مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (6) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (6) - نسخه متنی

حسن السعید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



بورتون في مكّة


في 11 أيلول (سبتمبر)
1853م ، وصل بورتون إلى مكّة المكرّمة بعد رحلة متعبة حافلة
بالمخاطر ، ليستقرّ به المقام في بيت مرافقه الشاب محمّد البسيوني الذي
كان خير دليل له ، خاصّة وأنّ أهل مكّة أدرى
بشعابها .

يقول بورتون عن مكّة حينما
وصلها لأوّل مرّة : إنّه لم يجد فيها ذلك الجمال الرشيق المتناسق الذي
يتجلّى في آثار اليونان وايطاليا ، ولا الفخامة البربرية المتجلّية في
أبنية الهند ، ومع هذا فقد كان المنظر غريباً فريداً في بابه بالنسبة
إليه>60 ،
وكتب: «شاهدت احتفالات دينية في
مناطق مختلفة ، لكنّني لم أرَ مثل هذه المشاهد المهيبة والرائعة في أي
مكان آخر»>61 .

ويقول كذلك: « . .
ويمكنني أن أقول حقّاً : إنّه من بين جميع الحجّاج الذين كانوا يتعلّقون
بأستار الكعبة وهم يبكون ، أو يضغطون بقلوبهم النابضة على الحجر ،
لم يكن هناك أحد في تلك اللحظة أشدّ شعوراً وأطغى عاطفةً من (الحاج) القادم
من بلاد الشمال ، فقد بدا لي كأنّ أساطير العرب الشعرية جميعها كانت
تنطق الصدق ، وكأنّ أجنحة الملائكة الخفّاقة ، وليس نسيم الصبح
العذب ، كانت هي التي تحرّك الكسوة السوداء التي تجلّل الكعبة
المقدّسة . لكنّني لابدّ لي من أن أعترف اعترافاً متواضعاً بأنّ عاطفة
أولئك الحجّاج المتدفّقة كان مبعثها الحماسة الدينيّة ، أمّا عاطفتي فقد
كان مبعثها نشوة الكبرياء المطمئن»>62 .

لقد كتب بورتون عن زيارته إلى
المدينة ومكّة بتفصيل مسهب استغرق مجلّدين كبيرين ، لكنّ الملاحظ أنّ
المومى إليه كتب عن جميع ما دوّنه سلفه بيركهارت ، ولكن بطريقة مختلفة
وتعليقات لا تشبه تعليقات بيركهارت في كثير من المناسبات . غير أنّ
الوصف العام لا يختلف عند الاثنين اختلافاً جوهرياً>63 ;
ولذلك نجد بورتون يشير إلى أنّه قد
وصف ما رآه قدر الاستطاعة ، ولكنّه اعترف أنّه لا يستطيع أن يصل إلى
دقّة بيركهارت الذي يعترف بورتون أنّه مَدين له ليس بالشكر والامتنان
فحسب ، بل بالاقتباس عنه بصورة جلية واسعة واضحة! ، ولكن تعليقات
بورتون على العموم كانت عملية واقعية>64 .

فهو يقول: «وكان جمهور من
الناس قد احتشد حول الكعبة ، ولم أكن راغباً في أن أقف حاسر الرأس حافي
القدمين في شمس أيلول . فصاح أحدهم يقول : افتحوا الطريق للحاج
الذي يريد أن يدخل البيت ، وعند ذاك أفسح المتجمهرون
الطريق . . وتقدّم رجلان قويّان من أهالي مكّة كانا يقفان تحت
الباب المرتفع ، فرفعاني بأذرعهما بينما سحبني رجل ثالث من أعلى إلى
داخل المبنى ، فحيّاني في المدخل عدد من خدّام الكعبة وهم من المكيّين
سمر البشرة الذين كان أشدّهم سمرة وبساطة شاب من اُسرة بني شيبة سدنة
الكعبة . . وسرعان ما جلس على مسطبة خشبية في ركن الكعبة
الأيسر ، وابتدرني بالسؤال رسميّاً عن اسمي وقوميتي وتفصيلات
اُخرى . ولمّا كانت أجوبتي وافية بالمرام أمر الفتى محمّداً الذي كان
يصحبني بأن يقودني حول المبنى ويرتّل أمامي الصلاة ، ولا أنكر أنّني
حينما نظرت إلى الجدران الخالية من الشبابيك ، ولاحظت وجود السدنة
بالباب ، وجمهور (المتعصّبين) الهائجين في أسفل الكعبة ، شعرت
وكأنّني فأرة في المصيدة ، على أنّ ذلك لم يمنعني عن ملاحظة ما كان يحيط
بي بدقّة خلال صلاتنا الطويلة ، ورسم مخطّط تقريبي بقلم الرصاص فوق قماش
إحرامي الأبيض»>65 .

