ومن ضمن هذه الافكار المزيفة التي اختلقها الاستعمار ، وتلقفتها القوى الجاهلية المنافقة في بلادنا ، هذه الافكار التي تكرس حالة التجزئة . ان المفكــرين وبالذات الاسلاميين مدعوون اليوم بالحاح الى ان ينسفوا جذور الفساد المتمثل في الثقافة المنحرفة ، وهنا تكمن مسؤولية المفكرين وجهادهم لنشر الحقائق ، وهذا ما قال عنه النبي (صلى اللـه عليه واله) : " اذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء " .(1) ان صاحب القلم الحر يلاحـق شخصياً كما تلاحق افكاره ونتاجاته ، فقد اصبح أقتناء الكتب التي تعرض الحقيقة على الناس ، وتفضح سوءة الانظمة الجائرة المتسلطة اكبر جريمة من اقتناء الاسلحة . وهنا يجب على المفكر الاسلامي ان يقف بكـل صلابة يناهض هذا التيار ؛ فلولا الاقلام الجريئة التي تزلزل كيان الثقافة الفاسد ، وتنسـف الاسس القدرية والتبريريـة .. فان هذه الابنية الجاهلية ستبقى ، ويبقى معها الظلم والاستضعاف . ولذلك على الاقلام الحرة ، والنفوس الابية ، وعلى المجاهدين الحقيقيين ان يغمسوا ريشة اقلامهم بدماء شهدائهم ليرسموا خريطة المستقبل ، واللـه الموفق ونعم المستعان .
الجهاد الثقافي بعد الانتصار
الصراع الابدي الذي يلخص فلسفة الحياة ، وتتجلى فيه حكمة وجود الانسان في هذه الدنيا ، يعبّر عن نفسه بصور شتّى ؛ فمرة يكون صراعاً سياسياً ، واخرى اجتماعياً ، وثالثة عسكرياً ، ولكن ابرز صور هذا الصراع هو الصراع الثقافي ، ذلك لان الانسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع تحديد وجهة حياته المتمثلة في الثقافة ، فثقافته هي التي تحدد كل مفردات حياته ، ولا فرق في ذلك بين انسان واخر مهما كانت الفروق بينهما . الصراع الثقافي هو الصراع الاول : ولذلك فان الصراع الثقافي يبقى هو الصراع الاول ، ولأهمية الثقافة لابد ان يكون الرجال الذين يحملونها ويرفعون مشعلها ملتزمين بها ، صابرين على الاذى الذي قد يلحقهم بسببها . فاذا كان حامل هذه الثقافة رجلا جبانا ضعيف الارادة فمن الطبيعي ان يبيعها للاخرين بثمن بخس ، وفي هذه الحالة سوف تغرق الجماهير في بحر الظلام ، وهذا يعني ان الفسـاد سيغمرهم ، والانحراف يهيمن عليهم ، وتخيم عليهم الضلالات ، ويكون الكفر والنفاق ديدنهم . قيل لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " من خير خلق اللـه بعد ائمة الهدى ومصابيح الدجى قال العلماء اذا صلحوا قيل ومن شر خلق اللـه بعد ابليس وفرعون ونمرود وبعد .. - الى ان قال - العلماء اذا فسدوا المظهرون للاباطيل الكاتمون للحقائق ... " (1) ، وفي الحقيقة فان الامام علي ( عليه السلام ) قد حدّد داء الامة ودواءها . وفي حديث اخر يحدد ( صلى اللـه عليه واله ) سعادة الامة او شقاءها بصلاح او فساد طائفتين هما العلماء والامراء ، حيث قال (صلى اللـه عليه وآله ) صنفان من أمتي إذا صلحا اصلحت امتي ، واذا فسدا فسدت أمتي ، قيل : يا رسول اللـه ومن هما ؟ قال : الفقهاء والأمراء " (2) ، والملاحظ ان النبي ( صلى اللـه عليه واله ) قد بدأ بالعلماء ، لان الامير قد يكون قويا مقتدرا ولكنه لا يطالب بالوعي والعلم والثقافة ، والدعوة الى اللـه ، وحتى لو كان الامير عالما فانه لا يستطيع ان يطبق العدالة في مجتمع فاسد متخلف ؛ فالمجتمع يجب ان يكون صالحــاً او على الاقل يحمل بذور الصلاح ، والذي يصلح هذا المجتمع هو العالم ، فاذا اصبح العالم هو الداء فأين نجد الدواء اذن ؟ العالم هو حامل راية الثقافة : فالعالم هو الذي يجهز الناس بسلاح الثقافة ، وهو الذي يمنحهم الثقة بانفسهم لكي ينهضوا للمطالبة بحقوقهم من خلال نشر الثقافة الرسالية بالطريقة التي يرتئيها ، والذي نحتاج اليه في عملنا الرسالي هذا هو الارادة والصبر والثبات . والعلماء هم الذين يمثلون القيادات التي يجب ان نعمل ونتحرك تحت لوائها ، ومع هذه القيادات سوف نحشر يوم القيامة : «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ اُنَاسٍ بإِمَامِهِمْ فَمَنْ اُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَاُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » ( الاسراء / 71 ) ، فالله - سبحانه - سوف يثيبنا على اعمـالنا الصالحة مهما صغرت وبدت تافهة كـ (الفتيل ) الذي هو الخيــط الدقيـق الموجود داخل نواة التمرة والذي يضرب به المثل في الصغر ، فاللـه - تعالى - يسجل اعمالنا في كتاب لا يضل ولاينسى ، وهو في نفس الوقت يعلم خائنة الاعين ، وما تخفي الصدور .. وهكـــذا فان من يحمل ثقافة النور يجب ان يكون في مستواها ، استقامة وصبراً وتحدياً .. حتى يحمل هذا النور الى من يحتاج اليه ، وإلاّ فانه سيتخبط في الظلام ، وسيدخل معه الناس في هذا الظلام . من مظاهر الصراع الثقافي : ومن مظاهر الصراع الثقافي ، الصراع السياسي الذي هو ليس إلاّ واجهة ظاهرة لسلسلة طويلة من الصراعات الاخرى ، وعندما نمعن النظر في فريقين يقتتلان نجد احدهم يحمل شعارات ايمانية ، والاخر شعارات جاهلية ، وفي هذه الحالـة نستنتج ان هذا الصراع هو صراع سياسـي يعكس صراعاً ايديولوجياً وثقافياً واقتصادياً ... وقد وعد اللـه - تعالى - المؤمنين بالنصر الاكيد ، ولكن تبقى المسؤولية على عاتق المؤمنين بعد هذا النصر ، فبعد ان يشكل