لاية الله حصن المؤمن - توحید یتجلی فی الحیاة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توحید یتجلی فی الحیاة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


السياق القرآنـي الكريـم لايلبث ان يحدثنا مباشرة عـن مسألة الشرك فيقول - عز من قائل - :


« وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً أَفَاَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقوُلُونَ قَوْلاً عَظِيماً» .


ترى ماهي العلاقة بين هذه الحكم وبين هذين النهيين القرآنيين اللذين يقول الله في احدهما : « وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » ، وفي الآخر : « وَلاَ تَمْشِ فِي الاَرْضِ مَرَحاً » ، وبين النهي عن اتخاذ شريك لله - جل وعلا - ؟


ان هناك ثلاثة فروق بين الشرك وبين الرذائل الاخرى :

الشرك وسيلة التبرير :


1- ان الانسان انما يشرك بالله - تعالى - مالم ينزل به سلطانا ، لئلا يبحث عن تبرير لسلبياته ، والتخلص من واجباته ومسوؤلياته ، والا فلماذا يبحث عن شريك ، وهل سد الله - تعالى - امامنا ابواب رحمته ، ومنعنا فضله ؟ افلا يستجيب لدعائنا عندما نضطر اليه ، وهل رأينا إلها أفضل وأوسع قدرة وأعظم سلطان منه ، وهل غيّر عادة الامتنان علينا ؟


فلماذا يبحث الانسان دوما عن شريك لله ، وعن قوة اخرى يحتمي بها ؟ الجواب ؛ لانه يريد ان يتخلص من مسؤولياته ويبرر تقاعسه عن الواجبات ، فيقول في نفسه : ان الله يأمرني بالصلاة وانا لا اريد ان أصلي ... وهكذا يمهد الشيطان امام الانسان طرق التبرير ، فيقول له - على سبيل المثال - : ان اردت التخلص من الصلاة فاجعل نفسك صوفيا ، ومن العجيب ان بعضا من الصوفيين عندما يسألون عن سبب عـدم إدائهم للصلاة ، فانهـم يبادرون الى القـول ان ركعتين صلاها الامام علي ( عليه


السلام) تكفينا ، وتكفي كل البشرية !!


وقد يقول الشيطان للانسان : هل تريد ان تتخلص من الصوم ؟ فيهيء له بذلك جوابا جاهزا ، فاذا قيل له : لماذا لاتصوم ؟ قال : نحن في الدنيا مسافرون وليس على المسافر صيام ، وقد يقول له الشيطان ايضا : هل تريد ان تتخلص من مسؤوليات العدالة الاجتماعية ؟ ان أفضل طريقة لك ان تؤمن بنظرية الفداء ؛ وهي ان عيسى قد قتل نفسه من أجلنا فغفرت كل ذنوبنا !!


وقد يوسوس الشيطان الرجيم للانسان قائلا : هل تريد ان تتخلص من مسؤوليات الحكم الاسلامي ؟ ان اردت ذلك فقل : " ما لله لله وما لقيصر لقيصر " .


ان مشكلة الانسان الرئيسية تتمثل في انه لايريد ان يتحمل المسؤولية بسبب خطورتها واهميتها ؛ فالسماوات والجبال رفضتها ، والارضون أبت ان تتحملها ، وحملها الانسان لانه كان ظلوما جهولا فتورط بها ، فاذا به يريد ان يهرب منها .


الشرك يمنع العمل :


2- لان الانسان يبحث عن طريقة للتملص من مسؤولياته والفرار منها ، لذلك فانه يزعم ان في الكون آلهة سوى الله - سبحانه وتعالى - تمنعه عن عبادته ، فيقول مبررا لنفسه : ان أراد ربي ان يدخلني النار فان عيسى بن مريم سيأخذ بيدي الى الجنة ، او ان الملائكة ستدخلني الجنة ....


الشرك تنزيل لمستوى الخالق :


3- ان الانسان الذي يشرك بالله - عز وجل - ، يجد في هذا الشرك اسلوبا لتجسيم ربه ، وبالتالي انزاله حسب رأيه وزعمه من مستواه في علوه الى مستوى عادي فيقول ان الله - تعالى - مثلنا !


وهكذا فان الشرك بالله يجعل الانسان بعيدا عن مسؤولياته الحضارية ، ولذلك فان


الله - عز وجل - كلما يأمـرنا بحسنة يأمرنا في نفس الوقت بالتوحيد ، وكلما ينهانا


عن سيئة فانه ينهانا عن الشرك به .


واذا استطعت ان تغلق ابواب الشرك ، وتدرك انه لا احد ينقذك من نار جهنم الا بمشيئة الله ، ولا احد يشفع لك الا برضاه ، ولا احد يستطيع ان يغيّر موقعك الا اذا اراد الله ، وعرفت ان كل خير وكل نفع من عنده - سبحانه وتعالى - فحينئذ بامكانك ان تربي نفسك على الفضائل ، لانك ستدرك آنئذ ان لا فرار من المسؤولية .


التبرير الذهني ضلالة فكرية :


ان من ابرز ما يجعل الانسان يفر من مسؤولياته هو التبرير الذهني الذي هو في الواقع ضلالة فكرية ؛ فمن أجل ان يتهرب من الصلاة يقول : ان الصلاة انما هي صفاء القلب وعلاقته بالله وانا أمتلك هذه العلاقة ، فلماذا أصلي اذن ؟


ان مثل هذا التصور الخاطئ قائم الآن بين المسلمين للأسف الشديد ، فهم يقولون اننا نصلي من أجل ان تنهانا الصلاة عن الفحشاء والمنكر ونحن نعيش في الفحشاء والمنكر ، فلماذا نصلي وماهي جدوى صلاتنا ؟ ! وبالتالي فان هذا النمط من التفكير هو يأس وقنوط من رحمة الله - تعالى - ، وطريق لنفوذ الشيطان ، والابتعاد عن المسؤولية .


