مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (6) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (6) - نسخه متنی

حسن السعید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الشخصية المغامرة


وككلّ الشخصيّات المثيرة
للجدل ، فإنّ المؤرِّخين ـ والبريطانيّين تحديداً ـ اختلفوا في تقييم
بورتون ، ولو أنّ الخلاف لم يتناوله كرجل غامض . . لكن البعض
رأى فيه ، في تلك المرحلة التوسّعية من تاريخ بريطانيا ، شيئاً
شبيهاً بالجنرال غوردون الذي حاول تطويع السودان بقوّة
المدفع . .

وفي حين ينظر «روبن بيدويل»
بخِفّة إلى بدايات بورتون واختياره اللغة العربية في اوكسفورد ، فإنّ
مؤرّخين آخرين يرون في هذا الاختيار تكريساً للغة أحبّها منذ
البداية .

وفي حين يرى بيدويل في سفر
(والده) جوزيف بورتون إلى فرنسا وايطاليا شيئاً من «الغجريّة» في دماء
العائلة ، فإنّ البعض الآخر يرى تفسيرات أكثر دقّة في سِيَر بورتون
الاُخرى . والواقع أنّ سفر جوزيف بورتون في العام 1821 ، أي بعد
قليل من رؤيته للنور ، هو الذي سيغيّر الكثير من مجرى
حياته .

كان هناك محرِّك واحد
لريتشارد بورتون هو حبّ الشهرة ، إنّها الرغبة التي لن تشبع
أبداً . . كما كان بورتون مجموعة من المتناقضات7 فقد
كان يواجه إهمال وعدم احترام بعض
الناس له بشجاعة ومرارة ، حتّى إنّه كان يطيب له أن يظلّ مجهولاً ،
ومع ذلك فقد كان على يقين أنّ العالم لا يمكن أن يغفل اسمه في
النهاية .

لقد كان بورتون محبّاً للظهور
بشكل ربّما اعتبره أبناء طبقته من الانگليز ممجوجاً ومبتذلاً ، وكان
طيلة حياته متضايقاً ، أو ربّما أتلفه ضيق الاُفق الذي كان رجال طبقته
على النقيض يتفاخرون به . ويجب أن نضيف أيضاً ـ يقول بيتربرينت ـ:
«إنّ القوّة الدافعة والزخم الذي جعل من بورتون ذلك الرجل الاسطوري يعود
الفضل فيه إلى حبّ زوجته له حبّاً يقرب من العبادة ، بشكل يفوق أي مجهود
آخر بذله هو لنفسه ، لخلق تلك الشعبية الواسعة . فقد كان طيلة
حياته بريطانياً غيوراً . وكان كلّ ما يطلبه احترام الجمهور له
والمكافآت التي يستحقّها من حكّام البلاد والمسؤولين . ولكي يحرز هذه
الاُمور عمل على إنجاز الواجبات التي ربّما أظهرته للعيان . ولكن الأمر
المؤسف والمأساوي ، من وجهة نظر مواطنه برينث ، هو أنّ أحداً لم
يفهمه ، ولم ينل أي إعجاب أو استساغة من الجمهور ، وهكذا فلم
تتوفّر له الفرصة لنيل مقاصده8 .

وتظلّ المفارقات تلازم بورتون
كالظلّ ، فهذا الرجل الذي طرد من أوكسفورد; لأنّ زميلاً له سخر من
شاربيه ، سوف يرى خلال تنقّله في جزيرة العرب أنّ شاربيه الكثّين هما
اللّذان حبّباه إلى الناس ، حتّى إنّ أحد مشايخ بني حرب سمّـاه «أبو
الشوارب»! على أنّ ذروة أعماله سوف تظلّ ، في العرب طبعاً ، ذلك
الوصف الذي وضعه لمكّة المكرّمة ولحظة الانبهار أمام الكعبة9 .

إنّ ما يثير الغرابة في حياة
بورتون هو أنّ نجاحه الخالد غير المشكوك فيه ، كان مؤسّساً على اعتقاد
جازم بأنّه أوّل رجل اوروپي دخل إلى (مكّة) وأنّ هذا الاعتقاد كان مجرّد خيال
محض .

