع لله من خلال التواضع لإخواننا المؤمنين ، وعدم السماح لأدنى قدر من الكبر ان يدخل القلب ، اللهم الا التكبر على الانسان المتكبر لردعه ، ثم علينا ان لانحسب ان مايقع في ايدينا مما نقتنيه من زخارف الدنيا وبهارجها او ما نناله من مقام يجعل من حقنا ان نتكبر على الناس ..


وبعد التخلق بأخلاق اللـه يأتي طلب العلم الالهي والنهل والتزود منه ؛ فالعلم وسيلة ذو أهمية كبرى في التقرب والمعرفة الالهية ، وهو لايكون نافعا ، ومثمرا بالخير والبركات الا اذا كان طلبه بنية التقرب الى اللـه - سبحانه - ، وانها لأعظم مكافأة من الرب الرحيم ان يموت المؤمن وهو على معرفة من ربه ، وحب واشتياق للقائه ، والشهادة في سبيل اللـه هي ذروة هذه المكافأة وهي لاتمنح ولا تـوهب الا لأهلها من الشهداء كما يقول - تعالى - :


« يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي » (الفجر/27-30) ، فالرجـوع والدخـول هما أعظم النعم


الالهية لما فيهما من الرضا المتبادل بين الراجع الداخل ، والمستقبل الكريم الذي يقوم بالضيافة بنفسه .


فاذا كان السرور والفرح يغمرانك عندما تجد مضيفك يقف على عتبة داره لاستقبالك ثم يخدمك ويكرمك بيده في حين ان هذا المضيف هو انسان عادي فكيف الأمر اذا كان المضيف في الغد ربا غفورا كريما ؟ بل واي كرامة وعزة ورفعــة للانسان عندما يوهب ذلك المقام الجليل الذي وصفه - تعالى - في قوله :
« فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ » (القمَر/55) ، فمقعد الصدق هذا يتحسر على بلوغه حتى أهل الجنة انفسهم ، والحسرة هذه لايجب ان نفهم منها الالم واللوعة بما ينغص النعيم الذي يعيشه أهل الجنة ، وانما تعني طموحا يتطلع اليه أهل الجنة ، والطموح هذا لايبلغه الانسان بحوله وقوته ، بل بحــول الله وقوته .

الرضا تجسيد للسعادة :


والرضا هو تجسيد للسعادة الدنيوية التي ينعم بها الانسان المؤمن في حياته الدنيا ، فاذا ما وعى وادرك المؤمن قيمة نعمة واحدة فقط من هذه النعم فان هذا الادراك سيغمر قلبه بالرضا ، وعلى سبيل المثال فان علينا ان ندرك نعمة العافية والسلامة التي في أبداننا ونفوسنا ، والنعمة هذه ليست في الحقيقة نعمة واحدة بل هي مجموعة عظيمة من النعم تتأطر في نعمة واحدة نسميها (نعمة العافية) ، واما وسيلة التقرب بنعمة العافية الى الله فتتمثل في شكرها العملي بالاضافة الى الشكر النظري بالقلب واللسان .


والعبرة والاتعاظ هما ايضا مصدر من المصادر التي تبعث الرضا والقناعة في قلب الانسان ، ويتجسدان من خلال وسائلهما العديدة منها زيارة ذوي النقص والخلل في عافيتهم ، او ذوي العوز والفقر وإعانتهم ، وزيارة أهل القبور الذين ذكرت الروايات بشأنهم إنهم يمرون بمرحلة عصيبة في برزخهم بحيث انهم يتمنون لو يرجعون الى الحياة الدنيا ولو ليوم واحد ، فالاعتبار بهؤلاء يشد الانسان الى التقوى ويعزز ايمانه،


وبذلك يتقرب الى الله - سبحانه - .


والى جانب النعمة الكبرى المتمثلة في العافية هناك نعمة الأمن ، فلينظر الانسان الى عظمة هذه النعمة التي يحياها في الوقت الذي يعاني فيه إخوانه من اسباب الهلاك والدمار ، ويتجرعون الموت الزؤام في مختلف بقاع الارض أفلا ينبغي بعد ذلك ان نتقرب الى ربنا - عز وجل - من خلال شكر هذه النعمة العظيمة عمليا ونظريا ؟


وبشكل عام فان الباعث على الرضا والقناعة هو النظر الى الأدنى حالا وعلى جميع الاصعدة ، وعلى العكس من ذلك فان النظر الى من هو أفضل وأرقى حالا سيؤدي الى التخلق بالأخلاق السلبية والتطبع بالأطباع التي تتنافى مع الايمان وتميت روح التقوى ، ومن ذلك ان الانسان يصبح أنانيا فضا غارقا في طمعه ، لايشبع ولايشكر هذا اذا لم يؤد به هذا السلوك المنحرف الى المعصية وإرتكاب المحرمات والموبقات .


ان هدف الحياة الدنيا أسمى وأنبل من ان يولد الانسان وينشأ لمجرد اشباع بطنه وفرجه ، بل الهدف هو التزود بزاد الآخرة من خلال العبادة الخالصة والعمل الصالح ؛ فالانسان انما جاء الى الحياة الدنيا لكي يزرع فيها ما سيحصده غدا في آخرته ، والا فان الاطماع بكل اشكالها انما هي في الغد هباء منثورا ، فليسع الانسان في دنياه بما يقدمه من عمل صالح يبتغي به مرضاة ربه والقربة اليه ، والا فان الندم سوف لاينفع في الغد ، فغدا سيعلم الجميـع ان كل ساعة في الدنيا تعدل عشرات الملايين من ساعات الآخرة ، لان ساعة الدنيا قد تضمن لصاحبها من خلال انفاقها في العمل الصالح سعادة آلاف السنين في الآخرة ، وفي نفس الوقت قد تدخله في النار لدهور عديدة اذا ما ارتكب الانسان فيها معصية كبيرة . ومن ذلك كله نستنتج ان المسافـة التي تفصلنا عـن ربنا انما هـي مصطنعـة ، فبامكاننـا أختصارها ورـبما


إزالتـها بالإجتهاد في الصالحات ، وبامكاننا ايضا توسيعها وتحويلها الى هـوة سحيقـة ، وحجاب معتم سميك يبعدنا عن ربنا الكريم ، ونفحات رحمته ولطفه ورأفته .