ان الانسان يبحث عادة عن مبرر للتملص من مسؤولياته ، ويحاول ان يهرب من مواجهة الحياة ، ولذلك يقول الله - عز وجل - :


« وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ الْسَّمْعَ وَالْبَصَرَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً » ، فالانسان في البدء ومن أجل الهروب من مسؤوليته يحاول ان يجعل لنفسه إلها وهو ليس بالاله الصحيح بل هو ند لله - جل وعلا - ، فيقول ان هذا الاله هو الذي يخلصني من المشاكل والازمات التي تلم بي .


وازاء هـذا المنطـق المغلوط يقول - تعالى - : « وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ »


اي حـاول فـي البـدء ان تتبـع منهجية سليمة ، فالشيطـان يلعب بمخ الانسان وعليـه


ان يطرد هذا الشيطان ، لانه اذا سيـطر على قلب الانسان وجعل الشهوات ترين على قلبـه


فحينئـذ سـوف لايستطيع ان يتخلص منه ، فيبقى هو الذي يقوده في الحياة .


عندما يكون العذر اقبح من الذنب :


ترى هل نسي الواحد منا غذاءه ولو لمرة واحدة طيلة عمره ، وهل نسي قضية اخرى تهمه ؟ فلماذا - اذن - ننسى القضايا الدينية والأمور المرتبطة بمصير الأمة ولا ننسى القضايا الشخصية التي لاتمتلك أية اهمية ؟ ان هذا العذر أقبح من الذنب لان الانسان الذي ينسى ، ويبرر الكسل والتقاعس بالنسيان هذا الانسان ستترسخ فيه صفة التبرير ، فيمضي عمرا كاملا دون ان يقدم أي عمل .


وهكذا الحال بالنسبة الى الانسان الذي يبرر عدم قيامه بواجباته بالخجل والحياء وخـوف توجيه التهم اليه ولوم اللائمين ، فانه سيجعل نفسه أفضل من قيمه ومقدساتـه ، فليسبك الناس وليفتروا عليك وليوجهوا اليك التهم والافتراءات ، فقيمة الانـسان المؤمن بقيمه لا بنفسه ، وحتى اذا ذل الانسان المؤمن نفسه في سبيل اللـه - تعالى - فان هذه الذلة تعتبر بالنسبة اليه عزة .


وهكذا فان علينا ان نخرج من اطار جميع التبريرات كالخجل والحياء والخوف من الفشل ... وان نقاوم الاساليب الشيطانية ، وان نقارن بين تبريراتنا وبين ما يجب ان نعملـه ، والانسان الصديق هـو الذي يستطيع ان يخضع عقله لمنهجية ايمانية سليمة ، ولكن اكثرنا لايتبع هذه المنهجية للأسف ، فتراه يبرر وهو يعلم ان تبريره مغلوط في حين ان الاعتراف بالخطأ فضيلة ، وعلى العكس من ذلك فان الإصرار عليه يعـد ذنبا عظيما ، وللأسف فــان الغالبية العظمى منا يتعامل في حياته على اساس التستر على اخطائه .

التبرير حجاب دون الحقائق :


اننا اذا اسقطنا ومزقنا حجب التبرير فحينئذ ستستطيع اعيننا ان ترى الحقائق ، وقد


جاء في رواية عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) . قال : لا يخلد الله في النار الا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضلال والشرك ، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله تعالى :
« إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُم وَنُدْخِلْكُم مُدْخَلاً كَرِيماً » (النساء/31) قال : فقلت له : يابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المؤمنين ؟ فقال حدثني أبي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : انما شفاعتي لأهل الكبائر من امتي ، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل ، قال ابن ابي عمير : فقلت له : يابن رسول اللـه فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر واللـه تعالى يقول : « وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ » (الانبياءِ/28) ، ومن يركب الكبائر لايكون مرتضى ؟ فقال : يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا الا ساعة ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كفى بالندم توبة ، وقال : من سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما ، والله تعالى يقول :
« مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ » (غافر/18) (1)


وعلى هذا فان الذي لايندم على ذنبه لايعتبر الذنب ذنبا ، وقد كان علماؤنا (رضوان الله عليهم) يقولون ان الذي لايصلي ولاينكر وجوب الصلاة يعزّر ، والذي لايصلي ويقـول ان الصلاة غير واجبة فجزاؤه القتل لانه منكر لضرورة مـن ضرورات


الدين ، وهو خارج عن اطار الاسلام .


ونحن عندما نجاهد في سبيل الله - تعالى - ، ونذنب الذنوب ثم نبرر تقصيرنا ببعـض الحجـج الواهية فان هذا التبرير هو الذي يخرجنا من اطار الجهاد ، فالانسان


المجاهد حقا لايبرر ، بل يمتلك شجاعة انتقاد نفسه ، ومراجعة عيوبه واخطائه ، ومراقبة ما يبدر منه مراقبة دقيقة وشديدة ، ثم يقر بذنوبه واخطائه تلك ، ويستشعر في نفسه الندم عليه ، ويعزم بعد ذلك عزما حقيقيا على ان لايعود الى ارتكاب تلك الاخطاء والذنوب ، ويجسد هذا العزم في واقعه وسلوكه وعلاقاته مع الاخرين .


لاية الله حصن المؤمن


ولاية الله - سبحانه وتعالى - هي حصن الانسان ؛ فمن دخل حصن هذه الولاية أمن من التخلف والتبعية ، ومن رفض دخوله فانه سوف يصبح عبدا للآخرين وللتقاليد البالية وبالتالي فانه سوف يتخلف في الحياة الدنيا .


وانها لنعمة كبرى منّ الله بها على الانسان عندما فتح له باب هذا الحصن ودعاه اليه ، وأمر اوليائه ان يدعوا الناس الى دخوله .


معطيات الولاية الالهية :


والنمـوذج التأريخي الرائع للدخول في حصن الولاية يتجسد في ابراهيم الخليل (عليه السلام ) حيث استطاع هذا النبي العظيم ان يحقق الانجازات التالية مـن خلال


دخوله في هذه الحصن :


1- وضع نقطة البداية للتأريخ كما يشير الى ذلك - تعالى - في قوله : « إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ اُمَّةً » (النّحل/120) ، فقد ابتدأ التاريخ بابراهيم ، وجميع الانبياء والرسـل الذي ظهروا بعـده انما اتبعوا شريعتـه . فقـد اوتي هـذا النبي من عند اللـه - تبارك وتعالى - قوة استطاع بها ان يتحدى جبروت طاغوت زمانه نمرود الذي اتخذ من بابل في ارض العراق مقرا لنشر طغيانه وارهابه في ارجاء كثيرة من المعمورة آنذاك .


