فالإكراه إذاً : هو حالة من حالات الإجبار التي يُحمل الفرد بواسطتها على النطق بشيء أو فعل شيء من غير رضاه. ولهذا وصف السرخسي الحنفي (ت / 490ه) حالة الإكراه بأنّها : «اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه، أو يفسد به اختياره»(1). حالات الإكراه التي لا تصح فيها التقية : ويراد بها حالات الإكراه المتعلّقة بأفعال القلوب، والتي لا سبيل للمُكِره إلى علمها في قلب المكرَه، وبالتالي فلا يصحّ التجاء المكرَه إلى شيء منها، كما لو اُكرِه المسلم على بغض المؤمنين، أو حُب الكافرين حقيقة، أو على الاعتقاد بعقيدة فاسدة، أو على إنكار ما ثبت أنّه من الدين إنكاراً قلبياً، ونحو ذلك. فهذا وأمثاله لا تصحّ فيه التقية قطعاً، ولم أقف على من صرّح بخلافه، وقد أيّد هذا المعنى القرآن الكريم صراحة كما في قوله تعالى : <(لا يتَّخِذِ المُؤمِنُون الكافِرِينَ أولِياءَ مِن دُونِ المُؤمنِين ومَن يفعل ذلِكَ فلَيس مِن اللّهِ في شيءٍ إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تُقاةً ويُحذِّرُكُم اللّهُ نفسَهُ وإِلى اللّهِ المصِيرُ)(2). ولا يخفى ما في هذه الآية من صراحة تشريع التقية، إلا أنّ المهم هنا هو أنّ التحذير الوارد فيها قد جاء مباشرة بعد تشريع التقية : <(ويُحذِّرُكُمُ اللّهُ نفسَهُ)، لئلا يتحوّل إنكار المؤمن للحقّ بفعل الإكراه إلى إنكار قلبي كما يريده من أكرهه، لأنّ الواجب أن يبقى القلب مطمئناً بالإيمان. ولقد أكّد تعالى هذه الحقيقة فقال بعد تشريع التقية والتحذير مباشرة :