فلنعمل - اذن - على طي هذه المسافة والاقتراب الى اللـه - جل وعلا - بالتسبيح والتنزيه والتقديس والتزكية والشكر ، لتتطهر نفوسنا وقلوبنا وتتزكى أرواحنا ، حتى نلقى ربنا يوم غد بوجه مشرق ينسجم مع مقام النور الذي أعده لنا ، وان نسعى ما أمكننا لكي نصل الى هذا المقام السامي ، كما وعلينا ان ننبذ ونتجنب كل سلوك سلبي يبعدنا عن ربنا ويسقطنا في مهاوي جهنم ووديانها السحيقة حيث لاينفع الندم ولاتجدي دعوة للصفح والعفو .


كيف نحيى ربانيين ؟


في حديث مأثور عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام ) ورد قوله مناجيا الخالق - سبحانه - : " اللهم انت كما احب فاجعلني كما تحب " ، وهذه كلمة مختصرة ولكنها تحمل في طياتها معارف لا تحد بالعلاقة بين الانسان وربه فمسيرة الانسان في الدنيا انما تكون نافعة له اذا كانت باتجاه رب العالمين ، اما اذا كانت هذه المسيرة منكوسة باتجاه اهواء الذات ، وشهوات النفس ، وبالتالي باتجاه الارض فان الانسان سوف لاينتفع بعمره فحسب ، بل انه لا يزداد في حياته الا بعدا عن تلك الاهداف والطموحات التي يريد ان يحققها في حياته .


ومسيرة التكامل الى الله - عز وجل - تتمثل في ان نردد مع انبياء الله الصالحين :
« وَجَّهـْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَـرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيـفاً وَمَآ أَنَا مِـنَ الْمُشْرِكِينَ »


(الانعام/79 (وان نقول :


« إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الانعام/162) . فمسيرة الانسان الفطرية الطبيعية الانتقال من الدرجات المادية الصرفة الـى الدرجات العالية من الكمال ، وحتى عندما يدخل الانسان الجنة فان الله - سبحانه - لايدعه على مستوى واحد ، بل يزيده كمالا وعلوا . وهذا يعني ان تكامل الانسان لا ينتهي ، بل يظل مستمرا الى أبد الآبدين .


ومن هنا فان هذه المسيرة هي مسيرة تصاعدية يتحرك على ضوئها الانسان الى اللـه ، ولعل الآية القرآنية التي تقول :
« وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (الذّاريات/56) تشير الى هذه الحقيقة ، لان الانسان انما يتكامل بسبب عبادته وطاعته وخضوعه للـه وتسليمه له ، فكلما عبد الله اكثر ، كلما تكاملت حياته اكثر . فلقد اودع اللـه - تبارك وتعالى - في ضميره حب التكامل والتسامي والعروج الى العلا .


وعبادة اللـه - سبحانه - هي التحرك نحوه ؛ اي ان يكون همه واعظم غاياته في الحياة ان يعيش الهيا ربانيا كما يريد الخالق ، ففيه - تعالى - الكرم والجود ، وهو ارحم الراحمين ، وغفار الذنوب ، وكل ما نفكر فيه من جمال وعظمة ومجد عند الله - سبحانه وتعالى - .


كيف نكون الهيين :


وعلى هذا فان اهم عمل يجب ان نقوم به في حياتنا ان نسعى من أجل ان نكون


الهيين ، وان نعيش كما يريد الله - عز وجل - ، فهـو يريد منا ان نتخلق باخلاقـه .


وفي الحقيقة فان هذه هي مسـيرة الانسان ، فأهم هدف وغاية له ان يتقرب الى الله - سبحانه - ؛ اي ان يعوذ به وتكون فيه صفات مما يحب - جل وعلا - . ونحن كلما زدنا من هـذه الصفات في انفسنا ، كلما ازددنا قربا من الله من مثل صفة العلم ؛


فاللـه يحب العالم ، ولا يريد الجاهل ، وقد جاء في الحديث الشريف : " فضل العالم


على العابد كفضل القمر على سائر النجوم " ، والسبب في ذلك ان العالم عندما يقوم


بنشر العلم فانه سيكون افضل من العابد الذي يسعى من اجل ان ينقذ نفسه فحسب .


وقد عاش ائمتنا المعصومون (عليهم السلام) للـه - سبحانه - فأحياهم الله ، وخلدهم باذنه ، وعملوا له فبارك فيهم ، واخلصوا له فاخلص لهم مودة اوليائهم ، فكانت حياتهم كلها لله .


