التوحيد سبيلنا الى الاستقلال - توحید یتجلی فی الحیاة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توحید یتجلی فی الحیاة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

التوحيد سبيلنا الى الاستقلال


" لا اله إلا الله " هذه الكلمة الثقيلة في ميزان الكون ، لها ابعاد عديدة من جملتها ؛ الاستقلال ، والحرية ، والتقدم ، والكمال ، والتقرب الى الله - جل جلاله - ، ونحن في هذا الفصل سنصب اهتمامنا على البعد الاول ( الاستقلال ) ، لحاجة الساحة اليه .


بُعد الاستقلال في كلمة التوحيد :


ان الانسان لو قدر في ميزان المادة فسوف لن يعدو شيئا ضئيلا، لانه - بالتالي - جزء من هذا الكوكب الذي هو جزء من هذه المنظومة التي هي - بدورها - تمثل جزء من مجرات بُعدُ بعضها عن بعض آلاف الملايين من السنين الضوئية . وفي مجال ضعف الانسان ، وعجزه يقول الامام علي (عليه السلام) :


" مسكين ابن آدم مكتـوم الأجـل ، مكنـون العلل ، محفـوظ العمـل ، تؤلمـه البقـة


وتقتله الشرقة ، وتنتنه العرقة " .


ولكن ما الذي يجعل هذا الانسان الضئيل المحدود قادرا على اقتحام المجهول ، وغزو الفضاء ، وسبر غور المحيطات ، وتسخير ما في الكون ؟


انه الاستقلال ، فاذا كان الانسان جزء من هذه الطبيعة ، وريشة في مهب رياح الشهوات التي هي رابط بينه وبين الطبيعة المحيطة به ، فسوف لن يتمكن من فعل اي شيء .


وهكذا فان معركة الانسان الاولى فوق هذا الكوكب انما يخوضها مع تلك الطبيعة ، وذلك المجتمع الذي يريد سرقة استقلاله ، وتحويله الى جزء من هذه الدورة التي لا تنفك عن الدوران .


التوحيد والتحدي :


ولذلك فعندما يعرج الانسان الى سماء التوحيد ، ويدخل حصن " لا إله إلا الله " ، ويصبح مرتبطا برب العالمين ، فانه يجد في نفسه القدرة على التحـدي . وقول كلمة ( لا ) لكل من يريد سلب استقلاله كالطبيعة ، او المجتمع الذي يريد ان يسخره لمصالحه ، او القانون الذي يستهدف سحقه ، او السلطة التي تبتغي اخراجه من النور الى الظلمات ، وهنا تكمن فلسفة الحديث المعروف :


" كلمة لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي "


وعذاب الله - تعالى - اكثر من مجرد تعذيب بنار جهنم التي هي اسوء واشد عذاب يأتي من رب العالمين ، ولكن هناك عذابا آخر يصيب اللـه به المجرمين في الدنيا ؛ فان خرج الانسان من حصن الله احتوشته ذئاب التبعية والسلطة والشهوات ، وافترسته .


اصحاب الكهف رمز الاستقلال :


ولنا في اصحاب الكهف الذين تفجرت فيهم ينابيع الايمان خير قدوة واسوة فـي


مجال الاستقلال ، وقد كان هؤلاء الفتية من اتباع نبي اللـه عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) ، وكانوا وزراء لملك يدعي " دقيانوس " الذي كان واحدا من العائلة القيصرية ، وفيما يلي نستعرض قصتهم كما يرويها لنا الامام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظرا لاهمية الاطلاع عليها في ادراك ضرورة الاستقلال ، وضرورة ان يجعله الانسان المؤمن الهدف الاول والاخير له في هذه الحياة . يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) :


" كان بارض الروم مدينة يقال لها ( اقسوس ) وكان لها ملك صالح ، فمات ملكهم فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له ( دقيانوس ) ، فأقبل في مأئة الف حتى دخل مدينة اقسوس ، فاتخذها دار مملكته ، واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ ، واتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الرخام الممرد ، واتخذ في المجلس اربعة آلاف اسطوانة ذهب ، واتخذ الف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج باطيب الأدهان ، واتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة ، ولغربيه كذلك وكانت الشمس اذا طلعت طلعت في المجلس كيفما دارت ، واتخذ فيه سريرا من ذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض اربعين ذراعا له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر ، وعلاه بالنمارق ، واتخذ من يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الاخضر ، فأجلس عليها بطارقته ، واتخذ من يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت الاحمر ، فأجلس عليها هراقلته ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه .


واتخذ خمسين غلاما من اولاد الهراقلة فقرطقهم بقراطق الديباج الاحمر ، وسرولهم بسراول الحرير الاخضر ، وتوجهم ، ودملجهم ، وخلخلهم ، واعطاهم اعمدة


من الذهب ، ووقفهم على رأسه ، واخذ ستة غلمة وزراءه ، فأقام ثلاثة عن يمينه ، وثلاثة عن يساره ، وكان يستشيرهم في جميع اموره ، وكان يجلس في كل يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ، ويدخل ثلاثة غلمة في يد احدهم جام من الذهب مملوء من المسك المسحوق ، وفي يـد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد ، وفي يد الآخر طائر ابيض له منقار احمر ، فاذا نظر الملك الى ذلك الطائر صفر به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه ، ثم يقع على جام المسك فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه ، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على تاج الملك فينفذ ما في ريشه وجناحه على رأس الملك .


ولما نظر الملك الى ذلك عتا وتجبر ، فادّعى الربوبية من دون الله ، ودعا الى ذلك وجوه قومه فكل من اطاعه على ذلك اعطاه وحباه وكساه ، وكل من لم يبايعه قتله . فاستجابوا له رأسا ، واتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة ، فبينما هم ذات يوم في عيد والبطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ، اذ أتاه بطريق فأخبره ان عساكر الفرس قد غشيته ، فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه . فنظر اليه احد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له ( تمليخا ) وكان غلاما فقال في نفسه : لو كان دقيانوس الها كما يزعم ، اذا ما كان يغتم ولا يفزع ، وما كان يبول ولا يتغوط ، وما كان ينام ، وليس هذه من فعل الآلهة . قال : وكان الفتية الستة كل يوم عند احدهم ، وكانوا ذلك اليوم عند (تمليخا) ، فاتخذ لهم من طيب الطعام ، ثم قال لهم : يا اخوتاه قد وقـع في قلبي شيء منعني الطعام والشراب والمنام . قالـوا : وما ذلك يا تمليخا ؟ قال : اطلت فكري في السماء فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاّقة من فوقها ، ومن اجرى فيها شمسا ، ومن زينها بالنجوم ؟ ثم اطلت الفكر في الارض فقلت : من سطّحها على ظهر اليم الزاخر ، ومن حبسها بالجبال ان تميد على كل شيء ؟ واطلت فكري في نفسي فقلت : من اخرجني جنينا من بطن أمي ، ومن غذاني ، ومن رباني ؟ ان لها صانعا ومدبرا غيرا دقيانوس الملك ، وماهو إلا ملك الملوك ، وجبار السماوات . فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما ، وقالوا : بك هدانا الله من الضلالة الى الهدى ، فاشر علينا . فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهـم وصرها فـي ردنه ، وركبـوا خيولهم ، وخرجوا من المدينة . فلما ساروا


ثلاثة اميال ، قال لهم تمليخا : يا اخوتاه ؛ جاءت مسكنة الآخرة ، وذهب ملك الدنيا انزلوا عن خيولكم ، وامشوا على ارجلكم ، لعل الله ان يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا . فنزلوا عن خيولهم ، ومشوا على ارجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت ارجلهم تقطر دما .