ثمّ يتحدّث بورتون عن الكعبة
وأركانها الأربعة ، وعن باب التوبة ، ليستعرض بشيء من التفصيل كسوة
الكعبة المشرّفة ، ومن أيّ قماش تصنع ، وعمّن بدأ بتجهيز
الكعبة ، وكيف تطوّر الأمر على مرّ العصور التاريخية . .
وآخرها العهد العثماني .

ويقول بورتون في
الأخير : إنّ الكسوة في عهده (1853م) كانت تصنع في مصنع النسيج القطني
المسمّى «الخرنفش» في باب الشعرية في القاهرة ، ثمّ يذكر أنّ الكسوة
تتألّف عادةً من ثماني قطع ، اثنتان منها لكلّ وجه من أوجه
الكعبة ، ويغطّي محلّ اتّصال القطعتين بحزام ذهبي المظهر ، ثمّ
تُبطّن بخام أبيض وتجهّز بحبال قطنية . ويُقال : إنّ الكسوة كانت
تنسج خلال حياكتها الآيات القرآنية كلّها فيها . . وحينما تتمّ
حياكة الكسوة في الخرنفش تنقل إلى مسجد سيّدنا الحسين في القاهرة بموكب
خاصّ ، وهناك تبطّن وتخاط فتكون جاهزة للرحلة إلى البيت الحرام>66 .

مشاهدات وانطباعات

وفي رحلة بورتون فصل قيّم
كثير الفائدة عن الحياة في مكّة ، يصف فيها مكّة نفسها وأحوال سكّانها
بشيء غير يسير من التفصيل ، فهو يقول عنها : إنّها تعدّ مدينة
حديثة نسبيّاً ، برغم أنّ منشأ بيت الله الحرام تضيع جذوره العميقة بين
طيّات الماضي السحيق . . وهي تحتوي على ثلاثين إلى خمسة وأربعين
ألف نسمة من السكّان . مع وجود أماكن فيها لسكنى ثلاثة أضعاف هذا العدد
من الناس على الأقلّ . وتبنى بيوتها بالطابوق وحجر الغرانيت والحجر
الرملي المستمدّ من الجبال المجاورة . ومنظر مكّة أشبه بواد متموّج
متعرِّج يمتدّ فوق هضبة صغيرة من الهضاب . ويبلغ أقصى عرضها ما بين أبي
قبيس في الشرق (الذي تمتدّ على سفوحه الغربيّة البلدة معظمها) وجبل هندي في
الغرب . وتقوم الكعبة في مركز هذا الخطّ>67 .

ويخبرنا بورتون ، خلال
تحدّثه عن سكّان مكّة ، أنّ بشرة أهالي مكّة كانت أكثر اسمراراً من بشرة
أهالي المدينة ، وأنّهم يفسِّرون هذه الظاهرة هناك بتأثير حرارة الشمس
اللافحة على مناخ مكّة . ولكنّه يعلّق على ذلك فيقول: «إنّي أفضّل أن
أعزو السبب في سمرتهم الشديدة إلى كثرة الإماء السوداوات اللواتي كنّ يأتين
إلى (سوق النخاسة) . .!» .

ويمكن للقارئ أن يتصوّر لهجته
التهكميّة عند الإدلاء بهذا الرأي! فبورتون ، كما يقول «بيتربرينث» شأنه
شأن معظم الغرباء الذين اخترقوا الحواجز ، وتسرّبوا ودخلوا إلى
مكّة ، لا تخلو أفكارهم من الازدراء والاحتقار للسكّان وذلك حين يقول:
«إنّ أهالي مكّة طمّاعون ومبذِّرون» ولكنّه يعود فيقول: «من جهة اُخرى أنّ
المكّيين يتمتّعون بصفات الصراحة ، وهم مستعدّون لتحكيم العقل والاعتراف
بالخطإ ، وليس لديهم أي نوع من العناد لدى اقتراف الذنب ، الأمر
الذي يميّز الآثمين منهم عن آثمي الشعوب الاُخرى»>68 .

