بئر مَيْمُون
قال شاعر لم أعثر على
اسمه9:
تأمل خليلي هل ترى قصر صالح
إلى بئر ميمون إلى العيرة التي
بها ازدحم الحُجَّاج بين الأباطح
وهل تعرف الأطلال من شعب واضح
بها ازدحم الحُجَّاج بين الأباطح
بها ازدحم الحُجَّاج بين الأباطح
في هذا الشعر: بئر
ميمون: بئر حفرها ميمون أخو العلاء الحضرمي والي البحرين. عندها قبر أبي جعفر
المنصور فيما يسمى اليوم بحي الجعفرية بين أذاخر والحُجُون. والعَيْرة كمؤنث
العَيْر: هو الجبل الذي عليه المنحنى بالمعابدة ـ بالباء الموحدة ـ أي بين حي
الملاوي وحي الروضة.
والأباطح: أبطح مكة،
والجمع من عادة شعراء العرب.
هذا ما جاء في معجم
معالم مكة بطبعتيه الأولى والثانية.
وعندما حددت بئر
ميمون هذا التحديد اعتمدت على:
1 ـ ورود ذكرها في
يوم الفتح; حيث دخل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) من أذاخر، وأنه استقى من بئر
ميمون.
2 ـ وجود هذا الحي
بجوار أذاخر يسمى الجعفرية، ولم أر من نسبه فترجح عندي أنه نسبة إلى أبي جعفر
المنصور.
3 ـ ما جاء في تأريخ
الفاكهي: أن أبا جعفر حين مات هنا صلّي عليه في المسجد الصغير المجاور للخرمانية،
وهذا يعني أنه مات قريب منه، أي أن بئر ميمون مقترنة بهذه المواضع كلها.
ولكن الشريف شاكر بن
هزاع العبدلي قائم مقام مكة أوقفني بعد حجّ عام 1412 هـ على بئر قديمة شرقي قصر
أمارة مكّة، على يمين الطريق الذاهب إلى الشرائع فالطائف عن طريق نخلة اليمانية،
فقال: هذه بئر ميمون، وأراني حجيرة قربها، قال: هذا قبر أبي جعفر
المنصور.
ومع اعترافي بخبرة
الشريف شاكر في جغرافية مكة، الّا ان هناك تساؤلا، إذا كانت هذه بئر ميمون على
بُعدها من أذاخر، وهو بعد معاكس لا تجاه المسجد الحرام للآتي من أذاخر، فما علاقتها
برسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يوم الفتح؟ ثم إذا كان أبو جعفر مات في هذا
المكان، لِمَ حمل إلى هذا المسجد الصغير على بعد، ثم أعيد بعد الصلاة عليه إلى بئر
ميمون؟ فاذا كان المقصود دفنه حيث مات لَصلّي عليه هناك، وإذا كان المقصود التيمن
بالمسجد، فالذين حملوه لم يبق بينهم وبين المسجد الحرام ما يعجزهم عن المواصلة، ثم
لِمَ لمْ يدفن عند المسجد الذي صلِّي عليه فيه، وليست لبئر ميمون قدسية أو ميزة؟ ثم
إن مقبرة أهل مكة كانت قريبة جداً من ذلك المسجد، فلِمَ لمْ يدفن هذا الخليفة في
المقبرة؟ ولأنها كما قيل كانت قد اتسعت إلى حي الجعفرية اليوم، فلعلّه دفن في طرف
المقبرة مما يلي أذاخر، ثمّ إن هذا الحيز من المقبرة توقف الدفن فيه بعد إنشاء
المقبرة السليمانية، فدفع الطمع بعض الناس إلى الاستيلاء على الأماكن المندثرة،
فسارع الولاة إلى تسوير المقبرة القديمة، ثم أخذ ذلك الجانب اسم الجعفرية; لعلم
الناس أن أبا جعفر مدفون فيه.
وعلى كل حال فمع عدم
جزمي بأحد المكانين، فإن رأيي لم يتغيّر، واستنتاجي أجد له قوة، والبحث مفتوح لمن
يدقق ويحقّق.
وأقول: إني ختمت
البحث بهذا القول دون أن تكون لدي النيّة أن أُزيد فيه، ولكن تصفحت كتاب الفاكهي
المطبوع قبل سنوات، فإذا فيه ما يأتي:
2482 ـ حدّثنا أبو
يحيى عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة، قال: حدّثني محمد بن عُبيدة الشُويفِعي، قال:
حدّثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي صالح، مولى عبدِ الله بن عامر، قال: تُوفِّي
أبو جعفر يوم التَرْوية سنةَ ثمان وخمسين ومائة، وصُلِّي عليه عند الخُطَيْم10
في مسجد هناك، وضُرِبَ على المقبرة ـ يعني مقبرة مكة ـ سُرادقٌ، ثم أُتِيَ
بنَعْشِه، فأُدخل في السرادق، فلما فُرغَ من دفنه، ورجع الناسُ، ورُفع السرادقُ،
وإذا بقبرين، واحد في أعلى المقبرة، وواحد في أسفلها، مما يلي المسجد، ثمّ بنى
عليهما جُنْبُذان.
قال لي أبو يحيى:
أدركت أحد الجُنْبُذينِ أنا. قال: ثم حجّ المهدي بعد ذلك; فرأيته جاء إلى
الجُنْبُذِ الأعلى في المقبرة، فوقف على ذلك القبر، والناس خلفَه فصلّى
عليه.
وفي وجه شِعْبِ
الخُوز دارُ لبابة بنتِ علي، ومحمد بن سليمان بن علي. وفي هذه الدار كان يسكن عبيدُ
الله بن قُثَم، وهو يومئذ والي مكة مع زوجته لُبابة بنت علي، وفيها رأى الرؤيا التي
أفزعتْهُ.
2483 ـ حدّثنا أبو
يحيى عبد الله بن أحمد، قال: ثنا خالد بن سالم مولى ابن صيفي المكي، قال: أخبرني
إبراهيم بن سعيد بن صيفي المخزومي، وكان صديقاً لعبيد الله بن قثم، قال: أرسل إليّ
عبيد الله بن قثم وهو أمير مكة نصفَ النهار، وكان نازِلا ببئرِ ميمون، في دارِ
لُبابة بنتِ علي، زوجتِه.
وترى في رواية
الفاكهي: توفي أبو جعفر وصلّي عليه عند الخطم، ودفن في مقبرة أهل مكة، وقد اقترن
موته فيما تقدم ببئر ميمون، ثم ترى أن بئر ميمون عند شعب الخوزأى حيث يدفع في
الوادي، وهكذا تحفر الآبار، وأنه دفن في الجهة الشرقيّة حيث الجعفرية اليوم، وهذا
شاهد بل هناك عدد من الشواهد على أن بئر ميمون كانت في حيز ما بين البياضية ومقبرة
مكة.