الانسان المؤمن الدولة الاسلامية تبدأ الاخطار الحقيقية تواجهه ، والخطر الاكبر هو الخطر الثقافي متمثلا في الافكار الجاهلية التي تحاول التسرب في المجتمع الايماني . ولقد كشف لنا القرآن الكريم جميع هذه الموضوعات بشكل غير مباشر ، وعلينا ان نستخلص منه ارشاداته ووصاياه في هذا الصدد من خلال استخدام وعينا وفطنتنا ؛ فقصة بني اسرائيل تقدم لنا حالة من التأثر بالثقافة الجاهلية بعد الانتصار ، فلقد عاد بنو اسرائيل الى عبادة الاوثان بعـد ان حررهم موسى ( عليه السلام ) من اسر وعبودية فرعون بمجرد ان رأوا قومــاً عاكفين على عبادة الاصنام ، وذلك نتيجة لتأثرهم بالثقافـة الفرعونيــة الوثنية التي درجوا عليها اثناء رزحهم تحت ظلم هذا الطاغيـة . ونحن بحاجة الى جهود دؤوبة متواصلة من اجل تصفية رواسب الثقافة الجاهلية التي إما ان يكـون مصدرها التبريرات التي يخلقها الانسان لنفسه ، وإما ان يستورد هذه الثقافة الجاهلية أي أن يكون مصدرها خارجياً . الثقافة الجاهلية ليست إلا تبريرات وأباطيل : وفي الحقيقة فان الثقافة الجاهلية ما هي إلاّ مجموعة من التبريرات والأباطيل ، وحتى في هذا المستوى فان الانسان يسارع الى استقبالها والتأثر بها في حالة فقدانه للوعي والادراك ، وسيطرة روح الانهزام والتبرير عليه ، وبهذه الروح يتشبث بتلك الثقافة . وعلى هذا فحينما تهبط روحية الأمم تبدأ بالتفتيش عن الأفكار التبريرية ، فأما أن تخلقها وتبتدعها هي نفسها وإما أن تستوردها من هنا وهناك كما صدر ذلك من بني اسرائيل عندما أمرهم موسى (عليه السلام) بالجهاد والقتال فأخذوا يبحثون عن الأعذار والحجج في سبيل التملص من المسؤولية ، « فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ » ( المائدة / 24 ) . ولقد سعى النبي ( صلى اللـه عليه واله ) والائمة ( عليهم السلام ) من أجل القضاء على هذه الثقافة التبريرية الجاهلية ، فكان هذا السعي يمثل أهم ركائز مسؤوليتهم، ومحاور جهادهم من اجل تصفية رواسب الجاهلية بكل أبعادها من الأمة . الجهاد الثقافي هو الجهاد الأعظم : ان الجهاد الأعظم انما يبدأ بعد الانتصار ، لأن أعداء الاسلام يبدؤون بمحاربتنـا بشكل خفي ومن خلال أفكارهم ، ومن خلال ثقافتهم الجاهلية ، فازالة مثل هذه الرواسب ليست بالهينة لأنها ليست مجرد عمل اعلامي وتبليغي فحسب ، بل علينا ان نخوض صراعاً اجتماعياً ، فكل فكر يتمثل في كتلة اجتماعية ، وعندما تريد ان تقاوم هذا الفكر فلابد من ان تواجه الكتلة التي تمثله ، اي ان هذا الفكر يتجسد في خط معين . والسؤال المطروح هنا هو : كيف نواجه ذلك الفكر ؟ نحن لا نستطيع ان نواجهه بالصراع الدموي دائما ، وانما بالجدال بالتي هي احسن ؛ اي من خلال الاقناع ، ومن ابرز ما منيت به امتنا الاسلامية شيوع الحالات الاقليمية والعنصرية ، في حين ان العالم يتجه اليوم نحو الوحدة التي اصبحت ضرورة من ضروراته، فلا يمكن لدولة ما اليوم ان تغلق حدودها لتعيش وحدها نتيجة لتداخل المصالح . وازاء ذلك نرى المسلمين تمزق كيانهم الاختلافات والعنصريات والاقليميات وما شــاكل ذلك من معايير جاهلية يجب ان نتجاوزها لكـي نستطيــع تحدي الاستكبـار الجاهلي ، وقد كانت الوحدة من اهم العناصر التي امرنـا اللـه - تعالى - ان نوفرها في انفسنا اذ قال - سبحانه وتعالى - : «إِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » (الانبياء/92) . فأمرنا ان نتوجه الى القبلة اينما كنا ، وان نحج لكي تنصهر في بوتقة الحج كل العناصر من البلدان المختلفة ، واللغات العديدة ، كل ذلك لتحقيق هذا الهدف المقدس وهو توحيد الامة الاسلامية . طلائع الامة مدعوة الى الوحدة : وانا اوجه ندائي الى طلائع الامة بالذات ، فنحن نعيش حالة تجزئة عميقة في انفسنا وفي افكارنا وثقافتنا الى درجة ان كل واحد منا قد حدد نفسه في دائرة ضيقة ، في حين ان من اوليات العمل الجهادي اليوم هو ان نفهم عصرنا وديننا الذي يأمرنا بالوحدة ، كما ان عصرنـا ايضاً يفـرض علينـا هذه الوحدة ، فما بالك بأمر يأمر به الدين ، ويتطلبه العصر والزمن ؟! علينا - اذن - ان نحطم اصنام الثقافة الجاهلية الدخيلة ، ونمحيها من اوساطنـا ، وهكذا يكون بأمكاننا ان نربي في انفسنا تلك النظـرة الواحدة ؛ النظرة الايمانية التوحيدية ، وحينئذ تبدأ الخطوة الاولى باتجاه التخلص من الثقافة الجاهلية وتحقيق الوحدة . وباختصار فاننا نحتاج بعد النصر الى ثورة ثقافية ، الى الاهتمام بالاعلام والفكر النير من اجل تصفية اجوائنا من الافكار الغريبة الدخيلة ، ومن الاقليميات والعنصريات حتى نبدأ من خلال ذلك المسيرة الظافرة نحو بناء مجتمع اسلامي نقي خالص . (1) بحار الانوار عن نهج البلاغة / ج 2 / ص 122 (1) بحار الانوار / ج 2 / ص 49 (1) بحار الانوار / ج 71 / ص 213 (1) بحار الانوار / ج 72 / ص 38 (1) بحار الانوار / ج 71 / ص 274 (1) نهج البلاغة / خطبة 127 (1) بحار الانوار / ج 26 / ص 239 (1) بحار الانوار / ج 5 / ص 47 (1) بحار الانوار / ج 2 / ص 16 (1) بحار الانوار / ج 2 / ص 89 (2) بحار الانوار / ج 2 / ص 49
كيف نكتشف الثقافة الدخيلة ؟
