مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (6) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (6) - نسخه متنی

حسن السعید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



في الطريق إلى مكّة


بعد أن أكمل الاستعدادات
جميعها أبحر من انگلترة إلى الاسكندرية ، في اليوم الثالث من نيسان
(أبريل) 1853م ، باسم المرزا عبدالله من بوشهر . ويقول سيتون
ديردون مؤلّف كتاب «الفارس العربي» : إنّه قبل أن يتوجّه إلى مهمّته علم
أنّ رحّالة انگليزياً يدعى «فالين Wallin» كان
قد تمكّن من الدخول إلى مكّة والحجّ مع الحجّاج في 1845 ، لكنّه لم
يستطع تدوين شيء عمّا فعل ورأى ; لأنّه كان خائفاً على حياته ، بعد
أن لاحظ أنّ اثنين من اليهود قد اكتشف أمرهما في مكّة تلك السنة ،
فقتلهما الحجّاج الهائجون شنقاً . فقرّر أن يستفسر منه عن أشياء كثيرة
قبل أن يقدم على الاضطلاع بمهمّته ، وكتب له بذلك ، لكن كتابه لم
يصل إلى فالين إلاّ بعد أن كان قد توفّي ; ولذلك عمد إلى دراسة ما كان
قد كتبه بيركهارت قبله من تفصيلات ، فدرسه دراسة مستفيضة ، واستعدّ
للرحلة على ضوء ما جاء فيها28 .

وفي طريقه إلى الشرق ،
كان يعمل على إتقان دوره كمسلم في تفاصيل الحياة اليومية ، منتحلاً
شخصية نبيل فارسي ، لكن بعد وصوله إلى مصر قرّر التخلّي عن هويّته
الفارسية . . واتّخذ بدلاً منها هويّة درويش متجوّل29 .
وعن سبب إقدامه على هذه
الخطوة ، يقول بورتون: «لقد أصلحت لقبي وعدّلته من ميرزا عبدالله إلى
الشيخ عبدالله . إذ ليس هنالك من شخصيّة مناسبة للتخفّي في العالم
الإسلامي أكثر من شخصية الدرويش . فهذه الشخصية يمكن لأيّ رجل من أيّ
طبقة أن يتلبّسها ، من أي عمر أو من أي مذهب ، فالنبيل الذي أُهين
في بلاط أحد الملوك يمكنه تلبُّس تلك الشخصية ، وكذلك الفلاّح الذي لا
يرغب لكسله في حراثة الأرض ، أو أولئك الفاسقون الذين تعبوا في مسالك
الحياة ، أو أولئك الشحّاذون الذين ينتقلون من باب إلى
باب . . جميعهم يستطيعون أن يصبحوا دراويش . وفوق ذلك
فالدراويش يسمح لهم بتجاوز أو تجاهل أصول الأدب والمعاملة كأشخاص قد انسلخوا
عن المجتمع ، وتوقّفوا عن الظهور على مسرح الحياة . فهو يستطيع أن
يصلّي أو لا يصلّي حسبما يريد . ويمكنه أن يتزوّج أو يظلّ عازباً حسب
رغبته ، ويمكنه أن يرتدي الملابس أو لا يرتدي شيئاً ، ولا يمكن أن
يُوجَّه أي سؤال لذلك المتشرّد المعفى من المسؤوليات ، لماذا أتى هذا
المكان أو ذاك؟» .

ثمّ يضيف بورتون بشكل طريف:
«كلّما كان الدرويش متكبّراً متعجرفاً على الناس زاد احترامهم له»30 .

على أنّ بورتون عاد وبدّل
هويته وجنسيّته ، بعد فترة من تنكّره بزيّ درويش ، منتحلاً شخصية
اُخرى ، كانت هذه المرّة مواطناً بريطانياً من أصل أفغاني درس الطبّ في
الهند . وكان لون بشرة بورتون (ربما بفضل أصوله الغجريّة) قريباً من
العرب ممّا ساعده في تنكّره .