ومن جملة ما جاء في سورة الاحزاب التي يبدو انها مخصصة للحديث عن علاقة الامة بالرسول (صلى اللـه عليه وآله) ، التأكيد على ان النبي اسوة حيث يقول - تعالى- :
« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً » (الاحزَاب/21) . فالذي يريد ان يعيش الهيا فلابد ان يتبع منهج الرسول ، فان قال احد : اريد ان اكون الهيا ربانيا ولكن شريطة ان اخترع دينا لنفسي واتبعه ، قلنا له : اذا اردت ان تتقرب الى الخالق - جل وعلا - فعليك ان تسـلك الطريق الـذي يوصلك اليه كما يقول - تعالى - : « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا » (البقرة/ 189) . فان كان هناك شخص يريد ان يقفز من الجدران فان الله - سبحانه - يعتبره سارقا ، ويأمره ان يعود من حيث أتى ، ولذلك جاء في الحديث الشريف : " انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها " .


وفي هذا المجال يقول الامام الرضا ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرائيل عن رب العزة : " كلمة لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصنى أمن من عذابي " ، ثم قال ( عليه السلام ) : " بشرطها وانا من شروطها " . ونحن نقول يوميا :
« اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ » (الفاتحة/6 (فما هـو هذا الصراط المسقيم ؟ انه صراط الذي انعم اللـه عليهم ، وهـم أهل البيت (عليهم السلام) لذلك يقول - عز من قائل - :
« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (لاحزَاب/21 ( اذا أردنا ان نعيش الهيين فلنعش محمديين ، واذا اردنا ان نعيش ربانيين فلنعش علويين .


لنتنازل قليلا عن حقنا :


وفي العصر الراهن علينا ان نجاهد انفسنا ، وان نتبع الامام عليا ( عليه السلام ) الذي كان يمر بمثل هذه الظروف ، فقد عاتبته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) يوما قائلــة : " يا ابن ابي طالب اشتملت شيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين " مطالبة اياه ان يقوم ويطالب بحقـه وحقها " فأجابها أمير المؤمنين (عليه السلام) ... نهنهي عن وجدك يا بنية الصفوة ، وبقية النبوة ، فما وثبت عن ديني ، ولا اخطأت مقدوري فاحتسبي الله ، فقالت : حسبي الله ونعم الوكيل . (1)


كما انه (عليه السلام) وبعد ان خرج من الشورى بعد انتخاب الخليفة الثالث قال : " لنا حق ، فإن اعطيناه ، والا ركبنا اعجاز الابل ، وان طال السرى " (2) ، وبهذه الكلمة اشار الامام ( عليه السلام ) انه وشيعته لا يبدؤون القتال ولا يثيرون الفتنة في الارض ، ولا يريقون الدماء .


ونحن يجب ان نتعلم من ائمتنا ( عليهم السلام ) ان نتنازل قليلا عن حقنا ، فان كان من حقي ان اكون رئيسا ، وكان هناك شخص آخر من حقه ايضا ان يكون رئيسا ، فعلي ان ابادر الى التنازل عن حقي ، وان لا اتسبب في قتل الآلاف من الابرياء . وهذا يعني ان مسؤولية المحافظة على الدماء هي مسؤولية صعبة فقد جاء في الحديث الشريف : " من جاء يوم القيامة وقد شارك في قتل مؤمن بشطر كلمة جاء وقد كتب على جبهته آيس من رحمة الله " .


وعلى هذا فان ائمتنا المعصومين (عليهم السلام) وعلى الرغم من الظروف المختلفة التي مرت بهم كانوا في طريق الـله - جل اسمه - ، فكل ما اراده منهم عملوه ؛ فان اراد - تعالى - منهـم السكوت سكتوا عـن حقهم ، وصبروا كما فعل ذلك الامام علـي ( عليه


السلام) الذي كان يقول : " فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى " .


الاقتداء بالأئمة في مساعدة الآخرين :


ولا يفوتني هنا ان اذكر بان علينا ان نقتدي بامام في عصرنا ، فائمتنا (عليهم السلام) كانوا كلهم يقومون بعمل اشتركوا فيه ؛ ففي اخريات الليل كان وا يحملون الجراب ، ويدورون على بيوت الفقراء والارامل والاتيام ، ويقدمون لهم المساعدات والهدايا ، وعلى سبيل المثال فان فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تحمل الماء ، وزوجها الامام علي (عليه السلام) كان يحمل معها الحطب والدقيق ليطوفوا على بيوت الفقراء ليلا ، والامام الحسن والحسين ( عليهما السلام ) كانا يذهبان الى المساجد ، ويطوفان على النائمين فيها ليضعا تحت رؤوسهم مقدارا من الطعام ، وعلى الواحد منا ان لا يجلس وينتظر ان يأتي الفقير الى باب بيته ، فربما منعه الخجل من سؤال الناس ، ولذلك فاني اوصي اخوتي المؤمنين ان ينتمي كل واحد منهم الى هيئة خيرية ليقدم العون الى المساكين ، والفقراء لان من يبخل فانما يبخل عن نفسه .


واعود هنا لاؤكد على ضرورة التأسي بالرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولذلك فان القرآن الكريم بعد ان يشير الى هذه الضرورة في قوله :


« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » فانه يقول : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا » (الاحزَاب/23) ، وهذه الآية نزلت في الأئمة المعصومين (عليهم


السلام) الذين يمثلون اسمى مصاديقها اعتبارا من الامام علي (عليه السلام) ، وحتى


الامام الحجة ( عجل الله فرجه الشريف ) .


تجليات اسماء اللـه في الحياة


ان لكل شيء في الخليقة هدفا ، ونحن لانجد انى توجهنا بابصارنا شيئا من دون هدف او غاية حتى وان كان ذرة متناهية في الصغر ، فهل من الممكن ان تكون الخليقة كلها بما فيها من بحار وقفار وجبال وكواكب ومنظومات ومجرات قد خلقت عبثا ؟!