ولم يكن بورتون هو الذي عزّز
ورعى هذا الاعتقاد فهو عند وصفه لذلك المكان القدسي (أي مكّة) اعتمد كلّياً
وبصراحة وإعجاب على عمل ذلك السويسري بيركهارت . فلم يكن بورتون أوّل
شخص يقوم بأداء مناسك الحجّ متخفّياً بل لقد رأينا كيف أن دومينگو باديا
ليبلش قد وصل في العقد الأوّل من القرن التاسع عشر إلى مكّة راكباً ظهر
جمل ، ومنتحلاً اسم «علي بك العبّاسي» . ولربّما كان أوّل مصدّق
لتلك القصة ، التي تقول : إنّ بورتون هو أوّل من قد دخل
مكّة ، هو وزوجته الليدي بورتون ، التي كانت من خلال
ترمّلها ، قد صمّمت على وضع زوجها السير ريتشارد بورتون في المكان
الملائم لكفاءاته . .10 .

إنّ الليدي بورتون هي التي تحاول الإيحاء بذلك ، في مقدّمة النسخة
التذكارية لكتاب الحجّ ، والتي تتألّق منها نظرات الإعجاب الرومانسي إلى
الحدّ الذي يقف فيه كلامها كستار أو حاجز رقيق بيننا وبين أولئك المغامرين
الذين دبّروا أمورهم ، ودخلوا مكّة فعلاً منذ أيّام
ثاريتما .

وفي هذه المقدّمة لا تدّعي
كاتبتها أنّ رحلة زوجها كانت الرحلة الاُولى (فهي لا تستطيع ذلك ما دام أنّ
بورتون نفسه يذكر الشيء الكثير عن رحلات الآخرين) ولكنّها تستعمل أسلوباً
يشير ضمناً إلى ذلك . وهذا يقودنا إلى اعتبار عمل هذه السيّدة نوعاً من
المغامرات لا يجرؤ كثير من الناس على القيام بها ، حتّى إنّ القليل من
الناس ينجحون في مثل هذه الأعمال ، ولكن لا بأس أن نذكر أنّه حتّى لو
كانت لهجتها مضلّلة ، إلاّ أنّها لا تخلو من شيء من الصواب في
آرائها11 .

ولعلّ النجاح المتميِّز الذي
حقّقه بورتون في وصف رحلة الحجّ ، هو الذي حفّز زوجته إلى المضي بعيداً
في مضمار المباهاة . وإذا كان المستر بيركهارت لم يستطع في بعض الأحيان
القيام بجميع مناسك الحجّ وتفاصيله على الوجه الأكمل ، فقد استطاع السير
ريتشارد بورتون أن يفعل ذلك بعده بأربعين سنة من دون أن يُكتشف أمره على
الإطلاق . وكان الفضل في ذلك يعود إلى إتقانه التخفّي ، بعد أن
تعلّم العربية والفارسية والتركية ، وأتقن تعلّم الفروض الدينية
المعروفة عند المسلمين ، وقد استعدّ لذلك قبل أن يقدم على رحلته الخطرة
بأشهر عديدة ، واتّخذ جميع التدابير اللازمة للقيام بمهمّته خير
قيام ، ومن جملة ذلك أنّه عمد إلى الاختتان وهو يومئذ في الثانية
والثلاثين من عمره! وقد جرّب علاوة على ذلك تأثيرات الصبغات المختلفة في جلده
ومظهره ، وتعلّم التنعّل واستعمال الرمح وما أشبه12 .

ولذلك فإنّ المرء ليأخذه
العجب حينما يطّلع على مغامرات بورتون ، التي جعلت منه اُعجوبة من
الأعاجيب ، فقد كان يتقن لغات عدّة ، بالإضافة إلى كثير من اللهجات
المحلّية المعروفة في الشرق الأوسط والأقصى . . وقد جعلت منه أخبار
رحلاته ومغامراته رجلاً اسطورياً ، وهو فوق هذا كاتب مبرز ، ترك
عند وفاته أكثر من ثمانين كتاباً يصف فيها رحلاته ، وما لقي من
أخطار .

ومن رحلاته التي خلّدته رحلته
إلى مكّة والمدينة ، وكشفه عن أسرار قلب جزيرة العرب; فقد فضي عنه ثيابه
الأوروپية ، واستبدلها بملابس مسلم أفغاني في طريقه لأداء فريضة
الحجّ ، وتسمّى باسم الحاج عبدالله . وقد وصف لنا «بورتون» بدقّة
رحلته هذه في كتاب ممتع من جزأين ضخمين هو «الحجّ إلى المدينة ومكّة»
[1855 ـ 1856م] . . وقد عدّه الباحثون من أشهر روّاد قلب
جزيرة العرب13 .

فمن هو هذا البريطاني المتأفغن؟ وما هي حكايته؟ وماذا عن طبيعة مهمّته
الخاصّة؟

/ 11