وروى بورتون أنّه اشترى عدداً
من الثياب الأنيقة لرحلته ; ذلك أنّه اكتشف أهمّية الإناقة في منطقة
«تنظر إلى الذين لا يهتمّون بمنظرهم كفقراء ، وإلى الفقير كنصّاب ،
إلاّ إذا كان ينتمي إلى طريقة أو زاوية دينية»31 ،
وكان بين مشترياته أيضاً مظلّة
صفراء واسعة «تشبه حديقة مرتفعة الأعناق» ، ومشط خشبي ، وظرف من
جلد الماعز ، وسجّادة فارسيّة «التي إلى جانب كونها تكاية فهي أيضاً
كرسي وطاولة ومنبر ووسادة قطنية . . كذلك اقتنى خنجراً ومحبرة من
النحاس ، ومشكاك أقلام ، وإبراً ، وعلبة نحاسية خضراء «قادرة
على تحمّل السقوط عن ظهر جمل مرّتين في النهار» . وكانت موازنته للرحلة
25 ليرة انگليزية ذهباً ، لفّها في حزام تحت ثوبه>32 .

ويبدو أنّ بورتون كان معجباً
بطريقة الحياة في مدينة الاسكندرية وبما أسماه بـ «الكيف» الذي وصفه كالتالي:
«التراخي اللذيذ ، والراحة الحالمة ، وبناء القصور
الخياليّة ، وكلّ ما يناقض الحياة المركّزة والمكثّفة والنشيطة في
أوروپا . .» ويمضي بورتون في وصفه هذا: «في الشرق لا يحتاج المرء
إلى أكثر من الراحة والظلّ . إنّه يرتاح سعيداً على حافّة جدول يخرخر أو
في ظلّ شجرة عاطرة ، يدخِّن غليوناً أو يحتسي فنجاناً من القهوة ،
أو يتناول كوباً من الشراب ، لكنّ الأهمّ من ذلك أنّه لا يزعج
جسده . . إلاّ قليلاً ، معتبراً أنّ حدّة المحادثة ومرارة
الذكريات والإغراق في التفكير اُمور مفسدة كثيراً للكيف!»>33 .

لم يطل الوقت به ، حتّى
غادر بورتون الاسكندرية متوجِّهاً إلى القاهرة التي وصلها على ظهر مركب
صغير ، وليستقرّ به المقام في فندق صغير ، وراح يمارس مهنته
كطبيب ، وذاعت شهرته بسرعة ، حين استطاع أن يشفي عبدتين حبشيتين من
«الشخير» ، والأهمّ من ذلك أنّه التحق فيما بعد بجامعة الأزهر ،
لمتابعة الدراسات الدينية وإتقان اللغة العربية . . تحسّباً للوصول
إلى مكّة المكرّمة . فقد كان عرف أنّه ليس من الضروري للمسلم ـ أو
لمدّعي الإسلام ـ أن يكون ضالعاً في اللغة العربية ، لكن من الضروري له
أن يكون ملمّاً بشؤون دينه والفرائض .

أضاف بورتون إلى موازنة السفر
80 جنيهاً اُخرى ، وبدأ السعي للحصول على جواز سفر . واتّجه أوّلاً
إلى القنصل الفارسي الذي طلب 4 جنيهات لقاء ذلك ، فثارت ثائرة بورتون
الذي أصرّ على أن يدفع جنيهاً واحداً! وقام من بين معارفه من دلّه على رئيس
«الزاوية الأفغانية» في الأزهر ، وكان هذا رجلاً طيّب القلب ،
فأعطاه الوثيقة اللازمة لسفره لقاء شلن واحد>34 .