فاستقبلهم راع فقالوا : يا ايها الراعي هل من شربة لبن او ماء ؟ فقال الراعي : عندي ما تحبون ولكن ارى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنكم إلا هرابا من دقيانوس الملك . قالوا : يا ايها الراعي لا يحل لنا الكذب ، أفينجينا منك الصدق ؟ فأخبروه بقصتهم ، فانكب الراعي على ارجلهم يقبلها ويقول : يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن امهلوني حتى ارد الاغنام على اربابها ، وأَلحق بكم . فتوقفوا له ، فرد الاغنام ، واقبل يسعى يتبعه كلب له .


فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علاهم جبلا ، فانحط بهم على كهف يقال له الوصيد ، فاذا بفناء الكهف فيه اشجار مثمرة ، فأكلوا من الثمر ، وشربوا من الماء ، وجنهم الليل ، فآووا الى الكهف ، وربض الكلب على باب الكهف ، ومد يديه عليه ، فأوحى الله - تعالى - الى ملك الموت بقبض ارواحهم ، ووكل الله بكل رجل ملكين يقلبانه من ذات اليمين ، الى ذات الشمال ، ومن ذات الشمال الى اليمين ، فاوصى الله - عز وعلا - الى خزان الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ، وتقرضهم ذات الشمال ...


عندما تدخل الروح كهف الاستقلال :


وبعد ، فهـذه قصة رجال وجدوا استقلالهم فهتفوا والايمان يعمر قلوبهم :
« هَؤُلآءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً » (الكهف/15) .


ان التنـازل عن كرسي السلطة ليـس بالامـر اليسـير على الانـسان ، فهنـاك اناس


عندما يجلسون على كرسي لموظف صغير ، او يصبحون كتّابا في دوائر الحكام فانهم سرعان ما يفقدون استقلالهم وايمانهم ، ويبدؤون بالتكبر على الآخرين ، واصحاب الكهف كانوا في عز سلطانهم ، وبيدهم كل شيء إلا انهم جردوا انفسهم منها في سبيل اللـه - سبحانه - ، لان ارواحهم اتصلت بكهف الاستقلال ، وحصن التوحيد ، واصبحت قلوبهـم مضاءة بنور الايمان ، ولذلك فقد خلد ذكرهم على صفحات التأريخ .


« وَإِذِ اعْتَزَلْتُـمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْووا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيّءْ لَكُم مِن أَمْرِكُم مِرْفَقاً » (الكهف/16) .


وقد زادهم الله - تقدست اسماؤه - شرفا فوق شرفهم إذ غير قوانين الطبيعة من أجلهم كما تصرح بذلك الآية التالية :
« وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَـمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً » (الكهف/17) .


الصفحات المشرقة في التاريخ :


وهكذا فان في تاريخ الاديان السماوية قبل ظهور خاتم الانبياء ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وبالذات في تاريخ اتباع عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) صفحات مشرقة تتلألؤ نورا وضياءا لابد ان ندرسها . فمع ان المسلمين في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) بذلوا من مهجهم الكثير ، الا ان هناك مسلميـن آخرين ظهروا قبلهم كأتباع عيسى ، وموسى ، وابراهيم ، ونوح ( عليهم السلام اجمعين ) اجهدوا انفسهم في سبيل الله - عز شأنه - ، واذا كنا نرى اليوم ان نصف البشرية يعبدون الله بصورة او بأخرى فان الفضل يعود في ذلك الى اولئك المؤمنين الاوائل .


معركة الاستقلال هي معركة التوحيد :


ولذلك فان هذا الحديث ليس للماضي والتاريخ ، بل هو حديث اليوم الذي يعيش فيه العالم الاسلامي معركة الاستقلال التي هي معركة التوحيد . فالانسان الذي لا يؤمن بالله - سبحانه - لا يفكر في الاستقلال ، والمؤمن الذي لا يفكر في الاستقلال فان في ايمانه ضعفا وفشلا ، ولابد له من ان يغير منهجه . فكيف يمكن لانسان ان يدّعي الايمان بالله وهو يخضع لقوانين السلاطين ، ويحارب تحت ألويتهم ، ويكتب في دواوينهم ، ويغدو جزء من ستراتيجياتهم ، وكيف يمكن لانسان ان يدّعي انه عبد اللـه وهو من عبدة الطاغوت ، وما الفرق بينه وبين المشركين الذين حاربوا الرسـول ( صلى الله عليه وآله ) ، فهم هم الآخرون كانوا يعبدون الله الا انهم كانوا يجعلون له - تعالى - اندادا ، ويعتقدون ان هؤلاء الانداد هم شفعاؤهم الى اللـه ، كما يصرح بذلك القرآن الكريم في قوله :


« وَالَّذِيــنَ اتَّخــَذُوا مــِن دُونــِهِ أَوْلِـيَآءَ مَا نَعْبــُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى » (الزُّمر/3) " .


لا استقلال في ظل الاستعمار :


وفي خلال ثلاثمائة عام تقريبا استخدم الغرب التكنلوجيا الحديثة ، واتجه الى الصناعة والعلم ، وتمكن من الحصول على اسلحة افضل ، وبالتالي فانه استطاع بذلك الهجوم على البلدان الاسلامية .


وفي البدء وقفت بلداننا امام هجوم الغرب ، فالامبراطوية العثمانية وعلى الرغم من زلاتها كانت سدا منيعا امام الغرب ، ولكن المستعمرين استطاعوا هدم هذه السدود ، فاحتلوا البلاد ، واذلوا العباد ، واحرقوا المحاصيل دون ادنى شفقة او رحمة . وعلى سبيل المثال ففي معركة جرت في السودان بين البريطانيين والمسلمين قتل ثلاثة من البريطانيين ، بينما قتل من الطرف الآخر اكثر من ألف انسان بسبب عدم التكافؤ في الاسلحة ، ونفس هذه المأساة تكررت في شمال افريقيا ، وآسيا الوسطى ، وبلدان الشرق الاوسط ، والهند ، واندونيسيا التي لها حصة الاسد من التاريخ المليء بالكوارث ، والمذابح الوحشية التي مارسها الاستعمار اثناء احتلاله وسيطرته عليها .


