مقتطف من كلامه فى المعاد
الحمد لله الذى جعل الحمد مفتاحا لذكره، و سببا للمزيد من فضله، و دليلا على الائه و عظمته.عباد الله، ان الدهر يجرى بالباقين كجريه بالماضين: لا يعود ما قد ولى منه، و لا يبقى سرمدا ما فيه. آخر فعاله كاوله. متشابهه اموره، متظاهره اعلامه، فكانكم بالساعه تحدوكم حدو الزاجر بشوله. فمن شغل نفسه بغير نفسه تحير فى الظلمات، و ارتبك فى الهلكات، و مدت به شياطينه فى طغيانه، و زينت له سيى اعماله. فالجنه غايه السابقين، و النار غايه المفرطين.
اعلموا، عباد الله، ان التقوى دار حصن عزيز، و الفجور دار حصن ذليل، لا يمنع اهله، و لا يحرز من لجا اليه. الا و بالتقوى تقطع حمه الخطايا، و باليقين تدرك الغايه القصوى.
عباد الله، الله الله فى اعز الا نفس عليكم، و احبها اليكم: فان الله قد اوضح لكم سبيل الحق، و انار طرقه. فشقوه لازمه، او سعاده دائمه! فتزودوا فى ايام الفناء لايام البقاء. قد دللتم على الزاد، و امرتم بالظعن، و حثثتم على المسير، فانما انتم كركب وقوف، لا يدرون متى يومرون بالسير. الا فما يصنع بالدنيا من خلق
للاخره! و ما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه، و تبقى عليه تبعته و حسابه! [ ص 222 - 221. ]
فاحذروا عباد الله الموت و قربه، و اعدوا له عدته، فانه ياتى بامر عظيم، و خطب جليل، بخير لا يكون معه شر ابدا، او شر لا يكون معه خير ابدا. فمن اقرب الى الجنه من عاملها! و من اقرب الى النار من عاملها! و انتم طرداء الموت، ان اقمتم له اخذكم، و ان فررتم منه ادرككم، و هو الزم لكم من ظلكم. الموت معقود بنواصيكم، و الدنيا تطوى من خلفكم.
فاتقوا الله عباد الله، و بادروا آجالكم، باعمالكم، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، و ترحلوا فقد جد بكم، و استعدوا للموت فقد اظلكم، و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا، و علموا ان الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثا، و لم يترككم سدى، و ما بين احدكم و بين الجنه او النار الا الموت ان ينزل به. و ان غايه تنقصها اللحظه، و تهدمها الساعه لجديره بقصر المده. و ان غائبا يحدوه الجديدان: الليل و النهار، لحرى بسرعه الا و به، و ان قادما يقدم بالفوز او الشقوه لمستحق لا فضل العده. [ ص 95. ]
فاعتصموا بتقوى الله، فان لها حبلا وثيقا عروته، و معقلا منيعا ذروته. و بادروا الموت و غمراته، و امهدوا له قبل حلوله، و اعدوا له قبل نزوله: فان الغايه القيامه، و كفى بذلك و اعظا لمن عقل، و معتبرا لمن جهل! و قبل بلوغ الغايه ما تعلمون من ضيق الارماس، و شده الابلاس، و هول المطلع، و روعات الفزع، و اختلاف الاضلع، و استكاك الاسماع، و ظلمه اللحد و حيفه الوعد، و غم
الضريح، و ردم الصفيح. [ ص 281. ]
و لو تعلمون ما اعلم مما طوى عتنكم غيبه، اذا لخرجتم الى الصعدات تبكون على اعمالكم، و تلتدمون على انفسكم، و لتركتم اموالكم لا حارس لها و لا خالف عليها، و لهمت كل امرى ء منكم نفسه، لا يلتفت الى غيرها. [ ص 173. ]