و منها رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله : الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله و ما دخولهم في الدنيا قال : اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم و هذه في الدلالة نظير ما تقدمت عن اسماعيل ابن جابر . و منها ما روى عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال : افتخر يوم القيامة بعلماء أمتي فأقول علماء أمتي كساير أنبياء قبلى . وجه الاستدلال به ، ان الظاهر من الرواية ان الامر الامة بيد العلماء ، كما ان امر الامم السالفة كان بيد الانبياء ، و التأويل في نظائر هذا الخبر ، و التصرف فيها ان العلماء خلفاء الرسول ، في نقل الروايات و وارثوا الرسل ، في نشر الاثار الباقية منهم ، و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر . و مثلهم في تبليغ الشريعة و هداية الامة ، يشبه التأويلات الباردة ، الصادرة من المعاندين ، في النصوص الواردة من النبي صلى الله عليه و آله في فضل أمير المؤمنين و خلافته ، و زعامته و إمامته ، من ان المراد من الخلافة الثابتة لعلى عليه السلام في النصوص الكثيرة ، ليست الزعامة للامة ، و المرجعية للعامة ، و الامامة على الكافة ، بل هو عليه السلام خليفته صلى الله عليه و آله في نقل الرواية ، و بيان الاحكام و المسألة و هذا مما لا يساعده العرف العليم . و الذوق السليم بداهة ان الظاهر من الخلافة . الزعامة و الرياسة ، كما ادعاه الناس للاول و الثاني مع اختلاف المباني ، و بالجملة لسنا بصدد إثبات ان كل ما كان ثابتا للنبي و الائمة ( ع ) من وجوب الاطاعة و غيرها من الشؤن الثابة للرسالة فهو مجعول في حق الفقهاء و ثابت لهم بتلك الادلة العامة ، بل المراد انهم ممن يصح لهم التصدي لبعض الامور المتقدمة ، و ليسوا كغيرهم من افراد الامة . الذين لم يثبت فيهم تلك الفضيلة و هذه الرخصة كيف و هم الافضلون كما في الآثار الواردة و خير خلق الله إذا صلحوا بعد الانبياء و الائمة كما في المروي عن الاحتياج قيل لامير المؤمنين عليه السلام : من خير خلق الله بعد أئمة الهدى و مصابيح الدجي قال : العلماء إذا صلحوا و فى المجمع عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال : فضل العالم على الناس كفضلى على ادناهم ،
و عن المنية للشهيد ان الله تعالى أوحى إلى عيسى : عظم العلماء ، و اعرف فضلهم فانى فضلتهم على جميع خلقى ، و مضمون الاولى من الروايتين ، ان العلماء مقدمون على غيرهم ، كما ان النبي صلى الله عليه و آله كان مقدما على غيره ، فلا يصلح تقدم الغير عليهم ، أو تساويه معهم ، الا على مذهب من قال : الحمد لله الذي قدم المفضول على الفاضل و منها عن الصادق عليه السلام انه قال : الملوك حكام على الناس و العلماء حكام على الملوك ، و المتبادر السابق إلى الاذهان ، من حكومة العلماء ، على الملوك و الزعماء الولاية عليهم و الزعامة لهم كما ان للسلاطين و الامراء في نظر العرف العام الزعامة ، والدخالة في لامور العامة ، من تأديب الجهال و المتمردين ، من باب السلطنة و الولاية كما ورد السلطان ولي من لاولى له فكذلك العلماء . لهم جميع ذلك على جميع الامة ، حتى على حكامهم العرفي ، فيجب على الملوك و الامراء ان يكونوا لاوامرهم مطيعين و لا فعالهم تابعين ، و لرأيهم سامعين ، و على حكمهم واقفين ، و ببيان أوفى ، ان الحكام العرفي ، و الزعماء الصوري ، بمنزلد القوي المجرية : لاراء العلماء ، و حكم الفقهاء ، فعليهم ان ينفذوا حكمهم : و يجروا امرهم ، فالأَمر ان الملوك و الامراء الا كأيديهم ، لا نجاح أمانيهم ، أو كالعمال و رعيتهم ، الساعين تحت رايتهم و