الذين أسرفوا في عدائهم لعلي وأبنائه عليهم السلام، وضيّقوا عليهم حتى عادت الرواية عنهم كافية للقتل والتنكيل !
وإذا كانت الشيعة الإمامية قد تميّزت فعلاً عن غيرها باستعمال التقية - لما تقدم من أسباب - فإن هذا لا يعني أن غيرهم لم يعمل بالتقية قطّ، كما أنه لا يعني أن تكون التقية شيعية المولد كما ذهب إليه بعض الباحثين والكُتّاب من أهل السنّة.
ونقول بصراحة، إنّه من المؤسف جدّاً أن يتّهم السُّنّي أخاه الشيعي بالكذب والنفاق والمخادعة خصوصاً فيما يتعلق بدعوة علماء الشيعة إلى ضرورة التقريب بين وجهات النظر بين علماء المذاهب الإسلامية، والدعوة إلى التفاهم تحت ظلّ راية الإسلام الخالدة، وتفويت الفرصة على أعداء هذا الدين العظيم. ومن ثمّ ادّعاء أنّ التقية تشكّل مانعاً حقيقياً عن التجاوب مع الشيعة، لاحتمال أن تكون رغبة الشيعة في التقارب تقية !!
هذا في الوقت الذي بيّن فيه علماء الشيعة من فقهاء ومحدّثين واُصوليّين، وعلماء الكلام والعقائد أنّ التقية لها أحكامها وشروطها، وحالاتها التي تُقيّد بموجبها، كما هو الحال عند علماء أهل السُّنّة في تقييدها بحالات الضرر الشديد، أو الإكراه، وأي ضرر أو إكراه يترتّب على دعوة المسلمين إلى التسامح والإخاء، والمودّة والصفاء ؟ !
كما نقول بصراحة : إن بعض الكُتّاب من أهل السُّنّة لم يكتفِ بما قال، بل زاد على ذلك : جعلهُ من المفاهيم الموضوعة من قبل - ما أسماه - «أئمة 13
الرافضة» أنفسهم، زيادة على ادّعاء أنّ التقية كذب وخداع ونفاق(1) !!
ولهذا أصبح الكشف عن واقع التقية عند غير الشيعة، حاجة ملحّة وضرورة من ضرورات التقريب بين وجهات النظر بين الإخوة المسلمين، خصوصاً وإنّ الدفاع عن مفهوم التقية دفاع لا عن مذهب معين وإنّما عن التشريع الإسلامي الخالد الذي امتاز بمرونته وصلاحيته لكل عصر وجيل. لذا كانت لنا جولة مع مصادر إخواننا أهل السُّنّة من فقه وحديث وتفسير تمخّض عنها هذا البحث..
وأود منذ البدء ان اُشير إلى الدراسات والبحوث السابقة في هذا الحقل من
(1) راجع - على سبيل المثال لا الحصر - الكتب التالية :