وحتى الآن لم يخرج المستعمرون من بلداننا ، وان تعددت الوجوه فان السبب في ذلك يعود الى استنتاجهم ان الافضل لهم ان يعيّنوا عملاء من قبلهم يحكمون قبضتهم على هذه البلدان شريطة ان تتجسد فيهم سمات التبعية والطاعة المطلقة ، اي ان يتحولوا الى مجرد دمى لا ارادة لها .


وعلى سبيل المثال فان احمد شاه في ايران اراد اجراء بعض التغييرات ، فما كان منهم إلا ان دعوه الى اوروبا ، ثم أمروا رضا خان بقلب الوضع عليه ، فقام بانقلابه العسكري ، ثم أراد الأخير ان يتحالف مع المانيا فأبعدوه الى جزيرة موريس وجاؤوا بابنه ، واجلسوه على كرسيه .


وفي العراق كان عبد الكريم قاسم قد ألقى ايام حكمه خطابا وصف فيه ( جون كندي ) بانه شاب مغرور ، فلم يمهله المستعمرون سوى اسبوع واحد نظموا خلاله انقلابا عسكريا على يد عبد السلام عارف ...


ان هذه الاساليـب وغيرها انما هي وجه من الوجوه العديدة للسيطرة الاستعمارية ، ولو استعصت عليهم هذه الاساليب لاستخدموا غيرها مثل المحاصرة الاقتصادية ، او الغزو العسكري لكي يروضوا البلد المقصود .


وعلى سبيل المثال فبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، ولانهم لم يتمكنوا من تغيير السلطة عبر انقلاب داخلي ، لم يقف امامهم اي رادع من شن حرب شعواء لا تبقي ولا تذر من خلال دعمهم لطاغية العراق ( صدام حسين ) صدام بكل المعدات والاسلحة الفتاكة ، ومحاصرتهم الاقتصادية والسياسية والاعلامية . وفي افغانستان بمجرد ان فكر الشعب المسلم فيها في نيل الحرية جنّد له الاستكبار الشيوعي قوة هائلة من الجيش الاحمر ، وقتـل مالا يقل عـن مليون ونصف مليون انسان بالاضافة


الى تشريد لخمسة ملايين لاجئ !


ان علينا ان نستفيد من كل هذه التجارب ، وان نحاول بكل ما نمتلك من طاقات وقدرات ان نحصل على الاستقلال الحقيقي ، ونقاوم المؤامرات الاستكبارية ضدنا من خلال تحويل شعار التوحيد ( لا إله إلا الله ) الى واقع عملي ، ورفض كل سلطة تريد العلو في الارض والتجبر واثارة الفساد فيها ، وتريد ادعاء الربوبية من دون الله - عز وجل - ، وهذه هي حقيقة التوحيد التي يدعو اليها الاسلام .

الاساس التوحيدي للعلاقات


من خلال قصص واقعية سهلة الفهم يبين القرآن الكريم لنا قضايا وحقائق علمية ، ولولا هذا البيان القرآني العذب والميسور لما استطاع الانسان الوصول الى تلك الحقائق وايصالها الى الآخرين .


ومن تلك الحقائق التي يبينها القرآن الكريم طبيعة الانسان ، والعقدة الحقيقية التي تمنعه من الوصول الى الكمالات والدرجات الرفيعة مع ان الله - سبحانه وتعالى - خلقه في أحسن تقويم ، واودع في ضميره ما اودع من التطلع الى الكمالات والسمو؛ فكل انسان يحب ان يسمو ويعلو ، وان تفتح امامه فرص النمو والعروج والتقدم الروحي ، ومع ذلك فاننا لانجد الا القليل من الناس ممن يستطيعون بلوغ الكمالات الروحية ، والدرجات الرفيعة .


مثال السمو الروحي :


هذا في حين اننا نجد الانبياء والائمة (عليه السلام) على قصر اعمارهم ، وقلة الفرصة التي كانت متاحة لهم ، الا انهم استطاعوا ان يستغلوا هذه الاعمار القصيرة الاستغلال الامثل ليصلوا الى الكمال الروحي ، وفي المقابل نجد ان هناك اناسا يأتون الى الدنيا عاديين ويرحلون عنها عاديين ، بل ان البعض منهم قد يقدمون الى هذه الدنيا اناسا ويغادرونها وحوشا ، فبدلا من ان يستغلوا اعمارهم ويسمو بأنفسهم الى الدرجات العلى نراهم يهبطون الى أسفل سافلين .


والقرآن الكريم يبين لنا اسباب هذه الظاهرة من خلال سور عديدة ، وآيات مختلفة وبالذات عبر قصة تأريخية اشتملت في تضاعيفها على فلسفة العمر وحكمة الحياة ، الا وهي قصة ابليس مع آدم (عليه السلام) ، ونحن نستطيع ان نستنتج الظواهر التالية من هذه القصة :

ابليس رمز العنصرية والتكبر :


1- ان ابليـس هو اول من افتخر بعنصره ، وزعم ان العنصر او الذات يمكن ان


يكون له قيمة ذاتية ، في حين اننا لو طرحنا هذه القضية من الناحية العقلية لوجدنا ان الاشياء مادامت مخلوقات لله - تعالى - فلا تفاضل بينها الا بما جعله الله مقياسا للتفاضل . فلا يمكن ان يكون هناك شيء مخلوق لله ومن صفاته العجز والمحدودية ، وخضوعه للسنن والقوانين ، أفضل من غيره وهو مشترك مع هذا الغير من جهة كونه مخلوقا لله - عز وجل - .


هذا في حين ان ابليس يدعي انه أفضل من الانسان المخلوق من الطين لانه خلق من نار ، ومثل هذا التفكير نجده ايضا لدى بعض المجتمعات ؛ فالبعض منهم ممن يعيش في بلد ما يدعي انه افضل ممن يعيش في بلد آخر ، او ينتمي الى عشيرة اخرى ، وهذا هو معنى العنصرية والعرقية التي منشؤها الاعتقاد المغلوط بامكانية ان يكون للشيء المخلوق أفضلية على شيء مخلوق آخرفي حين ان جميع الاشياء هي مخلوقات لله . فالله واحد ، والخلق واحد .


وفي الحقيقة فان جذور الشرك تنمو في مثل هذه الارضية الاعتقادية الملوثة فالذين اشركوا باللـه كانوا قد مالوا الى (الشيئية) وتقديس العناصر المخلوقة ؛ فالبعض منهم مال الى تقديس الوطن ، والبعض الآخر الى تقديس العشيرة او اللون ... وبالتالي فانهم قدسوا شيئا في مقابل تقديس الرب وتسبيحه .


العمل هو الاساس :


2- ان ابليس - كما هو معروف - كان يسجد لله - تعالى - عشرات الالوف من السنين ، وقد كان من الجن فارتفع الى مستوى الملائكة بسبب كثرة عبادته ، وطول سجوده وركوعه وخضوعه لله - سبحانه وتعالى - ، ولكنه مع ذلك لم يدرك هذه الحقيقة البسيطة والواضحة ؛ فالعنصر ليس هو المهم وانما العمل ، فالعمل هو الذي رفع ابليس الى درجة الملائكة ، ولكنه - عليه اللعنة - لم يلتفت الى هذه الحقيقة .