منها التوقيع المروي في الاكمال و الغيبة و الاحتجاج ، و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله عليهم ، يمكن الخدشة فيه ، ان المراد من الحوادث معلوم ، اذ لم ينقل السوأل فيه بتمامه ، و لعله كان عن امور محدودة ، و مطالب معدودة لو نقلت إلينا جمع ، لما يستفاد تعميم الرجوع إلى الرواة ، لكن لا يبعد دفعها ، بان كيفية السوأل و ان كانت مذكورة ، الا انها تظهر من الجواب و تعلم منه ، إذا المراد من الحوادث ليس كل ما يحدث و يقع في الخارج ، كالاكل والنوم و غيرهما ، بل الامور التي تقع في المجتمع الانسانى تحتاج إلى مصلح ، و متصد لها ، و مقدم فيها ، كالقتل و
السرقة و غيرهما من الاعمال المنافية لنظم لاجتماع و امنه التي يحتاج الرعية فيها إلى مرجع و زعيم و مصلح و مقتدر و احتمال كون المراد من الحوادث موضوعات حادثه و أمور مستحدثه مجهولة حكمها كشرب التتن و نظائره من الامورات المستحدثة الكثيرة في عصرنا كما توهم ، مخالف لظاهر الرواية نعم يشتمل التوقيع تلك الامور ايضا بعمومه و يؤيد ما استظهرناه التعليل المذكور فيه بأنهم حجتي عليكم و انا حجة الله عليهم ( 1 ) . و منها رواية ابي خديجة قال : قال أبو عبد الله : أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فجعلوه بينكم فانى قد جعلته قاضيا فتحاكمو أو في رواية اخرى له اجعلوا بينكم رجلا ، ممن قد عرف حلالنا و حرامنا ، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا و منها - مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في متنازعين ينظر ان من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد ، و الراد علينا الراد على الله و هو على حد الشرك يستفاد منها ان المرجع في القضايا الواقعة بين المسلمين ، مما لا يخلوا منه زمان و لا مكان و يبتلى به الرعية و أكثر الامة هو العالم بأحكام تعالى و الناظر في حلاله و حرامه ، و ان التمرد عن امره و التخلف عن رأيه ، و عدم الاعتناء بشأنه كالشرك بالله هامش ( 1 ) يقول المقرر يكفى في عدم صحة الاستدلال بالتوقيع ، احتمال كونه صادرا في امور مخصوصة ، كما يشعر به الصدر و هو قوله و قد كتبت مسائل ، فيعلم ان السائل قد كان اشكلت عليه مسائل فكتب اليه عليه السلام ، ثم صدر التوقيع ، اما فلان فكذا . و اما فلان فكذا ، و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا و السياق أقوى شاهد على ما ذكر ، و ان اجاب عنه الاستاد مد ظله ، الا انه لم يكن جازما به ، و اما التعليل فهو صالح لكلا القسمين من الامور بل هو أنسب بما لم يعلم حكمه ، فلا وجه للتاييد المذكور في المتن - المقرر -
و الرد عليه ، فالعالم هو الذي ينفذ في تلك القضايا امره و يتبع رأيه و نظره . و منها المروية في تحف العقول ، عن مولينا سيد الاباء ، و محيى نفوسنا اما الشهداء الحسين بن على عن أمير المؤمنين ، عليه آلاف الثناء ان مجاري الامور و الاحكام على أيدي العلماء و الرواية مفصلة مطولة لا تسمع ذكرها الوجيزة ، و لكن أورد منها ، ماله ظهور تام ، و دخل في المقام ، على ان كلامه عليه السلام ، تفوح منه الحرية و الشجاعة ، و الشهامة و الرشادة يرشد الجاهل و يهيج الباطل العاطل و على كل حال أورد الرواية ، من الوافي كتاب الامر بالمعروف بعد إسقاط شطر منها عن سيد الشهداء عن أمير المؤمنين عليهما الصلوة و السلام انه بعد الحث بالامر بالمعروف ، و النهى عن المنكر و ان به رد المظالم و مخالفة الظالم و استقامة الدين قال : ثم أنتم أيها العصابة عصابة بالعلم مشهورة ، و بالخير مذكورة ، و بالنصيحة معروفة ، و بالله في أنفس الناس مهابة يها بكم الشريف ، و يكرمكم