ولنزعته الفيكتورية وما يتّصف
به الغربيّون عموماً من غطرسة ، راح بورتون يكيل السخرية اللاذعة لهذا
الرجل الذي قدّم إليه خدمة بلا مقابل ، وفيما كان بورتون يستعدّ للرحيل
تعرّف إلى نزيل في الفندق الذي يقيم فيه ، وهو ضابط ألباني كان قادماً
من الحجاز في إجازة ، ودعاه الضابط إلى غرفته ، فلبّى
الدعوة ، وهناك وضع كلّ منهما خنجره جانباً وراحا يتعاطيان الخمر ،
ثمّ أخذا يدعوان النزلاء الآخرين إلى مشاركتهما ، إلى أن تحوّل المنزل
إلى ساحة للهو والصخب ، واجتمع الجيران يؤنّبون السكارى>35 .

في صباح اليوم التالي بدأ
«الحاج والي» وهو مرشده ومعلّمه الخاص بإسداء النصح له قائلاً: «ليتك تبدأ في
رحلة الحجّ حالاً» ، وقد سُرّ بورتون من هذه النصيحة وعمل بها
حالاً>36 .
فترك القاهرة في أسرع وقت
ممكن ، وعثر على بدوي من سيناء متّجه في الطريق نفسها ، فاستأجر
جملين بقيمة جنيه واحد ، وتوجّه مع خادم هندي إلى السويس . وفي
الطريق التقى بعض التّجار المحترمين من المدينة الذين كانوا عائدين إلى
بلادهم ، ومعهم شاب من مكّة كان تعرّف إليه في القاهرة ويدعى محمد
البسيوني ، الذي أخذ بورتون في رعايته طوال الرحلة>37 .

عن هذا الشاب يحدّثنا بورتون
بأنّه من مواليد مكّة ، وكان في حوالى الثامنة عشرة من العمر ،
وكان حنطي البشرة ، عالي الملامح ، جسوراً . وقد قرّر هذا
الشاب أن يبقى مع بورتون ويقوم بخدمته حتّى انتهاء الحجّ .
ويقول عنه بورتون: إنّه كان ملمّاً بالقراءة ولكن بصورة بسيطة ، ويستطيع
كتابة اسمه وهو ماهر في المساومة ، وقد تعلّم التكلّم باللغة العربية
الفصحى وهو في مكّة ، كما أنّه يستطيع أن يتخلّص بسهولة وطلاقة من مواقف
الشبهة ، وكان يصلّي ويقوم بمناسك الحجّ بكلّ
إتقان .

وفي السويس استقل بورتون
سفينة تسمّى سلك الذهب ، وقبل الانطلاق حصلت مشاجرة بين ركّابها سرعان
ما تدخّل بورتون لحسمها ، كما يزعم ، وفي ظهيرة يوم 6 تموز (يوليو)
عام 1853م انطلقت سفينة الحجّاج التي هدأت الاُمور فيها . . ويقول
بورتون: إنّه لم يسعه إلاّ النظر إلى العلم البريطاني الذي كان يرفرف فوق
القنصلية البريطانية في السويس . ولكن ما لبث سروره أن اختفى واختنق
عندما اشتدّ وجيب قلبه وخفقانه عند التفكير بالمحنة والمغامرة القادمة>38 ،
إلاّ أنّ السفينة تعرّضت للغرق في
مرحلة لاحقة ، كما تعرّض قبطانها للضرب المبرح ، غير أنّ المسافرين
وصلوا إلى ينبع في نهاية المطاف>39
بعد اثني عشر يوماً . وبدأ بورتون بالاستعداد للجزء التالي من الرحلة وهو التوغّل
في الداخل>40ولدى نزولهم إلى البرّ داس بورتون ، على ما
يبدو ، على شيء سام جعله يتألّم من قدمه طوال الرحلة . ومن هنا
استأجرت المجموعة جمالاً كلفة الواحد منها ثلاثة دولارات واتّجهت إلى المدينة
في رحلة مسافتها 130 ميلاً ، استغرقت ثمانية أيّام>41

/ 11