وقد كان هذا الطاغية يستعبد الناس ويقتلهم وينهب اموالهم ويعتدي على نسائهم ولايدع الناس يعيشون احرارا في حياتهم ويتمتعون بنعم الله ، وقد كان الناس يخشونه ويرهبونه ويخضغون له ، وقد اتخذ لهم اصناما وحملهم على ان يعبدوها ويقدسوها كرمز لقوته وسيطرته وجبروته .


وحينئذ أرسل الله - جل شأنه - ابراهيم نبيا ، وكان اول ما قام به هذا النبي انه دخل في حصن الله ، وسلم نفسه لولايته ، فالمقاتل الذي يريد ان يحارب عليه ان يقوم قبل كل شيء بحفر خندق ، يتترس فيه ثم يبدأ القتال ، وقد كان ابراهيم (عليه السلام ) يريد ان يحارب قوة جبارة ، ورجلا أستعبد الناس وأستخفهم ، فما كان منه ( عليه السلام ) الا ان تترس بالولاية قائلا :


« إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (الانعام/79)


ان هذه الكلمة الخالدة التي أطلقها ابراهيم (عليه السلام) منحته اولا قوة هي فوق كل قوة اخرى ، وتذوب أمامها قوة البحار والجبال والرياح والارض والبشر .


فعندما هم الطاغية بالقائه في النار اللاهبة انتقاما منه لعدم خضوعه لسلطانه نزلت عليه الملائكة من مختلف الاصناف كل ملك كان يعرض على ابراهيم ان ينقذه من النار ، ولكنه (عليه السلام) كان ينظر الى كل واحد منهم بقلب واثق ونفس مطمئنة مبينا له انه لايحتاج الا الى عون ومساعدة جبار السماوات والارض ، فقد كان يخاطبهم قائلا : " علمه بحالي يغنيه عن سؤالي " .


ان هذه الكلمة الخالدة تعني ان الانسان الذي تمسك بحبل الولاية واعتصم بها ، وتترس في خندقها ، ودخل في حصنها ... هذا الانسان يتعالى ويتسامى على كل قوة عدا قوة الله - سبحانه وتعالى - .


لقـد نظـر ابراهيـم (عليـه السلام) الى الشمـس بكل عظمتها وقوتها ، ولكنه عندما رأى العجز والنقصان يعتريانها خاطبها قائلا : «لا اُحِبُّ الاَفِلِينَ »(الانعام/76) .


2- لقد أعلن ابراهيم (عليه السلام) رفضه لعبادة الاصنام التي كانت رموزا لمرحلة تاريخية معينة ، فقد كان السبب في عبادة الناس لها تقليدهم للآباء .


وهكذا فقد كانت الحياة جامدة متخلفة ، فما كان بمقدور الناس ان يروا المستقبل بل كانوا يعيشون الماضي دائما ، فاصنامهم وعقولهم المتحجرة على تلك الاصنام لم تكن تدعهم يطورون حياتهم ، ولذلك فقد كانوا متوغلين في التخلف راسفين في اغلال الجمود والتقوقع ، وقد كانت هذه الاوضاع سببا من الاسباب التي حدت بابراهيم وبأمر من الله - تعالى - الى ان يقاوم نهج عبادة الاصنام .


وعندما حطم ابراهيم (عليه السلام) الاصنام فانه استطاع ان يحطم الجمود والأغلال والأصر ، ثم انطلق من بابل وتوجه الى مصر ومنها الى فلسطين ومكة ليبني حضارة عظيمة مازالت آثارها ماثلة أمامنا ، ونحن مدينون لها في كثير من جوانبها ؛ فالحضارة التي نعيشها الآن هي وليدة الجهود التي بذلــها ابراهيم الخليل (عليه السلام) .


3- ان ولاية الله - عز وجل - تمنع وتحول دون ولاية الشيطان ، فالانسان أمامه طريقان لا ثالث لهما ؛ فاما ان يدخل في ولاية اللـه - عـز وجل - ، واما ان يدخل


في ولاية الشيطان ، فهو لابد له من مأوى ومن كهف ، فاما ان يدخل في كهف الله ،


واما ان يدخل في كهف الشيطان ، ومن لايدخل في ولاية الله لابد ان يدخل في ولاية الشيطان ، ولقد أوتي الشيطان القدرة على السيطرة على الانسان لانه « يَرَاكُمْ هُو َوَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَتَرَوْنَهُمْ » (الاعراف/27) - كما يقول القرآن الكريم - فهو عدو خفي ، ويتمتع بتجارب أكثر من تجاربنا ، فله تجارب مع أبينا آدم ومع جميع الانبياء لان نفسه سولت له - دون جدوى - ان يخدع الانبياء (عليه السلام) .


واذا كان الأـمر كذلك فكيف نستطيع ان نتخلص من مكر الشيطان وأساليبه الخبيثـة ؟


الجواب : ان الشيطان ليس له سلطان الا على من تولاه ، اما الذين يتـولون اللـه - عز وجل - فان الشيطان لايستطيع ان يسيطر عليهم ، وعلى هذا الاساس فان هناك ولاية تسمى بـ ( ولاية الله ) لابد ان ندخلها .


اما كيف يستطيع الشيطان ان يتولانا ويدخلنا في مطباته لتوضيح ذلك نضرب المثال التالي : ان شهوة الجنس هي شهوة قوية ، والشيطان يستغل هذه الثغرة في النفس الانسانية على خطوات ليدخلها في هذا المطب ، ولذلك فان القرآن الكريم يحذرنا قائلا : «ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ» (البقرة/168) ، فهو في اليوم الاول لايدعوك الى الزنا بشكل مباشر بل الى النظر المحرّم ثم الى الالتقاء في مكان خفي بعيد عن الانظار ، ولذلك يقول الحديث الشريف : " ما اجتمع رجل وامرأة الا وكان الشيطان ثالثهما " .