الضعيف و يوثر - كم من لا فضل لكم عليه إلى ان قال و أنتم أعظم مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو يسعون ، ذلك بان مجاري الامور و الاحكام على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله و حرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق ، و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة و لو صبرتم على الذي ، و تحملتم المؤنة في ذات الله كانت امور الله عليكم ترد و عنكم تصدر ، واليكم ترجع ، و لكنكم كنتم الظلمة من منزلتكم و استسلمتم امور الله في أيديهم يعملون بالشبهات و يسيرون في الشهوات سلطهم على ذلك فراركم من الموت و اعجابكم بالحيوة الخطبة و هي كما ترى ظاهرة في ان للعلماء منزلة و درجة ، يقتضى ان يكون مجاري الامور بيدهم ، كما تصدر الاحكام و الفتاوى منهم ، لكن الظالمين المعاندين ، غصبوا حقهم ، و تقدموا عليهم ، و ان كان ذلك بتفرقهم ، و سوء تدبيرهم و مداهنتهم و لو انهم صبروا على الاذى و لا يخافوا من النفي و البلاء ، لم يسلبوا تلك المنزلة ،
و هذه الدرجة و لاستقر الحق في مقره ، و لا يدور الا في مداره ، و ما تمكن الظالم من اعناقهم ، و إضاعة حقوقهم و صاروا هم المرجع ، في جميع شئون المسلمين و المصدر لامر الدنيا و الدين ، و جلسوا في سرير القضاوة و الولاية ، و نظروا في امور الرعية و تصدوا نظام الامة ، و تكون مجاري الامور بيدهم و تكامل الاجتماع منهم ، كما ان الافتاء مخصوص بهم و لا مطمع فيه لغيرهم ، و من الاسف ان الاعداء أخذوا فتاويهم ، و أجروا الامور بأهوائهم و بالجملة ما روى من الامام عليه السلام ، من الكلمات الوزينة ، و الدر الثمينة ، له ظهور تام في المقام من إثبات الولاية للفقهاء الكرام لا يتوهم ان الظاهر من الرواية ، الوعد و البشارة لو كانت يده مبسوطة ، بمعنى انه عليه السلام بصدد بيان ان اصحابه لو امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر ، لكان الامر مستقرا في يده ، ثم ينصبهم لمجارى الامور ، و كأنه يقول عليه السلام : لو أطعتم الله و رسوله و جاهدتم ، لاستقر الامر في يدى ثم انى كنت انصبكم للولاية و القضاوة و ساير مصالح الامة ، إذا هو مدفوع بان الظاهر من الرواية ان هذه فضيلة و كرامة من الله تعالى للعلماء ، و حكم شرعي إلهي و تعيينه عليه السلام و جعله هذه المناصب لهم ليس مستندا بالامر الشخصي و الوعد الخصوصى ، بل هو بيان الحكم الشرعي المجعول لهم من الله تعالى ، لا حكم شخصي يتحقق بنفس الجعل كما يتفق لبعض العوام من الامة لو نصبه الامام لامر من الامور . و منها - المروي في العلل باسناده عن فضل بن شاذان عن ابي الحسن الرضا عليه السلام ، قد تقدم في ولاية النبي و الائمة ، و هو في بيان علل حاجة الانام ، إلى الولى و الامام ، و انه لاي جهة تعجب اطاعة أولى الامر ، قال عليه السلام بعد ذكر عدة من العلل الموجبة لوجوده في المجتمع الانسانى . منها ان الخلق لما وقفوا على حد محدود ، و أمروا ان لا يتعد و اذلك الحد لما فيه من فسادهم ، لم يكن يثبت ذلك ، و لا يقوم ، الابان يجعل عليهم فيه أمينا ، يمنعهم عن التعدي ، و الدخول فيما خطر عليهم ، لانه ان لم يكن ذلك كك ، لكان احد لا يترك لذته
