الخلاصة
الخلاصة
لقد تأكّد من خلال هذا البحث أنّ التقيّة من دين الإسلام الحنيف.
أمّا من حيث ما يدلّ على كونها من الدين.
فالقرآن الكريم.
والسُنّة المطهّرة.
وإجماع علماء الإسلام.
وهذا هو ما بيّنه البحث في فصله الأول.
ولقد كانت لنا جولة واسعة مع المفسّرين في هذا الفصل، استعرضنا فيها أقوال أشهر المفسّرين لدى المذاهب الإسلامية عموماً، وبما يزيد على قول ثلاثين مفسّراً للكتاب العزيز. ولم نقف على أيّ واحد منهم قد حرّم التقية مطلقاً، ولم ينقل أحدهم التحريم عن غيره، ولم يصرّح أي فرد منهم بأنّها من النفاق ولا من الخداع أو الكذب في الدين. بل وجدنا الكثير منهم من صرّح بخلاف ذلك تماماً. 234
ولقد كان للصحابة رضي اللّه عنهم موقف واضح من التقية، إذ صرّحوا بجوازها، وعملوا بها زرافات ووحداناً، وقد عزّزنا عملهم بالتقية بواحد وثلاثين مثالاً، كانت من بينها أمثلة كثيرة على التقية الجماعية التي اشترك بها ما لا يعلم عدده من الصحابة إلا اللّه تعالى.
كما كان للتابعين موقف من التقية إذ صرّحوا بجوازها وعملوا بها أيضاً، وهذا ما أوضحناه بأمثلة كثيرة من تقيتهم، وذلك في واحدٍ وثلاثين مثالاً، وقد رأينا في تقية الصحابة والتابعين الكثير منهم ممّن حمله الإكراه على أن يحلف باللّه على خلاف الواقع، أو يفتي بخلاف الحقّ إرضاءً للسلطان واتقاءً من شرّه وظلمه.
وقد تتبّعنا العصرين - ما وسعنا - المواقف الصريحة إزاء التقية قولاً وفعلاً ابتداءً من السّنة السابعة قبل الهجرة المشرفة وحتّى نهاية سنة / 179ه، وهي من أواخر عمر التابعين. فوجدنا من مواقفهم إزاء التقية ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع ادّعاء أنّ التقيّة كذب وخداع وافتراء !!
ثمّ انتقلنا بعد ذلك إلى موقف تابعي التابعين ومن جاء بعدهم وصولاً إلى عصرنا الحاضر، نقلب صفحات التاريخ ونبحث في طيّات السنين، ونسترق السمع خلف أبواب السلاطين، فسمعنا العجب العجاب من كلمات المؤمنين، ورأينا الأعجب من أفعالهم تقيّة من هؤلاء الظالمين، وذلك في أربعة وعشرين مثالاً.
ولقد تبيّن من خلال الفصل الثاني الذي استوعب من مواقف المسلمين - على امتداد تاريخهم - من التقية وذلك في ستّة وثمانين مثالاً انّ الظلم والاضطهاد الذي مرّ به التابعون وتابعوهم ليس له نظير في تاريخ الإسلام إلا 235
ما كان في العصر الأوّل منه حيث المعاناة والاضطهاد على أيدي المشركين، ولقد أدرك الكثير من الصحابة تلك المعاناة ممّن امتدّ بهم العمر بعد اُفول نجم الخلافة الراشدة، فكان ذلك من أهمّ أسباب ومسوّغات لجوء هؤلاء الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى العمل بالتقية للنجاة بأنفسهم، والحفاظ على أعراضهم، وسلامة أموالهم من معرّة الظالمين.
ومن ثمّ جاء دور الفقه الإسلامي الذي امتاز بمرونته وصلاحيته لكل زمان وجيل، فهو لم يدع مسألة إلا وفصلها، ولم يترك ملحظاً كلياً أو جزئياً له صلة بالفرد أو المجتمع إلا وتعرّض لبيان حكمه بدقّة وتفصيل.
ولمّا كنت قد عرفت موقف فقهاء الشيعة الإمامية من التقية، تساءلت مع نفسي ! سؤالاً طالما تردّد قبل الشروع في كتابة الفصل الأخير.
ما هو موقف فقهاء المسلمين - من غير الشيعة الإمامية - من التقية ؟
فكان جوابهم - كما بيّنه الفصل الأخير - واحداً، ألا انّ التقية من دين الإسلام وكفى به جواباً والسلام.
اللّهمّ أرنا الحق حقّاً حتّى نتبعه، والباطل باطلاً حتّى نجتنبه واجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك على محمّد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار.
والحمد للّه ربّ العالمين
ثامر العميدي
23 / صفر / 1415ه