ان اول ما يدركه الضمير الحي الذي يتوجه الى الكون ، وينظر في السماوات والارض هو حتمية وجود هدف ، وانعدام وجود العبث في الخلق ، كما اشار الى ذلك تعالى على لسان المؤمنين : « رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » (آل عمران/191)


الهدف من الخلق :


واذا كان الامر كذلك فماهو الهدف من خلق الكائنات ؟


من المعروف ان الارض وما حولها من كواكب قد سخرت للانسان ، فقد اصبح هذا الانسان قادرا على امتطاء صهوة المركبات الفضائية الى الكواكب الاخرى ، فيبدو انه قد خولت اليه السلطة في هذه الارض وما حولها ، فهو يغور اليوم في اعماق المحيطات ، ويسبر اغوار الفضاء ، ويتحرك في الارض ، ويزيل الجبال ، ويسخر الرياح .


وعلى هذا فان هدف خلق الارض وما حولها هو الانسان ؛ فماهو الهدف من خلق الانسان نفسه ؟


هذا السؤال يجيب عنه القرآن الكريم في سورة الذاريات ، التي تذكرنا ببصيرة المسؤولية ؛ ففي هذه السورة آية كريمة تشير الى بصيرة المسؤولية وهي : « وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى » (النجم/39-40) ، وفي خاتمة سورة الذاريات المباركة نجد الاية التي تقول :
« وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (الذّاريات/56)


العلاقة بين الخلق والعبادة :


وفي هذه الاية الاخيرة التي هي موضوع بحثنا كلمتان تتعاكسان وتتكاملان وهما : كلمة (الخلق) وكلمة (العبادة) ، فيبدو ان الاية تبين العلاقة بين الله والانسان ، كما توضح الصلة بين الانسان وبين الله ، فعلاقــة الله بالانسان - ان صح التعبير - هي علاقة الخلق ، فهو الذي خلق ، اما صلة الانسان بالله - تعالى - فينبغي ان تكون صلة العبادة .


فهناك - اذن - خلق ، وهناك عبادة ، فما معناهما ؟


يبدو لي اننا نستطيع ان ندرك عمق كلمة العبادة ، اذا عرفنا عمق معنى كلمة الخلق ، لان هذه الكلمة تتـواجه وتتعاكس مع الكلمة الاخرى ، فماهو - اذن - الخلق ؟


ان الخلق كلمة واحدة تدل على ثلاثة معان اساسية :


1- ان الانسان - كما هو حال سائر الكائنات - عبارة عن حقيقة قائمة لا وهم ، لان هناك بعض الفلاسفة القدماء وحتى المعاصرين يزعمون ان الانسان وهم ، وان ليس في عالم الكون الا الفكر ، فما نراه ونلمسه ونتعامل معه ليس الا وهما .


اما القرآن الكريم فانه يرفض هذا التفكير ويرى ان هناك مخلوقات ، وان هذه المخلوقات قائمة وذات وجود عيني وواقعي .


2- ان هـذه الكائنات التي هي موجودات قائمة وحقيقية حقيقتها قائمة بغيرها لانها ليست وجودات ذاتية والا لم تكن محتاجة الى الخلق ، وبناء على ذلك فانها وجودات غـيرية قائمة بالغـير ، ولذلك فاننا نرى كل شيء اعتبارا من العرش وما دونه قائم بالله - سبحانه وتعالى - ، فلو سلب الاشياء تأييده ونوره ولطفه وفيضه فانها ستتلاشى وتنتهي في أقل من لحظة . وعلى هذا فان هناك حيا قيـوما قائما بذاته ، ومقيما لغيره .


3- اما المعنى الثالث الذي هو المهم في هذا البحث فهو ان كل شيء مخلوق قابل للانتهاء ، اي انه بعبارة اخـرى قابل لان يصغر وقابل لان ينمـو ويكبر في نفس الوقت ، فاللـه - تعالى - قد جعلني من حفنة تراب ، فاصبحت هذه الحفنة الترابية انسانا سويا فيه من الآيات والمعاجز مالا يحصى .


وعلى هذا فان من معاني الخلق الاساسية قابلية النمو ؛ اي ان كل شيء من الممكن ان ينمو ويتطور ، ويتسامى ويتعالى .


وتأسيا على ما سبق تتحصل لدينا ثلاثـة معـان هي : ان الشيء قائم ، وانه قائم


بغيره ، وانه ممكـن الزيادة والنمو ، وعلى هذا فمادام الانـسان من الممكن ان يغنى


ويتقدم فلابد ان نسأل الله الغنى والزيادة ، والزيادة هنا تعني العبادة ، والعبادة تعني اضافة فكرة وبصيرة جديدتين ، وهنا لابد من التأكيد ان الزيادة يجب ان تكون في الاتجـاه الصحيـح ، لان بعض الزيادة تمنع المزيد كما يشير الى ذلك الحديث الشريف : " رب نعمة خلفت حسرات " ؛ فربما يطالب الانسان ببغية بسيطة فتأتي وراءها الحسرات .


متى تمنع الزيادة من المزيد :


فهناك بعض النعم والزيادات تكون مانعة عن المزيد كأن يزداد الانسان علما ولكنه لايزداد مع هذا العلم تواضعا ، فزيادة العلم هذه ستضر به لان الحديث الشريف يقول : " من ازداد علما ولم يزدد تواضعا ما ازداد عن الله الا بعدا " وكذلك الحال بالنسبة الى زيادة المال ، والى الحصول على الجاه والسلطة ، فقد يكون كل ذلك سببا لعدم نمو الانسان .