هدف ابليس من عبادة اللـه :


3- لقد كان ابليس مذعنا لعبادة الله ، ولكنه كان يستهدف من هذه العبادة اثبات شخصيته لا الخضوع والتسليم لله - عز وجل - ، فكان يطمح لنفسه وذاته ولم يكن يريد الله ، وكان في الظاهر يقر بعظمة الله وبكونه اكبر من كل شيء ، ولكنه في قرارة نفسه وفي اعمق اعماق ضميره كان يرى انه اكبر بدليل ان الله قد أمره بالسجود لآدم فرفض ، ذلك لانه اذا سجد لآدم فان هذا سيقتضي منه ان يخضع لهذا المخلوق ويطيعه ، لان آدم سيكون خليفة الخالق في الارض .


وفيـما يلي ندرج الآيات التي تحدثـت عـن قصـة آدم مع ابليس ، وقد اخترنا


هـذه الآيات مـن سـورة ( صلى اللـه عليه وآله ) المباركـة :
« إِذْ قَالَ رَبُّكَ


لِلْمَلآَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلآَّ اِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَآ إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُـخْلَصِينَ » (ص/71-83)


وهكذا فان الله - سبحانه وتعالى - صرح للملائكة قبل كل شيء بانه جاعل في الارض خليفة ، وان عليهم ان يسجدوا لخليفته هذا ، ويخضعوا له ويطيعوه بإذنه ، ولكن ابليس رفض الانصياع لأمر ربه ، لانه ادعى انه اولى بالخلافة من البشر ، فكان في داخله هوى حب الرئاسة والاستكبار .


الأمر الالهي هو المقياس :


وفي رأيي فان آيات القرآن صريحة في قضية السجود لآدم ، وليس من المنطقي ان نأولـها الى غير ظاهرها ، فالقرآن الكريم يقول بصريح العبارة :


«فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» ؛ اي اسجدوا له ، فالخضوع لانسان أمر الله - تعالى - بالخضوع له واجب ، والا لما جاز لنا ان نقدس الحجر الاسود ، ولما وجب علينا ان نطوف حول البيت الحرام ، ونتوجه الى تلك الصخور السوداء من اقصى الارض متحملين المشاق والعناء . ففرق هذه الحجارة عن كل احجار الارض ليس في ذاتها وانما في أمر الله - سبحانه وتعالى - بتقديسها .


ومن هـذا المبـدأ تنطلق الولايـة ، فالـولاية تعني الامامة والقيادة الاسلامية ،


والخضوع لما أمر اللـه - عز وجل - هو محور جميع الاحكام الشرعية .


فلأن آدم كان خليفة الله في الارض فقد أمرت الملائكة بالخضوع له ، ذلك لأن نور الولاية كان عند آدم (عليه السلام) ، فقد اقتضت المشيئة الالهية ان ينبعث من صلبه الآلاف المؤلفة من الانبياء والاوصياء والمرسلين ، ولذلك فقد أمرت الملائكة جميعا بالسجود لآدم ، وطرد ابليس ورجم هو ومن أتبعه الى أبد الآبدين ، لانه لم يمتثل للأمر الالهي بالسجود والخضوع لآدم .


وبناء على ذلك فان الولاية هي امتحان للانسان ولقدرته على طاعة ربه في جميع الأمور ومن ضمنها طاعة القائد حتى وان كان إبني او أخي الاصغر او رجل لاتربطني به اية علاقة مادية او مصلحية او اقليمية ، وهنا بالضبط تجرب ارادة الانسان ومدى اخلاصه لرب العزة ، فلو أمرك الله - تعالى - بطاعة انسان مستضعف ملاحق ومطارد ، والانسان الذي يستوجب اتباعك له الخوف والذعر ، ثم امتثلت لهذا الأمر الالهي فانك ستكون حينئذ مقربا من الله - عز وجـل - ، لأنك ستكون قد اختبرت ايمانك بشكل عملي ، وجربت ارادتك ، ووصلت الى درجة الاخلاص لخالقك .


ونحن عندما نتبع ائمة الهدى (عليه السلام) ونخلص لهم ونجعلهم وسيلة بيننا وبيـن الله - تبـارك وتعالى - فانـما نفعـل ذلك لان الله قـد أمـرنا بذلك قائلا :
« وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » (المائدة/35) ، ولكي نؤكد لأنفسنا اولا وقبل كل شيء حالة الايمان ، صحيح ان باب اللـه - عز وجل - مفتوح للسائلين ، ولكنه في بعض الاحيان يأمرنا ان نأتيه من ابوابه فيقول :
« وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا » (البقرة/189) .


ان اللـه موجود في كل مكان ولكنه - مع ذلك - يأمرك ان تذهب الى الكعبة


او الى عرفات في حين انه لايوجد اي اختلاف بين البيت الذي تسكنه عن الكعبة او جبـل عـرفات مـن ناحيـة العنصر ، ولكن فضيلة تلك الاماكن تكمن في ان الله - سبحانه - أمرنا بالتوجه اليها ، وفضيلتي - كانسان - هـي الخضوع للأوامر الالهية ، فمن خلال هذا الخضوع يمحص ايماني .


وهكذا فان تجميع الناس في ذلك البر القفر البعيد الذي يصعب الوصول اليه بين الاحجار والصخور انما هو لكي تجرب ارادة الانسان ويمتحن ايمانه .


وعلى هذا فان القضية الاساسية التي يجب ان نلتفت اليها اننا عندما نذكر الله - سبحانه وتعالى - صباح مساء ونسبحه ونقدسه ، لكي لانقدس شيئا آخر غير الله - سبحانه وتعالى - اللهم الا اذا أمرنا بذلك كما تقدم ومن خلال استقراء قصة ابليس وآدم نستفيد ما يلي :


1- ان الفكرة الرئيسية التي نستوحيها من قصة ابليس مع آدم اننا نحن ايضا نعيش الآن نفس الحياة ؛ فالانسان هو الانسان ، وسنن الله - تعالى - باقية لم تتغير ، فنحن ايضا قد نستكبر عن طاعة من أمرنا الله بطاعتهم .


2- علينا ان نسأل انفسنا : ماهو الأساس الذي تقوم عليه علاقاتنا مع بعضنا البعض ومع سائر المجتمعات والشعوب والامم ؟ وهل هو اساس مادي قائم على اساس المصالح ، أم على اساس ان الغني منا يقول لابد ان تكون القيادة لي لانني أغنى من الآخرين ، أم على اساس ان المنتصر منا يقول لغير المنتصر إنني افضل منك لان الله منح لي من دونك نعمة النصر ؟


ان هذه الاعتبارات وغيرها هي بحد ذاتها علاقات عنصرية نحن لاندعو اليها ، وتجب علينا محاربتها والقضاء عليها ، فلا يجوز لاي انسان ان يدعي الفضل على انسان آخر ، فمثل هذه العلاقات الشاذة هي التي تهدم اساس التوحيد في المجتمعات الاسلاميـة ، فلا يجـوز لي ان استهين بفلان من الناس لان بلده محتل ، ولانه مظلوم ، ومستضعف ولم يكتب له الله - تعالى - النصر لحد الآن .