وهكذا فان الشيطان يستدرج الانسان شيئا فشيئا حتى يسقط في مستنقع الجريمة ، اما الانسان المؤمن فانه عندما يدخل في ولاية الله - جل وعلا - فانه سيمنع بذلك الشيطان من ان ينفذ في قلبه ويستولي على نفسه لانه لايستطيع ان يدخل معه في حصن الله - تعالى - لانه رجيم ، مطرود من الرحمة الالهية .


والمؤمن اذا اصابه طائف من الشيطان فانه يتذكر الله مباشرة ويستعيذ به فما يكون مـن الشيطـان الا ان ينهـزم من أمامـه ، اما الانسان المنافق والكافر والفاسق والغافل


فانه سيقع فريسة الوساوس الشيطانية لانه لم يدخل في ولاية الله .

أصل الولاية :


ان أصل الولاية ان يقول الانسان : « إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصَّالِحِينَ » (الاعراف/196) ، ولقد كانت الكلمة الاولى التي أطلقها ابراهيم (عليه السلام) في هذا المجال قوله : « إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (الانعام/79)


وهنا اود ان اتوقف عند عبارة « فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ » وفي البداية علينا ان نقول ان (فطر) تعني : شق ، فاذا رأينا شقا في الجدار أطلقنا عليه اسم (فطر) ، واذا رأينا شيئا انقسم الى قسمين قلنا انه (انفطر) ، وبناء على ذلك فماذا تعني عبارة (فطر السماوات والارض) ؟


ان هذا الكون الذي نعيش فيه لا حدود ولا نهاية له ، فاذا ركب الواحد منا طائرة ليدور حول الارض فانه يحتاج الى ايام للقيام بهذه المهمة ، وهذه الارض لو القيت في وسط الشمس فانها تصبح كحصاة في صحراء ، وهناك شموس أخرى اكبر من شمسنا بملايين المرات تسمى بـ (النجوم العملاقة) ، على ان هذه الشموس تقع ضمن مجموعة واحدة يطلق عليها اسم (المجرة) ، ويوجد الملايين من هذه المجرات منتشرة في ارجاء الكون اللامتناهي ...


ترى اين نحن من هذه الآيات الباهرة ، والعجائب التي لاحصر لها ؟


اننا نفتخر بأنفسنا ونجعل الغرور يستولي علينا ، في حين ان علينا ان نضحك على هذه العقلية السخيفة التي تجسدت في طغاة كثيرين عبر التأريخ مثل فرعون الذي أمر هامان قائلا :


« فَأَوْقِدْ لِي يَا هامَانُ عَلـَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَـى إِلَهِ مُوسَـى


وإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ » (القَصَص/38) ، والذي أمر قومه بعبادته عندما أدعى الربوبية قائلا : « أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى » (النَّازعات/24) .


وفي الحقيقة فان كل انسان يضمر في نفسه مثل هذه الكلمات ولكنه لايقولها الا اذا اجتمعت الظروف المساعدة على ظهور تكبره وطغيانه .


واليوم فان الدول الاستكبارية قد تكبرت وطغت بعد ان ظهرت الظروف التي دفعتها الى هذا التكبر والطغيان ، ونحن يجب علينا ان نواجه ونقاوم هذه القوى المستكبرة كما فعل ذلك من قبل ابراهيم ( عليه السلام ) لاننا دخلنا في حصن الولاية .


ونحن نستطيع من خلال التمسك بالولاية الالهية ، والتوجه الى الله - تعالى - مقاومة كل القوى الاستكبارية في الارض مهما كانت طاغية ومتجبرة ، لانها قوى شيطانية وان كيد الشيطان كان ضعيفا ، وذلك من خلال الخطوتين التاليتين :


1- عندما نتمسك بالولاية فاننا سوف نغير أساليبنا ، ففي هذه الحالة سوف لايبقى أسلوبا مقدسا ، فلا صنم يعبد من دون الله - عز وجل - ولا اسم يعبد من دونه ، وكل شيء يصبح خاضعا للتغيير حسب إرادة الله المطلقة .


2- عندما ندخل في حصن الولاية الالهية فان قوى الشر سوف لاتستطيع ان تؤثر فينا ؛ اي ان الصفات الاخلاقية السلبية من مثل العداوات والغيبة، والتهمة والكذب والنميمة والانانيات والعنصريات ... كل ذلك سوف ينمحي ويزول من سلوكنا وتعاملنا مع بعض ، وهذا هو الشرط المهم والرئيسي للانتصار . فعندما يتكون مجتمع لا وجود لتلك الصفات السلبية فيه ، وتسوده روح التعاون والتلاحم والانسجام ، وعندما يكون قلبا واحدا ويحمل ايمانا راسخا وهمة عالية وإرادة صلبة وعزما لايلين علـى المقاومة والتضحية والنـداء ، فان مثـل هـذا المجتمع سـوف ينتصـر لامحالـة ،


وبدون أدنى شك ، لانه قد وفر في نفسه وحقق شروط الانتصار التي تقف الوحدة في مقدمتها ، ولانه قد دخل في اطار ولاية الله - سبحانه وتعالى - .


ولاية الله عمل لا كلام :


وعلينا ان نضع نصب أعيننا في هذا المجال ، ونتذكر دوما ان ولاية الله - تقدست اسماؤه - ليست مجرد كلمة يرددها اللسان وشعارات تطلقها الحناجر وكلمات للاستهلاك الاعلامي بل هي منهاج وشريعة وطريقة سليمة علينا ان نتخذها طريقا واسلوبا لنا في حياتنا في جميع اصعدتها ومجالاتها سواء كانت اجتماعية ام سياسية وجهادية .


ومن هنا فاننا يجب ان نتمسك بحبل الولاية ، ونستمد من هذا الحبل القوة والقدرة على مواجهة المشاكل والصعاب


حكيم ولاية اللـه في التفكير والعمل


ان تحكيم ولاية الله في ثقافة الانسان ضرورة ايمانية ينبغي على كل مسلم ان يرتفع الى مستواها وبالذات اولئك الذين يتسنمون مركز القيادة الثقافية والفكرية في المجتمع مثل العلماء والمفكرين .