والخلاصة التي يتوصّل إليها
بيتربرينث هي: أنّ بورتون يتصرّف في حكمه كقاض غير متحيّز ، وليس هناك
من يحاسبه على استنتاجاته فيقول: «إنّ الصفات التي تعوّض عن هذه النقائص هي
شجاعة المكّي ، وحبّه للإحسان ، ورجولته وإحساسه المُتّقد
بالشرف ، وارتباطاته العائلية القويّة ، واقترابه من صفة حبّ الوطن
وثقافته العامّة» . أمّا القسم المظلم من الصورة فينحصر في الكبرياء
والتعصّب الأعمى ، وقلّة الدين ، والجشع وحبّ الربح ، وانعدام
المُثل الأخلاقية ، والإسراف الذي يُقصد منه التظاهر والفخفخة ،
ويبدو عند فحص الصورة أنّ القسم المظلم يتفوّق على القسم المضيء ، مع
أنّ بورتون قد وصف المكّيين في مناسبات سابقة بالذكاء والفكاهة ، شأن
بقيّة الساميين>69 .

بيد أنّ أخطر الانطباعات التي
ذكرها بورتون عن أهل مكّة هو ما سمعه منهم عن مستقبل الإسلام ، إذ ذكر
أنّ الكثيرين ممّن عرفهم يذكرون أنّ الإسلام مكتوب له أن يصادف كثيراً من
الإحن والنكبات في مقتبل الأيّام . ويخلص من هذا إلى القول : إنّ
المسيحيّين المتحمّسين لنشر عقيدتهم وديانتهم في العالم يمكن أن يجدوا في وضع
المسلمين الفكري هذا فرصة للانتشار والتغلغل بينهم في الأجيال المقبلة .
ثمّ يذكر في حاشية له أنّ الوضع لا يحتاج إلى كثير من التنبّؤ قبل
الأوان ; ليستنتج منه المرء بأنّ الانگليز لابدّ أن تضطرّهم الأحوال
السياسيّة لأن يحتلوا بالقوّة ينبوع الإسلام هذا وقبلته المقدّسة>70 .

من جهة اُخرى ، يذكر
بورتون أنّ المشروبات الكحولية التي يذكر بيركهارت وجود أمكنة خاصّة لبيعها
في مكّة لم يعد لها وجود مطلقاً في أيّامه ، وقد أكّد له بعض الضبّاط
الأرناؤوط أنّهم وجدوا صعوبة فائقة في تهريب بعض القناني من هذه المشروبات من
جدّة إلى مكّة . ثمّ يشرح في الحاشية أنّ زيارة بيركهارت كانت في عهد
استيلاء محمد علي باشا عليها ، ويعزو السبب إلى هذا الوضع بطبيعة
الحال .

ومن طريف ما يذكره بورتون في
هذا الفصل (32 من ج2) أنّ أحد المطوفين كان يصحبه في ذهابه وإيابه إلى
العمرة ، فأصرّ عليه أن ينيبه للحجّ بالنيابة عن أبيه واُمّه ،
فألقى نفسه مجبراً على الإذعان للطلب ، وأخبره أنّ أباه يسمّى يوسف بن
أحمد ، واُمّه فاطمة بنت يونس ، ففعل المطوّف ذلك وأخذ اُجرته
المقنّنة عن عمله هذا >71 .

وقد زار بورتون مقبرة مكّة
المقدّسة كما يسمّيها ، التي كان يُطلق عليها «جنّة
المعلّى» .

وهو يقول: إنّه شاهد فيها
المكان الذي علّقت فيه جثّة عبدالله بن الزبير بأمر من الحجّاج بن يوسف
الثقفي ، وقبر عبد الرحمن بن أبي بكر ، يذكر أنّه موضع تقديس
السنّة والشيعة معاً ، وقبر السيّدة خديجة الكبرى الذي كان مغطّى بقماش
أخضر ، وقبر آمنة والدة النبيّ(صلى الله عليه وآله) الذي أُعيد بناؤه
بعد أن خرّبه الوهابيّون ، وبعد هذا يذكر بورتون قيامه بزيارة الأماكن
الاُخرى التي ذكرها بيركهارت من قبل . ويشير في الحاشية إلى أنّ الكتب
التي رجع إليها تذكر اثني عشر مكاناً آخر للزيارة في مكّة ، لا يعرف عن
أكثرها غير اسمها .