وفي هذا المجال - مجال التواضع وعدم التكبر على الآخرين - يقول الامام الصادق (عليه السلام) : " اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم " (1) " ، فلا يجوز للانسان العالم ان يتجبر ، بل عليه ان يفعل العكس من ذلك فكلما ازداد الانسان علما لابد ان يزداد تواضعا .


وبالاضافة الى ذلك فان المكاسب الرسالية والتأريخ الجهادي الطويل يجب ان لايدفعا الانسان المؤمن الى التكبر على الآخرين ، والطلب منهم ان يخضعوا له . فالانسـان قـد يعيـش عمرا طويلا وهو يعيش الاعتقاد بانه مؤمن ومخلص للـه - تعالى - ، ولكن كل ذلك قد يتحول الى تمنيات وأحلام ، واذا بهذا الانسان يهتف قائلا : « رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ » (المؤمِنون/99-100)


فيأتيه الجواب من رب العالمين :
« كَلآَّ إِنـَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلـُهَا وَمـِن وَرَآئِهـِم بـَرْزَخٌ إِلَـى يـَوْمِ يُبْعَثُـونَ » (المؤمِنون/100)


حذار من التعصب :


وهكذا فان ابليس انما اصبح لعينا ، وانما طرد من الجنة لانه تكبر وقدس عنصره ، فحذار من هذا العمل ومن الاغترار بالمكاسب المادية .


ان هذه الحالات النفسية الشاذة هي التي تؤدي الى سقوط الانسان ، فلابد ان يكون الدين لله كما يقول - تعالى - :
« أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ » (الزُّمر/3) ، ولنعلم اننا لو اشركنا به ولو بمقدار ذرة فان اعمــالنا جميعها ستحبط كما يشير الى ذلك - عز وجل - في قوله :
« وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » (الزُّمر/65) .


وعلى هذا الاسـاس فان العلاقات في اوساط الامة الاسلامية ينبغـي ان تقـوم


على اساس ايماني توحيدي لا على اي اساس آخر ، فالاعتبارات المادية هي كلها مداخل للشيطان في قلوبنا ، فليس من حقنا ان نفتخر باللون او اللغة او الارض او التجمع الذي ننتمي اليه ، وانا اوجه كلامي هذا بالخصوص الى ابناء الطليعة من الامة الذين يجب ان تكون علاقاتهم راسية على اساس توحيد الله وتقـديسه وتنزيهه لا على اساس تقديس النفس والاعجاب بها والذي هو نوع من الشرك حذرنا الخالق - عز وجل - منه أشد التحذير .

التوحيد منطلق محاربة الطاغوت


التوحيد يعني في حقيقته ان ملكوت السماوات والارض وغيبهما ، وحركة الليل والنهار والشمس والقمر ، وموت الانسان وحياتـه ورزقـه وفقره ، كل ذلك وغـيره بيد الله - سبحانه وتعالى - الذي يتفضل على طائفة من الناس بالرزق ويقدر رزق طائفة أخرى ، ويجعل فريقا ملوكا ثم يسلب الملك منهم لان بيده الملك وهو على كل شيء قدير .


الايمان لايستقيم مع الشرك :


والانسان الذي لايؤمن بهذه الحقيقة هو كمن لايؤمن باللـه ، فالذي يدّعي الايمان ثم يرى في نفس الوقت ان ملكوت الارض والقدرة المهيمنة على هذا الكوكب بيد هذه القوة البشرية او تلك ، فان مثل هذا الانسان هو كافر في الحقيقة ، ذلك لان الايمان بملكوت وقدرة الخالق - تعالى - هو جزء لايتجزأ من الايمان بالخالق ذاته .


ان الاله الذي نؤمن به واسع القدرة ، فعال لما يشاء ، مهيمن على السماوات والارض ، له الأمر وله الخلق واليه المصير ، وهذا هو الله - تعالى - الذي نؤمن به ، ومثل هذا الايمان لابد ان ينعكس على حياة الانسان المؤمن .


فالانسان الذي يؤمن بالله الها حقا ، له الاسماء الحسنى والصفات المثلى ، لايمكن ان يستسلم للطاغوت ، ولايخشى من متجبر ، ولايتنازل عن قيمه ومثله طلبا للدنيا ، لان قلب هذا الانسان متصل بنور الخالق - تعالى - ، ولذلك فانه الاعز بين المخلوقات كما قال - عز وجل - : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ » (المنافِقُون/8) .


ان انعكاس التوحيد على حياة الانسان يعني ان تكون حياته كلها عزة وكرامة واستقلالا وشرفا ، فهو لايبيع شرفه من أجل لقمة العيش ، ولايتنازع عن كرامته مقابل منصب ، ولايستسلم خشية من أحد ، فهو لايخاف الا الله ، لانه يعلم ان القوة والملك وغيب السماوات والارض بيد الخالق - تعالى - .


مظاهر الشرك في حياتنا السياسية :


ونحن في عالمنا المعاصر عندما ندخل عالم السياسة ونستمع الى الاخبار ونقرأ الصحف ونتفاعل مع الحوادث اليومية ، فاننا نرى ان الشيطان يظهر لنا من خلال هذه الوسائل الاعلامية ، فهو يحاول ان يوسوس في صدورنا ويجعلنا نعتقد - مثلا - ان الولايات المتحدة الاميريكية هي أقوى سلطة في العالم ، وهذا ما دفعنا الى ان نسميها بـ " القوة الكبرى " ، في حين ان هذا التصور هو نوع من الشرك .


ان ما تــردده هـذه الوســائل الاعلاميـة مـن شعـارات هي فـي الحقيقة نفس


الكلمات التـي كان يطلقها فرعون ، فهذا الطاغية كان يقول : « أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى» (النَّازعات/24) ، والذيـن حـوله كانـوا يحلفـون بعـزته لا بعـزة اللـه - سبحانه وتعالى - ، وفي النهاية رأينا مصير عزة فرعون في تلك المعركة التي أخذ الله - عز وجل - فيها هذا الطاغية وجنوده أخذ عزيز مقتدر ، فنبذهم في اليم واغرقهم ليذهبوا دون رجعة .


ولعل الحضارة الفرعونية هي الحضارة الوحيدة التي انقطعت جذورها ، وانقرضت بشكل نهائي في حين ان الحضارات الاخرى كان لها امتداد ، ذلك لان باني هذه الحضارة أعلن كفره وتحديه للخالق - عز وجل - .