وقد يزعم الانسان انه يستطيع ان يكون حر الفكر دون ان تكون هناك ضوابط ومقاييس معينـة تحدده ، في حين ان هذا الزعم يعتبر اساس الكفر بالله والجحود به فلا يمكن للانسان ان يكون حرا الا اذا كان فكره منطلقا من الايمان بالله - تعالى - فالنفس التي استعبدتها الشهوات ، والقلب الذي سيطرت عليه الضغوط ، والارادة التي خابت امام التحديات لايمكن ان ينبعث منها فكر حر .


وهكذا فان العبودية لايمكن ان تنتج الحرية ، وان الذين يدّعون حرية الفكر بعيدا عن


الاعتقاد بالله انما يكذبون على انفسهم وعلى الاخرين ويرتكبون خطأً جسيما ، فليس من المعقول ان تستطيع الحرية الفكرية تحدي ولاية الله ، لان هذه الولاية تعني تحرير الانسان من ربقة الشهوات ، وعبودية الضغوط ، وبالتالي تحرير من ولاية الآلهة المزيفة وتسليمه الى رب العالمين ، وهذه هي اسمى حرية يطمح الانسان للوصول اليها .


واذا كان الأمر كذلك فينبغي ان يكون الفكر وما يصدر عنه تحت مظلة الولاية الالهية . فالضلالة الفكرية تستتبع - بالطبع - الانحراف السلوكي الذي يجر صاحبه الى النار ، ولذلك يقول - تعالى - :
« وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ » (الحَج/8) ؛ اي ان البعض قد يتحدث حول شريعة الله من دون ان تكون لديه خلفية علمية او هداية روحية او مسند يستند اليه .


السبيل الى مواجهة الافكار الضالة :


ان على الانسان ان يتسلح بثلاث حجج يواجه من خلالها تيار الضلال والافكار الباطلة البعيدة عن الهدى الالهي وهي :

1- العلم :


وفي هذا المجال يروى ان الامام علي (عليه السلام) سئل عن المسافة بين الحق والباطل فقال : " أربعة أصابع ، فما رأيته بعينك فهو حق ، وما سمعته بأذنك فهو باطل " ، وبالفعل فان أكثر ما تسمعه الاذن هو باطل كالأخبار التي تذيعها الاذاعات المعادية والتحليلات السياسية التي تكتبها الصحف الصفراء ، فمن الخطأ الفاحش ان يتناول الانسان المؤمن كتابا ثم يقرأه ويعتقد بما يشتمل عليه دون ان يعرف مؤلفه ابتداء .


وفـي السابق كان علماؤنا فـي الحديث والدراية يبادرون الى دراسة الكتاب الذي


يعثرون عليه من ثلاث جهات هي :


أ - مؤلف الكتاب وحياته ونسبه والاساتذة الذين تلقى الدروس عنهم ، وماذا قيل عنه ، ومن هو القائل .. فقد يكون المؤلف عالما ولكنه قد يكون في نفس الوقت غير عادل ، او ان يكون عادلا ولكنه مبتلى بالخلط نتيجة ذاكرته الضعيفة ، ولذلك فان اولئك العلماء كانوا يحققون ويبحثون لمدة أسابيع بل وشهور في حياة ذلك المؤلف من أجل ان يطمئنوا الى صحة حديثه .


ب - صحة انتساب الكتاب : واذا ما ثبتت عدالة ورجاحة فكر المؤلف وعلمه فانهم يبحثون بعـد ذلك في مدى صحة انتساب الكتاب الى المؤلف ، فهل كتاب الكافي - مثلا - هو للكليني ، وهل كتاب التهذيب يعود الى الشيخ الطوسي .... وهكذا ..


ج - صحة النسخة ومطابقتها للاصل : واذا ثبت ذلك بحثوا في النسخة التي بين ايديهم وفي صحتها ومدى مطابقتها لأصل ، وفي الذين شهدوا على هذه الصحة ، ولذلك فانك قد ترى في بعض النسخ القديمة الكثير من التواقيع من قبل ائمة الحديث صدّقوا صحة انتساب النسخة الى الاصل .

2- الهدى :


الحجة الثانيـة هي ( الهدى ) ، وهو ان لاتعرف الشيء بتفاصيله ولكنك تعرف الاصول التي تنتمي اليها ، فقد يعرف انسان ما الطريق الذي يؤدي الى الكعبة وجهة القبلة ولكنه يجهل التفاصيل ، وربما يفسر الهدى بتقليد العلماء ، فاذا كان هناك عالم موثوق به ثم جاءه انسان غير عالم وعرف ماهو عليه فهو على هدى من ربه .

3- الكتاب :


وليس كل كتاب حجة ، بل الكتاب المنير هو الحجة ، فكما ان النور يزيل الظلمة


ويكشـف للانسان الحقائـق ، فان الكتـاب ايضا يجـب ان يكون حقيقة تنير للانسان


المؤمن الطريق ، وتفتح امامه الآفاق .


وهكذا فـان ولايـة اللـه - تعالى - في الفكر تستدعي ان يكون بين المؤمن الرسالي وبين الله - تعالى - واحدة من تلك الحجج الثلاث على الاقل .


الورع في اتخاذ المواقف :


وانت حينما تريد ان تتخذ موقفا من أمر ما ، او ان تقيّم نفسك او الآخرين ، فان عليك ان تجعل نصب عينيك حقيقة ان الله مشرف ومهيمن عليك وانه يراك .


وهكذا فان الانسان المؤمن اذا حدث الناس فانهم يثقون به لانه قد اعتمد في كلامه حجة بينه وبين الله - سبحانه - الا وهي الصدق ، فالانسان المؤمن لايتخذ مواقفه وهو غريق ظلمات نفسه المليئة بالشهوات ، بل يتوجه الى الله ويقوم بدراسة وتقييم افكاره بنظرة سليمة بعيدة عن الشيطان وهوى النفس وعلى ضوء ذلك يتخذ موقفه النهائي .


