التقيّة في الفقه الحنفي
التقيّة في الفقه الحنفي
أمّا عن التقيّة في الفقه الحنفي، فهي واسعة جدّاً، وقد جوّزها فقهاء الأحناف في اُمور هي في غاية الدقّة والخطورة، ونظراً لاتّساع مسائل التقيّة في الفقه الحنفي لذا سنعتمد في دراستنا للتقيّة عندهم على بعض كتبهم المهمّة فقهيّأ ومن ثمّ الإشارة السريعة إلى ما ورد من تلكم المسائل في مصادرهم الاُخرى، مراعين بذلك الاختصار، فنقول :
جاءت في كتاب فتاوى قاضيخان للفرغاني الحنفي (ت / 295ه)، اُمور كثيرة، جوّز فيها التقية، نذكر منها :
1 - إذا اُكرِه الرجل بقتل، أو إتلاف عضو من أعضائه على أن يقتل رجلاً مسلماً فقتله، فهل يصحّ مثل هذا الإكراه ؟ وهل يحكم على القاتل بالقصاص، أو لا ؟
قال أبو حنيفة ومحمّد : يصحّ الإكراه، ويجب القصاص على المكره، دون المأمور.
وقال أبو يوسف : يصحّ الإكراه، ولا يجب القصاص على أحد !! وكان 201
على الآمر ديّة المقتول في ماله في ثلاث سنين !!
ثمّ نقل عن زفر، إنّ هذا الإكراه باطل، ويجب القصاص على القاتل، وهو المأمور. ونقل عن مالك والشافعي، أنّهما يقتلان، الآمر والمأمور(1).
وسيأتي عن الشافعي في أحد قوليه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه أنّه لا حدّ على القاتل !
ومن الجدير بالإشارة، هو انّ المتّفق عليه بين علماء الشيعة الإماميّة قاطبة هو حرمة التقية في الدماء، وانّه لا اكراه في ذلك، وانّ من يقتل تحت ذريعة الإكراه هو كم يقتل باختياره عمداً، قال الإمام الباقر عليه السلام : «إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية»(2).
2 - لو اكره السلطان رجلاً على أن يقطع يد رجُلٍ فقطعها، ثمّ قطع يده الاُخرى، أو رجله من غير اكراه، ولم يأمره السلطان بذلك، أي : قطعها اختياراً، فهل يجب عليه القصاص فيما قطعه مختاراً ؟
الجواب : لا قصاص عليه، وعلى الآمر، وتجب الديّة عليهما من مالهما عند أبي يوسف(3) !
3 - لو أفطر الصائم في يوم من أيّام شهر رمضان عن عمد واصرار، ثمّ أكرهه السلطان - بعد ساعة أو ساعتين من الإفطار المتعمد في شهر رمضان - على السفر في ذلك اليوم، فهل يكون مكرهاً على الإفطار ؟ وتسقط عنه
(1) فتاوى قاضيخان / الفرغاني 5 : 484 - مطبوع بهامش الفتاوى الهندية.
(2) اُصول الكافي / الكليني 2 : 174 / 16 - كتاب الإيمان والكفر، باب التقية، والمحاسن للبرقي : 259 / 310 - كتاب مصابيح الظُّلَم، باب التقية.
(3) فتاوى قاضيخان 5 : 486. 202