واليوم تطرح نفس هذه الفكرة من خلال طرح اميركا كقوة عظمى لايمكن ان تنازعها قوة أخرى في حين ان القوة الكبرى لله - تعالى - ، فالاميريكيون عجزوا حتى الآن عن القضاء على فيروس الايدز ، واقتصادهم الآن في حالة تدهور ، ومع ذلك فاننا نقول ان اميركا هي ربنا الأعلى ، ونسميها بـ " القوة الكـبرى " ؛ في حيـن ان اللـه - تعالى - هو المقتدر المهيمن ، فمن إعتز به أعزه ، ومن توكل عليه كفاه ، وهذه الحقيقة يجب ان لاتردد باللسان فحسب بل يتعين ان تتحول الى ستراتيجية في حياة الانسان بجميع مجالاتها .


الشهادة حصن الاستقلال :


ولهذا السبب فان علماءنا استطاعوا ان يحافظوا على استقلاليتهم عن الاتجـاهات السياسية لانهم يعتقدون بالاكتفاء الاقتصادي فهم لايستلمون مرتبات من الحكومات ، ولانهم يؤمنون بقيمة الشهادة في سبيل الله - تعالى - ، ولذلك فان التهديد والترغيب لايؤثران فيهم ، فكم منهم اصبحوا شهداء عبر التأريخ اعتبارا من اصحاب الائمة (عليه السلام) الذين يمثلون السلف الصالح لعلمائنا ، وهذه مفخرة لنا .


وبنـاء على ذلك فان الانسان الذي يعشق الشهادة في سبيل الله - عز وجل - لايمكن لأي قوة في الارض ان تهزم إرادته او تسلب قيمته ، لانه استسلم لله وتوكل عليه .


ان هذه القيمة هي التي جعلت هذه السلسلة المباركة من علمائنا تسير في الطريق المستقيم دائما فلا الترغيب بامكانه ان يغير منهجهم ولا الترهيب ، وهذا هو الاستقلال .


وهذه ظاهرة توارثناها كابرا عـن كابر من ائمتـنا ( عليه السلام ) وحتى فقهائنا ، ذلك لان هؤلاء العلماء يوقنون ان نظام الكون بيد الله - عز وجل - .


اساليب استعمارية جديدة :


وبالطبع فان شعوبنا وصلت اليوم - والحمد للـه - الى المستوى المطلوب من الوعي ، وعرفت كيف تتصدى للمخططات الاستعمارية ، وقد ظهرت الآن اساليب استعمارية جديدة أشير الى اثنين منها فيما يلي ليدرك اخواننا العاملون في المجال السياسي ، وابناء الحركات الاسلامية انهم يواجهون عدوا شرسا متمرسا في الكيد ، وصياغة الخطط الجهنمية :

1- الاسلوب المالي والاقتصادي :


وعلى سبيل المثال فان البنوك المنتشرة في انحاء العالم متصلة ببعضها البعض من جهة ، وبالبنوك الدولية من جهة أخرى ، واذا ما دققنا في الأمر اكتشفنا ان المشرف على هذه البنوك يتمثل في الامبريالية والصهيونية ، وهكذا يحارب الاستكبار اقتصاد المسلمين ويحطمه عبر الشبكات المالية التي يمتلكها والمتمثلة في البنوك .


ومن جهة اخرى فاننا نرى ان الاسواق العالمية بأيدي الغربيين ، ولذلك فاننا نلاحظ ان اسعار المواد الأولية التي تصدرها البلدان النامية تهبط يوما بعد آخر ، وعلى سبيل المثال فان سعر البرميل الواحد من النفط كان يبلغ في يوم من الايام (65) دولارا ولكنه انخفض الآن الى أدنى مستوياته ، والأسوء من ذلك ان البلدان الغربية تأخذ هذا النفط من البلدان النامية بأبخس الاثمان لتحوله الى وقود ومواد اخرى لتبيعها لنفس البلدان بأكثر من (1500) ضعف !


2- الحرب الثقافية :


ان التقنية الآن بأيدي الغربيين ، وقد بدؤوا الآن يشنون علينا هذه الحرب من خلال توظيف تلك التقنية ، وعلى سبيل المثال فان الغربيين هم الذي يقفون وراء شبكات تجارة المخدرات التي أدت الى ان يتساقط شبابنا كما تتساقط اوراق الخريف ذلك لانهم هم الذين يروجون لها . ومن الطريف ان بعض الحكومات اذا ما عاقبت تجار المخدرات فان البلدان الغربية تعـترض على ذلك تحن شعار (حقوق الانسان ) !!


ومع ذلك فاننا نغط في نوم عميق في حين انهم يضعون المخططات الجهنمية لافسادنا وحرفنا عن تعاليم ديننا ، وهم يركزون في غزوهم الثقافي هذا على أولادنا من خلال أفلام الكارتون - على سبيل المثال - والافكار الخبيثة التي يدسونها في هذه الأفلام كما يدس السم في العسل الى درجة ان أولادنا اصبحوا لغيرنا لانهم تلقوا تربيتهم من هؤلاء الغير ، وعلى هذا فان وجد تهديد حقيقي لبلادنا في العالم الاسلامي فهو التهديد الثقافي .


هذه هي حقيقة العالم الغربي ، فهل نستسلم له أم نتحداه ؟


بالطبع يجب علينا ان نتحداه لان من أسس الايمان بالله - تعالى - الكفر بالطاغوت كما قال - عز من قائل - :
« فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» (البقرة/256) .


اما الانسان الـذي تغشـي الحجـب عينيـه فلا يمكن ان يـرى الحقيقة ، فالذي


يؤمن بالطاغوت لايمكن ان يؤمن بالله ، فالطاغوت هو ذلك الانسان الذي يطغى في الارض كفرعون وأمثاله .


كيف نحارب الطاغوت :


وهنا يتبادر الى الاذهان السؤال المهم التالي : بماذا نحارب الطاغوت ونحن لانمتلك الامكانيات اللازمة ؟


وللجواب على هذا السؤال نقول : ان الايمان بالله - تعالى - هو سلاحنا في هذه المحاربة ، فايماننا بأن ملكوت السماوات والارض بيده - عز وجل - هو بداية مواجهتنا للأعداء ، اما اذا لم نؤمن بالله حقا ، ولم ندرك انه هو الفعال لما يشاء ، وانـه مسبب الاسباب والمهيمن فاننا سوف لن يكون في مقدورنا محاربة

الطغاة


ولذلك فان الله - جل وعلا - يعرض لنا في سورة الانعام حقيقة هيمنته المطلق على الكون والحياة في قوله - تعالى - :
« وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً » (الانعام/61) ، اي ان كل شيء في حيانتا مستمد منه حتى حركتنا وشعــورنا بالأمــن ، وحتى الموت فانه هو الآخر لايقع صدفة وعبثا بل ان ملائكة الله - تعالى - هم الذين يقبضون أرواح الناس ، فاذا أمر الله ملك الموت ان يقبض روح رجل كبير السن في المكان الفلاني فان من المستحيل ان يقوم بعمله هذا خطأ ، فيقبض - مثلا - روح شاب جالس الى جانب ذلك الرجل الكبير السن ، لان كل شيء عنده - تعالى - بمقدار ، هذا مـا يشـير اليه بقوله : « حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَيُفَرِّطُونَ » (الانعام /61) .