وعلى هذا فان الزيادة يجب ان تكون في الطريق الصحيح وحينئذ تكون (عبادة) وفي الحقيقة فان هذه السلوكية السليمة هي تجسيد لاسماء الله الحسنى ، فنحن نقرأ في القرآن الكريم في سورة الحشر هذه الآيات المباركات :
« هُوَ اللَّهُ الَّذِي لآ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُـوَ اللَّهُ الَّذِي لآ إِلَهَ إِلاَّ هُـوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللّـَهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُـوَ اللـَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَسْمــَآءُ الْحُسْنــَى يُسَبـِّحُ لـَهُ مـَا فـِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (الحشر/22-24)


وهذه هي بعض من اسماء اللـه التي هي وسيلة للتقرب اليه - سبحانه - ، ووسيلة التعبد الحقيقية ، ونحن أمرنا ان نعبد اللـه باسمائه : " ولله الاسماء الحسنى فادعوه بهـا " ، فنحـن عنـدما نتعمـق فـي فهـم هـذه الاسماء نجـد انها كلها تتمثـل كمالات


ودرجات لنمو الانسان وحركته .

العلم عبادة :


ومن ضمن هـذه الاسماء التي اشارت اليهـا الآيـات السابقـة ( العلم ) فـي قـوله - تعالى - : « عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ » ، فالعلم هو الحبل الموصل بين الانسان وبين الله ، فاذا كان هذا العلم في طريق الله فانه يكون وسيلة للتقرب ، فمن ازداد علما ازداد قربا من الله ، ومن تعلم لله وعلم لله دعي عند الله عظيما .


وهكـذا فـان اسـم (العـالم) الذي جاء في سورة الحشر هو من الاسماء الاولى لله - تعالى - ؛ والنقطة الاساسية التي اريد ان أبينها هنا هي ان هذه الاسماء هي الدرجات التي يرتفع بها الانسان الى الله - تعالى - ولذلك فقد حثنا الله - على ان ندعوه بها ، فالعبادة ليست مجرد الركوع والسجود لان العلم هو ايضا عبادة .


ومن الاسماء الاخرى لله - تعالى - هو (الرحمان) ، وهذا يستدعي ان تكون رحيما ، وان يضمر قلبك الرحمة . وقد وصف - تعالى - نبينا (صلى الله عليه وآله) بانه رحمة في قوله : « ومَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (الانبياءِ/107) فهو نبي الرحمة وامامها ، وعلى هذا فان قلوبنا يجب ان تكون رحيمة شريطة ان تكون هذه الرحمة في طريق الله - تعالى - .


ومن اسمائه - جل جلاله - (العزيز) ، والعزة تعني القوة مع استخدام هذه القوة في السيطرة ، والعـزة في سبيل الله عبادة ، والقرآن الكريم يقول : « وَأَعِدُّوا لَهُم مَااسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ » (الانفال/60)


وبعد ، فتلك وغيرها هي اسماء الله الحسنى ، ولذلك فان الله - عز وجل - عندما


يقول : « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » فانـه يعنـي ان يتـدرجوا فـي


مـدارج الكمـال ، ومعـارج العظمة والنمـو بشرط ان يكون ذلك كله في سبيل الله ،


فالعظمة في غير طريق الله انما هي حقارة ، والعلم لغير الله جهل يأخذ بأيدينا الى النار .


وهكـذا فان حقيقـة العبـادة التـي جاءت الاشــارة اليـها فـي قـوله - تعالـى - : " ليعبدون " هـي التحـرك فـي مناهـج اللـه ، فالعبد الحقيقي هو الخاضع والمسلم أمره لله - تعالى - .


نستنتج من كل ذلك ان الانسان خلق لينمو ويتقدم ويسير نحو الله : « يآ أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ » (الإِنشِقاق/6) حتى يصل الى لقائه - سبحانه - :
«َواعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » (الحِجرِ/99)


وعلى هذا فان الهدف من خلق الكائنات هو الانسان ، اما الهدف من خلق الانسان نفسه فهو ان ينمو ويتكامل ، فالانسان الذي لاينمو ولايتكامل ولايزداد قربا من الله - تعالى - مع مرور الزمن ، فالاولى به ان يموت وقد جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يومه شرهما فهو ملعون ومن لم يعرف الزيادة في نفسه كان الى النقصان اقرب ومن كان الى النقصان اقرب فالموت خير له من الحياة . (1)


ضرورة تجلي اسماء اللـه في حياتنا :


واذا ما طبقنـا - نحن المسلمين - مضامين هذه الآيات القرآنية فان بلادنا ستكون


افضل البلاد ، وعلومنا احسن العلوم ، وسنكون اكثر قدرة وسيطرة ومنعة من غيرنا لان حوافز العبادة عندنا كبيرة ، فالقرآن جعل العلم عبادة ، والعمل عبادة ، والتقدم عبادة ، فأنت اذا استصلحت الارض وبنيتها فانك قد مارست في الحقيقة عبادة .


وهكذا فان اسماء اللـه - تعالى - يجب ان تتجلى فـي حياة المسلمين ، وهذا هو


معنى العبادة في قوله - تعالى - : « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » ، وتلك الفكرة مستوحاة من هذه الآية القرآنية ، لان القـرآن يقول بعدها : « مَآ اُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ اُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ » (الذّاريات/57) ، أي انه - تعالى - يريد ان يعطيهم ، ولايريد ان يأخذ منهم ، فالعبادة هي العطاء الالهي وتحرك الانسان للحصول على المزيد من العطاء الالهي .


ان تلك الاسماء كلها لها تجليات في خلق الانسان ، وهي باجمعها تقرب الانسان من الله - تعالى - ، وقد قال الله - عز وجل - في حديث قدسي : " خلقت الاشياء لأجلك ، وخلقتك لأجلي " ، وقال - جل وعلا - في حديث قدسي آخر : " عبادي لم اخلقكم لاربح عليكم وانما خلقتكم لتربحوا علي " .


