الباب الثالث والستون في سبب تركه (عليه السلام) جهاد من تقدمعليه في الإمامة من خوفه الردة على الأمة حيث لم يجد أعوانا، وأمر رسول الله (صلّىالله عليه وآله) بالجلوس في بيته وقوله (صلّى الله عليه وآله): " علي مثلالكعبة " وغير ذلك، وتظلمه (عليه السلام)منهم
من طريق العامة وفيه اثنا عشر حديثا
الأول: ابن أبي الحديد وهو من أفاضل علماءالعامة المعتزلة في شرح نهج البلاغة قال:روي عن علي (عليه السلام) أن فاطمة (عليهاالسلام) حرضته على النهوض والوثوب فسمعصوت المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله فقاللها: أيسرك زوال هذا النداء من الأرض،قالت: لا، قال: فإنه ما أقول(1).قال: ابن أبي الحديد عقيب ذلك: وهذا المذهبهو أقصد المذاهب وأصحها وإليه يذهبأصحابنا المتأخرون وبه نقول، واعلم أن حالعلي في هذا المعنى أشهر من أن يحتاج فيالدلالة عليها إلى الإسهاب والإطناب، فقدرأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حينبويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله (صلّىالله عليه وآله) بخمس وعشرين سنة، وفي دونهذه المدة تنسى الأحقاد وتموت التراتوتبرد الأكباد الحامية وتسلو القلوبالواجدة ويعدم قرن من الناس ويوجد قرن ولايبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلاالأقل فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلةمع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليهيوم وفاة ابن عمه (عليه السلام) من إظهار مافي النفوس وهيجان ما في القلوب حتى إنالاخلاف من قريش والأحداث والفتيان الذينلم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهموآبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلافأحياء لقصرت عن فعله وتقاعست عن بلوغشأوه، فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبرالخلافة وسيفه بعد يقطر دما من مهج العرب،لا سيما قريش الذين بهم كان ينبغي لو دهمهخطب أن يعتضد بهم، وعليهم كان يجب أنيعتمد؟إذن كانت تدرس أعلام الملة وتعفى رسومالشريعة وتعود الجاهلية الجهلاء إلىحالها ويفسد ما أصلحه رسول الله (صلّى اللهعليه وآله) في ثلاث وعشرين سنة في شهرواحد، فكان من عناية الله تعالى بهذاالدين أن ألهم الصحابة ما فعلوه والله متمنوره ولو كره المشركون. إلى هنا كلام ابنأبي الحديد(2).أقول: هذا السبب القوي والحال الأضلعيوالعذر الواضح في أن أمير المؤمنين (عليهالسلام) لو طلب(1) شرح نهج البلاغة: 11 / 113.(2) شرح نهج البلاغة: 11 / 114.