ترك أكثرهم.
والأكثر من هذا هو الحاجة الماسّة إلى معرفة آراء فقهاء المذاهب الأربعة المشهورين :
- الإمام مالك بن أنس (ت / 179ه).
- الإمام أبي حنيفة النعمان (ت / 150ه).
- الإمام الشافعي (ت / 204ه).
- الإمام أحمد بن حنبل (ت / 240ه)، مع بيان مواقفهم الصريحة من التقية على مستوى العمل والافتاء، وهذا ما لم أقف عليه في تلك البحوث إلا لماماً، زيادة على ما في بحث التقية عند غير الشيعة الإمامية من فوائد جمّة، لعلّ أهمها سدّ المنافذ بوجه الرياح الصفراء التي طالما حاولت تشويه الحقائق بغبارها الكثيف.
كل ذلك كان عاملاً مشجعاً لإعداد هذا البحث الذي قسمته على ثلاثة فصول وهي :
الأوّل : معنى التقية ومصادرها التشريعية.
الثاني : موقف الصحابة والتابعين وغيرهم من التقية.
الثالث : التقية في فقه المذاهب والفرق الإسلامية.
ولا ادّعي الابتكار ولا التجديد في هذا البحث، وإنّما هو لبنة صغيرة قد تضاف إلى بناء هذا المفهوم الإسلامي الشامخ، إن لم يعثر صاحبها فيلتمس 17
الإقالة جزاءً على حسن نيّته برجاء التوفيق لخدمة الإسلام والمسلمين.
ومنه جل شأنه أستمد العون والرشاد.
وبه تعالى ثقتي، وهو حسبي.
والحمد له ابتداءً وختاماً.
وصلاته وسلامه على حبيب القلب محمّد وآله.
ثامر العميدي
3 / صفر / 1415ه
الفصل الأول : معنى التقيّة ومصادرها التشريعية
معنى التقية لغة واصطلاحاً
التقية في اللغة :
عرّفوا التقية لغةً بأنّها : الحذر والحيطة من الضرر، والاسم : التقوى، وأصلها : إوتَقى، يُوتَقي، فقُلبت الواو إلى ياء للكسرة قبلها، ثمّ اُبدلت إلى تاء واُدغمت، فقيل : اتّقى، يتَّقي(1).
وعن ابن الاعرابي : التقاة، والتقية، والتقوى، والاتقاء كلّه واحد، ولهذا جاء في بعض القراءات القرآنية : <(إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تَقِيَّةً)(2)، في موضع (تقاة).
وفي الحديث الشريف : «تبَقَّه وتوَقَّه» ! ومعناه : استبقِ نفسك ولا تعرّضها للهلاك والتلف، وتحرّر من الآفات واتّقها(3).
وفي الحديث أيضاً : «قلت : وهل للسيف من تقيّة ؟ قال : نعم، تقيّة على إقذاء، وهدنة على دخن».
ومعناه : إنهم يتّقون بعضهم بعضاً، ويُظهرون الصلح والاتّفاق، وباطنهم
(1) تاج العروس / الزبيدي 10 : 396 - «وقي».
(2) آل عمران 3 : 28.
(3) النهاية في غريب الحديث / ابن الأثير 5 :