من اجل ادراك الحقائق الالهية يحتاج الانسان الى البصيرة ، ومن دونها لا يمكن ان يرى حقائق الاشياء ، وبالاضافة الى ( البصيرة ) هناك ايضا الحاجة الى ( النور ) ، فلابد ان يكون هناك نور ؛ اي ارشاد وتوجيه وثقافة . حاجة العقل الى نور الوحي : ولكن هل يكفي العقل وحده ؟ طبعا لا ؛ فلو كان العقل وحده يكفي لكان كل الناس علماء ، فالامر الذي يحتاجــه الانسان بعد العقل هو التعليم ، فلابــد ان يكون هنــاك من يعلمـه ويرشــده ويذكره لكي يفهم حقيقة الاشيـاء . ان التعليم مثله كمثل النور ، ونقصد به هنا القرآن الكريم ، فهو النور و البرهـان والصـراط المستقيـم ، وكذلك الحال بالنسبة الـى نبينا الأكرم ( صلى اللـه عليه وآله ) . والمشكلة الاساسية التي تتفرع منها سائر المشاكل هي ان الانسان لا يبحث عن النور والبرهان ، اي ان هناك ثقافات دخيلة تنفذ الى قلب الانسان ، وتوجهه . ومن العجيب ان الانسان يهتم بطعامه المادي ، ويحرص على ان يأكل افضل الاطعمة واكثرها فائدة ، ولكنه عندما يريد ان يطعم دماغه الطعام المعنوي فانه لا يبحث عما يفيده ، والمهم ان يملأ عقله بما يسمعه من الاذاعات ، وما يقرؤه في الصحف ، سواء كان نافعاً ام ضاراً وهو لا يدري ان مثل هذه الافكار قد دخلت الى ذهنه ورسمت طريقة حياته من دون ان يشعر . وفـي الحديث الشريف عــن أبـي جعفر ( عليه السلام ) في قـول اللـه : " فلينظر الانسان الى طعامه " قال قلت ما طعامه قال علمه الذي يأخذه ممن يأخذه .(1) ، أي : فلينظر الانسان الى علمه الذي يأخذه عمن يأخذه . فطعام الدماغ - اذن - هو العلم والثقافة ، ونحن نتعرض الان الى موجات عنيفة ومتلاحقة من الثقافات الدخيلة ، وفي مقابل ذلك نرى ان القرآن ما يزال غريبا بيننا ؛ انه يُتلى في مجالسنا ولكننا غافلون عنه ، وكأن الخالق - تعالى - لم يقل : «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » ( الاعراف / 204 ) اي علينا ان نتدبر فيه فهو النور والبرهان اللذان اذا تسلحنا بهما لم تستطع الثقافات الدخيلة ان تدخل في اعماقنا . الفصل بين الثقافة الدخيلة والثقافة الحقة : ولعل سائلا يسأل : ما هي الثقافة الدخيلة ؟ وما هي الثقافة الغريبة عن الفطرة الشاذة عن الحق ؟ وكيف نميز هذه الثقافة عن الثقافة الحقة؟ ان الثقافة الحقة هي الثقافة التي تدعوك الى تحمل المسؤولية ، وفي مقابل ذلك فان الثقافة الباطلة هي التي تبعدك عن المسؤولية ، وتبرر لك الضجر والتملص من العمل ، والهروب من تحمل المسؤولية . ان القرآن الكريم كثيرا ما يؤكد على هذه الحقيقة ، فتجده يؤكد على مسؤولية الانسان في اغلب آياته ، وضرورة ان ينبذ الثقافات الدخيلة التي تبرر حالة الانفلات والتملص من المسؤولية ، فمرة يحدثنا عن بني اسرائيـل الذين قالوا ان اللـه سوف لا يعذبهم لانهم من اولاد يعقــوب ، ولانهــم ابناء اللـه واحباؤه ، ويرد عليهم القرآن بقوله : «لَيْسَ بِاَمَانِيِّكُمْ » ( النساء / 123 ) وفي مواضع اخرى يحدثنا عن النصارى الذين غالوا في دينهم فقالوا ان عيسى ابن اللـه لكي يخلصوا انفسهم من تبعة المسؤولية ، في حين يجيبهم الخالق - تعالى - قائلا : «يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللـه إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللـه وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَآ إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَاَمِنُوا بِاللـه وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللـه إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللـه وَكِيلاً » ( النساء / 171 ) فصحيح ان عيسى عظيم وجليل القدر عند اللـه - تعالى - ولكنكم بحاجة الى الايمان حتى لو كنتم متمسكين بعيسى ومحبين له ، فالايمان بهـذا النبي وحده لا يكفي بل عليكــم ان تؤمنوا بالانبياء الذين يأتون من بعده . وبالاضافــة الى ذلك هناك فكرة تبريرية اخرى هي التذرع بالجهل وعدم المعرفـة ، والقرآن ينسف هذه الفكرة ، ويأمرنا بالتعلم والبحث عن الحقيقـة ، وللأسف فان هناك اناسا حالهم كحال من يغلق على نفسه باب غرفتــه ويسدل الستائر ، ثم يقــول ان الشمس ليست مشرقة ! ان القرآن الكريم يعالج قضية التكذيب من هذه الزاوية ، ونحن الان في اوضاعنا الحالية نتعرض لثقافات دخيلة ، وقبل ان اشير الى هذه الثقافات اود ان اذكّر القارىء الكريم ببعض المذاهب الدخيلة التي ظهرت في العصور الاسلامية الاولى لعلاقتها الوثيقة بالثقافات الدخيلة التي غزتنا اليوم ، ومنها فكرة ( المرجئة ) . ثقافات تبريرية مختلفة : يقول اصحاب هذا المذهب ان من حق الانسان ان يفعل ما يشاء دون ان يفكر في اخرته ، وهناك مجموعة اخرى هم من الغلاة فـي الدين ، وهم يرون ان الناس كلهم مصيرهم الى النار ، وان فاعل الكبيـرة كافـر ، وهذه الفكرة هي الاخرى مصدرها عدم الشعـور بالمسؤولية لانهم كانوا يتقوقعون في بيوتهم . وهنــاك فكرة قدريــة تقول ان اعمـال الانسان كلهـا مصدرها اللـه - تعالى - ، وفي المقابل توجد فكرة هي الاخرى قدرية يسمى اصحابها بـ " المفوضة " تقول ان اللـه قد فوض الأمور إلينا ، فان شئنا ادينا فرائضنا الدينية ، وان شئنا لم نؤدها ، فنحن احرار في صياغة القوانين لانفسنا . وهاتـان الفكرتـان تنتهيـان الــى فكرة واحدة هي " اللامسؤولية "، اي ان الله - تعالى - لم يأمرنا بشيء ، فنحن - اذن - لسنا مسؤولين ، فهو - تعالى - هو المسؤول ، لانـه اراد ان يبعدنـا عن المسؤوليــة ! مثــل هذه الافكار ما تـزال منتشرة بيننا بشكل او بآخـر ، كقــول البعـض ؛ ان الذيـن يعملون في سبيل اللـه هدفهم الرياء ، والحصول على المناصب ، والوجاهة الاجتماعية .. فيتكلمون ضد الجميع لكي يبرروا واقعهم . وهناك افكار سلبية اخرى تشيع في ساحتنا منها (الغلو) من خلال تكفير الناس كلهم ، ومن خلال العجب بالاعمال، وسيطرة الغرور على النفس . ان ذلك الانسان الـــذي يؤدي بعض الركعات من الصلاة ، ويعمـل ببعـض المظاهر العامة للاسلام وله لسان طويل على العامليــن والمجاهديــن ، مثل هذا الانسان عليه ان لا يعجب بعبادتـه وصلاتـه وصومـه ، لانه لا يعلم هل يقبل اللـه منه عبادته هـذه ام لا . ان اللـه - سبحانه وتعالى - يريد من الانسان ان يرسخ حالة التواضـع فـي نفسه ، فليـس من الصحيـح ان يمـــنّ العبد على اللـه - تعالــى - بمجرد ان يؤدي الصلاة ، وليــس من الصحيح ان يأتــي بالتبريــرات عندما تتهيىء فرص العمـل ، وتتوجب عليه المسؤوليــة .. هناك من الجالسين في الخبايا والزوايا من يقيم اعمال الناس كما يحلــو له ، فيدخل افواجا في الجنة ، وافواجا اخرى في النار ، وهذه ثقافة تبريرية ، لان الساحة مفتوحة للجميع ، وبامكان الجميع ان يدخلوها ويشتركوا فيها . يد اللـه مع الجماعة : ان بامكان كل واحد منا ان يقوم بعمل ما في سبيل اللـه ، كأن يكتب مقالا او يوزع كتبا .. وما الى ذلك ، ولكنه مع ذلك لا يستطيع ان يستغني عن الجماعة ، " يد اللـه مع الجماعة " (1) ، فعلينا ان نعمل معا ، ونتعاون فيما بيننا ، ونطرح تلك المجادلات والاحاديث جانبا ، فاليوم هـو يـوم العمل والفرصـة محدودة جدا ولابد ان نستغلها قبل فوات الاوان .
السبيل الى تحدي الثقافة الطاغوتية
الثورة الثقافية في الامة تبدأ من مبدأ الرفض لافكار الطاغوت ، فمن دون اجتناب افكار الطاغوت لا يمكن ان يكمل ايمان المؤمن ، ففي حالة عدم رفضك وتحديك ومقاومتك لسيل الافكار الطاغوتية فانها سوف تنحدر الى قلبك من حيث تشعر اولا تشعر . فالطاغوت لا يدعك تختار افكارك بحرية ، لانه يفرض عليك افكاراً باطلة تؤيد طغيانه وجبروته ، ولذلك فانك لاتستطيع ان تكون محايداً في الفكر ، بل لابد ان تكون متمسكاً في هذا المجال بالحق ، لان هناك من يحاول ان يجرك الى الباطل من خلال استخدام الوسائل الاعلامية والدعائية المختلفة ؛ فان لم تكن متحدياً لثقافتهم فان ثقافتهم هذه سوف تتحداك لتنفذ الى ضميرك . تحدي الثقافة الطاغوتية : فالطاغوت لاينتظر منك ان تأتي إليه لتستجيب لإفكاره ، بل يبادر الى توجيه امواج الفكر الباطل الى ذهنك بحيث لاتستطيع ان تمنع تأثيرهــا عليك إلاّ من خلال رفضها بالانطلاق من مبدأ التقوى ، وتقويــة الايمان بالاخرة ، ولذلك نرى الايات القرآنية تؤكد كثيراً على هذا الجانب فـي معرض حديثها عن موضوع مقاومة الثقافة الجاهلية ، كما نلاحظ ذلك في الآيــة التاليــة : « قُلِ اللـه أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِــي » ( الزمر / 14 ) . فالانسان المؤمن ينبغي عليه ان لا يستوحي افكاره من الجبت والطاغوت ، بل من اللـه - تعالى - الذي يريد ان يميز بين الانسان المؤمن والكافر ، ويريد للانسان المؤمن ان يتمتع بشخصية متميزة مستقلة ازاء الكافر ؛ وهنا تكمن بداية الرفض والتحدي والمقاومة . فالاجدر بالانسان المؤمن ان يتقي العذاب الاخروي ، وان يخشى ربه ، لا ان يخشى الطاغوت ، فمن لم يتمتع بصفة الخوف من اللـه - تعالى - لا يمكنه ان يمتلك شجاعة الرفض وبطولة التحدي . فعلينا - اذن - ان نجتنب الطاغــوت ونرفضه ونقاومه لننيب الى اللـه - تعالى - بالصلاة والدعاء والتدبر في القرآن الكريم ؛ وقد جاء في هذا الكتاب العظيم حول ضرورة عدم الاتباع المطلق والاعمى لكل ما يعرض علينا من افكار : «وَالَّذِيـنَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُـــوا إِلَى اللـه لَهُـمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُــونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » ( الزمر / 17-18 ) ضرورة التوجّه الى القرآن : وفي البدء يشير - تعالى - الى ضرورة التوجه الى القرآن ذلك لان هذا الكتاب يثير دفائن العقل ، ويبلور الرؤية،ويمنحنا منهج البصيرة ، فالانسان يعيش خضم الافكار طيلة يومه ، وعليه ان يميز بين هذه الافكـار . ومـع كـل ذلك فان العقل من دون الوحي لا فائدة ترجى من ورائه ، فنحن بحاجة الى الوحي قبل العقل ، لان الوحي هو الذي يثير العقل ويبعث النشاط فيه ، ذلك لان عقل الانسان من الممكن ان يغفو ، وتحيط به الحجب ، والذي يمزق هذه الحجب هو القــرآن الذي هو مصـدر الوحي . وعلـى طول الخط يجب ان لا نقطع علاقتنا بالوحي ؛ فمن الممكن ان لا يستمـر الانسان المؤمن على الطريق ، فقد يخدعه الشيطان ليقطـع عليه طريقــه ، وقـد جــاء في الحديث عن الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) : " أوحى اللـه الى داود ( عليه السلام ) : لاتجعل بيني وبينك عالماً مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي ، فـان اولئك قطّــاع طريق عبادي المريدين ، ان أدنـى ما أنا صانع بهم أن انزع حــلاوة مناجاتي عن قلوبهم " (1) ، فالناس خلقوا علـى فطرتهم ولكن علماء السوء هم الذين يصدون عن سبيل اللـه . واسباب سقوط الانسان كثيرة ومختلفة ، فمن السهولة بمكان ان يسقــط الانسان ولعل كلمة واحدة قد تؤدي الى سقوط الانسان في نار جهنم . تنمية القدرة على التمييز بين الافكار : نستنتـج ان من الضروري ان ينمي الانسان المؤمن فـي نفسه القدرة على التمييز بين الافكار ؛ فيأخذ بالحق وينبذ الباطل ، ولا بأس ان تكون عملية فرز الافكار وتحديد الصالح والضار منها عملية جماعية من خلال المؤسسات الثقافية والاعلامية ، ومن خلال الحوزات العلمية ، فنعلن عن آرائنـا ووجهات نظرنا الاسلامية حول مستجدات العالم في جميع المجالات . فلا بد - اذن - من ان ننتظم ضمن مجمـوعات لنحارب الطاغوت وافكاره اذا لم نستطع ان نقوم بهذا الواجب الشرعــي كأفراد . تكثيف المطالعات وبرامج بناء الذات : وبالاضافة الى ذلك علينا ان نكثف مطالعاتنا الاسلاميـة وخصوصاً القـرآن الكريم من خلال استغلال اوقـات فراغنـا لهذا الغــرض . ومــن ابرز صفات الحوزة العلمية على مر تأريخهـا ، انهـا كـانت تشجع المبادرات والطمــوحات الفردية ؛ فالى جانب الدروس التقليدية لها كانت لديها برامج للمطالعة ، وبناء الذات ، وحفظ الايات القرآنية .. دون ان تدع فرصة زمنية تذهب هدرا ، في سبيل التسلح بالثقافة الاسلامية . وهذا هو ما نحتاج اليه ونحن نواجه الطاغوت ، وفي هذا المجال يجب ان تتحول الحوزات العلمية بجهاد ومساعي علمائها وطلبتها الى جهاز لتصفيــة الافكار ، ومقاومة الضالة منها ، كما اكد على ذلك النبي (صلى اللـه عليه واله) في قوله : " اذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه والا فعليه لعنة اللـه والملائكة والناس أجمعين " (1) . واللعنة الالهية تعني ان اللـه - تعالى - سيطرد هذا العالم من رحمته ، واي بدعة اكبر من الافكار الجاهلية التي تدخل بلادنا بالجملة ؟! فعلينا ان نتسلح بالعلم ، وان لا يكون همنا الفراغ من قراءة الكتب ، بل التفقه في المسائل والافكار التي تعرض علينا ، فمثل هذا التفقه سيكون سببا لنجاة الملايين من البشر ، وسببا لنجاة انفسنا بالدرجة الاولى . وعلينا ان لا ننسى ان تحقيق هذا الهدف العظيم لا يمكن الا بالانابــة الى اللـه ، وبالابتهال في جوف الليل ، والتضرع الى اللـه - تعالى - لطلب التوفيق منه لاجتناب المحرمات ، وتزكية الذات ؛ فنحن اذا لم نقم بتزكيـة انفسنا ، ولم نتصل برحاب قدسه - تعالى- فمن الصعب جداً ان نحصل على نور المعرفة ، ونور القرآن . نسأله - تعالى - ان يوفقنا للنظر في القرآن ، وتدبر آياته ، وان يجعــل حياتنا ملأى بالانجازات المرضية للخالق ، مضللـة برحمته - تعالى - ، انــه ولي التوفيق .
كيف نقاوم الثقافة الجاهلية ؟
من المسؤوليات الاساسية لكل رسالي يهدف الى تغيير المجتمع ، معرفة الثقافة التي تسود المجتمع الذي يعيش فيه ، وهذا يعني ان لا يكتفي بمعرفة الصبغة العامة للثقافة الاجتماعية ، وهل هي متخلفة رجعية أم اسلامية ، بل ان يتعرف ايضاً على كل فكرة وعلى كل موضوع يظهران في هذا المجتمع . وان معرفة جزئيات الثقافة تهدينا الى مفتاح شخصية المجتمع ، لان البناء الاساسي لشخصية الانسان قائم على ثقافته ، وبالتالي فان معرفة الثقافة هو فك لالغاز واسرار الانسان . وهنا تطرح التساؤلات التالية : 1 - كيف تتم معرفة الثقافة ؟ وما هو مقياسها ؟ 2 - ماذا علينا ان نفعله تجاه الثقافة الباطلة التي تعرفنا عليها ؟ 3 - اذا مــا تعرفنا على ثقافة باطلــة فهل يجب علينا ان نبينها ثم نردها ، ام نردها فحسب ؟ الثقافة التبريرية : وقبل ان نجيب على هذه التساؤلات ، ينبغي ان نمهد لذلك بمقدمة اساسية تتمثل في ان الانسان قادر على ان يبرر مواقفه بخلق ثقافة كاذبة لنفسه ، فالثقافة هي مجموعة افكار متماسكة ، وقد تكون هذه الافكار نابعة من صلب الواقع وعين الحقيقة ، وقــد تكون نابعة من خواطر الفكر ، وتموجات الذهن البشري ، فقد تفكر لتعمل ، وقد تفكر بانك عملت ؛ اي ان الثقافة من الممكن ان تكون بادئة للعمل ، وقد يكون العمل هو منشأ الثقافة ، وعلى سبيل المثال فانك تحـاول ان تبحـث عن ثقافة تبرر اعمالك اذا ما كذبت ونافقت ، وتهاونت بصلاتك ، وتكاسلت عن عملك .. فالانسان لا يتعرض لهجمات النقد عاريا ، وانما يحاول ان يستتر بمتــراس ، ومتراس الانسان في هذه الحالات ثقافتـه التبريريــة ، وحتى الاطفال يلوذون الى مثل هذه الثقافة في تبرير اعمالهم المختلفــة . وهذه الحالة ( حالة التبرير ) هي مفتاح فهمنا للثقافة ، فقبل كل شيء نحن عادة نطرح على انفسنا السؤال التالي عندما نستمع الى كلام الاخرين : لماذا يقول هذا الانسان هذا الكلام ، ومن هو المنتفع منه ؟، وعندما نقرأ في صحيفة موضوعا ما وخصوصا افتتاحياتها نطرح على انفسنا السؤال التالي : لماذا كتب هذا الموضوع ؟ ، فان لم نعرف لماذا كتب ، ولماذا طرحت هذه القضية في هذا الوقت بالذات ، فان امامنا السؤال التالي : هذا الكلام يخدم من ؟ وعندما تقع جريمة نرى ان علماء الجريمة يبادرون الى البحث قبل كل شيء عن من يستفيد من هذه الجريمة ، وقبل ان يفكروا في اصدقاء المقتول فانهم يفكرون في الاعداء ، وفي اولئك الذين انتفعوا بقتله . الثقافة متهمة حتى تثبت براءتها : وهكــذا ينبغي ان نفعل عندما يكتـب او يذاع موضوع في الساحــة ، فالثقافة في منطقنا متهمة حتى تثبت براءتها ، ونستوحي ذلك من حديث للرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يقول : " من اصغى الى ناطق فقد عبده ، فان كان الناطق عن اللـه عز وجل فقد عبد اللـه ، وان كان الناطق عن ابليس فقد عبد ابليس" (1) ، فلابد ان تثبت لنفسك انك قد عبدت اللـه اذا راجعت كلمة ، او تصفحت كتابا ، او طالعت جريدة ، او استمعت الى اذاعة ... واذا كانت الثقافــة متهمة ، فلابــد ان يطـرح السؤال هكذا : مــن المستفيد من نشر هذه الثقافة ؟ وبأي دافع كتبت هذه الافكار ؟ ، وبالطبع ليس هناك احد يقول عن نفسه انه خاطىء ، فكل الناس يميلون الى مدح انفسهم ، ومن مدح نفسه فقد ذمها وان صدق . وعلى هذا فلنشطب على اكثر ما يكتب في الصحف من تسبيح بحمد الانظمة ، ذلك لان هذه الصحف هي بالتالي صحف الانظمة، وان مدحها لهذه الانظمة هو في الحقيقة ذم لها . وعندما يطرح علينا كلام من قبل تلك الوسائل الاعلامية فلابد ان نفتش في زواياها عن تبريراتهم لمواقفهم ، مثلا مواقف الانظمة تجاه اسرائيل والعالم الاستكباري ، فهذه المواقف تنطوي على التخاذل ، اذن فلابد ان يبـرّروا خطأهم بطريقة او بأخرى ؛ فهم يقولون ان اسرائيل قوية ، وهذا شــرف لا تدّعيه هي نفسها ، ومـع ذلك فانهـا لا تنكر ذلك ، فهي تحب ان يقول الناس عنها انها قوية ، ولو كانت قوية حقا لما ربطت مصيرها بمصير اميركا ، فهي امتداد للكيان الاستعماري الامبريالي ، وجزء من هذا الكيان ، وهذه الحقيقة لم تعد خافية الا على السذج للاسف . ان رؤساء بعض الانظمة الحاكمة في البلدان العربية يضخمون دور اسرائيل ، ويصنعون امام شعوبهم هالة كاذبة لها ، ويخلقون اسطورة اسرائيل التي لا تقهر ، ولكنها في الواقع ليست بهذه القوة ولكن تخاذل الانظمــة ازاءهـا هو الذي جعلهــا تدعــي انها قوية ، في حين ان اللـه - تعالى - يقول : «لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الاَرْضِ » ( النور / 57 ) . فلوجود تلك الحالة النفسية عند اولئك فانهم يعمدون الى تبريرها لانهم يخشون شعوبهم ، فيكثفــون الثقافـة الباطلة بين شعوبهم هذه كي لا ترى واقعهم ، ولا تكتشف جريمتهم . بعد تلك المقدمة نعود الان الى الحديث عن الثقافة ، ونبـدأ بالاجابة عن الاسئلة التي اثرناها في مقدمة هذا الفصل : كيف نكتشف الثقافة الباطلة ؟ لقد اصبح الجواب واضحاً الى حد ما بعد تلك المقدمة ، فالثقافة الباطلة نكتشفها عندما نطرح السؤال التالي : هذه الثقافة تخدم من ؟ فاذا عرفنا الشخص او النظام الذي تخدمه هذه الثقافة فاننا نكون قد عرفنا حقيقة هذه الثقافة ، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تفضح العوامل النفسية القابعة وراء الثقافات الباطلة . فمن المهم جدا ان نكتشف خلفيات الثقافة ، والدوافع الخفية وراء الكلام ، بعد ذلك علينا ان نكتشف الحالة النفسية التي يعيشها المتكلم ، فان كان هذا المتكلم يعيش حالة الجبن والتخاذل فان ثقافته ستكون منطبقة على هذه الحالة . وعلينـا ان نأخذ بنظر الاعتبار ان أهم جزء في الثقافــة هو نهايتهــا ونتيجتها ، فالثقافة التي تنتهي الى العمل الصالح هي ثقافة سليمة ، وإلاّ فانها الثقافة التي تدعوك الى التكاسل ، وهذه هي الثقافة الباطلة، ولذلك عليك ان تحلل الثقافة المطروحة عليك ؛ فتنظر الى ما وراءها ، وتحاول ان تكتشف الى اي هدف تدعوك ؛ هل تدعوك الى العمل أم الى اللاعمل ، ثم هل تدعوك الى العمل الصالح أم الى غير الصالح ؟ ومن هنا جاء في الحديث عن النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) قال : لا تجلسوا عند كل داع مدع يدعوكم من اليقين الى الشك ومن الاخلاص الى الرياء .... وتقربوا الى عالم يدعوكم من الكبر الى التواضع ، ومن الرياء الى الاخلاص ومن الشك الى اليقين ... " (1) وفي حديث آخر عن الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : ألا أخبركم بالفقيه حقاً ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : من لم يقنّط من رحمة اللـه ولم يؤمنهم من عذاب اللـه .. " (2) من هنا يجدر بنا ان نفتش عن من ينتهي كلامه بنا الى الرجاء والامل ، والى العمل والتحرك والنشاط ، وان نحذر من مجالسة الذي يؤدي كلامه بنا الى القعود واليأس .. لنفرض ان شخصــاً قـرأ كتابــاً من بدايته الى نهايتــه ، فاكتشف ان الكتاب وضع اساساً لكي ينفي انسانية الانسان ، ولنأخذ على سبيل المثال كتاب " تحطمت الطائرات عند الفجر " ، او كتاب " وصايا حكماء صهيون "، وكتاب " لعبة الامم " ، ان هـذه الكتب جميعها وكثيرا غيــرها انما وضعت اساساً لكي تقول للمسلمين ؛ انكم لا تفهمون شيئـاً ، ولا تستطيعون ان تفعلوا شيئاً ، وان امور العالم كلها انما هي بيد الغربيين ، وانهم هم الذين يحركون العالم . مثل هذه الكتب تحدثنا عن ضخامة وكالة المخابرات الاميريكيــة ( سي . آي . أي ) ، وتصورها لنا وكأنها شياطين الجن الذين يفعلون ما يريدون ، فهذه الكتب تريد ان تسلب منا ثقتنا بأنفسنا ، ولذلك يجب علينا ان نطرحها جانبا ، ولا ننخدع بها ، ولابد ان نعي ان قوتهم لا شيء ازاء قوة اللـه وقدرته ، فنحن نتمتع بقوة اللـه العظمـى ، وكلما رأينا شيئا