ومن صفات المؤمن انه انسان عاقل ، ومن صفات الانسان العاقل الرصانة والوقار ؛ فلا يقول كلاما ويتخذ موقفا من دون دليل او رؤية واضحة صادقة ، وعلى هذا فانك اذا اردت ان تتحدث عن الله وعن تعاليم السماء ، وشرائع الاسلام فان عليك البحث والتحقيق والا فانك ستفتري على الله - تعالى - كذبا ، وهذا ما يشير اليه القرآن الكريم في قوله : « وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ » (الحَج/8-9)


والافتراء على اللـه هو مـن الكبائر القبيحة التي يكون جزاؤها الخزي فـي الدنيــا


والعذاب في الآخرة ، هذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى : « لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ » (الحَج/ 9)


ثم ان من صفات المؤمن الخشوع ؛ اي ان يكون قلبه دائما في حالة ذكر اللـه ، وهـذا يعـني انه يحاسب نفسـه ، ويحاكمها دوما في محكمة الضمير العـادلة ، ويعني


ايضا انـه يقـوم بعمليـة تصفية وغربلة لافكاره ليأخـذ الصالح منها ويـترك الفاسـد ،


وبالتالي فان مواقفه في الحياة سوف تكون سليمة نابعة من رؤاه وافكاره الصالحة .


متى ندخل في حصن اللـه :


ويبقى السؤال التالي ماثلا امامنا : كيف يمكن للمرء ان يدخل بفكره في حصن اللـه ؟


والجواب : ان هذا الدخول ممكن من خلال ممارستين :


1- ان يخضع الانسان نفسه الأمارة بالسوء وشهواته واهواءه ويسيطر عليها ، وبالطبع فان تحقيق ذلك ليس بالامر اليسير ؛ فالشيطان والنفس والتيارات الاجتماعية كلها تعمل ضد الانسان ، فعليه ان يعمل جاهدا من أجل تخفيف ضغوطها بل ومحـو آثارها ، والحركة في الاتجاه المخالف للتيار بعزم راسخ واستقامة على طول الخط .


وفي هذا المجال أوصي بالاكثار من قراءة الدعاء ، فالدعاء يخضع نفس الانسان ، ويزيدها يقينا ، ويربطها برب العالمين ، وبالتالي فان الدعاء يزيد الانسان معرفة بمواقفه .


كما ان الدعاء برنامــج للحياة ، وسلاح لحفظ الانسان من الشهوات الطائشة ، ومصباح لهدايته وزرع اليقين في قلبه .


2 - ان لم يكن الانسان على علم مـن أمر يريـد ان يتخذ موقفا منه ، فانـه اذا ما


تصرف وفقا لجهله هذا فانه سيكون ضالا ومنحرفا في تصحيحه . وعليه فان الانسان بحاجة اليوم الى العلوم أكثر من أي وقت مضى وخصوصا الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة والحقائق التأريخية والعلمية ، فالمرء اذا اراد ان يتجنـب الجهل ، ويحكم ولاية الله في افكاره ومواقفه فلابد ان ينشط في طلب العلم طيلة عمره .


مظاهر العظمة الالهية في الكون


هناك اخطار كثيرة يحفظنا اللـه - تعالى - منها آناء الليل واطراف النهار ، فالانسان عندما كان نطفة في صلب أبيه ، او علقة في رحم امه كان معرّضا لاخطار الجراثيم التي من الممكن ان تهاجمه وتسبب موته وفناءه ، بالاضافة الى الاخطار التي كان والداه يتعرضان لها ولكن الله - جل وعلا - نجاهما منها ، ثم هل يعي الانسان انه عندما سقط من رحم أمه الى الارض لم يكن يمتلك حولا ولا قوة ، فمن الذي يحفظه من هذه الاخطار والمهالك ؟


اننا الآن نتمتع بالصحة والقوة والعافية ولكننا قد نجهل ان هناك الملايين من القوانين والانظمة داخل وخارج محيط الانسان هي التي تحفظه من الهلاك ؛ فالطفل - على سبيل المثال - ضعيف في مداركه وتفكيره ودقيق في بدنه ولكننا - في نفس الوقت - نراه متحركا ونشيطا ، ولولا حفظ اللـه - تبارك وتعالى - له


لهلك هذا الطفل لاتفه الاسباب .


اليد الغيبية في حياتنا :


ونحن كثيرا ما نلمس هذه اليد الغيبية في حياتنا ، فالكثير منا قد يتدحرج من على سلم او يسقط من مرتفع او يتعثر بعقبة في الارض الأمر الذي قد يسبب له العاهة او الاصابة المؤلمة ، وقد نرى الاطفال يتعرضون مئات المرات لمثل هذه الحوادث ولكننا في اغلبها نرى حفظ الله ورعايته للانسان فلا يصاب بأذى ، او قد يصاب إصابة بسيطة لايلبث بعدها ان يتماثل الى الشفاء . فقد اودع اللـه -جلت قدرته - خصوصية قوة النمو ونشاطه في الانسان وخصوصا في السنوات الاولى من عمره ، فاللـه - سبحانه وتعالى - وحسب العقيدة التي نؤمن بها قد عين ملائكة يقومون بمهمة حفظ الاطفال ، ولقد لمست انا شخصيا هذه الحقيقة من خلال مشاهداتي لحوادث وقعت للاطفال ، ثم سلموا فيها .


عندما يفقد الانسان المناعة الذاتية :


وتتأكد هذه الحقيقة اكثر عندما نعلم ان كل جرثومة مرضيّة تصيب الانسان بامكانها ان تقضي عليه ، والدليل على ذلك اولئك المصابين بمرض فقدان المناعة الذاتية المعروف بـ ( الايدز ) ، ترى ما الذي ينقص هؤلاء ، وماهو السبب في موتهم ؟


ان السبب في ذلك ببساطة هو فقدان المناعة الذاتية ؛ اي ان اجسامهم لم تعد محصنة بالحصن الطبيعي الذي خلقه اللـه - جل اسمه - وهو المناعة ضد الامراض ، وفقدان العناصر المضادة للجراثيم والمكروبات داخل الجسم .