اسماء اللـه تتجلى في أحكامه


الله - تعالى - هـو ينبوع كل خير ، ومعدن كل عظمة ، وهو نور السماوات والارض ، ولكل اسم من اسمائه الحسنى اشارة ودلالة على صفة من صفاته الحميدة التي هي وسائل الخير ، ووسائط النور ، وامثلته .


ونوره - عز وجل - تجلى ويظل يتجلى من خلال المشكاة التي اشار اليهـا القرآن الكريم في قوله : « مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ » (النُّور/35) ، والوسيلة الى هذا الافق الرحب ، والعالم الأسمى هي الأسماء الحسنى ، فهي الحبل الموصل بين العباد وربهم كما قال - تعالى - : « وَلِلّـهِ الاَسْمَآءُ الْحُسْنَى فـَادْعـُوهُ بِهــَا » (الاعراف/180) فمـن خلالها نتقـرب اليه ونزداد معرفة به ، وبالتالي نزداد قربة وزلفى اليه - عز وجل - .


اين يتجلى النور الالهي :


وهو - سبحانه - ليس بجسم او مادة حتى يحتل حيزا او مكانا ، بل ان مكانه في صميم قلوب اوليائه والمؤمنين به شريطة ان تكون طاهرة نقية من حجب الشرك ، وحجب النفس السوداء ، ففي هذه القلوب يتجلى اللـه - تعالى - ، ويتجلى نوره الذي لايمكن ان ينطفئ ، ولقد جاء في الحديث القدسي : " لا تسعني سماواتي ولا ارضي ، انما يعني قلب عبدي المؤمن " ، وفي الدعاء الشريف عن المعصومين (عليه السلام) تأكيد على هذه الحقيقة الايمانية : " وانك لاتحجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك وان الراحل اليك قريب المسافة " .


ان ما يحول بين قلب الانسان المؤمن ، وبين معدن النور ، وينبوع العظمة هو ذلك الهوس المادي ، والركون الى الدنيا ، والانهماك في ملاذها ، والتشبث بزخارفها وبهارجهـا ، واذا ما انقطـع الانسان عن كل ذلك فعندما يتصل قلبه بمعدن النور العظيم ، وينبوع العظمة الكبرى ، اي بخالقه الرؤوف الرحيم حيث تنعدم الحجب وتتمزق .


الاسماء الحسنى تنسجم مع حقائقها :


ان الاسماء الحسنى تنسجم مع حقائقها ، وتقوم في مواضعها المنطقية ، ومالاسماء والصفات الالهية تنبثق السنن الربانية ، والوجود والكون قائمان بهذه السنن الالهية ، وان اي خلل او انحراف يحدث صغيرا كان أم كبيرا سوف يسفر عن انقـلاب كوني كبير يخل بنظام الوجود كله ، ولذلك أبى اللـه - سبحانه - الا الثبات والاستقرار والدوام لهـذه الانظمـة والقوانيـن التي يطلـق عليهـا القرآن الكريـم اسـم ( السنن ) . وهذا هو حال الوجود والكون منذ ملايين السنين ؛ فالشمس تنطلق باتجاه معين ، والارض وغيرها من الكواكب السيارة تدور حول الشمس بلا زيادة في السرعة ولا نقصان ولا أدنى انحراف الى اليمين او الشمال ، ثم هناك العناية واللطف الالهيان الى جانب السنن الدقيقة الثابتة ، وعلى سبيل المثال فقد توقع العلماء قبل سنوات ان تحدث ثغرة في الغلاف الغازي للارض بسبـب التلوث البيئي ، وان الاشعة الكونية الخطيرة ستنفذ من خلال هذه الثغرة ، وتتسبب في القضاء على الحياة في كوكبنا شيئا فشيئا ، ولكن المعلومات الحديثة أكدت ان هناك بعض الظواهر الكونية التي هي جزء من القوانين والسنن الكونية تعمل على اغلاق وردم هذه الثغرات ، وهذا هو عين اللطف الالهي . وهناك عشرات الامثلة الاخرى التي تؤكد هذه الحقائق الايمانية في سنن الله في أرضه وسماواته ، وكيف ان أسماءه الحسنى - تعالى - تتصل وتتعلق بسننه ؛ كل اسم بما يرتبط به من سنة ؛ فسنة الرحمة تتصل بأسم الرحمان الرحيم ، وسنة الانتقام تنبع مـن مواضع انتقامه ، وهكذا الحال بالنسبة الى بقية الأسماء ، والصفات الالهية .


سنة الانتقام من الطواغيت :


وحول سنة الانتقـام الالهـي نقـول : ان الله - عز وجل - شاء بمشيئته العليا ان ينتقم من كل طاغوت متجبر في الأرض ، فهو - سبحانه - أبى ان لاتكـون الكبرياء والجبروت الا لـه ؛ فقـد جاء في الحديث عن الامام الصـادق ( عليه السلام ) يقول عن اللـه تعالى : الكبرياء ردائـي والعظمة إزاري ، فمن نازعني في شيء منهما قصمته .. (1) ، ولذلك فعنـدما يأتي طاغية كفرعون ، ويدعي الربوبية قائلا : « أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى » ( النَّازعات / 24 ) ، فان السنة الالهية تفعل هنا فعلها فـي الانتقام ، ولذلك رأينا ان رب العالمين أخذ فرعون وجنده واغرقهم في اليم ، وجعلهم عبرة لمن يعتبر .