ثم يستأنف السياق القرآني الكريم في سورة الانعام قائلا :
« ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ » (الانعام/62-63)


فبالموت لاينتهي كل شيء ، فهو بداية لا نهاية ، ثم ألم نقع في المشاكل وندعوا الله - سبحانه وتعالى - ان يحلها لنا ، فحلها وفرجها عنها ؟ فلماذا الكفر به - تعالى - ، ولماذا نعتقد بقوة هذا السلطان او ذلك الطاغوت ؟!


التوحيد يتحدى


اول واعظم ما يهبه القرآن الكريم للانسان المؤمن القدرة على ازاحة غشاوات الجهل ، وحجب الضلال عن قلبه ليتصل هذا القلب مباشرة بنور الحقيقة فيكتشف الحقائق ويرى الاشياء كما هي :


الانسان مفطور على فهم الحقائق :


ولقد فطر الانسان على فهم الحقائق ، ولو ترك لشأنه لأدرك ان لهذه السماء المبنية والارض المدحية الها فطرهما وقدر فيهما ارزاقهما ودبر شأنهما ، ولكننا نرى ان اغلب الناس يشركون بالله لان فطرتهم الاولى دنست برجس الشرك ، وحجبت بالاهواء والشهوات والتعصب والتربية السيئة والرغبة في تحقيق المصالح غير المشروعة .


ان هذه الأمور كلها تحجب عقل الانسان وبصيرته عن رؤية الحقائق ، لذلك نجد ان القرآن الكريم يعمل على رفع هذه الحجب المتراكمة على قلب الانسان فآيات القرآن تزكي القلب وتطهره وتجعله نقيا مضيئا يغمره نور الله ، ولذلك فان الانسان المؤمن ينظر بنوره - عز وجل - الحقائق ، بل انه يتوسم ايضا فيرى مالا يراه الآخرون ، ويكتشف ما هو خارج الشهود ؛ اي يكتشف من الشهود الغيب الكامن وراءه .

الانسان المؤمن متوسم :


والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة قائلا : « إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (الحِجرِ/75) ، وكذلك الحديث الشريف حيث يقول : " اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللـه " ، والمتوسمون هم الذين اذا نظروا الى سيماء الانسان اكتشفوا ما فـي قلبه ، واذا تأملوا ظاهرة عرفـوا اسبابها وما ستنتهي اليه وهذه السمة التي يهبهـا القـرآن للانسان لابـد ان نحيطـها بانتبـاهنا ، فعندما يقـرأ البعض القـرآن لايلتفتون الـى ما ينبغـي لهم ان يكتشفوه وينتفعوا منه ، لانهـم يقـرؤون القرآن قراءة سطحية ، ويمرون على الالفاظ فلا يتدبرون فيها ، في حين ان القرآن الكريم يأمرنا بالتدبر في آياته ، والتفتيش عـن معنى كل كلمة فيه .


ولكي نوضح الفكرة السابقة نقول ان الكلمات - سواء كانت عربية ام غيرها - هي الفاظ وضعت للمعاني والحقائق الخارجية لا للمفاهيم الذهنية كما يقول الفلاسفة الاقدمون ، فالالفاظ تشير الى مدلولاتها مباشرة من دون مرورها على ذهن الفرد او على المفهوم ، وهي تشبه بذلك علامات المرور التي توضع على الطرق فتدل على المعاني الخارجية ، والحقائق الموجودة خارج اذهاننا ومفاهيمنا .


الفاظ القرآن تدل على الحقائق :


وكذلك الحال بالنسبة الى الفاظ القـرآن ، فلقد استخدمت الفاظه للدلالة على


محض الحقائق التي لاتشوبها شائبة ولايحجبها حجاب ، وعلى سبيل المثال فان القرآن عندما يحدثنا عن الكون فانه يستخدم لفظتي (السماوات والارض) ويعرض عن استعمال لفظة الكون كما في قوله - تعالى - : « لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا » (طه/6) ، فالقرآن الكريم لايستخدم الالفاظ الدالة على المجردات المجهولة بالنسبة الى الانسان بل يستخدم عادة الحقائق الملموسة حتى في عالم المجردات .


وحتى عندما يريد رب العزة ان يتحدث عن ذاته المقدسة - تعالت عن الوصف والتشبيه - فانـه يستخـدم عبارات كهذه : « يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » (الفتح/10) ، « إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ » (القِيَامَة/23) ، « الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى » (طه/5) ، فمثل هـذه التعبيرات تبين الحقائق الخارجية ، وتجعل الانسان قريبا منها ، فيرى - عندما ينظر عبر منظار القرآن - كل شيء كما هو .


ان الادباء والفلاسفة والكتّاب عادة ما يغّلفون الحقائق بمفاهيمهم ، في حين ان القرآن الكريم يوضحها بصورة مباشرة ، فالانسان عندما يتلو آيات الذكر الحكيم فانه يحس بأنه يعيش الوجود ، ويعيش حركة الظواهر المخلوقة في السماوات والارض بشكل مباشر ودونما حجاب ، فعندما يهطل الغيث من السماء ينظر المؤمن الى قطرات المطر وهي تصب في الارض خصبا وبركة وخيرا ، يهتز قلبه كما تهتز الارض وتربو بقطر السماء :
« فَانظُرْ إِلَى ءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ» (الرُّوم/50)


وهكذا فان القـرآن الكريم يجعل الانسان يعيش الحقائق الخارجية ، في حين ان الثقافات الاخرى تعمل على تغليف قلب الانسان ، وحجبه عن هذه الحقائق ،


فالانسان المؤمن - في عالم المعرفة - مثله كمثل الشخص الذي يقف عاريا تحت زخات المطر فيعيش الطبيعة كما هي على انه يعيش الطبيعة والخليقة بعلمه ومعرفته لا بجسده العاري ، بينما يوضع الانسان المثقف بالثقافات الجاهلية في سيارة مصفحة ثم تدخله هذه السيارة في قاعة مغلقة ينظر منها الى المطر دون ان يرى آثاره التي يتركها على الارض .


اسباب الابتعاد عن الله :


وبناء على ذلك فاننا كثيرا ما نتعرض الى مثل هذه الحجب بشكل مضاعف ومكثف والسبب في ذلك ان الانسـان لايهـوى معرفة الله - سبحانه وتعالى - وهذا بدوره يعود الى اسباب منها :

1- الشهوات والغرائز :


فلقد اودعت في قلب الانسان الشهوات والغرائز وهي تجعله يخلد الى الارض وتصده عن الارتفاع الى السماء ، ومن هذه الغرائز غريزة الجنس والأكل وحب السيطرة والتملك والحسد ... وما الـى ذلك من الغرائز التي تجعل الانسان ارضيا ترابيا تمنعه من السمو والانطلاق في سماء معرفة اللـه ، ولذلك فان نفس الانسان لاتهوى معرفة اللـه ، ويبقى حجاب الشهوات والغرائز حائلا بينه وبين هذه المعرفة .