وعلى سبيل المثال فان الانسان الطبيعي الذي يصاب بالبرد او بفيروس الانفلونزا تراه بمجرد ان يركن الى الراحة لاسبوع يتماثل الى الشفاء ، ويستعيد نشاطه بتناول


شـيء مـن الدواء او المسكنـات ، ولكن هـذا الشخص ان كان مصابا بالايـدز فان


الانفلونزا ستؤدي به لامحالة الى الموت لانه فقد المناعة الذاتية .


معلوماتنا عن الانسان قليلة :


والطبيب المعروف الدكتور ( الكسيس كارل) صاحب الكتاب الشهير " الانسان ذلك المجهول " يوضح في كتابه هذا ان معلوماتنا حول ما يجري في جسم الانسان قريبة من الصفر فالاطباء والعلماء ورغم التقدم الذي احرزوه في مجال علوم الاعضاء والتشريح والفسلجة وما الى ذلك من الفروع الطبية المختلفة ما يزالون يجهلون الكثير مما يجري داخل جسم الانسان .


وعلى سبيل المثال فان الغدد اللمفاوية المنتشرة في اماكن متفرقة من الجسم كتحت الابط وجوانب العنق واماكن اخرى نرى تنتفخ حين الاصابة المرضية ، والسبب في ذلك ان الملايين من كريات الدم البيض تتجمع في هذه المواضع وتتحشد لتشكل فيها قواعد دفاعية قوية ضد الجراثيم ، فبمجرد ان تدخل هذه الجراثيم جسم الانسان تدق صافرة الانذار والنفـير داخل الجسم لصد هذه الجراثيم ، فالجسم الانساني ليس كالمجتمع لان الاخير عندما يتعرض الى هجمة ما نرى ان البعض من افراده يهب للدفاع في حين ان البعض الآخر يجلس متقاعا ، اما جسم الانسان فانه اذا مرض عضو منه فان سائر الاعضاء تتداعى له بالسهر والحمى .


من مظاهر العظمة الالهية :


ترى من الذي بنى هذا البنيان المعقد والمتكامل ، ومن الذي انشأ هذا النظام في الجسم وفي المحيط الخارجي ؟


اننا نسمع صوت المطر وهو يهطل من السماء في لحظات تعتبر من لحظات استجابة الدعاء لان المطر هو من بركات الله - سبحانه وتعالى - افتدري - ايها الانسان - ما الذي جـرى في السماء حتى هطل الـمطر ، ومن ايـن حمـلت الرياح


هـذا الماء اليك ، وكيـف سقاك اللـه فان لم يكن هـو الذي سقاك بهذا الغيث فمن


الذي يأتيك به ؟ الى ذلك يشير قوله - عز وجل - : « ءَأَنتُمْ أَنْزَلْتُـمُوُهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ » (الوَاقِعَة/69) ، وفي قوله : « قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَعِينٍ » (المُلكِ/30)


ترى كيف تحمل عشرات الملايين من اطنان المياه في السماء ثم تساق الى البقاع النائية المترامية ، وتعصر عصرا حتى تهطل امطارا ، ومن الذي اوجد هذا القانون الفيزيائي العظيم في الكون بحيث تعصر السحب بعضها بعضا عندما تتراكم ، وعندها ينزل المطر ؛ هذا الغيث الالهي .

الغلاف الواقي :


وفي الجو هناك غلاف واق يبلغ سمكه خمسين كيلو مترا ، هذا الغلاف اضحى اليوم مهددا بسبب نفايات وفضلات حضارة التكنلوجيا ، والتجارب النووية التي تعمل على تمزيق هذا الغـلاف ، وايجاد الثغرات فيه الامر الذي سيجعل الكرة الارضية في المستقبل القريب عرضة للاشعة الكونية الخطيرة ، والاجرام السماوية المدمرة التي يدخل اجواء الارض منها يوميا حوالي عشرين مليون قذيفة تحترق في جو الارض قبل ان تصل اليها بفضل ذلك الغلاف الجوي الذي اصبح مهددا اليوم بالتمزق ، ولأجله تقام المؤتمرات والاجتماعات هنا وهناك للعثور على حل جذري لهذا الخطر المحدق ، ولعلنا نلمس هذا المعنى في الآيات المباركة من سورة الطارق حيث يقول - تعالى - : « وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ » (الطَّارق/1-4) .


النيازك والشهب :


ان هناك حقيقة لعل من المفيد بيانها هنا وهي انه بقدر ما في السماء من الاجرام


التـي مـن ضمنها الشمس والقمـر والزهـرة وزحل وعطـارد وغـيرها مـن الكواكب


والمجرات ، فان بمقدارها او ربما عشرات الاضعاف منها هناك مواد متناثرة وهي ما تسمى بـ (النيازك) و (الشهب) التي تتحرك في الفضاء وفق قوانين الجاذبية ، وربما قوانين الطاقة والضوء في هذا الفضاء الرحيب الواسع وهي ترتطم بالنجوم والاجرام ، والله وحده هو العالم بما يحدث هناك حين الارتطام ، ولكنها عندما تصل الى الارض فان بوابة الغلاف الجوي ، هذا الحارس العظيم يقوم باتلافها ، وصد ضررها عنا .

الاشعة الكونية :


وهكذا الحال بالنسبة الى الاشعة الكونية التي تولدها الشمس ، فالاشعة منها ما هو مفيد ومنها ما هو مضر ، فالاول يصل الينا فتخضر به الاشجار والنباتات ، وتنمو به الاجسام الحيوانية ومنها الانسان بالاضافة الى آلاف الفوائد الاخرى ، اما الثاني - وهو المضر - فهو مما لايصل الينا بفضل الغلاف الغازي للارض الذي بات مهددا اليوم .


ترى من اوجد هذا الغلاف ، ومن الذي وضع قوانين عمله ؟


انه ربنا - تعالى - الذي خلقه ، واتقن صنعه ، ولعظمة هذا الخلق فانه - عز وجل - يقسم به قائلا : « وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ » اي قسما بالسماء ، وتلك الاجرام التي تطرقها ، ثم يقول - سبحانه - : « وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ» ، فأنت ايها الانسان لاتدري بما يحدث في هذا الكون اللامتناهي ، ففيه من المجاهيل ما لايمكن ليد الادراك والعلم ان تمتد اليه .