وفي مقابل هذه السنة ، هناك سنة الدفاع عن المستضعفين المتصلة بسنة الرحمة ،


ومن كونه - تعالى - الرحمن الرحيم فهـو يدافع عن المستضعفين وينصرهم في نهضتهم ضد الظالمين ، ويجعل انتقـامه على أيديهم ان هم اخلصوا النصرة له ولكلمته العليا ، ووجد منهـم - سبحانـه - الاخلاص والتفانـي فـي سبيله ، وفـي ذلك يقول - عـز وجل - :
« وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الاَرْضِ وَنَجْعَلَهـُمْ أَئِمّـَةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِـينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ » (القَصَص/5-6)


[ض2]


الحكمة منطلق السنة ومنتهاها :


والحكمة تلي السنة ، وتنطلق منها ، ونحن نستنتج من ذلك انه لابد من ان نستوحي من سنن اللـه وقوانينه حكما عامة نعمل وفقها وفي اطرها ، فعندما يوقن العبد بأن ربه رحمان رحيم فانه يستوحي من هذه السنة الالهية المتمثلة في الرحمة حكمة يجعلها نصب عينيه في حياته وتعامله مع اخوته من بني الانسان ؛ اي انه يتخلق بهذا الخلق الالهي فيكون رحيما بالآخرين ، ويتجنب التكبر والظلم ، فالمؤمن الحقيقي رؤوف رحيم بالعباد ، يرحم كبيرهم ويعطف على صغيرهم ، ورحمته هذه لاتقتصر على بني جنسه انما تتعدى ذلك لتشمل حتى الحيوانات والنباتات وكل شيء يستحق الرحمة والر[ض3] أفة .


والوصايا الالهية هي الاخرى تنبعث من الحكم الالهية ، ومن هذه الوصايا تنبثق الاحكام الشرعية ؛ اي ان هناك على الدوام سلسلة قيمة تجب مراعاتها في الاحكام الشرعية ، ابتداء من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وسننه وحتى وصاياه واحكامه .


الاحدية اعظم الاسماء الحسنى :


وتعتـبر الاحـدية المشار اليها فـي قـوله - تعالـى - : « لاَ تَجْعَـلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَهاً


ءَاخَرَ » (الاسراء/22) ، من اعظم أسماء الله الحسنى ، وهي تدعو الى نبذ الشرك وتوحيده - عز وجل - ، ومن هذا الاسم العظيم ، والصفة المقتصرة عليه - تعالى - تتبلور سنة الهية عظيمة وهي ان لا معبود في الوجود الا الله - جلت قدرته - ، وبه تنهار وتتحطم كل الآلهة والاصنام البشرية والمادية ، ومن هذه السنة او القانون الالهي تتفــرع امـور هي في غاية الاهمية منها ما اشار اليه الحديث الشريف : " من تعصب أوتعصب له فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه " (1) ، فالتعصب للشيء يعني التزامه وتأييده بلا حدود ودون تحقق ، وهو أمر مرفوض اذ يجب تأييد الشيء واتباعه في إطار الحق ودائرة الشرعية والصلاح ، اما ان نؤيد شيئا ما ونتبعه دون نظر وتحقيق لهوى في النفس او لاسباب جاهلية اخرى فانه أمر غير منطقي ومغلوط يبعث على الضلال والانحراف .


ثم يقول - تعالى - بعد تلك الاية : « وَقَضَى رَبُّكَ اَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً » (الاسراء/23) ، فالسياق القرآني يؤكد هنا سنة الاحدية التي تصدر عنها الحكمة الالهية المتعلقة بها وهي الاحسان بالوالدين ، فمجمل الطاعة للوالدين تمثل أمرا مطلوبا وواجبا ، ولكن المستثنى من هذه الطاعة ، الطاعة العمياء .


ويستأنف السياق القرآني الكريم قائلا في نفس الموضوع السابق :
« إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَآ اُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً » (الاسراء/23) ، وفي هذه الاية نلحظ الدقة والبلاغة القرآنية العظيمة المنبعثتين عن اسم الرحمة الالهية ؛ فالوالدان هما اصل الانسان ، وهما اللذان وهباه الوجود الذاتي ، فلا يجوز التجرؤ عليهما ، والنيل منهما ولو بكلمة تأفف واحدة ، وللأسف فان ما نراه في المجتمعات الغربية هو سحق كرامة الآباء ، وجرح مشاعرهم واحاسيسهم من قبل ابنائهم ، فبالاضافة الى التربية المادية الفظة التي قطعت الوشائج والصلات الرحمية واذابت الكيان الأسري ، فان الآباء والاجداد المسنين أجبروا على العيش بعيدا عن ابنائهم واحفادهم في المصحات ودور العجـزة ، فلا يتصل بهم الابناء الا نادرا ، اما الاسلام فانه يوصي بل ويحتم على المجتمع ان يحترم الآباء والاجداد ويوقرهم .


أمرنا بالاحترام لا العبودية :


ومع ذلك فان الاحترام والتوقير شيء ، والعبودية والطاعة شيء آخر ؛ فالعبودية والطاعة لايكونان الا لله تعالى ، اما الاحسان والرأفة والرحمة وغير ذلك من الاخلاق الايجابية فلابد من وجودها واستمرارها في المجتمع الانساني الذي يطمح الى بلوغ التكامل .


وهكذا فان التسلسل الموضوعي في القرآن الكريم فيما يخص أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وسننه وشرائعه وحكمه واحكامه ووصاياه انما وضع ليفهم العقل البشري من خلاله الحياة والوجود الفهم الصحيح والمنطقي ، ويكون قادرا على التطور ضمن حدود الزمان والمكان خالدا ما خلدت السماوات والارض ، والذي يحول دون ان يبلى الاسلام هو انسجامه مع فطرة الانسان حيث صيغت قوانينه وشرائعه واحكامه ونظرته للحياة بطريقة يفهمها العقل البشري والفطرة السليمة النقية .