2- الثقافات الدخيلة :


تمثل الثقافات الدخيلة ايضا غشاوة تصد الانسان عن معرفة الله - جل وعلا - ولكنـنا نلاحظ ان القـرآن الكريـم يحاول دوما خـرق هـذه الحجب والغشـاوات


بأجمعها .

3- الشرك بالله - تعالى - :


ان قضية الشرك تمثل قضية هامة وحساسة للغاية ، فالانسان لو مات مشركا


لايغفر الله - عز وجل - له ، ولذلك ينبغي للانسان ان يعرف معاني الشرك ، من


جهة ، ويطلع على معنى التوحيد من جهة اخرى ليكون على بينة من أمره .


ولقد كان هناك نزر يسير من الناس يتصورون انهم قادرون على خلق ، وايجاد الاشـياء مثـل نمـرود الـذي قـال لابراهيم (عليه السلام) :
« أَنَا اُحْيِي وَاُمِيتُ » (البقرة/258) ، فأجابه ابراهيم :
« فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ » (البقرة/258) ، فلقد وقف نمرود ساكتا مشدوها امام ابراهيم (عليه السلام) ، لانه لم يكن يعلم بذاته انه بشر كالآخرين ، فمسألة الاحياء والاماتة لايدّعيها احد الا ادّعاء مجازيا .


ان الناس كلهم يقرون ان الله هو خالق السماوات والارض كما يؤكد على ذلك القرآن الكريم في قوله :
« أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ » (اِبراهيم/10) ، فليس هناك من شك ان الله هو الخالق ، وحتى الذين يعبدون الاصنام كانوا يقولون : انما نعبدها لتقربنا الى الله زلفى ، فالناس عادة ما يغلفون بغلالة من التوحيد ، فيلبسون بذلك الحق بالباطل ، ويعبدون غير الله زاعمين انهم يعبدونه .


على ان الطاعة العمياء تعتبر هي الاخرى نوعا من الشرك كما يقول - عز وجل - بشأن اليهود والنصارى :
« اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ» (التوبة/31) ، فالذين اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا لم يعبدوهم بالركوع والسجود بل اطاعوهم عندما حرموا حلال اللـه وأحلوا حرام ، فكان هذا العمل بمثابة عبادة لهم جسدتها طاعتهم لغير الله وبدون إذنه ، ولذلك يقول القرآن الكريم على لسان احد اوليائه :
« أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً » (الانبياءِ/24)


المؤمن لايخشى الا الله :


والآلهة هي كل ما يعبد من دون الله ، وهذه الآلهة المزيفة تشمل السلاطين والرهبان وكل من يعبد من دون الله - تعالى - بطريقة او بأخرى ، والمشكلة التي تعاني منها البشرية هي خضوعها للمعادلات الضاغطة ؛ فكل منهم يخشى من هو فوقه ، واغلب الناس عندما ينحرفون عن جادة الحق لايعترفون بخطأ طريقهم وانحراف مسلكهم خشية وخوفا من كلام الناس ، ولذلك نجد ان القرآن الكريم يقول عندما يصف المجاهدين :
« يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ » (المائدة/54) ، فهم يطيعون الله ويعبدونه ويجاهدون في سبيله دون ان يتأثروا بكلام الآخرين ، لان رضا الله هو منتهى ما يصبون اليه .


ولنا في اهل البيـت (عليه السلام) قدوة حسنة في هذا المجال فكم سُبّوا ووجهت اليهم الشتائم وهم قدوة الصلاح ورمز الهدى ومصابيح الهداية وسفن النجـاة فلقـد سبـّوا علـى منـبر جدهـم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمدة اربعة وثمانيـن عاما فلـم ينقص ذلك من شأنهم ، ولم يحط من اقدارهم بل ازدادوا رفعة وخلودا .


وعلى هذا فان على الانسان المؤمن ان لايتهرب من السباب ، بل ليكن هروبه


من غضب الل،ه ، لان هدفه ارضاؤه - تعالى - والا فانه سيدخل في معادلة الخوف من كلام الناس والبقاء تحت رحمة الضغوط .


الخضوع للمعادلات يتنافى مع العبودية :


اننا لايمكن ان نكـون عابدين للـه حق عبادته اذا أردنا ان نخضع للمعادلات


بشكل او بآخر ، فنخشى كل من هو أعلى منا مركزا ومنصبا فنحن عندما ننطق بشهادة التوحيد فان هذا يقتضي منا عدم الخضوع للمعادلات والمجتمع والسلطة السياسيـة ، وعـدم الاستسـلام للنظـام الاقتصـادي والتربيـة الفاسـدة ومـؤامرات


الاستكبار العالمي ، بل الخضوع المطلق لله وحده لاشريك له .


اما اذا قلنا (لا اله الا الله) كمجرد كلمات نرددها فان هذا يعني اننا لم نعرف المعنى الحقيقي للإله ولكننا اذا عرفنا ان معنى الآلهة من دون الله هو شياطين الارض وسائر القوى المستبدة فحينئذ سيقتضي قولنا ( لا اله الا الله) نفي الوهية هؤلاء والاتكال على الله وحده ، وعندها ستتصل قلوبنا بالنور الالهي فنشعر بلذة التوحيد وتكون هذه الكلمة هي حصن اللـه الذي ندخل فيه ، فقد جاء في الحديث القدسي الشريف : " كلمة لا اله الا اللـه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي " .

الاخلاص في التوحيد :


ان مجرد ان ننظق بكلمة التوحيد بنية صادقة واخلاص سيؤدي الى ان يردع الله - عز وجل - عنا قوى الاستكبار ، بل ان كل مكرهم سيتبدد لان الأمور بيد الله وحده . فالله - تعالى - لايعصى عن غلبة ، فعلينا ان لانتصور انه لايقدر على من يعصيه ، بل ان الانسان العاصي لايمكنه ان يرتكب المعصية الا بالقدرة التي منحه الله اياها ، فاذا ما سلب هذه القدرة فانه سيصبح عاجـزا عن معصية ربه .


و هكذا فان علينا ان لانعتقد بألوهية احد ، وان لانخضع اليه مهما كان قويا ، وليكن خضوعنا لله وحده . صحيح انه - عز وجل - قد أمرنا بإتباع قيادة العلماء ، ولكننا انما نتبعهم لان الله أمرنا بذلك ، فطاعتنا لهم هي في إطار طاعة الله ، وهكذا الحال بالنسبة الى الجهاد فيجب ان يكون في سبيل الله ، ومن اجل اعلاء كلمته في الارض ، ودفاعا عن الدين والقيم ، ولاشك ان الجهاد من شأنه ان يجعل القلب نقيا يرقى بالانسان الى مرتبة الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا في الدنيا والاخرة .


رفض الشرك شرط العبادة

/ 9