لكل نفس حافظ :


ثم يذكـر - تعالـى - موضـوع القسم وهـو ان كل انسان عليـه حافظ ؛ اي ليس


هناك حفظة للجميع بل ان كل واحد له حفظة خاصون به ، وله معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من كل سوء وشر ، فالانسان يتعرض عشرات المرات يوميا الى الاخطار ، وكثيرا ما يردد اغلبنا عبارات من مثل : كادت اليوم سيارة ان تدهسني ، وكادت عقرب تلسعني ، وكدت اسقط في النهر او من فوق بناية .... ولكني نجوت بفضل الله وهكذا ...


واذا اردت - ايها الانسان - ان تعرف بانك محفوظ من قبل الله - تعالى - ليل نهار ، فانظر الى النطفة البسيطة التي لايمكنها ان تدفع اي خطر عن نفسها ، ومع ذلك فانهــا محفــوظة ومصانة ترعاها اليد الالهية كما يشير الى ذلك - جلت قدرته - في قوله : « فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ » (الطَّارق/5)


وقد يداخلنا شيء من الغرور فنقول اننا نمتلك الايدي والارجل والعيون واللسان بل وحتى الحاسة السادسة فلا حاجة - اذن - الى من يحفظنا ، ولكن علينا ان نتساءل في نفس الوقت : ترى من منحنا كل تلك النعم والقدرات ؟


مظاهر عظمة الله لاحصر لها :


ان الحديــث عـن هـذه الامور والظواهر العجيبة التي تتجسد عـبرها عظمـة البارئ - سبحانـه وتعالـى - يحتاج الـى تدويـن مجلدات تلو المجلدات ، وقد اشار الخالق - عز وجل - الى جوانب من هذه العظمة فـي مواضع كثيرة مـن القرآن الكريم كقوله - تعالى - :
« فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ * إِنـَّهُ عَلَى رَجْعـِهِ لَقَـادِرٌ » (الطارق / 5 - 8) ، فالله - سبحانه -


قادر على ان يبعث الانسان لينال الثواب او العقاب بعد الحساب .


ثم يستأنف - تعالى - قائلا : « يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ » (الطارق / 9 - 10) ففي ذلك اليوم عندما يعود الانسان الى ربه تراه لايمتلك قوة ولا حولا يدافع بهما عن نفسه ، وليس هناك من ينصره ، ويدافع عنه .


ثم يعود - تعالى - ليقسم ثانية بالسماء والارض قائلا : « وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصّـَدْعِ * إِنـَّهُ لَقـَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ» (الطارق / 11 - 14) فهو - سبحانه - يقسم بالسماء التي يهطل منها المطر ، والارض التي تتشقق فيخرج من تحتها النبات ، وهذه حقيقة واضحـة وضوح الشمس في رابعة النهار ، وماهي بمزحة نتفكّه بها ، فلنعيها جيدا ، ولنلمس من خلالها القدرة الهائلة اللامحدودة للخالق - تبارك وتعالى - لكي يزداد ايماننا به ، ونصوغ سلوكنا وفق منهجه الشامل .

كلمة التوحيد حصن اللـه


كلمة " لا اله الا اللـه " هي الاصل في كل خـير ، وهي الحصن الذي من دخله كان آمنا من العذاب ، فعندما نقول " لا اله الا اللـه " في كل صباح ومساء وعلى كل منعطف فان هذا لايعني انها مجرد كلمة تمرق من شفاهنا ، بل هي موقف ، وهي صبغة الحياة التي قال عنها - تعالى - :
« صِبْغَةَ اللـّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللـهِ صِبْغَةً» (البقرة/138)


ان كلمة التوحيد هي جهة التحرك وهي بالتالي تعبـير آخر عن قول الـمؤمن : " انا للـه وانا اليه راجعون " وانعكاس لقوله :


« إِنـّي وَجَّهْـتُ وَجْهِـيَ لِلّذِي فَطَـرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيـفاً وَمَآ أَنَا مِـنَ


الْمُشْرِكِينَ » (الانعام/79)


معرفة اللـه هدف الوجود :


فكل ما في الكون ، وكل ظاهرة في الحياة ، وكل حادثة يمر بها الانسان صغيرة كانـت أم كبيرة تهدف هدفا واحدا وهو ان يصل الى معرفة الله - سبحانه وتعالى - ؛ فاذا تنفس الصبح فان هذا يعني انه يسبح بحمد الله ، واذا زالت الشمس فان زوالها يعني ان الشرك والضلالة يجب ان ينحسرا عن الدنيا ، وحتى لو أصابك وجع في ضرسك ، او ألم في رأسك ، او عثرة طفيفة على الطريق فان كل ذلك اشارات اليك من رب العالمين لكي تنمو فيك معرفته ، وتتعرف عليه في كل شيء .


ترى لماذا كل هذه التحولات والتطورات في حياة الانسان ، وماهي الحكمة من ورائها ؟


الهدف من كل ذلك هو ان نقترب من الله - عز وجل - ؛ فمن الناس من لا تقربه عبادته الى ربه ، فيصلي بلا خشوع ، ويصوم بلا تقوى ، ويحج بلا تواضع ، فيفرغ العبادات المفروضة عليه من اهدافها ، ويحولها الى طقوس خاوية بالية ، ومثل هـؤلاء يجب ان يصطدموا بالحياة ، ويواجهوا احداثها القاسية لكي يتوجهوا الى الله - عز وجل - ، ويتوبوا اليه .


وعلى هذا فان على الانسان ان ينتفع من المشاكل التي تواجهه في الحياة ، فهي تصقل حياته وروحه وتقربه من الله - سبحانه وتعالى - ، فالمشاكل هي معراج الانسان الى الكمال الروحي ، ولذلك نجد ان الله يبتلي المؤمنين بأعظم البلاءات حسب درجاتهم ، فالبلاء للأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، فكلما كان الانسان أقرب الى المثل العليا كلما كان بلاؤه أكثر ، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله) كلمته المشهورة عن نفسه : " ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت " .


/ 9