و منفعته لفساد غيره ، فجعل عليهم قيما يمنعهم عن الفساد ، و يقيم فيه الحدود و الاحكام . و منها انا لا نجد فرقة من الفرق ، و لا ملة من الملل ، بقوا و عاشوا ، الا بقيم و رئيس ، لما لا بدلهم من امر الدين و الدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق مما يعلم انه لا بدلهم منه ، و لا قوام لهم الا به ، إلى ان قال عليه السلام و منها انه لو لم يجعل لهم اماما قيما أمينا ، حافظا مستودعا ، لدرست الملة ، و ذهب الدين ، و غيرت السنة و الاحكام ، و لزاد فيه المبتدعون ، و نقص منه المحدون ، و شبهوا ذلك على المسلمين ، لانا قد وجدنا الخلق منقوصين ، محتاجين كاملين ، مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم ، و نشتت انحائهم ، فلو لم يجعل لهم قيما ، حافظا لما جاء به الرسول . لفسدوا الخبر ، و الرواية و ان كانت وردت في علل الاحتياج إلى الامام المنصوب من الله تعالى ، لكنه يستفاد منها حكم عام بملاك واحد ، و مناط جامع ، و هو ان الطبيعة البشرية ، و الغرائز الحيوانية ، تقتضي وقوع الاختلاف ، و التزاحم و الجدال ، و التنازع و التشاح ، و كذا تقتضي سلسلة من الامور و تحققها في بقاء نظمهم ، و صيانتهم و حفظهم ، من النفاق و الافتراق ، و التشعب و الشقاق و الالفسدت عيشتهم و ضاقت معيشتهم . و لما كانت تلك الامور مما لا يمكن تحققها ، و لا تصح صدورها من اى شخص واى فرد فلا بد لهم من زعيم و رئيس و قيم و حاكم و ان لم يكن نبيا أو وصيا فحينئذ يقال : القدر المتيقن من الامة و الرعية للرياسة و الزعامة في الجملة هو العالم الفقية العادل . و منها رواية محمد بن إسمعيل بن بزيع قال : مات رجل من اصحابنا و لم يوص فرفع امره إلى قاضى الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله ، و كان الرجل خلف ورثة صغار أو متاعا و جوارى ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن ، اذ لم يكن الميت صير اليه وصيته ، و كان قيامه فيها بامر
القاضي ، لانهن فروج فما في ذلك ؟ قال فقال : إذا كان القيم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس ، و هي صريحة في ثبوت الولاية ، لا مثلا ابن بزيع و عبد الحميد و جواز التصرف له في أموال الصغار و نظائره ، و المراد من المثل ، ليس المثلية في الاسلام و الايمان و ان كان ظاهرا ، بل المقصود انه لو كان المتصدي لامور الصغار مثل عبد الحميد ، في الجهة المقتضية لثبوت الولاية له ، و هو المقام العلمي و الفقهى ، و كونه راويا و عالما بأمور الصغار و الاحكام و عاد لا فلا بأس فيه
، فهي اما ظاهرة في ولاية الفقية و الحاكم للشرع ، أو هو القدر المتيقن من المثل و المضمون ، و دعوى ان الرواية انما تدل على اذن الامام لمحمد بن إسمعيل و عبد الحميد ، في ذلك التصرف و نحوه ، و هو لا يستلزم ولاية غيرهما من العلماء و الفقهاء ، و جواز التصدي لهم ، إذا لم يكونوا مأذونين من قبله ، مدفوعة إذا الظاهر من الرواية ، و المتبادر منها ، ان الامام عليه السلام في مقام بيان الحكم الواقعي المجعول الا مثالهما ، كما يشعر بذلك قول الراوي فما ترى في ذلك ، لوضوح ان لسؤال انما وقع عن الحكم الشرعي ، و الرأي الثابت في نفس الامر ، قوله عليه السلام فلا بأس ، جواب عنه ، و راجع اليه ايضا ، لا انه اجاز فعله . و امضى ما مضى ، و اذن فيما سيأتي ، و الحاصل ان المستفاد من الرواية ، ان دخالة ا مثلا عبد الحميد و ابن بزيع ، من العلماء ، في امر الصغار ، مما لا يحتاج إلى اذن القاضي و تعيينه و نصبه . بل جواز ذلك ، و ثبوت الولاية لهم امر شرعي و حكم إلهي . ثم انه بناء على ظهور الرواية في ولاية العالم الفقية فقط كما هو بعيد ، يقيد به إطلاق ما يدل من النصوص على جواز التصرف و التصدى لكل شخص من المؤمنين أو يحمل على صورة عدم التمكن من الوصول إلى الفقية ، و ان كان دعوى الاطلاق خالية من الاشكال ، كما نشير اليه ، و منها ما روى محمد بن يعقوب باسناده عن إسمعيل بن سهل الاشعرى قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية و ترك أولادا ذكرانا و غلمانا صغارا و ترك