الاسماء الحسنى تجليات السنن الالهية


عندما نتصفح كتاب اللـه - سبحانه وتعالى - نجده حافلا بالمئات من اسماء الله الحسنى ، ففي فاتحته المباركة - مثلا - نجد رغم قلة عدد آياتها العديد من اسماء الخالق - تبارك وتعالى - كالرحمان ، والرحيم ، والملك ، والمالك ... وهكذا الحال بالنسبة الى جميع السور القرآنية الاخرى ، وحتى السورة الخاتمة ( سورة الناس ) التي تعتبر من السور القصيرة للغاية فانها تحتوي على بعض من اسماء الله الحسنى كالرب ، والملك ، والاله .


سر التأكيد على الدعاء باسماء الله :


والسياق الذي سيدور بحثنا حوله في هذا الفصل يبتدئ باسم جليل من اسماء الله


الحسنى ألا وهو " السبحان " حيث يقول - عز من قائل - :
« سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَقْصَا » (الاسراء/1) ، وهذا الاسم الشريف المقدس وغيره من الاسماء التي أمرنا اللـه - جل وعلا - ان ندعوه بها يدعونا الى التساؤل : ماهو السر في هذا الأمر الالهي والدعوة الميمونة ؟


للاجابة على هذا السؤال نمهد لذلك بالقول ؛ لما استحال على الانسان ان يحيط بكنه الله - تعالى - ، وذاته المقدسة لمحدوديته الذهنية ، وقصور طاقته العقلية مهما بلـغ من النبوغ والتفتح ، ولذلك فقد كانت علاقته بربه منحصرة في دعوته ، ومناجاته ، والتوسل اليه باسماءه الحسنى ، وآلائه العليا . علما ان الانسان يزداد


ايمانا بالله ، وعبودية له ، وتقوى ، و ورعا كلما ازداد علما بضآلة نفسه ، وتفاهتها امام عظمة الله ، وجبروته ، وكبريائه .


استحالة الاحاطة بالذات الالهية :


وهناك الكثير من عوالم النفس الانسانية مازالت طي الجهل ، واسرارا لا يعرف الانسان كنهها ، فيقف حائرا امام تلك المجاهيل ، والآفاق الواسعة المترامية فيها ، فكيف الامر - يا ترى - بالنسبة الى الذات الالهية المقدسة ؟ فكما ان من المستحيل ان تجمـع ماء المحيط في قدح صغير ، فكذلك الامر بالنسبة الى معرفـة الذات الالهية .


جهلنا بانفسنا وبالعالم :


على اننا مانزال نجهل انفسنا ، ولم تزل معرفتنا بها ضحلة ، ولازلنا لحد الآن على ساحل بحرها ، فلم نبلغ قيعانها ، ونكتشف ما تنطوي عليه من مجاهيل واسرار رغم ان هذه النفس هي اقرب الاشياء الى الانسان . فلا يبهرننا هذا التطور العلمي ، وهذه التكنلوجيا الجبارة ، والآفاق الواسعة ، والاكتشافات الهائلة التي حققها رواد العلم . فمازالت هناك - رغم ذلك - الكثير من ابواب العلم مؤصدة تبحث عمن يعثر على مفاتيحها ، علما ان عظمة العلم تكمن في انه كلما انفتح منه باب أطلت هذه الباب على مئات الابواب التي تحتاج الى جهد لفتحها . وعلى سبيل المثال فان الخلية التي هي وحدة بناء الكائن الحي والتي لا تراها العين المجردة ، اثبت العلم انها عالم واسع ومنظم تحكمه القوانين والانظمة ، ومع ذلك فهناك عقد علمية في الخلية لم يتمكن العلماء المختصون من اكتشاف اسرارها ، واعطاء تحليلات وتفسيرات مقنعة حولها . فمازالت الكثير من الظواهر فيها تفسر على اساس نظري بحت ، وربما تضاربت النظريات العلمية فيها .


فاذا كان ذلك غير ميسور بالنسبة الى اولئك الذين انفقوا عمرهم في العلم والبحث والدراسة والاختبار ، فكيف بنا نحن الذين لم نغترف غرفة واحدة من هذا البحر الواسع المترامي الاطراف ؛ واذا كنا نجهل هذه الخلية الصغيرة في اجسامنا ، فكيف يمكننا ان ندّعي القدرة على معرفة كنه الذات الالهية المقدسة التي اوجدت الاشياء والوجود والكون الواسع اللامتناهي بمجرد


الارادة ؟


لا طريق امامنا سوى التوسل بالاسماء الحسنى :


واذا كان الأمر كذلك تبقى علاقتنا بالخالق - تعالى - ان ندعوه ، ونعرفه باسمائه الحسنى كما يقول - سبحانه - :
« وَلِلّهِ الاَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعـُوهُ بِهـَا » (الاعراف/180) ، وكما يقول ايضا :
« قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيّاً مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَسْمآءُ الْحُسْنَى » (الاسراء/110) . وكلما دعونا اللـه - جل وعلا - باسم من اسمائه الجليلة كلما ازدادت معرفتنا به ، وقربنا منه ، وحبنا له ، وفي المقابل سوف يزداد حب الخالق لنا ورحمته ولطفه بنا .


فلندعه دائما ، ولنناده باسمائه ، ولنغتنم كل فرصة تسنح لنا في الذكر ، والدعاء ،

/ 9