يفعل ذلك وهو يعلم انّه يسعه كان آثماً، وليس له أن يمتنع منه، كما جوّز كلمة الشرك على اللسان تقية عند الإكراه(1). امّا الإكراه المبيح لذلك عند الجصّاص الحنفي، هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه من التلف، إن لم يفعل ما اُكرِه عليه. أمّا الكاساني الحنفي (ت / 587ه) فقد توسّع في هذه المسائل كثيراً، وسنختصر بعض ما قاله في بيان ما يقع عليه الإكراه. انّ الإكراه عند الكاساني الحنفي في الأصل نوعان : نوع حسي، وآخر شرعي، وكلّ واحد منهما على ضربين : معين، ومخيّر فيه. أمّا الإكراه الحسي المعيّن : فيشمل الأكل، والشرب، والشتم، والاتلاف، والقطع عيناً. وأمّا الإكراه الشرعي : فيشمل الطلاق، والعتاق، والتدبير، والنكاح، والرجعة، واليمين، والنذر، والظهار، والإيلاء، والبيع، والشراء، والهبة، والإجارة، والإبراء عن الحقوق، والكفالة بالنفس، وتسليم الشفعة، وترك طلبها ونحوها. امّا التصرّفات الحسيّة من أكل وشرب ونحوهما، فيتعلّق بها حكمان، وهما : الحكم الأوّل : يرجع إلى الآخرة وهو على ثلاثة أنواع : مباح، ومرخص، وحرام.
(1) المبسوط / السرخسي 24 : 48 و51 و77 و78 و152، وقد ذكر اُموراً اُخرى كثيرة جدّاً، راجع الجزء الرابع والعشرين - كتاب الإكراه الذي شغل معظم صحائف هذا الجزء من المبسوط. 205