وأخيراً; يشير بورتون إلى
دعوة عشاء دعاه إليها رجل يُقال له علي بن ياسين الزمزمي . وقد أكل فيها
أكلات كثيرة . . وقد أكل بعض ذلك بملعقة خشبية ، وهو
يقول ، في هذه الأثناء : إنّ العرب يتجاهلون فنّ الأكل
الفرنسي . . ويذكر بالمناسبة أنّ مكّة تتجهّز من الطائف ووادي
فاطمة بكمّيات كثيرة من الخضر والفواكه التي يبلغ مقدارها في موسم الحجّ وحده
مئة حمل بعير في اليوم على الأقل ، وممّا يؤتى به إلى مكّة الرقّي
والتمر والليمون والعنب والخيار وما أشبه>72 .

وهكذا انتهت حدّة مغامرات
بورتون ، ولم يبقَ لديه من عمل سوى مغادرة مكّة والرجوع إلى جدّة ،
حيث سارع إلى إنجاز قضيّتين; الاُولى أنّه كشف للمستر كول القنصل البريطاني
في جدّة عن هويّته>73 ،
والثانية هي صرف الحوالة المالية
التي كانت الجمعية الجغرافية الملكية قد أرسلتها إليه ; ليطرد الفقر
ويسدّ بعض الديون>74 ،
دون أن ننسى أنّ هذه الحوالة هي
جزء من المبلغ المرصود لبورتون قبال قيامه بمهمّته السريّة
تلك .

بعد مغادرته مكّة ، سمح
بورتون لنفسه بنيل قسط من الراحة ، في أعقاب تجربة مثيرة: «وعندما وصلت
إلى السهل الفسيح شعرت بهزّة من الفرح تنتابني ، ذلك الشعور الذي لا
يحسّ به إلاّ السجين الذي خرج من غياهب السجن»>75 .

ولكن; ماذا عن مرافقه محمّد
البسيوني؟

لقد كان محمّد البسيوني بصحبة
بورتون حتّى نهاية المطاف ، حيث رافقه إلى جدّة . ولكنّ ثمّة
تغيّراً طرأ على الموقف ، لحظه بورتون على مرافقه الشاب ، الذي
ودّعه ببرود لم يستطع بورتون تفسيره ، بيد أنّ البسيوني كان قد أسرّ
للشيخ نور (خادم بورتون الهندي) بأنّ هناك شكّاً يخامر عقله حول حقيقة
بورتون ، وقد قال لخادمه: «إنّني قد فهمت الآن أنّ سيّدك ليس
مسلماً . . بل هو بريطاني من الهند ، ضحك على ذقوننا»>76 .

ولكن هل فهم الآخرون سرّ
بورتون كما فهمه محمّد؟ فلقد انتشرت بعض الإشاعات التي تدلّ على أنّ الكثيرين
قد فهموه ، وأنّ تنكّر بورتون لم يكن ناجحاً تماماً كما يبدو من
نظرته .

إذ قيل: إنّه اضطرّ لقتل رجل
رآه يتغوّط بغير الشكل المألوف ، وقد تحدّى هذا الرجل مصداقيّته نتيجة
لذلك ، ممّا جعل بورتون يقوم بقتله . ومع ذلك فهاهو بورتون قد أتمّ
رحلته ولا يكاد أيّ إنسان أن يصدّق أن يصل بورتون إلى نهاية رحلته سالماً دون
أيّ ضرر في تلك الظروف الصعبة ، وبين جمهور متديّن متحمِّس مقاتل ،
وسلطات شديدة المراقبة والحذر . . لو أنّ الشكّ تطرّق إلى
البعض . .

أمّا بورتون نفسه فقد أنكر
أنّ شخصاً ما قد شكّ في أمره ، أو فكّر أنّه لم يكن ذلك الشخص الذي
يعرفه الجميع أنّه من الحجّاج السائرين في طريق الحجّ>77 ،
وبهذا يكون بورتون قد أجاد لعب
دوره المرسوم بمهارة فائقة ، وإنْ كان قد اُكتشف أمره في اللحظة
الأخيرة ، وبعد فوات الأوان ، من قبل مرافقه البسيوني ،
خلافاً لبعض أسلافه الرحّالة الغربيّين الذين كانت تحوم حولهم الشبهات منذ
الخطوة الاُولى . . اللّهم ما عدا هذه الحادثة العابرة التي تمكّن
بورتون أن يتلافاها على وجه السرعة ، رغم أنّه حاول
إنكارها!

/ 11