عجبا قلنا " اللـه اكبر ، سبحـان الله ، لا اله إلاّ اللـه " ، لكي لا نبهـر بهذا الشيء العجب ، ولكي لا يسلب ارادتنــا . ان القوى الطاغوتية في الارض انمـا تستعرض قواها من اجل ارهابك ايها الانسان ، ومن اجل سلب ارادتك ، لانها تخشى ارادتك هذه ، ولانها تعرف ان هذه الارادة لـو تحركت فانها ستحرقهم ، وتحرق قواهـم . وهكــذا علينا عندما نقرأ كتاباً ان لاننظـر الى الحلة التي زخــرف بها ، وقد اشار - تعالى - الى ذلك في قوله عن المنافقين : « وَإِن يَقُولُوا تَسْمَــعْ لِقَوْلِهِمْ » ( المنافقون / 4 ) ، ذلك لانهم يتكلمون بمعسول الكلام ، ويحاولون ان يلفظوا كلمات كبيرة منسقة لانهم يفتقرون الى الحقائق ، ولذلك فانهم يلجؤون الى تغليف كلماتهم الزائفة ، وانحرافهم الفكري بأغلفة جميلة . نحن ننصت - مثلا - الى اذاعة ( مونت كارلو ) ، فتعجبنا كثيرا تلك الفواصل الحلوة التي تضعها بين خبر وخبر باسم الاعلانات ، فتجذب بذلك انتباهنا ، في حين انها تبث الكذبة تلو الكذبة .. اما بالنسبة الى جواب السؤال الثاني وهو : ماذا يجب ان نفعله ازاء الثقافة الباطلة ؟ فلا يكفي ان نعالج اي مرض بأي دواء ، بل لكل مرض دواؤه الخاص به ، ولكل ثقافة علاجها الخاص بها ، وبناء على ذلك لابد ان نكتشف نوع المرض الثقافي الذي تعاني منه الامة لنحدد نوع الدواء الذي يقتل ( فيروس ) هذا المرض . ولذلك علينا ان نفتش في عمق الكلام وخلفياته .. وان لا ننظر الى ظاهره بل الى ثناياه وخباياه . كيف نرد الثقافة الباطلة : القرآن الكريم يؤكد على ذكر الافكار الفاسدة لاعدائه ، فهو لا يكتفي بنفيها وردها دون ان يعرض لها ، ونحن ايضا يجب علينا ان نفتش عـن الثقافة المريضة ، فاذا اكتشفناها كافحناها بالمضاد المناسب لها ، لكي يعرف الناس ماذا تعني الثقافة المريضة ، ولكي تكون لديهم أمثلة حية عن هذه الثقافة التي يحذرون منها . وكل ذلك يعين لنا مسؤولياتنا . فمسؤوليتنا الان تتمثل في ان نهتم بما يقال وينشر في الساحة لاكتشاف الحقيقة وفرز الغث عن السمين فيها اولاً ، ولاكتشاف المضاد الحيوي لتلك الثقافة الباطلة ثانياً ، ولنقلها ونقل المضاد لها الى المجتمع . ان مجتمعنا يعاني الان من الامراض الثقافية اكثر مما يعاني من الامراض الجسدية ، بسبب عدم اهتمامه بسلامته الروحية والنفسية والثقافية . وبالطبع فان الهجمة الثقافية ضدنا قوية وعنيفة وبمختلف الوسائل من اذاعات وصحف ، وافلام ، وكتب .. واذا اردنا ان نقاوم هذه الهجمة الشرسة الشاملة فعلينا ان نشحذ ارادتنا ، ونقاومها بوعي بأن يصبح كل واحد منا شمسا مضيئة تبث النور والاشعاع والدفء في كل اتجاه ، فعلى كل واحد منا ان يكون خطيباً وكاتباً ومفكراً .. وان يكون معطاء في كل ارجاء الحياة الثقافية للامة .
لكي لا تكون ثقافتنا منسية
حينما نستقرأ ثقافة اهل البيت ( عليهم السلام ) ، ونعي ابعادها .. انذاك ندرك انها بحق ثقافة الرسالة ، التي تهدف انقاذ الانسان من الظلمات الى النور، ومن الجهل الى العلم ، ومن التخلف الى الحضارة . لذا يجدر التعرف على قيمها السامية شعورا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا باعتبارنا رساليين . فالامر لا يقتصر على الانتساب للرسالة فحسب ، بل ينبغي علينا ان نجنّد انفسنا لنشر تعاليمها ومبادئها ، وبث طريقتها السمحاء .. فحري بنا ان نعرف واجبنا تجاه اهــل البيت ( عليهم السلام ) ، ونحيط بمسؤولياتنا نحوهم ، فهي بحق المسؤولية الكبرى ، والوظيفة العظمى امام المثقفين والمفكرين الاسلاميين ، والدعاة الى اللـه - تعالى - . مثالب المكتبة الاسلامية العربية : وهنا يثار السؤال التالي : ترى ما هي عيوب ونقائص المكتبة الاسلامية العربية ؟ باعتقادنا ان ثقافة اهل البيت - عليهم السلام - هي ارقى الثقافات الانسانية ، لانها منبعثة من صلب الرسالة ؛ ولكن في نفس الوقت يجب الاذعان الى الحقيقة المرة التالية ، وهي : ان هذه الثقافة على الرغم من كونها اسمى الثقافات البشرية وارقاها إلاّ انها اكثر الثقافات طوية وكتماناً ، وابطأها سيراً وانتشاراً . وهكذا ترتجح هذه الثقافة بين طرفي نقيض ، بين الرفعة والضعة ، وبين السمو والاندثار . فمن المسؤول - يا ترى - عن رفع هذا التناقض ؟ وما هو الاسلوب الانجع لحل هذا المعضل ؟ سيما وان البشرية بحاجة ماسة الى هذه الثقافة اليوم اشد من ذي قبل . فــاذا كانت الثقافـة المتكاملــة - روحيـاً وماديـاً - غائبـة عـن المسـرح السياسي ، فان غيابها هذا يتسبب في حدوث الكثير من المشاكل في حياة الشعوب ، اما لو قيض لهذه الثقافة المتمثلة في ثقافة اهل البيت ( عليهم السلام ) من ينشرها ويبثها في ارجاء الشعوب ، فانها من دون شك ستتسبب في سعادة البشرية . فمن هو المسؤول عن حمل هذه الثقافة ، واقناع الناس بها ؟ نحن بالتأكيد المسؤولون عن ذلك، من خلال تشخيص الداء ووصف الدواء ؛ وأول ما ينبغي ان نعمله في هذا المجال ان نسعى لاكتشاف النقائص في المكتبة الاسلامية العربية - واقصد بالعربية هنا ما كتب باللغة العربية حول الاسلام - . وبصورة عامة هناك مثالب في هذه المكتبة ، وقبل ان نبدأ بسردها ينبغي الالتفات الى نقطة مهمة ، وهي ان المؤلفات التي كتبت بلغة الامس لايحيط بكنهها الجيل المعاصر سوى العلماء وطلاب العلوم الدينية ، فهم بعد جهد جهيد استطاعوا التعرف على منطق العلماء السابقين ، فحصروا جل اهتمامهم في تعلم لغتهم ، وحـل ما اغلق وعمي مـن عباراتهم ، وعلى سبيل المثال فـان لغــة " الشـرائع " و " اللمعة " و " المكاسب " و " الرسائل " و " الكفاية " وسائر كتب الفقه والاصول لا يفهمها اديب اليوم ، وانما يفهمها رجال الدين المختصون ، لانهم يبذلون جهودا جبارة في سبيل تعلم لغة الفقهاء المتقدمين ، وقد نحيط نحن بهذه اللغة ، ولكن ياترى هل تستطيع المجتمعات الاخرى فهم هذه اللغة واستيعابهــا ؟ بالطبع لا يتأتى لها ذلك . ذكر لي صديق مختص بالقانون قد برع في هذا العلم حتى بلغ الذروة فيه ووصل الى مستوى المستشارية وهو مستوى يعادل درجة البروفسور في سائر فروع العلم ، فقد قال لي يوما انه حينما يريد الاطلاع على الفكر الاسلامي في مجال القانون من خلال امهات الكتب الاسلامية القديمة فانه يصاب بالعجز عن فهم محتواها ومعرفة عباراتها . وهذا ( السنهوري ) الذي يعتبر اكبر مقنن عربي ، ومن اساطين علم القانون المعاصرين ، وواضع القوانين المدنية لاكثر من تسع دول عربيــة كان يحاضر يوما في كلية الحقوق بجامعة بغداد حول " العيب الخفـي " ، وزعم ان الاسلام لم يتعرض لهذا الموضوع قائلاً : بحثت كثيراً في الكتب الاسلامية فلم اعثر على كتاب اسلامي قانوني تناول هذا الموضوع الهام . فانبرى له احد الطلاب قائلاً : ايها الاستاذ ؛ لقد تناول الاسلام هذا الموضوع . فقال السنهوري : اني اتحداك في هذا ، فأنا اجزم بعدم وجود كتاب اسلامي عالج هذا الموضوع . فأجابه الطالب : حسنا ، سأثبت لك خلاف ما توصلت اليه ، وسآتيك غدا بكتاب طرح هذا الموضوع . وكـان هذا الطالب الجامعي قـد درس العلوم الدينية في النجف الاشرف ، وجاء الى بغداد لدراسة العلوم الحديثة في كلية الحقوق ، وفي اليوم التالي جاء هذا الشاب بكتاب " المكاسب " وقدمه الى الاستاذ ، وكان ذلك الموضوع مطروحاً ضمن حاشيـة كتبها شرحاً لهذا الكتــاب آية اللـه العظمـى المرحوم السيد محمد كاظم اليـزدي صاحب كتاب " العروة الوثقــى " . فتح ( السنهوري ) الكتاب ، وبدأ يقرأ هامشه باذلا قصارى جهده وطاقته ، فاكتشف في طيات هذا الكتاب وفي اسطر حاشيته التي كتبت بأشكال هندسية علماً جماً ، وكنزاً مخبوء ، وفي المحاضرة التاليــة اذاع ( السنهوري ) ما اكتشفه ، واسهب القول فيه ، فعندما اعتلى منصة الخطابـة وجـه كلامه الى الحاضرين قائلا : ان هذا الشاب علمني علماً لـم يعلمنيه احد طوال حياتي - واشار بيده الى الطالب الذي جاءه بالكتاب - لقد ثبت لي ان القانون الاسلامي تعرض لموضوع ( العيب الخفي ) ، واوفى حق هذا الموضوع من جميع جوانبه ، وتعتبر معالجته هذه انضج من كل ما كتب حول هذا الموضوع في القانـون الفرنسي والروماني والروسي والبريطاني وغيره ، وليس ما في هذه الحاشية حول هذا الموضوع مجرد اشارة بل هو بحث شامل وناضج تناوله من جميع نواحيه ، وهو يمثل الحق الصراح في موضوع ( العيب الخفي ) ؛ ثم التفت الى الطالب الجامعي متسائلا : لماذا طمرتم - انتم اصحاب هذه الكتب ، ومالكو مفاتيح ما اغلق علينا فهمه - هذه الكتب في مطامير ومعتقلات ، ولماذا اخفيتموها عنا ؟ صحيح انكم قمتم بطباعتها ، ولكن طباعتها هـذه ليست بمتناول الجميع ، نظراً لطباعتهـا القديمــة .. الوسيط بين لغة القدماء ولغة العصر : ان هذه الحادثة تثبت لنا عظمة ثقافتنا وانزوائها معا ، ترى من المسـؤول عن ذلك ؟ ومن هو الذي ينبغي عليه ان يقـوم بدور الوسيط لكي يوضح لغة القدماء ؟ فنحـن بحاجـة فـي عصرنا هــذا الى منطـق مبسط وواضح كما يقول - تعالى - : « وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ » (ص/20) اي الخطاب الواضح الذي يفصل الحق عن الباطل ، ومع ذلك فان الادب الذي كتب به كتاب الشرائع او اللمعة وسائر الكتب الفقهية هو ادب جزل ، ولكن ربما يقال ، ان الادب قد تغير وتطور ، فيجب ان نغير نصوص تلك الكتب الى عبارات واضحة يستسيغها الانسان المسلم اينما كان . ونضرب هنا بالامة الالمانية مثالا على ذلك ؛ فقد كانت هذه الامة قبـل نهضتها متمزقة ، متفرقة ، تحكمها الصراعات ، ويسودها التناحر ، وكانت اراضيها مقسمة بين الدول التي تحيط بها كالامبراطورية النمساوية وروسيا القيصرية وفرنسا ، وما تبقى منها كان عبارة عن سبع وعشرين ولاية متناحرة ، يحارب بعضها بعضا ، وفي خضم هذا الوضع المتوتر ظهر رجل من بين اوساط هذه الامة فنفخ فيها روح الاتحاد ، فجمع شتاتها ، وشعب صدعها حتى اصبحت من اقوى الأمم الاوروبية واعظمها ، ولم يكن هذا الرجل نبياً من الانبياء يمتلك معاجزهم بل كان اعزل ، إلاّ من قلم خُطّ به علوم من تقدمه بأسلوب واضح سلس يفهمه الصغير والكبير ، فانتشرت كتبه في اوساط الشعب الالماني ، واثرت فيه ايما تأثير ، فحولتها من امة ضعيفة واهية الى امة قوية مقتدرة ، وهذا الرجل هو الفيلسوف الكبير " نيتشه " . ونظير ( نيتشه ) الالماني ( هبرس سبنسر ) الانجليزي ، الفيلسوف الشهير ، الذي قدم خدمات كبيرة الى الامة الانجليزية تفوق ما قدمه غيره من سائر العظماء السياسيين الانجليز ، لقد استطاع هذا الرجل كتابة النظريات الفلسفية بنهج مبسط ، حتى جعلها في متناول الجميع ، مما ساهمت في تقدم بريطانيا .